في السعودية جهود فردية للعناية النهارية

رعاية الطفل / الأطفال, المملكة العربية السعودية, طفل / أطفال, دار الحضانة, دينا محمد

21 أبريل 2009

أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية السعودية بدء إصدار رخص لمراكز ضيافة الأطفال المعروفة عالميا ب day care، وذلك وفق شروط وضوابط معينة، بحيث تقدم خدماتها للأسر الراغبة في إلحاق أطفالها بمراكز متخصصة أثناء عملهم أو دراستهم، أو حتى إنشغالهم في المناسبات الاجتماعية في الفترة الصباحية أو المسائية.. . وتأتي هذه التصاريح كخطوة يحسبها البعض لتسهيل عمل المرأة أو خروجها للدراسة لتوفر لأطفالها مكاناً آمناً يساهم في تنمية قدرات الطفل وتطويرها أثناء غيابه عن والدته بدلا من تركه مع الخادمة في المنزلوسيكون الإلتحاق بهذه المراكز مقابل رسوم مالية معينة يحددها كل مركز تبعاً للخدمات التي يوفرها. علما بأن هناك جهوداً فردية كانت قد بدأت بتنفيذ فكرة مراكز الضيافة والتوعية لأهمية وجود الطفل فيها فجاء قرار الشؤون الإجتماعية كداعم لهذه المشاريع ومسهل لعملها في شكل نظامي. «لها» رصدت في تحقيقها آراء أمهات وموظفات سعوديات رحبن بمثل هذا القرار الذي سيساعد في استمرارية حياتهن دون انقطاع ودون الخوف على أطفالهن.

 


دينا محمد مؤسسة مركز Little1's Day care واجهت الكثير من الصعوبات لإصدار تصريح لإنشاء مركزها الخاص بضيافة الأطفال، وباءت جميع محاولاتها بالفشل. تقول: «تجربتي التي عشتها كأم، أنجبت أطفالاً وكانت بعيدة عن أسرتها، وانقطاعي عن العمل  والدراسة للإعتناء بطفلتيّ، جعلتني أشعر بأهمية وجود دور حضانة لسن ما قبل المدرسة أو مركز لرعاية الاطفال حتى أستطيع إنهاء دراستي. وإنطلاقاً من تجربتي وإحساسي بكثيرات غيري يرغبن في الدراسة والعمل ولا يستطعن بسبب الأطفال، خطرت ببالي فكرة انشاء حضانة تُعنى بالأطفال ما قبل سن المدرسة وتهتم بهم وتكون خاصة للامهات اللواتي يعملن او اللواتي مازلن يواصلن تعليمهن. ومن أربع سنوات وأنا أحاول اصدار تصريح للمركز وكل جهة مسؤولة كانت توجهني إلى جهة أخرى وتقول هذا ليس من إختصاصنا. ومن وزارة التجارة التي بدورها رفضت إصدار تصريح بحجة أن هذه المراكز ليست عملاً أو مهنة تجارية بل هي سلعة انسانية، تمّ تحويلي إلى وزارة الصحة التي اشترطت الإشراف الطبّي على هذا المكان، ومن ثم تمّ تحويلنا إلى وزارة التعليم التي بدورها رفضت إصدار الرخصة وذلك لعدم وجود مناهج للتدريس لذا لا يمكن إصدار رخصة للمركز أو حتى الاشراف على المشروع. واجهت صعوبات كثيرة حتى تمكنت من إنشاء المركز حتى لا يظل الحلم صورة طُبعت على الورق فقط».

بدأ المشروع فعلياً منذ أشهر وكان هدفه أن يوفر البيت الثاني للطفل في وقت غياب والدته. تقول صاحبته: «أمهات هذا الجيل لا يقبلن بأي مستوى في الحضانة بل يبحثن عن المكان الآمن الذي يوفر لأطفالهن التعليم والترفيه والطمأنينة في الوقت نفسه. وبذلك تستطيع الأم الحصول على الحرية الكاملة لممارسة اعمالها ونشاطاتها براحة تامة وهي مطمئنة إلى طفلها. والذين يعملون في الحضانة أشخاص متعلمون وعلى مقدار كافٍ من الوعي والاهتمام بالأطفال بدءاً بالمعلمات المتخصّصات في رياض الأطفال والخدمة الاجتماعية والرعاية الحضانية وصولاً إلى المربيات المسؤولات عن الأطفال والمتعلمات والمدركات للطرق الصحيحة التي يجب استخدامها مع الأطفال كل وفق عمره».

 

مراكز الحضانة توفر للمرأة العاملة الراحة لتأدية وظيفتها
ريم محمود
أم لطفلة وتعمل مديرة إدارية لأحد مراكز ضيافة الاطفال في السعودية، ذكرت أن وجود هذه المراكز مهم للأطفال. وقالت: «أنجبت طفلتي بعد ثماني سنوات من المحاولات. بعدها بقيت في المنزل وتفرّغت لها تماماً حتى أني اعتزلت العالم الخارجي وعملي بسبب طفلتي. وعندما أكملت خمسة أشهر فكرت أن ألحقها بمكان آمن لتتعلم وتتعرف على العالم. سمعت من صديقة لي أنها ستفتح مركزاً لرعاية الأطفال وعرضت علي منصب المديرة الإدارية. وبالفعل حقق لي هذا المكان الكثير من الراحة وأتاح لي ممارسة مهنتي بكل حرية».

وأضافت: «وضعت ابنتي في الحضانة الأمر الذي جعلني مطمئنة إلى أنها ستكون في مكان آمن تتعرّف فيه على أطفال من سنها وتتعلم الحروف والأرقام  والألوان والأشكال... وأؤكد أن الموافقة على إصدار قرار لمراكز ضيافة الأطفال في السعودية هو شيء يستحق التقدير من وزارة الشؤون الاجتماعية، فقد مكّن المرأة العاملة من أن تحظى بالكثير من الوقت لإكمال عملها أو دراستها أو متابعة نشاطاتها وهي تعلم أن طفلها أو أطفالها في مكان آمن بعيداً عن تربية الخادمات اللواتي لا نعرف مضمون بيئتهن وأخلاقهن».

وأكدت محمود أن مراكز الرعاية المؤهّلة والمجهّزة هي أفضل مكان لوضع الطفل في غياب والدته لتنمية مهاراته وقدراته العقلية. «الطفل يكون بين الألعاب الآمنة ووسائل التعليم الصحيحة، إضافة إلى وجود معلمات متخصّصات في رياض الأطفال، والخدمة الاجتماعية. ولدينا أيضاً المساحات الكافية للأنشطة المختلفة لتعليم الاطفال كغرف السينما التعليمية والمطبخ لتعليمهم الطهو، وكذلك غرف الدراسة وغرف اللعب. ولعلّ ما يميز هذه الحضانة عن غيرها من المراكز وجود الدوام الكامل أو الجزئي وذلك بحسب رغبة الام في ابقاء طفلها في الحضانة الوقت الذي يتناسب مع عملها وإنشغالها. هناك أمهات يدرسن فتجديهن يضعن أطفالهن في الفترة الصباحية من الساعة الثامنة مثلاً إلى الساعة الثانية بعد الظهر. وهناك أيضاً العاملات اللواتي يمكن إبقاء أطفالهن في الحضانة إلى الساعة الخامسة عصراً. كما تبقى الأم مطّلعة على كل ما يحدث لطفلها في الحضانة من خلال الإتصال بنا عن طريق الهاتف لتبقى مطمئنة إلى طفلها».

 

حاجة الطفل إلى التعامل مع العالم الخارجي

مها نعيم التي أنهت دراستها في تخصص التربية الحضانية متزوجة ولديها طفلتان. بفضل دراستها استطاعت أن تعمل في مجال حضانة الأطفال وتستفيد من الطرق الحديثة للتربية ذات المفهوم الواحد تقول: «الطريقة التي أفادتني في تربية طفلتيّ هي دراستي وتطبيقي ذلك عملياً عليهما من خلال وجودي معهما في المنزل. إلا أن حاجة الطفل إلى التعامل مع العالم الخارجي تبقى ضرورية وأساسية لكي يكسر حاجز التعامل مع الغرباء. ووجود الطفل في الحضانة يفتح باباً واسعاً أمام الأم في الدرجة الأولى سواء كانت عاملة أو غير عاملة، ذلك لحاجتها إلى أن يستفيد طفلها ولو لفترة من الوقت بأمور تعليمية وترفيهية ويتعامل مع أطفال آخرين ويتعلم معنى المشاركة في كل شيء كالألعاب والأوراق وحتى المنزل والأم. لأنه ومن خلال الحضانة يستطيع الطفل أن يدرك أن هناك من يشاركه في أسرته وفي والدته وفي ألعابه وفي أقربائه وعالمه الخارجي الذي يتلخص في وجود الأصدقاء والأقارب».

 

وأضافت: «عندما انجبت ابنتي آية أدخلتها بعد خمسة أشهر الحضانة. في البداية لم تستوعب فكرة هذا المكان المليء بأطفال ووجوه غريبة عنها ومختلفة تماماً عن وجوه أفراد أسرتها، إلا أنها استطاعت التأقلم مع الأطفال وأصبحت تشعر بالفرح عندما كانت تذهب يومياً إلى الحضانة، حتى أنني أصبحت أرى طفلتي بشكل آخر وبدأت أشعر بأن شخصيتها بدأت بالنمو والنضج وأنها صارت تثق كثيراً بنفسها وتتعامل مع الغرباء بصورة طبيعية. وبعد فترة حملت للمرة الثانية الأمر الذي جعلني أُخرج آية من الحضانة وهذا ما أثّر عليها كثيراً لأنها كانت ترى يومياً أطفالاً وأصدقاء، وفي يوم وليلة بدأت تصاب بالكسل والملل ذلك لأنها طوال فترة حملي كانت معي في المنزل فاضطررت لتسجيلها في حضانة أخرى. ومجدداً استغربت الأمر لكنها عادت لتتأقلم مع أطفال آخرين رغم انقطاعها عن الحضانة لفترة. وما ان أنجبت طفلتي الثانية نور حتى ألحقت الطفلتين بمركز رعاية للأطفال في سن ما قبل المدرسة في فترة النهار. وأنا مطمئنة إلى أني أمارس عملي وطفلتاي في مكان آمن تتعلمان وتمرحان وهناك من يهتمّ بهما».

الحلبي: تفعيل هذه القرارات يجعلنا نساعد في تأمين الحماية الكاملة لأطفالنا
ديمة رمزي الحلبي (٣٢ سنة) صاحبة مركز (Moi et mama)وفكرة هذا المشروع تتلخص في مكان تكون فيه الأمهات مع اطفالهن لتمضية الوقت المفيد والترفيهي معهم. ويستقبل المركز الأطفال من سن ستة أشهر إلى تسع سنوات ويشترط وجود الام بعيداً عن المربية أو الخادمة. تقول: «أصبحنا نعيش في زمن نبتعد فيه عن أطفالنا ونتركهم في أيدي المربيات غير آبهين بمدى تعليمهن أو نظافتهن أو حتى أخلاقهن، مما يسبب العديد من المشاكل. من هنا كان مشروعي الصغير، وهو مكان لوجود الأطفال والأمهات مع بعضهم البعض لتستفيد الأم من تمضية وقت تعليمي وترفيهي مميز تتخلله صفوف لتعليم اللغة العربية، إلى جانب بعض النشاطات المتمثلة بدائرة الترحيب والتحيات الصباحية والأغاني والألعاب، إضافة إلى بعض الحركات الرياضية الخاصة بالاطفال. ونحن نستقبل الأطفال في فترتين، صباحية تبدأ من الساعة التاسعة والنصف صباحاً إلى الساعة الواحدة والنصف ظهراً والفترة المسائية تبدأ من الساعة الرابعة والنصف عصراً إلى الساعة السابعة والنصف مساءً. وهناك أوقات تنشغل الأم فيها فيتعذر عليها أن تكون برفقة طفلها في الحضانة ويتمّ إرسال الطفل مع المربية او الخادمة إنما يتوجب على الطفل حضور الصف الخاص بوجود المربّيات فيه إذا كانت الأم مشغولة. أما في باقي الصفوف فيجب وجود الأم مع طفلها لأنها في النهاية والدته وتختلف عاطفتها عن عاطفة أي شخص آخر».
وأضافت: «من العقبات التي واجهتني عندما قرّرت استصدار تصريح لحضانة أطفال طَلَب وجود عشر غرف في الحضانة، وضرورة وجود الحضانة في شارع عام. وأرى أنها تكاليف باهظة قد تُستقطع في ما بعد من رواتب المعلمات. من الممكن أن تقام حضانة مستوفية الشروط بعيداً عن التعجيزات التي وضعت أمامي في السابق. حتى عندما طلبت التصريح من وزارة التعليم رفضت إعطائي إياه بحجة أن هذه الحضانة لا تمنح الشهادات. وكذلك رفضت وزارة الصحة لعدم وجود طبيبات للإشراف على الأطفال، إضافة إلى عدم وجود المؤهلات التعليمية أي أنني لست معلمة. ومن بين العوائق التي واجهتني ضرورة وجود الحضانة في مركز تجاري، وبرأيي هذا أمر خاطئ لأن الطفل لا يجوز أن يتعلم في مركز تجاري».
وأشارت الحلبي إلى أن قرار منح الترخيص والموافقة من وزارة الشؤون الاجتماعية على إقامة مراكز ضيافة للأطفال يعتبر من الحلول السريعة التي ستفيد الأمهات العاملات والجامعيات المتزوجات. «تفعيل هذه القرارات في السعودية يجعلنا نساعد في تأمين الحماية الكاملة لأطفالنا وعدم تركهم بين أيدي أناس لا نعلم عن بيئتهم شيئاً. في الحضانة لدي مساعدات ومعلمات على مقدار كافٍ من التعليم وجامعيات ومؤهلات، وهناك معلمات من جنسيات أخرى كالبريطانية وغيرها، خاصة في تدريس الأطفال أصول اللغة الانكليزية. لكني لا أجد أن مشروع حضانة الأطفال أو مركز ضيافة الأطفال يحتاج إلى هذا الكم الهائل من الشروط والضوابط التي أعاقت في السابق إقامة هذه المراكز بعيداً عن أسوار المدرسة، لأنه إذا نظرنا إلى الغرب نجد أن هذه المراكز قد تنطلق من بيوت حسب مواصفات معينة وعدد أطفال معين لتتمكّن المعلمة من التركيز على الأطفال».

مراد: نفتقد في السعودية المراكز التعليمية التي تساعد الأمهات العاملات
رأت رانيا مراد (٢٧ سنة)، وهي أم لطفل يُدعى فيصل ويبلغ من العمر ٤ سنوات، أن وجود الحضانة في السعودية أمر مهم جداً لأنها عانت عندما أنجبت طفلها كونها لم تجد المكان المناسب والآمن لتضعه فيه أثناء إنشغالها في عملها، «عندما أنجبت فيصل لم أجد المكان المناسب لوضعه فيه علماً أني من النوع الذي يقلق كثيراً وأحرص على أن يكون طفلي في مكان آمن. وما ساعدني هو وجود والدتي إلى جانبي، ففي وقت انشغالي كنت أترك طفلي عندها وأخرج إلى عملي. وعندما أعود في المساء آخذه إلى المنزل. وبكل صراحة نحن نفتقد في السعودية وجود أماكن تعليمية للأطفال من عمر صغير لأن الطفل الذي يذهب إلى مكان ترفيهي يجب أن يتعلم فيه أيضاً ليفهم ما يدور حوله. وأرى أن هذا التصريح هو الأمل الكبير المفتوح أمام الأمهات العاملات والجامعيات اللواتي يكملن دراستهن ويجدن صعوبة في وضع أطفالهن في اماكن تعليمية ومفيدة لهم وترفيهية في الوقت نفسه».

الحويس: طفلي الوحيد يتعامل مع العالم الخارجي دون خوف أو تردد ...
السيد بخيت عبدالله الحويس تحدث عن شخصية طفله عبدالله الذي يبلغ من العمر سنتين بعدما أصبح اجتماعياً ويختلط مع أولاد الآخرين، ولا يخاف أن يكون في المراكز التجارية، وذلك بعد دخوله الحضانة. يقول: «تغير سلوك طفلي عبدالله منذ اليوم الأول لدخوله الحضانة، خاصة أنه وحيدي في المنزل وهو المدلل الذي لا يحب الابتعاد عن والدته. ذلك أن هذه الحضانة تمتاز بأنها تستقبل الأطفال في أي وقت، ونحن نحرص في كثير من الأوقات على ذهابه إلى الحضانة حتى في أوقات المناسبات التي تُلزمنا بعدم احضار أطفالنا معنا، ووجود مثل هذه الحضانة يحل أزمة واقعية يعيشها الآباء والأمهات في هذه الأيام لأن هذه الأماكن تُعلم الطفل المفيد والجديد. حتى أن طفلي تغيّر وأصبح يبتسم للغرباء ويتكلم معهم وبالفعل أصبح إجتماعياً أكثر. وهذا يعني أن طفلي بدأ منذ سن صغيرة التعامل مع العالم الخارجي دون خوف أو تردد».

عالم: هذه المراكز تقلل اعتمادنا على الخادمات وتحقّق الحماية والأمان لأطفالنا
من جانبه، ذكر السيد عبدالرحمن عبدالله عالم أن وجود الحضانة في السعودية له من الإيجابيات الكثير ومن السلبيات أيضاً، والإيجابيات تتمثّل في الفرصة التي تتيحها للأهل للعمل بحرية أكبر والتركيز على جانب تنمية عامل التربية لدى الطفل». وأضاف: «لا أعتبر أن هناك سلبيات بقدر ما اعتبرها جانباً آخر لهذه الأماكن، لأنها يجب أن تكون على مقدار كبير من الرقابة والنظافة مع ضرورة وجود مناهج تعليمية. فهي ليست مكاناً ترفيهياً في مركز تجاري فقط بل هي مرحلة تمهيدية يجب أن يمر بها الطفل في هذا العمر ليخرج إلى العالم الأكبر من الحضانة إلى المدرسة. ويجب ألا يمنح هذا التصريح إلا وفق مواصفات صحية وطبية محدّدة ومعايير إجتماعية وتربوية لنحرص على أمان اطفالنا وحمايتهم. وهو بالفعل الامر الذي شعرت به عندما وضعت ابنتيّ جود (٥ سنوات) وغالية (٤ سنوات) في الحضانة. وشعرنا حقاً أنا ووالدتهما بأنهما أصبحا من أصحاب الشخصية القوية.".