حوَّلت مرض ابنتها إلى حملة قومية شعارها «متلازمة مش أزمة» الدكتورة علياء أحمد: المجتمع يحتاج الى تأهيل للتعامل مع مصابي متلازمة داون

نيرمين طارق (القاهرة) 18 مارس 2018

تعمل كل أم على إعداد طفل قادر على مواجهة المجتمع، إلا أن الدكتورة الصيدلانية علياء أحمد قررت العمل على تأهيل المجتمع، ليستقبل طفلتها المصابة بمتلازمة داون، فسخَّرت وقتها للمبادرة القومية الأولى والثانية للتعريف بحقوق ذوي متلازمة داون، وطافت قرى ومحافظات مصر للتوعية بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة. ورغم كل الصعوبات التي تواجهها، ما زالت علياء تحلم بمستقبل مشرق لطفلتها صوفي. «لها» التقت الدكتورة علياء وابنتها صوفي للتعرف على المشاكل التي تواجه المصابين بمتلازمة دوان، ولنقترب أكثر من حياة أمّ لطفلة مصابة بمتلازمة داون.


- ما الدافع لقيامك بحملات للتوعية بحقوق ذوي متلازمة داون؟
بعد ولادة ابنتي صوفي، أدركت أنها تحتاج إلى تأهيل حتى تتمكن من التعامل مع المجتمع، لكن تأهيل صوفي لا يكفي، فالمجتمع يحتاج إلى تأهيل أيضاً للتعامل مع ذوي متلازمة داون، من دون سخرية منهم أو نبذهم، فلا تزال الأفكار الخاطئة عن المصابين بمتلازمة داون راسخة في أذهان غالبية المصريين، لذلك نشرت الحملة في 17 محافظة.

- ما هي الأفكار الخاطئة التي تعملين على تصحيحها من خلال الحملة القومية للتعريف والتوعية بذوي متلازمة داون؟
ما زال هناك اعتقاد بأن ولادة طفل مصاب بمتلازمة داون ترتبط بزواج الأقارب، أو بإصابة فرد من أفراد العائلة بهذا المرض، وعلى سبيل المثال، لا صلة قربى بيني وبين زوجي، وليس في عائلتينا أي شخص مصاب بمتلازمة داون. كما يجب أن يفهم الجميع أن المصابين بمتلازمة داون قادرون على العمل وخدمة مجتمعهم، وهناك نماذج رائعة، مثل البطلة رحمة خالد التي مثّلت مصر في بطولات السباحة العالمية، ودرست في كلية السياحة والفنادق، وإبراهيم الخولي الذي يدرس حالياً في كلية الإعلام في الجامعة الكندية، لكنهما كانا محظوظين بأمَّين أدركتا قيمة التدخل المبكر.

- ما الأهداف التي تعملين على تحقيقها من خلال حملة «متلازمة مش أزمة»؟
الحملة بدأت بتوعية طلاب كليات الطب والصيدلة، لذلك ذهبت إلى 31 جامعة لتوعية أطباء المستقبل بأهمية خضوع الأم الحامل لاختبار triple test، الذي يمكّنها من الاطمئنان على صحة جنينها العقلية. فإذا أظهر الاختبار إصابة الجنين بمتلازمة داون، يحق للأم الإجهاض أو الاحتفاظ بالجنين، كما قمنا بتوعية أطباء النساء والولادة بكيفية تأهيل الأم للتعامل مع طفلها المصاب، فالأسلوب الذي يكشف من خلاله الطبيب للأم إصابة طفلها بهذا المرض يسبّب لها مزيداً من الخوف، والأفضل أن يخبرها بأن طفلها قابل للتعلم لكن يحتاج الى التأهيل النفسي، ولا بد من المتابعة مع طبيب قلب، لأن المصابين معرّضون للإصابة بأمراض القلب، فصوفي ولدت وهي تعاني ثقباً في القلب، لكنها عولجت بعد الولادة، لأنني ووالدها نملك خلفية طبية، كما يجب تنظيم الوجبات الغذائية في شكل صحي، لأن لدى المصابين بمتلازمة داون استعداداً للسُمنة، لكن الأم البسيطة لا تعلم شيئاً عن الاحتياجات الطبية لهذا المرض، لذا فدور الطبيب هو توعية الأم بعد الولادة مباشرةً من دون ترهيبها، كما شملت الحملة القيام بحملات داخل المدارس الابتدائية والإعدادية، حتى يتقبّل الطلاب وجود طفل مصاب بمتلازمة داون معهم في الفصل الدراسي ذاته، ويعملوا على مساعدته أيضاً، وقد وجدنا ترحيباً من الأطفال، لكننا لم نلقَ ترحيباً من المدرّسين، لأنهم في غالبيتهم يعتقدون بضرورة وجود المصابين في مدارس خاصة بهم، بعيداً من الأطفال الأصحّاء، وهذا يشكّل خطراً عليهم، لأن الدمج هو أهم خطوات العلاج، فالعزلة تدمّر الحالة النفسية، وتعوق نمو الطفل المصاب لأنه في حاجة الى التعامل مع الآخرين، كما تعمل الحملة على توعية الأمهات بأهمية التدخل المبكر، فالطفل المصاب بمتلازمة داون يحتاج الى جلسات علاج طبيعي وجلسات تخاطب منذ عمر الثلاثة أشهر، والتأخر يسبب الكثير من المشاكل في نموه العقلي، لأن العقل السليم في الجسم السليم.

- ما الصعوبات التي تواجهك كأم لطفلة من ذوي متلازمة داون؟
هناك العديد من الصعوبات، فأنا لست من سكان القاهرة، ومدينة طنطا التي أعيش فيها تفتقر الى مراكز لتأهيل صوفي، لذلك فالحضور لأكثر من مرة أسبوعياً من طنطا إلى القاهرة أمر مرهق جداً، ويحتاج الى الكثير من الوقت، لكنني مؤمنة بأهمية جلسات التخاطب والعلاج الطبيعي، والأم التي لها 4 أطفال وتعيش في أسوان أو مرسى مطروح، حيث لا مراكز للتأهيل، لن تتمكن من المجيء إلى القاهرة مرتين في الأسبوع، وإذا كانت تملك الوقت الكافي فستستعين بـ»اليوتيوب» لتطبيق جلسات التخاطب على طفلها في المنزل، وإذا لم تكن على مقدار من الوعي فسيكون الطفل هو الضحية، لذا لا بد من وجود مراكز تأهيل في كل محافظات مصر، لأنها لا تخلو من ذوي الاحتياجات الخاصة، إضافة الى المعاناة النفسية، فرغم سعادتي باستجابة صوفي للعلاج وارتفاع مستوى تركيزها، لا يمكنني أن أنسى ما قالته لي إحدى الطبيبات مؤكدةً أن من الأفضل إنجاب طفل آخر، ولا داعي للإنفاق عليها، فهي لن تصبح مهندسة ولا طبيبة. وعند احتفالي بالخطوة الأولى لصوفي وهي تبلغ من العمر سنة وسبعة أشهر، سمعت عبارات مثل: «عادي، ما كل الأطفال مشوا بعد سنة»، لكن هؤلاء الأطفال لم تبذل معهم أمهاتهم المجهود نفسه الذي بذلته مع صوفي، فابنتي كانت تحتاج الى علاج طبيعي ولم يكن عمرها إلا شهوراً حتى تتقلّب على السرير، وكان يومي مزدحماً جداً، لأن حياتنا لا تقتصر على إعداد الطعام وتنظيف المنزل ومشاهدة التلفزيون، بل لا بد يومياً من جلسات التخاطب والعلاج الطبيعي وتنمية المهارات.

- ماذا تطلبين من الدولة للاهتمام بالمصابين بمتلازمة داون؟
أطالب الدولة بتقديم دعم مادي لكل أسرة فيها طفل من ذوي متلازمة داون، لأن أدوات تنمية المهارات باهظة الثمن، إضافة الى ارتفاع سعر جلسات التخاطب والعلاج الطبيعي، و«معاش الكرامة» لا يكفي، فضلاً عن أن المدارس الخاصة تطلب أقساطاً مضاعفة لتلك التي يدفعها الطالب العادي لقاء قبولها طفلاً مصاباً بمتلازمة داون، كما يجب تغيير المناهج في كليات التربية الخاصة في الجامعات المصرية، لأن المناهج قديمة جداً، ولم تدخل فيها التطورات العلمية التي حدّثها العلماء والأطباء، وهذا ما تأكدت منه عندما ألقيت محاضرات فيها، وقمت بتأهيلهم عملياً، إذ إن الدراسة النظرية ليست كافية، فالطبيب النفسي في إحدى المدارس قال لأم طفل مصاب بمتلازمة داون إن لا داعي لتعليمه، فهو لن يعيش كثيراً، علماً أن منظمة الصحة العالمية أقرّت أن عمر المصابين بمتلازمة داون يمتد حتى سن الستين، وأرجو تعيين خرّيجي التربية الخاصة في المدارس الحكومية حتى يجد ذوو الاحتياجات الخاصة الدعم الكافي.

- وماذا عن موقف والد صوفي من الحملات التي تقومين بها؟
والد صوفي يدعمني ويشجعني على العمل لتغيير نظرة المجتمع، كما أنه يتحمل التكلفة المادية بصدر رحب، وقد انتقلنا من مسكننا الخاص، والذي كان بالقرب من مركز عمله، إلى آخر جديد مجاور للحضانة التي ستنضم إليها صوفي، فالحضانات التي تقبل بدمج الأطفال الأصحّاء بذوي الإعاقة ليست متوافرة بكثرة. ورغم بعد المسافة عن عمله، هو سعيد من أجل ابنتنا، ويردد دائماً أنها طريقه إلى الله رغم الضغوط النفسية التي يتعرض لها من المحيطين به، الذين يستغربون بذل كل هذا المجهود مع صوفي، فهي في نظره بركة حلّت علينا، وهذا ما يفتقده غيري، فهناك زوج طلّق زوجته لأنها أنجبت طفلة مصابة بمتلازمة داون ورفض الإنفاق عليها بعد الطلاق، وهناك أب يعمل طبيباً رفض إجراء جراحة في القلب لابنته رغم شدة احتياجها الى العملية، وثمة أب يُنفق على أطفاله الأصحّاء ويهمّش طفله المصاب بمتلازمة داون، لدرجة أن يرفض ظهوره معه في أي مناسبة عائلية أو احتفال.

- أي مستقبل تحلمين به لصوفي؟
أتمنى أن تتمكن من ركوب المواصلات من دون التعرض لأي سخرية أو مضايقات، وأتمنى عندما تكبر وتذهب إلى مكان ما، أن يستمع إليها الآخرون ولا يتجاهلونها، حتى لا أفكر في الهجرة إلى دولة يحترم شعبها ذوي الاحتياجات الخاصة، وأتمنى أن تفيد مجتمعها كما يحدث في كل دول العالم، فالمصابون بهذا المرض في أوروبا يتزوّجون ويعملون من دون أي صعوبات.

- إلى من توجّهين الشكر؟
إلى الاتحاد المصري لطلاب كليات الصيدلة، لأنه تبنّى الحملة التي قمت بها عام 2016، وهي بعنوان «ارتقي مع متلازمة داون»، وكذلك حملة 2017 التي تحمل شعار «متلازمة مش أزمة»، كما أوجّه الشكر إلى الدكتورة مشيرة أنيس، لأن رغم عملها في الولايات المتحدة الأميركية، تحرص على زيارة مصر باستمرار لتقديم الدعم إلى المصابين بمتلازمة داون، كما أشكر السيدة الفاضلة نجوى إسماعيل، لأنها بعد وفاة ابنها المصاب بهذا المرض، سخّرت وقتها للعمل على خدمة من يعانون متلازمة داون وأسّست المركز العالمي للطفل.

- وماذا تقولين لكل أب وأم لديهما طفل من المصابين بهذا المرض؟
كونوا على مقدار تحمّل مسؤولية تربية طفل معوّق، ولا تستغرقوا الكثير من الوقت في فترة الصدمة، حتى تتمكنوا من التدخل المبكر، واستمتعوا بحياتكم مع ابنكم، فهو مجرد «متلازمة مش أزمة»، وحب الأم لطفلها لا يكون مشروطاً بحالته الصحية أو النفسية، ففي كل الأحوال لا بد من أن نحب أولادنا وندعمهم، مهما بلغت درجة ذكائهم أو نسبة تركيزهم، والله خلقهم مختلفين عن غيرهم لأن التعدّد هو جزء من طبيعة الحياة.

- ما رأيك في زواج المصابين بمتلازمة داون بعد الجدل الذي أثير أخيراً حول زواج ذوي الاحتياجات الخاصة؟
الزواج حق من حقوق صوفي، لأنها تملك القدرة على إنجاب أطفال أصحاء، لكنها قد تحتاج الى مساعدة مني ومن والدها، وهذا أمر مقبول، فكثر من المتزوجين الأصحّاء يعتمدون على مساعدة أسرهم في حياتهم الزوجية.

CREDITS

تصوير : أشرف شبانة