بامبرغ المدينة الألمانية الحاضنة للتاريخ

ديانا حدّارة 04 مارس 2018

في جنوب ألمانيا وتحديدًا شمال ولاية بافاريا في منطقة فرانكونيا، وعند ملتقى تفرّعات نهر Regnitz الرئيسية، شُيّدت مدينة بامبرغ على سبع تلال، توّجت كلاً منها كنيسة جميلة لتلقّب بـ«روما - فرانكونيا»، فعندما أصبح هنري الثاني، دوق بافاريا ملك ألمانيا عام 1007، جعل بامبرغ مقر الأسقفية، وهدف إلى أن تصبح «روما الثانية»، ومركزًا للقوة الإمبراطورية والأسقفية منذ ما يقرب من ألف سنة.
وعلى عكس المدن الألمانية الأخرى، فإنّ عدم حضور هذه المدينة على مسرح أحداث التاريخ الحديث، أنقذها من ضربات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية لتعيش في كواليس جمال ألمانيا الطبيعي والتاريخي، وتبقى تحفة فريدة من نوعها، حافظةً جمال عمارتها التي تعود إلى العصور الوسطى.


التجوال في أزقة بامبرغ الضيقة وزواياها الحميمة، وبين واجهات أبنية القرون الوسطى ذات النمط الباروكي والقوطي، يدخلك في سحر الماضي المستريح منذ ألف عام في متحف فريد من الفن المتناثر في الهواء الطلق غير آبهٍ بتراكم سطور التاريخ لتستحق أن تكون في لائحة التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1993.
واليوم، بامبرغ هي مدينة الفنون الحيّة ومركز ثقافي، تضج بالحياة المتسارعة النبض في الشوارع والمقاهي ومحلات التحف الصغيرة.
مثل روما شُيّدت بامبرغ أيضًا على سبع تلال، ما يجعل سكانها ممتلئين بالفخر، وهم محاطين بالمناظر الطبيعية الخضراء الخلابة، الحاضنة لآثار الأجداد والآباء منذ ألف عام.

استكشاف المدينة
من السهل استكشاف بامبرغ سيرًا على الأقدام، وإذا انطلقت من محطة القطار وتوجهت نحو الكاتدرائية، سوف تمرّين بتفاصيل المدينة المختلفة. تقع المعالم السياحية الرئيسية على التلة وعلى الجزيرة عند أقدامها.
من أعلى البلدة عند قمة الهضبة، تأملي بامبرغ وفي تخطيطها المُدني المهم، ليس فقط لأسباب معمارية، وإنما لما يظهره من أحوال مجتمع المدينة على مدى القرون الماضية. فمن هذه النقطة، من السهل أن تري كيف ينقسم الجزء الأكبر من هذه المدينة البافارية إلى ثلاثة مجالات رئيسية. النهر المتفرّع الذي وضع تلقائيًا الحدود الطبيعية بين كل واحد من تفرعاته.
فالجزء الأعلى يمكن وصفه بالقسم «النبيل»، ذلك أن عليه بُنيت الكنائس والقلعة والمباني المرتبطة بهما في وقت مبكر من القرن العاشر.

منطقة الجزيرة         
عند أسفل إحدى التلال السبع وعبر النهر، يقع القسم الحضري من بامبرغ. إنها منطقة الجزيرة العائمة في منتصف النهر، شيّدت في القرن الثاني عشر لتكون منطقة تضم سوقًا ومساكن الطبقة الوسطى ومركزًا للتبادل التجاري.
شكّلت هذه المنطقة صلة الوصل بين النبلاء والناس العاديين، حيث كانت الأعمال التجارية تتم في ظل رقابة الحكام. وراهنًا، لا تزال مركز الطبقة الوسطى في بامبرغ. إنها منطقة المشاة والعديد من المحلات التجارية.
تزدحم هذه المنطقة بالمتسوّقين والسيّاح الذين لا يمكنهم مقاومة تسوّق النافذة Window Shopping والتجوال بين المباني ذات الوجهات الخشبية ونصف الخشبية التي تشتهر بها منطقة بافاريا، في مدينة تبدو افتراضية لا تأبه لحسابات الزمن. فيما يمتد طيف من المطاعم المتنوّعة بين مقاهي الرصيف، والمطاعم التي تقدّم الوجبات السريعة، وتلك التي تقدم أطباقًا من المطبخ العالمي.
وتعتبر منطقة الجزيرة مدينة جامعية، فهي تضم معظم كليات جامعة «أوتو فريدريش بامبرغ»، وهذا يبرر الحركة النابضة فيها على مدار العام.

قاعة المدينة
تثير قاعة المدينة القديمة في بامبرغ فضول من يزورها، ولا سيّما اللوحات الجدارية المذهلة التي تزيّن واجهاتها والتي تخفي وراءها قصة.
فوفقًا للأسطورة، لم يمنح أسقف بامبرغ المواطنين أي أرض لتشييد مبنى البلدية، مما دفع سكانها إلى رمي الطوب والأعمدة الخشب في نهر رينيتز لإنشاء جزيرة اصطناعية، وبنوا عليها قاعة المدينة التي أرادوها بشدة.
تثير اللوحات الجدارية المستريحة على واجهات قاعة المدينة القديمة الدهشة، فهي تمنح الواجهات جودة ثلاثية الأبعاد تم تحقيقها من خلال الهندسة المعمارية على مبدأ الخداع البصري. وهناك تفصيل خاص هو مصدر دهشة بين السيّاح: «ساق الكروب» المنبثق من الجدار مثل المنحوتة، فغالبًا ما يُخدع الزوّار ويرغبون في لمسه ليتبين لهم أنه رسم جداري.
تستضيف قاعة المدينة راهنًا غرفة «الروكوكو» المرموقة ومجموعة «ساملونغ لودفيغ» وهي عبارة عن مجموعة من البورسيلين والخزف يملكها الزوجان بيتر وأيرين لودفيغ، تحتوي على أعمال فنية من الهند والصين وأفريقيا.

مقر الإقامة الحديث وحديقة الورد
هكذا يسمّونه «مقر الإقامة الحديث لأمير الأساقفة في بامبرغ» رغم أنه شُيد عام 1613. وقد بُني الجناحان على ساحة الكاتدرائية من جانب يوهان ليونارد دينتزنهوفر بين عامي 1697-1703.
يضم القصر أكثر من 40 غرفة حكومية تتميز بأسقف وأثاث وسجاد تعود إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر. رُسمت على جدران قاعة الإمبراطور، صور الأباطرة بأسلوب الجداريات وبحجم يزيد ست عشرة مرة عن الحجم الأصلي، وجميعها من أعمال ملكيور شتيدل. كما يضم المقر غرف الناخبين، وشقق الأمير- الأسقف ومعرضًا من اللوحات الألمانية القديمة والباروكية.
وفي الفناء الداخلي لمركز الإقامة الحديث بحر من الزهور العطرة. في هذه الحديقة سوف تتنقلين بين حضن الزهور كما الفراشة، ومن بين متاهاتها سوف تتكشف لك المدينة العتيقة وسحر التلال التي تستريح عليها.
صمّم هذه الحديقة «بالثازار نيومان» بطلب من الأمير الأسقف «فريدريش كارل فون شونبورن»، فجاءت منسّقة بشكل متماثل يتماشى مع الأسلوب الباروكي. كما تنضم إلى متاهات الورود منحوتات مثيرة للإعجاب تعكس روعة الفن الباروكي، وهي من أعمال فرديناند تيتز عام 1760/ 1761. في الحديقة، مقهى هادئ يدعوك للاسترخاء والاستمتاع بفنجان قهوة وسط السحر بكل عطوره. سوف تستمتعين بلحظات لن تنسيها في منطقة خضراء رائعة. حتى الأطفال سوف تكون هذه الحديقة فردوسهم، فهناك بعض الملاعب المثيرة جدًا للاهتمام.

التسوّق في بامبرغ
تضم بامبرغ مجموعة متنوعة من المحلات التجارية الصغيرة، التي تقع عند أقدام المباني التاريخية، مما يعكس أصالة المدينة بكل تفاصيلها لتكون فردوس التسوّق.
فهنا تتسوّقين التحف التذكارية والمنتجات المحلية الزراعية، ولا سيما بذور الزهر التي يمكن أن تحمليها إلى بلادك لتذكّرك عند تفتّح كل برعم منها بمدينة ارتمى التاريخ بين أحضانها لتحميه من عاديات الزمن المعاصر.

 كاتدرائية بامبرغ

تضم بامبرغ حوالى 2200 معلم تاريخي، وكاتدرائية بامبرغ أحدى أجمل هذه المعالم. شُيّدت هذه الكاتدرائية بأسلوب الانتقال الروماني القوطي.
سوف تدهشك أربعة أبراج رائعة بارتفاعها المثير للإعجاب، فضلاً عن أن الكاتدرائية تحتوي على عدد من روائع النحت القوطي.

المتاحف
هناك العديد من المتاحف في بامبرغ. إبدئي جولة المتاحف بالمتحف التاريخي الذي يضم عددًا كبيرًا من الكنوز. ستتعرفين إلى ماضي المدينة بتفاصيلها. وهناك متحف الفن المعاصر حيث المنحوتات والتصوير الفوتوغرافي.
سوف تستكشفين أيضًا متحف الأبرشية الذي يحتوي على بقايا مختلفة وخزانة الكاتدرائية، والأثاث العتيق الجميل والأعمال الفنية والسجاد التي تعود إلى حقب الأباطرة لتدخلك في عوالم ذاك الزمان المترف.
عندما تزورين هذه المدينة، يكاد يكون من المستحيل أن تتركيها من دون تجربة الإحساس الذي ينتجه التجوال في محيط نهر رينيتز، ولا سيما ركوب الدرّاجة الهوائية. هناك جمعية ركوب الدرّاجات التي تقدّم للهواة برنامج جولة رائعة على ضفاف النهر، لتختبري لحظات مكثفة من السعادة.