العنف المدرسي في السعودية
طلاب, المملكة العربية السعودية, أحمد المالكي, الإعتداء الجنسي, طفل / أطفال, الشريعة الإسلامية, عنف نفسي, المجتمع السعودي, المدرسة, عقوبة, عنف ضد الطفل, عنف مدرسي
16 فبراير 2011السن الأهلية لتطبيق العقوبة في المدرسة
وعن السن الأهلية في السعودية أوضح المالكي أنها مختلف فيها قائلاً: «للأسف حتى السن الأهلية في القانون السعودي لا تزال غير واضحة مقارنة بالقانون المصري، أو العربي بصفة عامة. بعض القضاة يعتبر السن الأهلية هي سن الرشد وهو تجاوز سن القصر، وهنا تعتمد المسألة على معايير غير واضحة لكلا الجنسين. فالبعض قرر أن سن الخامسة عشرة هي سن الأهلية في النظام السعودي، فإذا بلغ الطفل هذه السن تُطبق عليه العقوبة المنصوص عليها. وهذا القرار قوبل باعتراض شديد من منظمات حقوق الإنسان، ولذلك تجد أن بعض الأحكام التي تصدر على أولاد في السعودية في سن الخامسة عشر ة والسادسة عشر تقابل على مستوى وسائل الإعلام بهجوم كبير».
أضاف: «أنا كمحامٍ أميل إلى تطبيق سن الرشد بحسب الشريعة الإسلامية، ولكن المشكلة تكمن في الضبابية، فيجب أن تكون المعايير واضحة، ويكون للأطباء الدور الأكبر في تقرير الأهلية من عدمها، وبالأخص أطباء الصحة النفسية». وشدد على وجوب وجود أقسام مخصصة للأطفال بحيث يتم الفصل بينهم وبين الأحكام الأخرى وفق نظام قانوني واضح ومحدد لسن الأهلية.
ولكن حالياً وفي حال الاعتداء على جسد الطالب سواء من الأب أو المدرس أو من طالب آخر، يعالج الأمر بالطرق والإجراءات المعروفة لدى أقسام الشرطة. وقد سبق أن اهتمت الدولة بهذه النقطة عندما أصدر وزير الداخلية نايف بن عبد العزيز عام 2008 قراراً ألزم كل المدارس أخذ الاحتياطات اللازمة في ما خص تعنيف الأطفال، وإبلاغ أقسام الشرطة عن أي حالة عنف في أي مدرسة فوراً.
وعن معايير حالات العنف التي يجب التبليغ عنها أضاف:" لا يوجد أي معايير محددة عن حالات العنف التي يجب الإبلاغ عنها، فحتى قرار وزير الداخلية كان مبهماً في تحديد نوعية حالات العنف التي يجب الإبلاغ عنها داخل المدارس، خصوصاً أن العنف يأخذ مراحل تدريجية ليصل إلى ذروته في الوصول إلى القتل. وعلى الدولة سن نصوص مكتوبة من خلال ما تصدره وزارة الداخلية من قرارات في هذا النطاق، إضافة إلى تثقيف المعلم ليستوعب هذا النوع من القرارات والعمل على تطبيقها».
أعراض العنف
وتشير الاختصاصية النفسية حنان حسين إلى أن هذا العنف له دلالات على الشخصية من أهمها الاكتئاب، الانطوائية، و اكتساب العنف، مما يعني أن هذه البنت أو هذا الولد سيكون زوجاً معنفاً، وأماً تمارس العنف على أطفالها أو على طالباتها للتنفيس عن حالتها العاطفية والنفسية. وهذا ما يفرض على مدير، المدرسة ملاحظة سلوك المعلم والمعلمة لتفادي كثير من المشاكل، وعليه يتوجب التواصل مع المعلمين والمعلمات عن طريق الاجتماعات المطولة، والتعامل معهم بالحسنى لأن فريق العمل يحتاج أيضاً كثيراً من الحنان.
وتلفت حنان حسين إلى أن العنف عند الطالب أو الطالبة يتبلور في سن المراهقة، ويمكن القول انه ليس عنفاً بالمعنى المنصوص عليه مضيفة: «عادة ما نسمع عن التذمر من المدرس أو المدرسة من قبل تلاميذ المرحلتين المتوسطة والثانوية، وهذه الأخطر لأنها سن المراهقة وتبلور الشخصية. وعادة ما تحمل هذه السن كثيراً من التقلبات المزاجية والنفسية، وتظهر في الفتيات في رد الطالبة على المعلمة بطريقة سوقية، واستخدام ألفاظ نابية وسيئة، والتعنت في الرأي. بل تصل إلى التطاول على المعلمة، وتشويه الزي المدرسي في بعض الحالات. وينطبق كل ما سبق ذكره على الطالب الذكر، بالاضافة إلى استخدام أسلوب الضرب بين الطلاب. وحصل أكثر من حادث تعرض فيه المدرس للإعتداء على أيدي تلاميذه، أو تعرضت ممتلكاته للتلف أو السرقة».
وترى حسين أن نسبة العنف تقلّ في المدارس الخاصة عنها في المدارس التابعة للدولة، مرجعة ذلك إلى قلة عدد الطلاب داخل الفصل الواحد، مما يعطي المدرس حرية التعامل والانتباه والاستماع إلى الكل، إضافة إلى أن كثيراً من المدارس الخاصة تعطي دورات تأهيلية للمدرس في سبل التعامل مع الطلاب في المراحل الدراسية المختلفة، وأيضاً دورات في إيصال المنهج بطريقة سلسة يتقبلها التلميذ.
أيضاً تجتمع المدرسة مع الأمهات لمناقشة التطورات التي تتعرض لها الطالبة خلال المجالس الخاصة بهن، أو حتى بطريقة فردية، مما يجعل المدرسة تتفادى ما يقارب سبعين في المئة من العنف، إلا أنه يبقى ما يقارب من عشرة إلى ثلاثين في المئة من العنف البسيط.
وترى حسين أن على المدارس الحكومية أن تتبع خطة محكمة وواضحة تدريبية وتأهيلية كما في المدارس الخاصة لتأهيل المدرس. وعليها أيضاً أن تأخذ في الاعتبار الأعداد المتكدسة داخل الفصل الواحد وأن تخفف من ضغطها ليتسنى للطلاب فهم الدروس بطريقة عميقة.
العنف في زيادة مستمرة
يقول المحامي والمستشار أحمد المالكي أنه على الرغم من كل التشريعات القانونية والحقوقية في الدولة فإن العنف في زيادة مستمرة في ظل انعدام القوانين المقننة. ويضيف: «لم تنته حوادث العنف المدرسي، بل كل يوم تظهر لنا مشكلة جديدة يكون بطلها أحد طلاب المدارس من كلا الجنسين، أو معلماً تعرض للعنف على يد طلابه، أو مدرسة تطاولت عليها طالبة من أحد الصفوف. حتى أن مهنة التدريس في الزمن الحالي باتت تمثل خطراً متفاقماً له بداية، وليس له نهاية.
وفي الجانب الأخر يشتكي أولياء الأمور من ازدياد نسبة العنف المدرسي والموجه مباشرة إلى أبنائهم وبناتهن من جانب المعلم وهو الجهة المعنفة كما يظهر، ليقف العلم حائراً بين الخصمين، ويبقى القانون مكتوف اليدين بحسب المحامي والمستشار القانوني أحمد المالكي في الندوة المصغرة التي عقدت في مقر مجلة «لها» في جدة، وقال: «بشكل عام النظام في السعودية ليس فيه نصوص قانونية، وبالأخص في الشق الجنائي، وكل ما هو مطبق مستمد من الشريعة الإسلامية في أقسام العقوبات، وكذلك أنواع العقوبات في كل جريمة. وبالطبع العيب ليس في الشريعة ولكن في نصوص، وتطبيق أحكام الشريعة خصوصاً في الشق الجنائي. فلا يوجد أي نصوص قانونية مكتوبة، سواء لحالات الاعتداء التي تحصل في المنزل، أو الحالات التي تقع في المدرسة، وحتى الاعتداء على الناس في مختلف أرجاء المجتمع. هنا تطبق أحكام الشريعة الإسلامية، والتقسيمات الرئيسية لها في جرائم القصاص، والحدود، والتعليمات».
وأكد أن الاعتداء على النفس أمر محرم في الشريعة الإسلامية، لأن الدين من مقاصده الأساسية حماية النفس، والجسد. وأضاف أن السعودية من خلال تطبيقها لأحكام الشريعة تحمي النفس، وذلك بإقامة عقوبات أحياناً تصل إلى حد القصاص، وأحيانا تكون تعزيرات.
العنف أصبح ظاهرة مستشرية
من جهتها، أكدت الاختصاصية النفسية ومديرة مدارس خاصة في جدة حنان حسين أن العنف أصبح ظاهرة مستشرية في المجتمع السعودي، وأن الأطفال في المرحلة الابتدائية يتعرضون للعنف اللفظي وأحياناً الجسدي على يد المعلم، أو المعلمة فيما يخص الفتيات. ولفتت إلى أن المسألة تأخذ وضعاً آخر في المرحلتين المتوسطة والثانوية إذ يصبح من الصعب التعامل مع الجنسين في سن المراهقة. «تأخذ نسبة العنف داخل مدارس الذكور صفة شرسة وعنيفة عن الأشكال التي تأخذها المسألة في مدارس الفتيات، ففي الوقت الذي يأخذ العنف في مدارس البنات اتجاه العنف اللفظي، والعنف في الشكل، وأيضا عنف النظرة، يأخذ منحى آخر في مدارس الذكور حيث يتطور المفهوم لديهم إلى الضرب والمشاجرة، وفي كثير من الأحيان إلى القتل وهذه القضية بالفعل وقعت في السعودية، سلطت الصحف السعودية الضوء عليها في بعض الحالات، سواء بين الطلاب وبعضهم البعض، أو بين المعلمين والطلاب».
وعرفت العنف بأنه «كل استخدام للقوة بطريقة غير شرعية من قبل أشخاص، أو شخص لديه القوة، والسلطة».
فعلى سبيل المثال يوجه العنف من الزوج إلى الزوجة، أو من الأب إلى الأبناء، أو من الأم إلى أطفالها. وكشفت الإحصاءات التي أشارت إليها حسين أن ما يقارب 50 إلى 70 في المئة من حالات العنف تكون من الزوج تجاه الزوجة والأطفال. وهذا ما يؤثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على نفسية الطالب والطالبة فينقلان العنف الى المدرسة.
وعن الإعلام تقول حنان حسين، وهي مديرة إحدى المدارس الخاصة، أن للإعلام دوراً في زيادة العنف بين تلامذة المدارس: «تعمد كثير من وسائل الإعلام إلى نشر أخبار عن قضايا العنف داخل المدرسة، وتسليط الضوء عليها بطريقة عشوائية. وهذا الأمر يخرج عن نطاق التوعية ويعمل على توليد العنف بشكل غير مباشر لدى الأمهات والطالبات. وأقول أن المسلسلات التلفزيونية، وأفلام الكرتون، و«البلاي ستشين» كلها عوامل تزيد في تعليم العنف بطريقة غير مباشرة للأطفال، خصوصاً أن بعضها يعلم الصغار والمراهقين كيفية السرقة، أو الضرب، أو حتى القتل».
الحوار هو بداية الطريق الصحيح
«غياب الحوار، خصوصاً في المنزل يترتب عليه كثير من المشاكل». هكذا كانت كلمات المستشار الأسري لمركز الملك عبد الله للحوار الوطني سعد المطرفي الذي قال: «الحوار المعكوس، والحوار بين الأبناء، وبين الآباء والأبناء، هو أساس الإصلاح. هناك بعض الآباء يعرفون قوة الشخصية على أنها أخذ الحق بالقوة، وهذا يعمل على خلط مفهوم العنف مع الهيبة، علماً أن القوي لا يفرض هيبته على الناس بالقوة، كما يفعل بعض الأزواج في ضرب زوجاتهم أو أبنائهم، ويمارس القسوة عليهم ليثبت أنه يملك السلطة عليهم جميعا، في الوقت الذي يفترض على الزوج أن يترك إدارة البيت ومسؤولياته الداخلية لزوجته، مع المتابعة في بعض للأمور. هذا العنف الممارس داخل البيت يعكس صورة سلبية على الأبناء ويجعلهم يفرغون طاقاتهم النفسية في المدرسة، والأم على طالباتها إذا كانت تعمل في مجال التدريس».
وأضاف: «سيدنا علي رضي الله عنه قال (دلل ابنك سبعاً، وربيه سبعاً، وخاويه سبعاً). وبإقرار من علماء النفس أن هذه أفضل نصيحة ذكرت في تربية الأبناء. هذه المهارات التربوية يفترض أن يمتلكها المدرس لأنه يفترض وجود 40 طالباً في الفصل وكل طالب مختلف عن الأخر من ناحية التفكير والظروف المادية والاجتماعية والمعيشية. لهذا على المدرس أن يمتلك مهارات التعامل مع الجميع».
ولفت إلى أنه مقابل نظام العقوبة «يجب أن يكون لدينا نظام المكافأة إذا كان الطالب مجتهداً أو قام بفعل حسن».
قضية في ظاهرها قديمة، إلا أن فصولها متجددة تكاد تفصح عن سطر جديد بين الفينة والأخرى. لها معلم واضح، ونسب لا تنقص من حقها شيء بل في الواقع تشي بخطر يدهم المجتمعات العربية عامة، والسعودية خاصة. والقوانين حتى اللحظة مغيبة ضد ما يسمى العنف المدرسي في الوقت الذي تنادي فيه الدراسات يوماً بعد آخر بالتصدي له بالعقوبات الصارمة سواء ضد العنف الممارس من جانب المدرس على الطالب، أو العكس، أو حتى ما بين الطلاب.
ولعل العنف الذي لازم أسوار مدارس البنين بصفتهم الفئة الأخشن سلوكا لسنوات عديدة، بدأ اليوم يستشري في مدارس الفتيات سواء اللفظي منه أو الجسدي، أو حتى التحرشات الجنسية التي يتحدث عنها المجتمع على استحياء.
«لها» فتحت الموضوع لتناقش العنف المدرسي بكل جوانبه النفسية، التعليمية، وحتى القانونية، عل الجهات المعنية تبدأ بأخذ الحيطة والحذر ومعالجة المشكلة.
الطرق المتبعة في المدارس للتبليغ عن العنف
تكتشف كثير من المعلمات حالات عنف مورست على الطالب في المنزل، وفي هذا الإطار أوضحت حنان حسين الخطوات المتبعة في مثل هذه الحالات من قبل المدرسة قائلة: «هناك ثلاث طرق متبعة في هذه الحالات. بداية يجب تفعيل المشرفة الاجتماعية والمشرفة النفسية لدرس الحالة وتفهمها، والاطلاع عليها داخل المنزل وأسبابها. وإذا تفاقمت الحالة لدينا نموذج تقوم المشرفة بتعبئته، مع توضيح ملابسات الحالة وإرسالها للمختصين في إدارة التعليم، وفي النهاية نبلغ عنها إذا كان الوضع لا يمكن السكوت عنه أو احتواؤه».
التوصيات الصادرة عن الندوة:
- الحوار بين أفراد الأسرة الواحدة.
- نشر احترام الذات واحترام الآخرين داخل المنزل.
- يجب أن يكون هناك حوار مستمر بين المدرسة والأسرة، مع التركيز على نقاط الضعف، القوة، والذكاء.
- تكثيف الجرعات التربوية للمدرسين في مهارات الاتصال والأساليب التربوية، والتعامل مع أنماط الشخصيات المختلفة.
- يفترض أن يواكب الآباء الأبناء في ما يحصل معهم في المدرسة بكل حرية مع التزام الأدب في الحديث.
- نشر التوعية والثقافة بين المدرسين والمدرسات، وحتى الطلاب.
- دخول الصحة النفسية المناهج التعليمية لتعليم الطالب أو المدرس كيف يمكن أن يخرج من حالاته النفسية المختلفة إلى الحالة السوية.
- التعامل الصحيح مع حالات العنف أيا كانت الحالة.
- تطبيق الأنظمة والتعليمات بشكل حازم باعتبار جرائم الاعتداء الجسدي والجنسي من الجرائم الكبرى.
- تطوير محاكم الأحداث في السعودية، والوسائل المساندة لها.
- معاملة خاصة للطلاب والطالبات الخارجين من الأسر المفككة لأن معظم الحالات المعنفة هي نواتج أسر مفككة.
- تفعيل القوانين والأحكام والأنظمة الصحيحة وتفعيل الإجراءات الصحيحة أيضا لأنها شهدت قصوراً واضحاً جداً في الفترة السابقة.
دراسات سعودية تؤكد العنف داخل المدرسة
- أوضحت دراسة تناولت العنف والإيذاء داخل المدارس ونشرتها جريدة «شمس» أن 23 في المئة من الأطفال في سن ستة أعوام إلى عشرة في المرحلة الابتدائية يعدون الأكثر تعرضا للتحرش الجنسي وفق العينة التي شملتها الدراسة والتي تركزت على أثر العنف الجنسي على المجتمع.
- ذكرت دراسة أخرى أن ما يقارب 70 في المئة من حالات تحرش الأطفال يرتكبها الأقارب والسكوت عن هذا الفعل يعد من الإرهاب الاجتماعي، ومن العنف النفسي أيضاً.
- كشفت احصائية لوزارة الداخلية السعودية أن العنف المدرسي في المملكة يشكل 82 في المئة من إجمالي الحوادث، وقالت إن العنف المدرسي أصبح من أكثر المشكلات شيوعاً إذ سجل عام 2004 في منطقة الرياض فقط 1406 حادث اعتداء، فيما أصبحت نحو 4528 حالة اعتداء أي بزيادة 40 في المئة خلال سبع سنوات.
- أوضحت الدراسة أن العنف المدرسي انتقل من مدارس البنين، إلى مدارس البنات مما يعني وجوب الوقوف بحزم وقوة ضد هذه الظاهرة التي قد تنهي ما تم بناؤه من مسيرة تعليمية.
- أوضح رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب الدكتور طلال بن حسن بكري في اتصال هاتفي معه أن مجلس الشورى يناقش نظام حماية الطفل للمرة الأولى، موضحاً أن النظام يهدف إلى حماية الطفل من الإيذاء الجسدي والجنسي وكل أنواع العنف.