نساء في مهمّات خطرة
حربي العامري, خطر, مساواة الرجل والمرأة, قناة العربية, جنوب لبنان, حرب تموز, صحافية يمنية
19 سبتمبر 2011الناشطة الإنسانية الأميركية ريتشل كوري (دهستها جرافة اسرائيلية عام 2003)
تعمّد سائق جرافة الإسرائيلية دهس العضو في حركة التضامن العالمية ISM) ريتشل كوري والمرور على جسدها بالجرافة مرتين أثناء محاولتها وقفه قبل أن يهدم منزل مدنيين. سافرت كوري إلى قطاع غزة في فلسطين المحتلة أثناء الإنتفاضة الثانية وقتلت بطريقة وحشية في مدينة رفح. كتبت في رسالتها الأخيرة لأهلها: «أعتقد أن أي عمل أكاديمي أو أي قراءة أو أي مشاركة بمؤتمرات أو مشاهدة أفلام وثائقية أو سماع قصص وروايات، لم تكن لتسمح لي بإدراك الواقع هنا، ولا يمكن تخيّل ذلك إذا لم تشاهده بنفسك، وحتى بعد ذلك تفكر طوال الوقت بما إذا كانت تجربتك تعبّر عن واقع حقيقي».
ملاحظة: هنا تبادر إلى ذهني أرشيف جامعي، خصوصاً أن صور البطلات ليال نجيب وأطوار بهجت وريتشل كوري التي نشرت كانت دموية صادمة رغم غناها بالرمزية. ورغم نشرها في مئات المطبوعات وجدت صعوبة في النظر إليها. تذكرت فوراً الجدل بين المهني والأخلاقي، وما قرأته عن الصورة الشمسية الصحافية والمثال الشهير آنذاك الذي طبع في مخيلتي وإن كان الحدث يعود إلى يوم 16 تشرين الثاني/نوفمبر1985، الصورة الصحافية للفتاة الكولومبية أميرا سانشيز (12 عاماً) التي التقطها فرانك فورنيه، وجه الطفلة بدت عليه ابتسامة حزينة ولا يظهر النصف الأسفل من جسدها الغارق والعالق في الماء والطين والوحل القريب من ركام منزلها المدمر نتيجة ثورة بركان «فيفادا رويز». فارقت الحياة بعد يومين.
كما حضر مثال آخر، هو محطة آتوشا للقطارات في مدريد عقب انفجار أربع قنابل في القطار في 11 آذار/مارس 2004. بعض الجرائد نشرت الصور بالألوان وأخرى بالأبيض والأسود للتخفيف من وطأة المشهد أو اختارت تقنية التأطير لإزالة الأشلاء المدماة... لكن فظاعة صور ليال وأطوار وريتشل تستحق السحق من الذاكرة وإبقاء صورهنّ الحيّة.
من أشهر ناشطات ومراسلات الحروب
المراسلة العراقية أطوار بهجت (اغتيلت عام 2006)
أطوار بهجت صحافية ومراسلة وأديبة عراقية، لها ديوان شعري بعنوان «غوايات البنفسج» ورواية «عزاء أبيض». عملت بعد تخرجها من الجامعة في صحف ومجلات عدة. وبعد غزو العراق استقرت في قناة «الجزيرة» الفضائية، استقالت منها لاحقاً وانتقلت للعمل في قناة «العربية» الفضائية. اختطفت وقتلت مع طاقم العمل أثناء تغطيتها لتفجير مقام الإمام علي الهادي في سامراء يوم 22 شباط/فبراير 2006.
ضمن مشروع جمعية «المساعدات الشعبية النروجية» NPA
فريق نسائي يزيل القنابل العنقودية في جنوب لبنان
ينزعن ما زرعته إسرائيل، فحصاد آخر ينتظر بعد تحرير الجنوب اللبناني والبقاع الغربي. انطلق برنامج مكافحة الألغام في جمعية «المساعدات الشعبية النروجية» NPA. بدأ العمل في مساعدة الضحايا استناداً إلى خبرة الجمعية في مجال الإعاقة. ثم بدأ النشاط التوعوي وتلاه النزع بعد حرب تموز/يوليو 2006. أما عام 2008، فشكلت الجمعية فريقها النسائي لنزع القنابل العنقودية. «لها» التقت المسؤولة في الفريق لميس زين، المرأة اللبنانية الوحيدة الحاصلة على شهادة تفجير والتي تنظف وزميلاتها أراضي الجنوب الزراعية وحقوله من القنابل العنقودية، ومن ثم تسلمها إلى أصحابها. أراضٍ وُضعت فيها لاحقاً بيوت لتربية النحل وزُرعت تبغاً وأشجاراً مثمرة.
أم لطفلتين فاطمة ورزان، لميس زين امرأة من مدينة صور الجنوبية كانت تبحث عن عمل جديد بعيد عن أجواء الدراسة طوال ثماني سنوات، وعقب ظروف واجهتها إثر طلاقها. هي متخصصة في مجال الأدب الإنكليزي. وهذا ما جعلها فرداً رئيساً وقيادياً في عالم دخلته دون تردّد بعدما شاع خبر قرار جمعية «المساعدات الشعبية النروجية» NPA تشكيل فريق نسائي لإزالة القنابل العنقودية. «تقدمت إلى طلب وظيفة خصوصاً أني كنت قد خبرت ظروفاً عائلية، مباشرة اختاروني لأقود الفريق بعد مقابلة». ولكن هل اختيار امرأة في هذا المجال الدقيق والمرعب يستند إلى المهارة أم الثقافة؟ «لم أكن أدرك آلية العمل، بل كامرأة جنوبية يرسخ في ذهني أن القنابل العنقودية توازي سقوط ضحايا مدنيين». اقتربت أكثر من هذا العالم، وهنا تسمي لنا أسماء القنابل العنقودية، «M Series, M42,M46,M77,M85. وهناك أيضاً الBLU تلك الكروية الخضراء. طوال تدريب شهر ونصف الشهر، تعلمت طبيعة العمل والآلات التي سأستخدمها وأسلوب العمل بأمان داخل الحقول».
هل هناك فرق بين الحقل الذي تدخله المرأة والآخر الذي يدخله الرجل لتنفيذ المهمة نفسها، نزع القنابل العنقودية ؟ تجيب بحماس امرأة فخورة بما تنجزه وتنقذه، أرواح بشر وحياة حيوان وامرأة مثلت الجمعية النروجية في أوسلو لتوقيع معاهدة لحظر وتخزين القنابل العنقودية: «لا أبداً. الأراضي هي نفسها والآلات هي نفسها وزي العمل هو نفسه»، فالقنابل هي نفسها. هل شعرت بالرهبة حين توغلت داخل هذا العالم الخطير: «خلال التدريب على الأرض كنا نقوم بعمل ميداني على أرض نظيفة غير مزروعة بالقنابل. لم أشعر إلاّ بالمسؤولية. لقد نظفنا تسعة حقول من القنابل حتى اليوم. ما أشعر به فقط هو المفاجأة خصوصاً أن أجد قنبلة على طريق عيتا الجبل، أرض الزيتون التي نقوم بتمشيطها حالياً». توضب عدّة الفريق في زاوية آمنة من البيوت الجديدة التي أنشئت من جديد بعد الدمار، تعتمر خوذتها وتنطلق على درب محفوف بالقنابل تحت رعاية الجيش اللبناني والعميد محمد فهمي، قائد المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام.
نساء فقط في فريق جمعية «المساعدات الشعبية النروجية» إلى جانب أربعة فرق رجال. تبدأ لميس نهارها المهني بنشرة الأمان، تلك الشبيهة بنشرة لا نسمعها إلاّ قبيل إقلاع الطائرة، «على الفتيات التخلّص من كل همومهن الحياتية والعائلية والتركيز، فأي خطأ قد يودي بحياتهن». يتألف الفريق النسائي من ست فتيات، ندى نعمة وسلام عودة وديالا هاشم وعبير أسعد ولميس ومساعدتها نغم. يدخلن الحقل مع مراعاة مسافة 25 متراً بينهن تطبيقاً لإجراءات وقائية مشدّدة لا تجنّبهن مصادفات أخرى قد تكون أشد رعباً بمفهوم امرأة، الأفاعي والعقارب. تختم لميس: «بتّ خبيرة في عالم القنابل العنقودية والأفاعي، أخشى مصادفة الثعبان الأحمر لأنه يثب فيما الأسود عابر سبيل».
المراسلة والإعلامية اللبنانية نجوى قاسم: ما عشته تحت قصف الطائرات والصواريخ يمكن اعتباره رحلة سياحية
نجوى قاسم مذيعة لبنانية من بلدة جون. تألقت مسيرتها الإعلامية في قناة «العربية» الفضائية حيث غطت أخبار الحروب في كابول وبغداد وآخرها العدوان الإسرائيلي على لبنان في تمّوز/يوليو 2006، وفي العام نفسه حصلت على جائزة أفضل مذيعة في المهرجان العربي الرابع للإعلام في بيروت. سمّيت الصحافية المتعدّدة الأدوار و«كريستالة» المذيعات و«كبيرة المذيعات» في تلفزيون «العربية». يشبهونها بالممثلة الأميركية أوما ثورمان، وهي فعلاً تبدو امرأة حديدية كما نجمة سلسلة Kill bill.
عن حرب العراق قالت في حوار معها سبق أن نشر في مجلّة لها: «ما عشته تحت قصف الطائرات والصواريخ يمكن اعتباره رحلة سياحية مقارنة بما عشته بعد الحرب. فالحرب بين دولتين شيء و«الحروب» الداخلية شيء آخر. في الحرب الأولى الخطر واضح. صحيح ان الطائرات كانت تقصف ولا نعرف أنواع الأسلحة المستعملة، ولكن هذا الجيش يتصرف وفق خطة عسكرية وأهداف محدّدة يقصفها وهمّه أن يقدّم نفسه للعالم على أساس أنه لا يستهدف المدنيين وخطته العسكرية واضحة إلى حدّ ما. كان هناك خطر ولكن كان يمكن تحديد مناطق الخطر وتفاديها. أما الحرب الداخلية فهي حرب تفجيرات وخطف وقتل جماعي... حرب أقل ما يمكن القول عنها إنها وحشية عشوائية، كل شيء مباح فيها...».
« ... أنا وديانا مقلّد ونجاة شرف الدين إضافة إلى تانيا مهنا من تلفزيون «ال.بي.سي» كنا من الصحافيات الأوليات اللواتي قمن على صعيد العالم العربي بتغطية حدث خطير. ووقتها قالت الناس:«ما لقوا إلاّ النسوان يرسلوهن إلى الحرب»... ربما كنا أوّل مراسلات عربيات».
فريق الإناث
إيمان NPA بالمساواة بين الرجل والمرأة حتى في مواجهة الخطر.
تأسس فريق الإناث عام 2008 انطلاقاً من إيمان المساعدات الشعبية النروجية بالمساواة بين الرجل والمرأة. وهكذا أتيحت للمرأة فرصة إيجاد وظيفة في هذا المجال، وفي الوقت نفسه المساهمة في تنظيف القرى والبلدات من القنابل العنقودية. تقول مديرة مكتب الجمعية في بيروت السيّدة وفاء اليسير: «كل مشاريع الجمعية تتوخى الحذر في ما يتعلق بتكافؤ فرص المساهمة بين الرجل والمرأة حسب استراتيجية الجمعية المركزية وهذا شرط أساسي لتمويل المشاريع، تساوي جنس الموظفين من حيث العدد وتبوؤ المرأة مراكز قيادية فيها». والسيدة اليسير هي نفسها خير مثال، وحتى مسؤولة المشروع في الجنوب الألبانية إيفا فيلبي.
تضيف أن هناك «مسعى لدمج النساء والرجال ضمن فريق إضافي لنزع القنابل العنقودية، بعدما أثبتنا نجاح فريق الإناث في هذا المجال وبإنتاجية عالية لا تقل عن إنتاجية فرق الرجال». وتلفت إلى أن فريق الإناث «هو الأول من نوعه في المنطقة والوحيد في لبنان وفي الجمعية ونشاطها خارج لبنان». وكلمة أخيرة تقولها عن مشرفة حقول القنابل العنقودية لميس الزين:«لم تثبت فقط جدارتها القيادية على الأرض بل علاقاتها العامة داخل الجمعية». تختم ضاحكة: «يحقّ لفرق الرجال اليوم المطالبة بحقوقها، كون الأضواء تسلّط على فريق النساء بشكل أكبر، هن ربّات منازل وأمهات استثنائيات».
ملاحظة: خلال حرب تموز/يوليو 2006، رمت اسرائيل على لبنان 4 ملايين قنبلة عنقودية، لم ينفجر منها 25 في المئة. وقد تم نزع 68 في المئة منها لتاريخه. 405 مدنيين (مزارع وطفل) هي حصيلة الضحايا بين جريح وقتيل.
مراسلة CNN وقناة العربية سابقاً ريما مكتبي: على الله التوكّل
قالت في مقابلة سابقة مع «لها»: العمل الميداني هو شغفي، والشخص الوحيد الذي أخاف عليه إذا ما أصبت بمكروه هي والدتي. واليوم الذي قررت فيه الانتقال إلى CNN كنت أدرك أنني أعود إلى العمل الميداني وتغطية الأحداث في المناطق الساخنة وأنا جاهزة لهذا الخطوة، وعلى الله التوكّل». أما عن تغطيتها لحرب تموز/يوليو 2006 تقول : «رغم الصعاب التي واجهتها مع بعض عناصر «حزب الله» لا يمكنني أن أنكر أن علاقتنا بهم كانت جيدة، إذ كانوا متعاونين جداً في تقديم المعلومات، كما حرصوا على حمايتنا. لقد قطعت شوطًا كبيرًا في توطيد علاقتي بهم بعد أن صاروا يعرفون موضوعيتي ومصداقيتي في نقل الخبر. لذا عندما تواجهني صعوبة من هذا النوع لأنني أعمل في CNN سوف أعتمد أسلوبي الشخصي في التأثير والإقناع من خلال المحافظة على الموضوعية في التحقيقات والحياد في نقل الأحداث.
أنا التي تطوّعت لتغطية «الحرب على لبنان»، كما أنني غضبت كثيراً لأنهم تأخّروا في إرسالي إلى الجنوب اللبناني حيث الحرب الأساسية، إلاّ أنني قمت بتغطية ضاحية بيروت الجنوبية وأخبار النازحين أثناء الحرب. ولكن لإكتمال التجربة كان لا بدّ من الذهاب إلى الجنوب اللبناني حيث الجبهة الحقيقية». وعن الأخطار التي واجهتها: «كنّا نريد الذهاب إلى بلدة «معروب» الجنوبية بعدما فرض الإسرائيليون حظر التجوّل، فتحدّيناهم ولحقنا بمركز للصليب الأحمر اللبناني لإنقاذ عائلة كانت موجودة تحت الأنقاض وتستنجد بالناس، فتعرّضنا وقتذاك للقصف الصاروخي مثلنا مثل كل الصحافيين الذين كانوا معنا يقومون بتغطية الأحداث وتقديم المساعدات التي يمكنهم تولّيها خلال فترة وجودهم في خضم المعركة الأساسية». يذكر أن ريما مكتبي عملت على تغطية أحداث مخيّم «نهر البارد» في شمال لبنان، وكانت أوّل من أعلن استسلام مجموعة من «فتح الإسلام».