الابتزاز الإلكتروني للنساء "جريمة العصر"

القاهرة – أحمد جمال 23 فبراير 2019

بين سبّ وقذف، وتهديد وترهيب، تقع فتيات كثيرات فريسة لمبتزين على الإنترنت، إما بسبب علاقات سابقة، سواء كانت زواجاً أو صداقة، أو بسبب التهاون في مشاركة البيانات والمعلومات الخاصة مع أشخاص ليسوا محل ثقة. تعددت الأسباب والطرق ليصبح الابتزاز الإلكتروني للمرأة جريمة العصر والوجه القبيح للتكنولوجيا... فكيف يمكن تجنيب الفتيات والسيدات الوقوع في فخ الابتزاز على الإنترنت؟


كرّس الطيار محمد رفعت، جلّ وقته لتوعية الفتيات حول الابتزاز الإلكتروني بعمل مقاطع فيديو ونشرها على صفحته على «فايسبوك»، فضلاً عن نشره مقاطع أخرى تهدف الى دعم المرأة معنويّاً. هذه المقاطع أسّست له قاعدة جماهيرية كبيرة، ورفعت من أعداد متابعي صفحته إلى نصف مليون متابع.

هذه الشعبية التي حققها رفعت، جعلت الكثير من الفتيات يلجأن إليه عند تلقيهن تهديدات على الإنترنت لحل المشكلة ودّياً، بدلاً من اللجوء إلى الجهات الرسمية المختصة.

عن بداية مبادرته، يقول محمد رفعت: «راودتني الفكرة منذ ما يقرب من سبع سنوات، عندما سجلت فيديو عادياً لتوعية الفتيات والسيدات بكيفية الحفاظ على أنفسهن، ولم يكن لي وقتذاك متابعون، وفجأة وجدت الفيديو ينتشر بشكل كبير، وتخطّى عدد مشاهداته المليون مشاهدة، وتلقيت العديد من الرسائل التي يطلب مني أصحابها التحدّث عن مشكلات بعينها، تخصّ الفتيات، بسبب الإعجاب بالطريقة التي تناولتُ بها الموضوع، ومن هنا بدأت مناقشة قضايا مختلفة في كل حلقة أبثّها على الإنترنت».

أما عن كيفية التخطيط لحلّ مشكلات الابتزاز على الإنترنت على وجه الخصوص، فيقول محمد: «تناولت قضية الابتزاز الإلكتروني مستنداً الى مبدأ «الوقاية خير من العلاج»، وبدأت بتوعية الفتيات حول كيفية صون معلوماتهن على الإنترنت على المنصات المختلفة، وسبل حماية هواتفهن من الاختراق، لأن المبتز عادة ما يحصل على صور للفتاة أو معلومات شخصية عنها، ومن ثم يساومها عليها بالخضوع لرغباته، لذا يتوجب على الفتيات استشارة المختصين في ما يتعلق بحماية هواتفهن وصون معلوماتهن، حتى لا يقعن فريسة للمبتزين».

ويضيف: «للأسف، في الكثير من الحالات يكون المبتزّ على علاقة سابقة بالفتاة، سواء خطيبها أو طليقها، فيستغل ما حصل عليه من العلاقة التي كانت تربطهما لكي يضغط عليها ويبتزها بأرخص الأساليب».

وعن طريقة حلّ المشكلات التي ترد إليه من الفتيات، يوضح محمد رفعت: «أسّستُ فريقاً يضم ست متطوعات يساعدنني في حل المشكلات، بينهن 3 محاميات؛ لأن الكثير من المشكلات التي ترد إلينا تحتاج إلى استشارة قانونية أو تدخل قانوني، سواء لدعم الفتيات في قضية وصلت إلى ساحات المحاكم، أو لمساعدتهن للحفاظ على حقوقهن وضمان الحصول عليها عند تعرضهن لأي مشكلة».

ولدى سؤاله عن المعوقات التي قد يواجهها في مبادرته، يجيب محمد: «بالطبع، أواجه الكثير من المشكلات في حل بعض القضايا. مثلاً عندما تحدث مشكلة بين شاب وفتاة، أحاول التواصل معه لحل المشكلة ودّياً، وأنصحه بالتراجع عن موقفه، ويستجيب الكثير من الشبان لهذه الطريقة، خاصة أنني كنت أتابع المحاضرات المتعلّقة بعلم النفس والتنمية البشرية، وهذا يمكّنني من التعامل مع كل شاب بالطريقة التي تُجدي نفعاً معه. وفي المقابل، أتواصل مع شبان لا يستجيبون لهذه الطريقة، وفي هذه الحالة أحاول الوصول إلى أحد الكبار في عائلة الشاب أو في المنطقة التي يعيش فيها، وأكاد أقول إنني كوّنت شبكة علاقات في كل أنحاء مصر لكي أستغلها في حل المشكلات الصعبة، والحمد لله استطعت أن أحلّ آلاف المشكلات».

• أنواع التحرش

يقول أحمد حجاب، المسؤول في مبادرة «خريطة التحرش»: «الابتزاز الإلكتروني نوع من أنواع التحرّش، حيث نعرّف التحرش الإلكتروني بأنه قيام أحد المتحرشين باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والتكنولوجيا بشكل عام، لمضايقة شخص آخر، من طريق مكالمات هاتفية سخيفة أو إرسال رسائل أو صور أو فيديوات غير لائقة. وإذا وصل الأمر إلى الابتزاز، فإن الشاب في هذا الحالة يستغل معلومات حصل عليها، أو صوراً، لمضايقة فتاة أو إجبارها على القيام بأفعال بغير رضاها».

وعن أعداد الفتيات المتعرّضات للتحرش الإلكتروني على الإنترنت، يقول حجاب: «للأسف، لا نملك إحصاءات دقيقة حول أعداد المتعرّضات للتحرش والابتزاز على الإنترنت في مصر، لكنْ هناك سبب رئيس وراء ارتفاع نسبة هذه الجرائم، وهو خوف الفتيات أو عدم رغبتهن في الإبلاغ عن تعرّضهن للابتزاز أو التحرّش على الإنترنت. وهناك ما يقرب من 97 في المئة من الفتيات لا يرغبن في تحرير بلاغات رسمية عمّا تعرّضن له، لأسباب عدة، لعل أبرزها الخوف من الفضيحة أو ردة فعل هذا الشخص حيال ذلك».

وبسؤاله عن أفضل الطرق لمواجهة الابتزاز على الإنترنت، يجيب حجاب: «أقوى سلاح يمكن أن تستخدمه الفتاة للتصدّي لهذه الظاهرة، هو الإبلاغ أو التحدّث في العلن وفضح هذا الشخص وعدم الخوف من كلام الناس، لأن السكوت يصبّ في مصلحة الشخص المبتز. وثمة سلاح آخر، وهو الاحتفاظ بالأدلة وعدم التفريط بها، مثل نسخ صورة من الرسائل، بغية تأكيد الكلام بدليل قاطع لا يستطيع الجاني إنكاره».

• البيانات الشخصية

يسلّط المهندس وليد حجاج، الخبير والباحث في أمن المعلومات، الضوء على جانب آخر من جوانب قضية الابتزاز الإلكتروني، قائلاً: «للأسف، التكنولوجيا الحديثة أصبحت سلاحاً ذا حدين، الجانب السيئ منها يكمن في ابتزاز الأشخاص، وخاصة الفتيات، من خلال الضغط عليهن بصورة أو معلومة معينة. ووفق الإحصاءات الصادرة عن الإدارة العامة لتكنولوجيا المعلومات التابعة لوزارة الداخلية، فإن أعلى معدلات الجرائم الإلكترونية المسجّلة في مصر هي «جرائم الابتزاز»، ويُقصد بذلك الابتزاز بكل أنواعه، الجنسي والاجتماعي والمادي، لأن جرائم الابتزاز في مصر تقوم على تحليل بيانات الشخص وجمعها مع بعض الصور أو مقاطع الفيديو الخاصة به، لتسهيل عملية اختراق حساباته ثم ابتزازه».

ويضيف خبير الأمن المعلوماتي الملقّب بـ»صائد الهاكرز»: «هناك أساليب عدة لتجنّب الوقوع في فخ الابتزاز على الإنترنت، من أهمها عدم تعامل الفتاة مع أي شخص على الإنترنت على أساس أنه شخص عادي أو قريب. أيضاً حتى وإن كانت الفتاة تعرف شخصاً ما، وتتحدث معه على الإنترنت من خلال حسابه ويطلب منها معلومات شخصية، يجب ألاّ تعطيه أي معلومة على الإنترنت، ويُفضَّل أن تتصل به مباشرةً وتعطيه ما يريد، لأن من الممكن أن يتعرّض حسابه للسرقة من جانب شخص يبغي الحصول على هذه المعلومات من الفتاة. ومن أساليب الحرص الأخرى، عدم فتح أي رابط إلكتروني يرد عبر تطبيقات التواصل المختلفة، إلا بعد التأكد من مصدره ومن سلامته، من خلال التحدث مع الشخص المرسِل نفسه. وفي النهاية، يجب على الفتاة أن تكون متنبهة ومتيقظة عند تعاملها مع التكنولوجيا الحديثة، حتى لا تصبح عرضة للابتزاز».

• عقوبات صارمة

وعن العقوبات التي يقرّها القانون في هذا الشأن، يقول الدكتور أحمد مهران، أستاذ القانون العام ومدير مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية: «قبل صدور قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية الجديد، كان هناك قصور تشريعي كبير في معاقبة من يبتز الناس على الإنترنت، لكن القانون الذي ناقشته لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مجلس النواب أخيراً، وتمت المصادقة عليه منذ أشهر قليلة، يحفظ حق الفتيات عند تعرضهن للابتزاز من أي شخص على الإنترنت، حيث أقرّ عقوبة تقضي بحبس كل من يرتكب جرائم الابتزاز على الإنترنت، بهدف الحصول على منفعة مباشرة، سواء كانت جنسية أو مادية أو ابتزازاً اجتماعياً، فضلاً عن الغرامة المالية».

ويضيف قائلاً: «على الرغم من العقوبات الرادعة، أرى أنه لا يمكن القانون وحده، ولا الجهات الرسمية وحدها الحؤول دون حدوث جريمة الابتزاز الإلكتروني بشكل كامل، وبنسبة مئة في المئة، حيث يتوجب على الشخص أن يحافظ على معلوماته وعلى بياناته قدر المستطاع، حتى لا يكون عرضة لهذه الأفعال المشينة، مع ضرورة الإبلاغ الفوري عند التعرض لأي مضايقات على الإنترنت حتى لا تسوء الأمور، فهناك جرائم قتل وسرقة وخطف تبدأ من خلال مغامرة على الإنترنت، ولهذا فإن الحرص مطلوب في كل الحالات ومع أي شخص افتراضي على الإنترنت».

• تراجع في الأخلاق

وعن تفسير علم الاجتماع لظاهرة الابتزاز الإلكتروني للنساء، تؤكد الدكتورة عنان محمد، أستاذة علم الاجتماع في كلية البنات- جامعة عين شمس، أن ثورة الاتصالات سهّلت التواصل بين الأفراد، ولم يقتصر التواصل على الذين تجمعهم معرفة سابقة، بل شمل أشخاصاً لا علاقة بينهم أو معرفة سابقة، مما يسهّل وقوع أحد الأطراف فريسة أو ضحية للابتزاز الإلكتروني من الطرف الآخر. وتؤكد الدكتورة عنان، أن الشخص المبتز عامة، والمبتز إلكترونياً خاصة إنسان عديم الأخلاق أصلاً، ويفتقر الى التربية السليمة، ومع ذلك فإذا سألته: هل ترضى لأختك أو أمك أو واحدة من محارمك أن تتعرض للابتزاز الذي تمارسه على فتاة أو سيدة غريبة؟ من المؤكد أن جوابه سيكون الرفض القاطع، وذلك باختصار لأنه عديم الضمير.

وتشير الدكتورة عنان إلى خطورة تراجع الأخلاق ومنظومة القيم في مجتمعاتنا العربية، بسبب تراجع دور الأسرة والمدرسة في التنشئة السليمة، وبروز دور أصدقاء السوء والإعلام المدمّر للفضائل، مما أدى إلى تزايد الاستخدام السلبي لوسائل التواصل بعامة والتواصل الاجتماعي بخاصة. وعادة ما تكثر جرائم الابتزاز الإلكتروني بين أفراد ليست بينهم معرفة سابقة، ولكنها قد تكون وسيلة للانتقام والكيد الاجتماعي بين من تربطهم معرفة سابقة، سواء كانوا أزواجاً وزوجات، أو أصدقاء من الجنسين، وخاصة في مرحلة المراهقة، حيث يكون هناك تساهل في «الفضفضة المرفوضة أخلاقاً»، فيستغلها أحد الأطراف ضد الآخر كنوع من الانتقام والتشهير به عبر وسائل التواصل.

وتُنهي الدكتورة عنان محمد كلامها، مطالبةً الفتيات والسيدات بالحذر في الفضفضة والبوح بأسرارهن، حتى مع من يعرفوهن، لأن صديق اليوم قد يصبح عدو الغد، ولهذا يجب الحذر من تقلّبات العلاقات الاجتماعية، كذلك يجب أن تتعرف الفتيات والسيدات بوجه عام على الجوانب القانونية في مواجهة الجرائم الإلكترونية، لحماية أنفسهن من المبتزين عديمي الأخلاق، لأنهن بمقدار ما يكنّ خائفات وخاضعات، يزداد المبتز جرأةً. وفي النهاية، على بنات حواء ألاّ يفعلن ما يخجلن منه، وأن يحتفظن بأسرارهن لأنفسهن؛ في عصر تحتضر فيه منظومة الأخلاق في مجتمعاتنا العربية.