«مي زيادة... صحافية»

ثقافة, دار الساقي, مي زيادة, أحمد أصفهاني, جبران خليل جبران

29 يونيو 2009

الكتاب: «مي زيادة... صحافية

الكاتب: أحمد أصفهاني

الناشر: دار الساقي 2009

«مراسلات مي زيادة وجبران خليل جبران... قصة مي المراهقة مع خطيبها وابن عمّها نعّوم... نهاية مي زيادة الكاتبة في مصحّة المجانين...». هذه أخبارٌ قليلة من الكثير الذي سمعناه منذ الصغر عن مي زيادة. فهي من الكاتبات القليلات اللواتي طغت أخبارهن الشخصية على حياتهن المهنية والإبداعية إلى حدّ الإقدام غير مرّة على تجسيد سيرتها الذاتية على الشاشة الذهبية أو الفضيّة.

طالما كانت حياة مي زيادة الصاخبة محور جذب القرّاء والنقّاد والباحثين والمؤرخين الذين جعلوا من «مي الإنسانة» جوهر أبحاثهم ودراساتهم على حساب «مي الكاتبة»، فنُشر عنها «مي زيادة أو مأساة النبوغ» لسلمى حفّار الكزبري و«مي: أسطورة الحب والألم» للكاتبة لوسي يعقوب و«مي زيادة في حياتها وآثارها» لوداد سكاكيني و«أحاديث عن مي زيادة: أسرار غير متداولة من حياتها» لحسين عمر حمادة و«مي في حياتها المضطربة» لجميل جبر وغيرها الكثير من الكتب التي صدرت في تواريخ مختلفة واضعةً حياة مي زيادة الشخصية التي شغلت ألباب معاصريها والأجيال التي لحقتها في المقدمة.

وفي ظلّ إغفال وجه مي زيادة الصحافي، أصدر الزميل أحمد أصفهاني كتاباً جديداً ومختلفاً عن حياة هذه الشخصية الإشكالية من خلال إظهار وجهها الإعلامي المضيء تحت عنوان «مي زيادة... صحافية». وفي هذا الكتاب يجد القارئ نفسه أمام المحطة الأبرز والأهم في حياة مي زيادة، إذ يقدّم الكاتب طرحاً مفصّلاً لهذه المرحلة المفصلية التي رسمت طريقها المستقبلي من الألف إلى الياء.

كما يُقدّم هذا الكتاب الواقع في 298 صفحة من القطع المتوسط أدّق التفاصيل التي تتمحور حول الجانب الصحافي في مسيرة زيادة الإبداعية. وبعد الفراغ منه يتضّح للقارئ سبب المدّة الطويلة التي استغرقت تحضير هذا الكتاب والتي يُشير إليها الكاتب في مقدّمته قائلاً إنّ بذور فكرة هذا البحث نبتت في ذهنه منذ العام 1996 أي قبل ثلاثة عشر عاماً. كما يتبيّن للقارئ أيضاً مدى جديّة العمل الذي أعدّه أصفهاني والذي يبدو شاقاً في بعض الأحيان لضعف المراجع التي تتبنّى عمل زيادة الصحافي رغم أنّه العمل الذي شكّل حجر الزاوية في تأسيس هويتها الإبداعية والإنسانية.

 فالكتاب يتضّمن تسعة فصول مستقلّة وجزءاً خاصاً بعنوان «المقالات الموقّعة» يعرض مجموعة مقالات كتبتها مي زيادة بين عامي 1926 و1927 إلاّ أنّ معظمها لم يسبق نشرها، فضلاً عن مقالين نُشرا في «السياسة الأسبوعية» قبل تولّي مي زيادة تحرير «القسم النسوي الإجتماعي» تحت إسمين مستعارين «إيزيس زكريا» و«وفيقة زكريا» مع الإشارة إلى أنّ الكاتب هو من يُرجّح أن تكون مي زيادة هي الكاتبة تحت تلك الأسماء المستعارة. 

فالكتاب عبارة عن بحث في ذات مي الصحافية التي أتت مع عائلتها الصغيرة من الناصرة في فلسطين إلى القاهرة التي كانت تُمثّل آنذاك عاصمة الحريّات الصحافية في العالم العربي مطلع القرن العشرين. وأكثر ما يضفي إلى هذا البحث قيمة وأهمية أنّه يسلّط الضوء عمودياً على حيّز مهمّش نسبياً من عطاء زيادة التي كانت سبّاقة في زمنها وعرفت كيف تحترف اللعبة الصحافية بدءاً من تأثرها بعمل والدها كرئيس تحرير لصحيفة «المحروسة» وصولاً إلى ترأسّها الصحيفة نفسها ومن ثمّ تسلّمها «القسم النسوي الإجتماعي» في «الساسة الأسبوعية»، مع التركيز على اللمسات التي أدخلتها على الأساليب الصحافية السائدة آنذاك. إلاّ أنّ أصفهاني اختار أن يبدأ كتابه من النهاية، فلم يتّبع تسلسلاً زمنياً معيناً وإنما ارتأى أن يفتتح حديثه عن مي زيادة بتوصيف حالة الهرج والمرج التي أحدثتها فكرة نقل رفات الكاتبة من مصر إلى بيروت وكيفية تحوّل «بقايا مي إلى معركة تناثرت شظاياها في كلّ اتجاه» لينتقل بعد ذلك في الفصل الثاني «المحروسة والماسونية؟» للحديث عن هجرة إلياس زخور زيادة وعائلته إلى القاهرة سنة 1907 كنقطة تحوّل جذرية في حياته وحياة وحيدته ماري، وكأنه يُشير إلى قارئه بأنّه مدعوّ عبر صفحات هذا البحث الفكري الموضوعي القيّم للسفر إلى منطقة جديدة في حياة إمرأة مثيرة للجدل في حياتها كما في مماتها.