تاكسي للسيدات فقط يُثير جدلاً دينياً
عمل المرأة, حقوق المرأة, الطب الشرعي, قيادة السيارات, سعاد صالح, د. آمنة نصير, مساواة الرجل والمرأة, ملكة يوسف زرار, التاكسي الزهري, المرأة العربية / نساء عربيات, قضية / قضايا المرأة, علماء الدين, د. أحمد عبد الرحيم السايح, نهاد أبو القمصان, د. مهجة
26 يناير 2010 المرأة فريسة تيارين
وتحذر الدكتورة ملكة يوسف أستاذة الشريعة في جامعة القاهرة من وقوع المرأة ضحية «بين تيارين متناقضين، في تلك القضية الحساسة، وهما تيارا التغريب والانغلاق.
فالتيار الأول يرى أن حرية المرأة بلا حدود حتى ولو زاحمت الرجال في وسائل المواصلات وهي ترتدي الملابس الصارخة، التي تُظهر أكثر مما تُخفي، فإذا تحرش بها الرجال صرخت بأعلى صوتها أنها تعيش في مجتمع ذكوري لا يحترم حرية المرأة، وتطالب بأقصى عقوبة للذئاب البشرية، في حين أنها هي التي خالفت أمر ربها، حيث تبرجت وزاحمت الرجال متعمدة مع وجود البديل الأكثر أمناً، مع أن التحذير الإلهي سيظل باقياً إلى قيام الساعة «ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة» (آية ١٩٥ سورة البقرة)».
واستطردت: «إذا كنا نرفض تيار التغريب في صورته السابقة، فإننا كذلك نرفض تيار الانغلاق الذي يريد حبس المرأة في بيتها، في ضوء الفهم الخاطئ للآية القرآنية «وقرن في بيوتكن» (آية ٣٣ سورة الأحزاب).
وأنه ينبغي ألا تخرج المرأة إلا مرتين فقط، الأولى من بيت أبيها إلى زوجها، والثانية من بيت الزوجية إلى القبر. وكل من التيارين مرفوض من الإسلام الذي من أعظم سمات تميزه الوسطية، حيث قال تعالى: «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداءً على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً» (آية ١٤٣ سورة البقرة).
ولهذا فأنا مع تاكسي للسيدات تطلبه المرأة إذا احتاجت إليه، وتقوده امرأة مثلها، فهذا أفضل ألف مرة من الركوب مع سائق قد يتلاعب الشيطان بعقله أو عقلها فتكون بداية للانحراف. وخاصة أنه في ظل الزحام الشديد في الشوارع قد تبقى معه ساعةً أو أكثر.
وكم من الانحرافات قد تحدث بسبب ذلك أو على الأقل يكون بداية لانحراف، وقد حذرنا الإسلام من مداخل الشيطان فقال :«لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما»، مع العلم أن ركوب التاكسي في الشوارع العادية لا يُعد خلوةً محرّمةً طالما أنهما في طريق عام».
قضية اجتهادية
وعارضتها في الرأي مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح العميد السابق لكلية الدراسات الإسلامية، اذ أكدت أن «القضية لم يرد فيها نص قطعي حتى نستطيع القطع بأن حكم الشرع فيها حلال أم حرام، ولهذا فإنها قضية اجتهادية قابلة لاختلاف الآراء.
ومع هذا ينبغي مراعاة الأعراف والتقاليد الاجتماعية بما لا يتعارض مع الشرع، لأنه إذا تعارض العُرف مع الشرع فيجب تغليب الشرع . والأصل أنه لا مانع شرعاً من الفكرة بشرط أن تكون اختيارية وليس فيها أي إكراه، بمعني أننا نخشى أن يتطور الأمر إلى العزل الكامل للمرأة، وهذا العزل له بعض الجوانب السلبية، ولهذا لا أستطيع ان أقول إن فكرة تاكسي السيدات موافقة تماماً أو معارضة تماماً للشرع، مع اعتقادي أن لتخصيص تاكسي للسيدات إيجابيات أكثر من السلبيات، لأنه يوفر للمرأة الحرية أكثر، فضلاً عن أنه أكثر أمناً وحمايةً لها، وكذلك يوفر فرص عمل للسيدات.
بشرط ألا يتحول ركوب التاكسي النسائي إلى «قانون» تجبَر المرأة عليه دون غيره، مما يعزلها في التاكسي الحريمي ويفرض غرامة عليها إذا استقلت غيره».
مخالف للدين والقانون
يعارض المركز المصري لحقوق المرأة المشروع كلياً، ويصفه بأنه يخالف الشرع والقانون والعُرف، فتقول رئيسة المركز نهاد أبو القمصان: «أرفض مشروع تاكسي للسيدات، بل تخصيص عربة للسيدات بمترو الأنفاق، لأنه يُعد مخالفةً للأديان السماوية، وليس الإسلام فقط، ولهذا فهو إجراء يسيء إليها، ومخالفة لتعاليمها التي تؤكد المساواة والاختلاط المنضبط بالدين، وليس الأهواء الشخصية التي تُفسر الدين حسب رأي أصحابها».
ووصفت مشروع تاكسي السيدات بأنه «عودة بالمجتمع المصري الى أكثر من مئة عام إلى الخلف، لأنه يهدف إلى عزل النساء، مما يُعد انتكاسةً حقوقيةً على جميع المستويات الدينية والقانونية والمجتمعية.
ولا نص في الشريعة الإسلامية يقضي بعزل النساء عن المجتمع. كما أن المشروع غير دستوري ويتعارض مع المواثيق والاتفاقات الدولية. وقد تمتد فكرة عزل المرأة إلى الجامعات وأماكن العمل والأماكن العامة تحت زعم حل مشاكل الزحام والتحرش.
والأفضل إلغاء تاكسي السيدات وعربات السيدات في المترو، مع العمل على تحسين الخدمة، وتقليل زمن التقاطر لتوفير تنقل آمن للجميع».
وكشفت ان هذا المشروع عرضه على المركز مسؤولو الشركة المنفذة له بهدف التشاور، «لكننا رفضناه، فقد تفرض بعض الأسر على بناتها عدم التحرك إلا في مثل هذه المركبات، مما يحد من حركة المرأة وحريتها، ويؤدي إلى آثار خطيرة على المدى البعيد، وبالتالي فإن هذه المشاريع تُعد انتكاسةً حقوقيةً للنساء».
وأنهت أبو القمصان كلامها بالتأكيد أن هذا المشروع «يُعد حلقةً في مسلسل انتهاك النساء وعزلهن، وعلى الدولة أن توفر حمايةً قانونيةً للنساء من التحرش بتعديل قانون العقوبات لينص على عقوبات صارمة، والعمل على تغيير الثقافة العامة في المجتمع، وتنفيذ برامج توعية بهذه القوانين، وتعزيز الأمن في الشوارع. هذه هى الحلول للقضاء على التحرش وليس عزل النساء».
المساواة هي الأصل
وترى رئيسة قسم علوم القرآن في جامعة الأزهر الدكتورة مهجة غالب أن الإسلام «ساوى بين الرجال والنساء ابتداءً من أصل الخلقة، حيث قال تعالى:«هو الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكن إليها» (آية ١٨٩ سورة الأعراف).
من هذا يتضح أن المساواة موجودة ومبدأ أساسي من مبادئ التشريع، ويتضح هذا من قوله تعالى: «ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبةً ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون» (آية ٩٧ سورة النحل).
وكذلك المساواة في الحساب على الأعمال الدنيوية في الآخرة في قوله تعالى: «ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً» (آية ١٢٤ سورة النساء)».
وإذا كانت هناك بعض الاختلافات فهي نابعة من اختلاف الطبيعة البشرية، بما يُصلح شأنهم، وليس تمييزاً لجنس على آخر، لأن الجميع أمام الله سواء، بدليل أن غالبية الخطاب القرآني يعتمد على «ياأيها الناس».
ولهذا فإن الاعتدال هو الحل في قضية تاكسي السيدات، وأقصد بذلك الابتعاد عن الإفراط في الضوابط الشرعية حتى لا تتحول إلى قيود. وفي الوقت نفسه الابتعاد عن التفريط الذي يُمثّل ابتعاداً عن الشرع والانفلات من أحكامه، وكل من الوضعين ضار بالمرأة، حتى وإن حاول تبرير ما يقوم به للمرأة على أنه لمصلحتها».
التمييز مرفوض
ويُحذر الأستاذ في جامعة الأزهر الدكتور أحمد السايح من أن تكون فكرة تاكسي السيدات بدايةً لعزل المرأة، «رغم أنها في حد ذاتها فكرة نبيلة والأهداف المعلنة لها مقبولة.
ولكن ما نخشاه أن تتحول مستقبلاً إلى ما هو أكثر، فيتم حرمان النساء من ركوب مواصلات غير المواصلات المحددة لهن، مما يُعد شكلاً من أشكال التمييز المرفوض شرعاً في ظل سوء الفهم لبعض القواعد الدينية، مثل «درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة» أو أنه ينبغي الأخذ بالأحوط الذي وصل ببعض الدعاة إلى مطالبة المرأة بعدم الخروج من بيتها إطلاقاً، بعدما صوروا لها الرجال على أنهم ذئاب بشرية ينبغي الابتعاد عنهم ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وإلا كانت آثمة شرعاً إن لم تفعل ذلك.
ومثل هؤلاء الدعاة يتحولون من دعاة للإسلام إلى منفرين منه ومسيئين إليه من حيث لا يشعرون».
قيادة المرأة للتاكسي أمر ليس جديداً، فهي تجربة طبقتها دول عربية كثيرة، وتم تشجيعها على اعتبار أنه لا توجد مهنة مقصورة على الرجل. لكن تخصيص تاكسي للنساء فقط تقوده امرأة ولا تستقله سوى امرأة أثار جدلاً، خاصة بعدما خرجت العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية الدكتورة آمنة نصير بتصريح تؤكد فيه أن هذا التاكسي مخالف للشرع الذي يرفض عزل النساء. فما هي أسانيد الدكتورة نصير؟ وماذا يقول رجال الدين؟
في البداية قالت نصير: «من المؤسف أن فكرة هذا المشروع تحاول أن ترتدي ثوب الدين والادعاء أن هدفها الأساسي حماية المرأة، مع أنها في حقيقتها فكرة عقيمة وخرقاء تتنافى مع أحكام الشرع، حيث لم يرد نص قطعي يدعو إلى عزل المرأة عن المجتمع. وهذا واضح من خلال استعراض التاريخ الإسلامي، اذ كانت المرأة مع الرجل في السلم والحرب ومجالس العلم ولم يُحرّم الإسلام ذلك، وإنما حرص على التربية الإسلامية الصحيحة والمعتدلة لكل من الجنسين. أما المشكلات التي نحن فيها الآن فإنما تعود إلى تجاهلنا التنشئة الإسلامية السوية، ثم محاولتنا معالجة الآثار السلبية الناتجة عن ذلك». وأضافت: «رغم أن الفكرة تبدو براقة فإنها في الحقيقة خادعة وتتنافى مع طبيعة مجتمعنا المصري الذي تسير فيه المرأة بجوار الرجل دون مشكلة. بل هذه ثقافة انعزال غير حكيمة، وهي وافدة إلينا لأن مجتمعنا لم يعرف ذلك عبر تاريخه. وبالتالي فإن العيب ليس في الاختلاط، وإنما في سوء الخلق، ومع هذا قد تتوافق مع طبيعة مجتمعات أخرى، ونحن لا نصادر على الآخرين، ولكننا نرفض تطبيقها باسم الإسلام لإعطائها البعد الديني. وأنا أرفض فكرة عزل المرأة في وسائل المواصلات بادعاء أن هذا يوفر لها الحصانة لأنني أؤمن بأن الحصانة الحقيقية تبدأ من الجذور، منذ نشأة البنت والولد وتربيتهما التربية الصحيحة منذ الصغر». وأنهت اعتراضها قائلةً: «للأسف هذا النوع من الأعمال ظاهره الرحمة، وباطنه حرمان المرأة من بعض حقوقها، وعزلها ومحاولة إيجاد حلول ساذجة ذات آثار خطيرة، بل إنها بداية لمشكلات جديدة».