دوبروفنيك ومتاهة الأساطير

ديانا حدّارة 25 فبراير 2018

مهما كان مزاجك في السفر، فإنك من المؤكد ترغبين في تمضية إجازة فريدة من نوعها، تبدئين معها كتابة سطور عامك الجديد، في مدينة كل تفصيل فيها يعكس تاريخًا تستسلمين لسحره وهو يشاركك في كتابة تاريخك الشخصي، فكيف إذا كان هذا السحر قد انسحب إلى الشاشة الفضية وتجسّد في سلسلة Game of Thrones التلفزيونية المشحونة بالأساطير؟ ودوبروفنيك هذه المدينة الصغيرة المطوّقة بالبحر الأدرياتيكي عند أقصى جنوب كرواتيا وفي منطقة دالماثيا، سوف تكون الوجهة التي تمنحك هذه الانطلاقة الجديدة والتجوال في كواليس عوالم الملوك.


تستريح بين أسوار دوبروفنيك القديمة وشوارعها الشديدة الانحدار صفحات الماضي،... لتدخلك في متاهة التاريخ وهوليوود في آن. فإذا كنت من متابعات سلسلة «لعبة العروش « Game Of Thrones، فإنك سوف تمتلئين سعادةً وأنت تجولين في الديكور الواقعي والتاريخي لهذه السلسلة الأميركية التي أُطلق الموسم الثاني منها.
من هنا من مدينة القرون الوسطى المسوّرة تتصفحين أحداث مدينة بورت- ريال، حصن ملوك «وستيروز» وظلال شخصيات المسلسل «سيرسي، دينيريس وجون سنو»، تسمعين همس عباراتهم بين البيوت القروسطية، والسوق القديمة الممتدة على مساحة ستة كيلومترات من الشمال إلى الجنوب حيث تحتشد كل المعالم التاريخية في وسط المدينة العتيقة.
تعود شهرة دوبروفنيك السياحية إلى العام 1897حين بدأ تشييد فندق إمبريال. وبحسب الـ CNN، فإن دوبروفنيك واحدة من أفضل عشر مدن قروسطية تزنّرها الأسوار التاريخية في العالم.
ويبدو أن منتجي سلسلة Game Of Thrones قد خططوا منذ البداية لتكون دوبروفنيك مدينة «بورت – ريال» التي ترسو على مينائها سفينة الملك، والتي تدور فيها أحداث المسلسل بمواسمه السبعة.
فدوبروفنيك مدينة مليئة بالمناظر الطبيعية المهيبة التي ألهمت صنّاع الفيلم بالمشاهد الأسطورية، فيما المدينة القديمة، التي أُضيفت إلى لائحة التراث العالمي من جانب اليونسكو، كانت مسرح المشاهد الملحمية، فدارت معظم أحداثها بين قلعة لوفريجيناك، وبوابة بايل وحديقة ترستينو.
هذه هي الأماكن التي دارت ولا تزال تدور أحداث سلسلة «لعبة العروش» فيها

بوّابة بايل Pile
تعتبر بوابة بايل نقطة انطلاق زيارتك إلى دوبروفنيك، فهذه البوابة الرائعة شُيّدت عام 1537، وفي سالف الأزمان كان جسرها المتحرك يُرفع كل مساء، وتُقفل البوابة ويُسلّم المفتاح إلى الأمير. هنا عند البوابة وجد الملك جوفري في «لعبة العروش» نفسه في مواجهة ثورة المواطنين، ولذلك فمن السهل أن تتصوّري دخولك إلى عالم ملحمي من عوالم «الممالك السبع».
بعد عبور البوّابة الرئيسة، تصلين إلى البوابة الداخلية التي تعود إلى عام 1460 ومن ثم تبدئين اكتشاف الخنادق، والجسر الذي تدور عليه أحداث السلسلة الأميركية في مواسمهما، الثاني والثالث والسابع.

حصن لوفريجيناك
بعد البوابة يطالعك لوفريجيناك أو حصن لوفريجيناك، والذي يُسمى أحيانًا قلعة سانت لورانس والملقّب بـ «جبل طارق دوبروفنيك». هو قلعة تقع خارج الجدار الغربي لمدينة دوبروفنيك، ويشكل برج القلعة إحدى أعلى نقاط المراقبة في المدينة القديمة المشرفة على البحر، ويتميز بأسواره التي شُيّدت بين القرنين الثالث عشر والسادس عشر، ويصل عرضها إلى أكثر من 6 أمتار، كوّرت بمدافع تعود إلى القرون الوسطى. يشكّل الحصن الرمز التاريخي لمقاومة دوبروفنيك جمهورية البندقية.
واليوم، تُعرض فيه المسرحيات. عندما تقفين على أحد أسواره، يمكنك أن تتخيلي مسار هجوم «باراثيونز». هنا على هذه الأسوار سيري، فلا شيء تخشينه. التاريخ لا يزال كما هو عند هذه الأسوار العريضة التي حمت «الجمهورية المدنية» التي استمرت خمسة قرون.
إمشي فوق الأسوار واستمتعي بمشهد عزّ نظيره في العالم، وافتحي ذراعيك لزُرقة المتوسط الممزوجة بزُرقة الأدرياتيكي، وتخيّلي نفسك طائر نورس يرتاح على أسوار التاريخ.

قصر سور كوشيفيك
في حي لاباد، على الساحل، يقف قصر سوركوشيفيك المقرّ الصيفي لـ Sorkočević، إحدى أقوى أسر راجوسان في القرن السادس عشر. شيّد هذا المبنى الرائع عام 1521 والذي يعكس الهندسة المعمارية لعصر النهضة، الأرستقراطي الثري بيتار سوركوشيفيك.
إذا كنت من مشاهدي سلسلة «لعبة العروش» الأوفياء فلن تترددي في التجوال في أرجاء منزل «خاليسي» في «كارث» في الموسم الثاني! مقر لا يزال التاريخ مستريحًا فيه بصمت، يراقب حركة الزمن وهي تعود إلى الوراء عبر أساطير التاريخ المجسّدة بملحمة هوليوودية.

برج مينسيتا
أعلى نقطة دفاعية في أسوار المدينة، وأحد رموز جمهورية دوبروفنيك. تم بناؤه في القرن الرابع عشر، ويوفر إطلالة خلابة على البلدة القديمة، في كل الفصول. يعود اسم البرج إلى أسرة مينسيتيتش التي موّلت بناءه.
في «لعبة العروش»، يمثل برج مينسيتا من الخارج فندق نونمورانتس في «كارث» المدينة التي تدور فيها أحداث الفيلم حيث تم حجز التنين «دينيريس». في حين أنه في قلعة بوكار تم تصوير المشاهد الداخلية.

قصر الحاكم
شُيّد هذا القصر ليقيم فيه حاكم دوبروفنيك، ويضمّ مكتبه وشققه الخاصة وصالات للمؤتمرات ومكاتب إدارية. كان الحاكم يُنتخب كل شهر، ولم يكن يحق له خلال مدة تفويضه مغادرة المبنى إلا بموافقة مجلس الشيوخ. واليوم، تحوّل القصر متحفًا بعدما رُمّمت صالاته لتعرض فيها اللوحات والخزائن والنقود التي تستحضر أمجاد دوبروفنيك الماضية. في «لعبة العروش» في موسمها الثاني، كان القصر بمثابة خلفية لاجتماع خاليسي مع ملك «أبيس» في «كارث».

قلعة بوكار
إلى الغرب من المدينة، وعلى الأسوار، تنبثق هذه القلعة وبرجها الدفاعي بزواياه المحجّرة. يعود بناؤها إلى القرن الخامس عشر، وهي من أعمال المهندس المعماري الفلورنسي «ميشيلوزي». يبدو للناظر وكأن القلعة تطفو فوق البحر، لتكون حصنًا منيعًا حاميًا لبوابة بايل وجسرها.
في «لعبة العروش»، كانت القلعة حاضرة في الموسمين الثاني والثالث أثناء رسو الملك فيها. كما صوّرت بين جدرانها وأحضانها المشاهد الداخلية لفندق نونمورانتس في «كارث» كما ذكرنا آنفًا.

حديقة ترستنو
في «لعبة العروش» تظهر بعض الشخصيات الرئيسة وهي تخطط للمؤمرات، فيما بعضها يصاب بخيبات الأمل المتتالية، وسط حدائق غنّاء مترفة بتفاصيل جمال الطبيعة وعناصرها، وكأن الجمال فيه من الرهبة ما يحوّله أحيانًا إلى ملاذ للشرور وأحياناً أخرى إلى شاهد على مشاعر إنسانية متناقضة، وهذه الحدائق كما نسجها خيال كاتب السلسلة هي حدائق «بورت- ريال»، ولكنها في الواقع حديقة «ترستنو» Trsteno الممتدة عند شمالي دوبروفنيك وعلى طريق بيليساك وتُعرف بجنّة عدن دوبروفنيك! وفي التاريخ، ذُكر أنه عام 1494 شيّد الثري إيفان مارينوف غوتشيتيك-غوزه مقرّ إقامته الصيفية وزنّره بحديقة غنّاء على نمط عصر النهضة المترف، سرعان ما أصبحت مركزًا ثقافيًا مهمًا. لا تترددي في زيارة هذه الحديقة والتجوال وسط الجمال الطبيعي، ولكن لا تتقمصي إحدى شخصيات المسلسل، بل عيشي الأمل والخير والجمال كما هو متجسد واقعًا في حديقة ترستنو.

الدرج اليسوعي الباروكي
على هذا الدرج، تم تصوير الكثير من مشاهد «لعبة العروش»... من حفلات الزفاف والجنازات إلى مسيرة العار الشهيرة.
صمّم هذا الدرج الباروكي عام 1738 المهندس المعماري الإيطالي بيترو باسالاكا، وهو يؤدي إلى كنيسة القديس إغناطيوس اليسوعية. تذكّر هندسته المعمارية بالنموذج الروماني الذي يربط ساحة دي إسبانيا بكنيسة تيرينتا دي مونتي في روما.

جزيرة كروم وديرها
على بعد 800 متر من بر دوبروفنيك، وعلى مسافة 20 دقيقة من ميناء البلدة القديمة، يسبح ملاذ حقيقي من السلام، جزيرة كروم التي ذُكرت للمرة الأولى في التاريخ المكتوب عام 1023بسبب دير البينديكتين الذي تضمّه.
ووفقًا للأسطورة، فإن ريتشارد قلب الأسد لجأ إليها وبات فيها بعدما غرقت سفينته بعد عودته من حملته الصليبية في فلسطين. وفي السلسلة، كانت الجزيرة والدير المكان الذي التقى فيه «خاليسي»، مشعوذ كارث بيات بري.


- أين تتسوّقين بعد جولة عالم الأساطير الهوليوودي؟
تعتبر المدينة العتيقة في دوبروفنيك ملاذ هواة التسوّق إذ تتجاور المتاجر والغاليريات التي تعرض الأعمال الفنية على طول الشارع الرئيس فيها، بينما تعتبر الشوارع والأزقّة الضيقة فيها معقل البوتيكات والمتاجر الصغيرة التي تعرض كل أنواع التذكارات، والأعمال الفخارية، والجلدية والمجوهرات، والسجاد، والمشغولات اليدوية المصنوعة من الخشب، والسيراميك.


لكي تمضي إجازة غير مكلفة في دوبروفنيك، يمكنك استئجار غرفة في أحد بيوت سكان المدينة، مما يتيح لك فرصة التعرف إلى عادات سكان هذه المدينة وتقاليدهم.


عندما تزورين دوبروفنيك، يصعب عليك تخيّل أنك لن تعودي إليها مرة أخرى، فالجمال المدهش الذي جعلها محط ّ عدسات الكاميرا الهوليوودية والطرق الرئيسة للمدينة العتيقة المرصوفة بالرخام والمزيّنة بالأبنية الباروكية الملتحفة بوميض الأدرياتيك، كلها تفاصيل تغريك لإعادة اكتشافها مرة تلو الأخرى.