بعد صدور كتابها "أفلام الحب والحرب"... الناقدة السينمائية ناهد صلاح: رصدتُ تاريخاً من المعاناة البشرية

حوار: طارق الطاهر 24 أغسطس 2019
هل من الممكن أن ينمو الحب على وقع أزيز الرصاص؟ هذا ما سعت إلى رصده وتعميقه فنياً وتاريخياً، الناقدة السينمائية الموهوبة ناهد صلاح، من خلال كتابها "أفلام الحب والحرب"، الصادر في سلسلة "الفن السابع" عن المؤسسة العامة للسينما في وزارة الثقافة السورية.


- ما علاقة السينما بالحروب؟

نشأت السينما في القرن التاسع عشر، وهي تعرض أفلاماً عن حروب وصراعات تكللت بقصص الحب، وانتقلت بالنسق نفسه إلى القرن العشرين، الذي يعد أكثر القرون زخماً بالحروب والإثارة في تاريخ البشرية، ثم واصلت مسيرتها في القرن الحادي والعشرين، الذي بدأ بأعنف موجة من التبديلات القيمية والتغيرات السياسية والاقتصادية العاصفة، على خلفية النقلة التكنولوجية المثيرة، فظهر ما يُسمى بـ"صراع الأنواع"، إذ تمكنت الفضائيات التي صعدت بقوة في بداية الألفية الثالثة، من الاستيلاء على ميراث الفيديو، وإعادة صياغة تطلعات المنتج والفنان والمتلقي.

- هذا يعني أن سينما الحرب هي بشكل أو بآخر ابنة المتغيرات العالمية...

بكل تأكيد، فلم تكن أفلام الحب والحرب إنجازاً سينمائياً تحقق بضربة حظ أو بمحض الصدفة، كما أن السرديات الكبرى في أفلام عرضت للحرب، سواء بأسلوب ملحمي يستعرض العمليات العسكرية بحراً وبراً وجواً، في مشهدية ضخمة للصراع بين الجيوش الكبيرة، تمنح المحاربين صفات البطولة والشجاعة، أو بما يعكس منحى إنسانياً يدوّن تنويعات درامية وعاطفية وتاريخية، تتعلق بأجواء الحرب والمعارك، هو المنحى غير المفتون بصورة المعركة وجمالياتها أو توثيقها بشكل مباشر، بل يدين الحروب، ويتدرّج من الأسطوري إلى العادي، مركّزاً على تفاصيل إنسانية ومعاناة بشرية عاشها أفراد في لحظات بؤس ويأس، وفقاً للقصة الإنسانية التي تدور في زمن الحرب وتحكي عن الالتباس بين الصوت والصدى... سينما اتخذت سيرة الحرب لتنسج أحداثها، ربما للتوثيق خوفاً من النسيان أو التراكم الذي يخفي أي أثر، فهذا النوع السينمائي كما في أحد تعريفاته يوثّق للحرب بصورها وموضوعاتها المختلفة، سواء أكانت إنسانية أم تاريخية أم سيراً ذاتية، وصولاً إلى قصص الحب في زمن الحرب، وتفاصيلها التي تقود المُشاهد إلى التأمل من خلال الدم المسفوك في وحشية الحرب.

- هل تقف فلسفة وراء قصص الحب في الحروب؟

هذه القصص لا تطرح أسئلة الجدوى من هذا القتل وحسب، لكنها كذلك ترتّب الحياة وتفتح طريقاً بعيداً من لعبة الموت بين قاتل وضحية، حياة موازية للمعارك البحرية والجوية والبرية، ومن خلال سرد هذه القصص تسلَّط الأضواء على موضوعات أخرى لها صلة بأجواء الحروب، مثل الأسرى والعمليات العسكرية السرّية التي تعطي الحكاية معاني أخرى تحرّك الإحساس والوجدان.

- هل رصدتِ الموضوعات الأساسية التي ناقشتها سينما الحرب؟

طبعاً، فهذه النوعية من الأفلام تتمحور فيها عناوين عدة، مثل الحروب الأهلية، الحربين العالميتين الأولى والثانية، حرب فيتنام، حرب الخليج والحروب الحديثة، ولا غرابة في أن أغلب هذه الأفلام تنتمي إلى السينما الأميركية، فهي استطاعت على صعيد آخر أن تصنع النموذج الأميركي، الذي يظهر وحشية أعدائه في أفلام لا يمكن اعتبارها وثيقة توقظ الماضي، وإنما لها أهداف أخرى تكرّس للبراغماتية الأميركية، فكل ما هو أميركي برّاق، والعيون تحدّق باستسلام في هذه الشُّهب المتطايرة على الشاشة.

- وكيف تناولت السينما الأوروبية الحرب؟

السينما الأوروبية في أفلامها عن الحروب، ركزت على الأوضاع الإنسانية في ظل الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكيف تنشأ علاقات إنسانية رافضة للقتل الذي انفتح مداه وخلّف الخراب. الإنسان هو الموضوع وليس الحرب، وهو ما يمكن أن نراه على سبيل المثال في الفيلم الفرنسي "الوهم الكبير" 1937 من إخراج جان رينوار، الذي اقتبس عنوانه من كتاب الخبير الاقتصادي البريطاني نورمان إنجيل، مناقشاً فيه عدم جدوى الحرب وتأثيرها في المصالح الاقتصادية المشتركة للدول الأوروبية، إذ يتوغل الفيلم في النزعة الإنسانية من خلال الروح الهائمة المعذّبة والأحزان العميقة لمجموعة من الضباط الفرنسيين؛ يؤسرون خلال الحرب العالمية الأولى ويخطّطون للهرب، بينما يرتفع الموج الإنساني في مثال سينمائي أوروبي آخر، كالفيلم الإيطالي "روما مدينة مفتوحة" 1944، الذي أخرجه روبرتو روسليني مشاركاً فيلليني في كتابة السيناريو، إذ نجد أرملة شابة تحمي حبيبها من الألمان في أثناء الحرب العالمية الثانية.

- وهل نجد في السينما العربية والمصرية مثل هذا النوع من الأفلام التي تسجّل تاريخ الحروب؟

بكل تأكيد، فعلى سبيل المثال، ظِل الحرب العالمية الثانية في مصر، نلمحه في أفلام قدّمتها السينما المصرية مثل "السوق السوداء" 1945، من إخراج كامل التلمساني، والذي تدور أحداثه في إحدى حارات القاهرة القديمة في أثناء الحرب العالمية الثانية، لا سيما في العام 1943، وكيف تركت الحرب أثرها في التغييرات المجتمعية التي بدأت إرهاصاتها تحيط بقصة حب "حامد"، بطل الفيلم الذي جسّده عماد حمدي، فيغوص الفيلم في عالم السوق السوداء الذي بدأ يفرض سطوته على هامش الحرب، كما يرصد الفيلم ظاهرة هجرة بعض سكان الإسكندرية؛ هاربين من نيران الحرب التي طاولت مدينتهم، بينما في فيلم "خان الخليلي" 1966، المأخوذ عن رواية لنجيب محفوظ، ومن إخراج عاطف سالم، نرى أصداء هذه الحرب في الغارات الكثيفة في الحرب العالمية الثانية، إذ اضطرت أسرة أحمد أفندي عاكف، التي كانت تسكن في حي السكاكيني في القاهرة، أن تنتقل إلى حي آخر هو خان الخليلي، وعلى خلفية هذه الحرب وتأثيراتها تتصاعد أحداث الفيلم والرواية، أما في فيلم "إسكندرية ليه" 1978، فيقدم المخرج يوسف شاهين شكلاً للحياة في الإسكندرية في فترة الحرب العالمية الثانية، يرصد من خلاله الصراع مع الاستعمار والأحلام التي تأثرت بالحرب، كما يتطرق إلى القضية الفلسطينية من منظور ذاتي مشتّت بين العاطفة وواقع يتغير بين حرب عالمية وحرب فلسطين.

- كيف أثّرت القضية الفلسطينية في الأفلام العربية؟

فلسطين هي الموضوع الرئيس في أفلامٍ عدة عربية دارت حول الحروب، إذا جاز لنا هذا الوصف، ولا سيما أنها تنويعات على المفهوم العام للفيلم الحربي، وتكاد تكون السينما المصرية والسورية الأكثر اهتماماً بالموضوع الفلسطيني وحرب 1948، وذلك قبل أن تزدهر السينما الفلسطينية.