"بيكاسو والأسرة" في متحف سرسق زينة عريضة: بيروت محور رئيسي للفنون والثقافة ينبض بالحياة!

بيروت: فاديا فهد 14 سبتمبر 2019
يستضيف متحف سرسق في بيروت، من ٢٧ أيلول/ سبتمبر الجاري وحتى ٦ كانون الثاني/ يناير ٢٠٢٠، معرضاً لأعمال الرسّام العالمي بابلو بيكاسو تحت عنوان "بيكاسو والأسرة" Picasso et la famille، وذلك ضمن مبادرة "بيكاسو-البحر المتوسط" التي أطلقها المتحف الوطني بيكاسو- باريس، وشارك فيها أكثر من ٦٠ مؤسّسة لبلورة برنامج حول العمل الفني "المتوسطي بامتياز" لبابلو بيكاسو والأماكن التي ألهمته.


يجسّد معرض "بيكاسو والأسرة" العلاقات التي تربط بابلو بيكاسو (١٨٨١-١٩٧٣) بمفهوم النواة العائلية، بدءاً من الأمومة وصولاً إلى الألعاب الطفولية، ومروراً باختبار الأبوّة متعدد الأوجه تحت أضواء الشهرة. ويجمع المعرض بين الرسوم واللوحات الزيتية والمنحوتات، ويستعرض بإيجاز محطات الإبداع على مدار سبعة وسبعين عاماً، بين ١٨٩٥ و١٩٧٢، من خلال مجموعة مختارة من الأعمال التي تُجسّد محطات مهمّة في مسيرة الفنان العائلية والعاطفية الطويلة، وتعبّر أشكالها المتنوّعة عن إعادة اختراع مستمرة لمفردات بيكاسو الفنية. ويقصد بيكاسو بمصطلح "العائلة"، في المقام الأول، المعنى الإسباني، أي الحلقة الضيّقة والحميمة والكتومة التي هي مصدر خصب للإلهام من أجل الخوض في مواضيع مثل الأمومة، وصورة الثنائي، وألغاز الطفولة، والسعادة البسيطة المستمدَّة من تشارُك الأشياء مع الآخرين، أو حتى مهابة اللحظات الخاصة المؤلمة. لكن العائلة هي أيضاً وسيلة لاستكشاف مواضيع أكثر كونيةً مثل قساوة الحرب، والوقت الذي يمرّ بسرعة، والتأمّل في تاريخ الفن ودوافعه. في هذا الحوار مع مديرة متحف سرسق زينة عريضة، نستعرض تفاصيل هذا الحدث الثقافي الاستثنائي الذي ستشهده بيروت.

- كيف توصّلتم الى التفاوض مع المتحف الوطني بيكاسو-باريس لوضع بيروت على خريطة هذه المبادرة الثقافية العالمية؟

في العام ٢٠١٧، أطلق المتحف الوطني بيكاسو-باريس مبادرة "بيكاسو-البحر المتوسط"، وهي مبادرة عالميّة تستمرّ لغاية ٢٠١٩. في إطار هذه المبادرة، تحدّث معنا رئيس المتحف الوطني بيكاسو-باريس لوران لو بون الذي كان يرغب في تنظيم معرض لبيكاسو في لبنان. ولكن تكاليف المعرض باهظة جداً، وهو ما جعلنا نبحث عن دعم مادي. وكان أن حصلنا على منحة سخية قدّمتها دانيال إدغار دو بيتشيوتو، التي أرادت تكريم ذكرى زوجها إدغار دو بيتشيوتو، جعلت المستحيل ممكناً. ومعروف أن إدغار دو بيتشيوتو كان يجمع الأعمال الفنية النادرة، ومولعاً بالتبادلات الثقافية بين لبنان وفرنسا. وقد لعب سيريل قاراوغلان دوراً مهماً في تنظيم اللقاء مع دانيال إدغار دو بيتشيوتو.

- كيف تمّ اختيار هذه اللوحات الخمس تحت عنوان «بيكاسو والعائلة»؟ وما هي أهمية رمزيتها؟

يُنظَّم المعرض بالتعاون بين متحف سرسق والمتحف الوطني بيكاسو-باريس، وقد اختار متحف سرسق الأعمال الفنيّة المعروضة، وعددها ٢٠، على أساس موضوع اخترناه نحن، وهو موضوع العائلة. تضمّ الأعمال المعروضة لوحات ورسومات ومحفورات ومنحوتات، وقد أُنجزت كلّها بين العامين ١٨٩٥ و١٩٧٢.

- من هم عشّاق بيكاسو في لبنان؟

بيكاسو فنان عالمي يحترمه هواة الفن في لبنان وحول العالم. مكانته مهمة جداً في تاريخ الفن المعاصر وأعماله تختلف باختلاف الحقبات التي عايشها. هناك عدد من جامعي الأعمال الفنية في لبنان الذين تضمّ مجموعاتهم أعمالاً من توقيع بيكاسو، خصوصاً أعمال السيراميك والمحفورات والرسومات، أذكر منهم فهد الحريري الذي أعار السفارة اللبنانية في باريس لوحة عُرضت خلال الحفل الذي أعلنّا فيه عن هذا المعرض. هناك أيضاً مجموعة من جامعي الأعمال الفنّية من اللبنانيين المقيمين خارج لبنان وهم يملكون أعمالاً من توقيع بيكاسو، أذكر منهم دافيد نعمت الذي غادر لبنان في منتصف ستينيات القرن الماضي، ويملك عدداً كبيراً من لوحات بيكاسو. وهو يعير بعضاً منها لمتاحف عدة، بينها متحف بيكاسو الوطني. وقد أعار أيضاً السفارة اللبنانية في باريس لوحة عُرضت هناك خلال حفلنا.

- هل سيترافق العرض مع نشاطات ثقافية أخرى: موسيقى، شعر، رسم...؟

بالتزامن مع المعرض، ننظّم سلسلة من ورش العمل للأطفال والعائلات، بالإضافة إلى إصدار دليل يساعد الأطفال على استكشاف المعرض. هناك نشاطات أخرى نعمل على تنظيمها، وسنعلن عن البرنامج الكامل في وقت لاحق.

- شخصياً، متى تعرفت إلى بيكاسو، وكيف وقعت في غرام لوحاته؟

تعرفت على أعماله يوم كنت طالبة على مقاعد الدراسة في باريس، ولاحقاً خلال دراستي الجامعية للآداب. كنت معجبة جداً بأعمال سالفادور دالي وبيكاسو، خصوصاً خلال المرحلة الكوبية. خلال تلك الفترة، كنت أقرأ نصوصاً كثيرة لكتّاب سرياليّين، وكنت معجبة جداً بالحركة السريالية، وشغوفة بأعمال فرنسيس بيكابيا.

- هل ما زالت بيروت عاصمة ثقافية تستقطب الأعمال العالمية النخبوية، وسط كلّ المصاعب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها؟

تُعدّ بيروت، أكثر من أي وقت مضى، محوراً رئيسياً للفنون والثقافة في المنطقة بسبب مشهدها الفني الديناميكي النابض بالحياة، ونظراً لوجود عدد كبير من الفنانين المعاصرين اللبنانيين الذين يعرضون أعمالهم في أكبر المتاحف العالمية، وتجتذب إبداعاتهم الاهتمام إلى بلدهم الأم لبنان. وأودّ الإشارة الى حدث ثقافي فنّي مقبل يستضيفه متحف سرسق قريباً، إذ تنظّم "مؤسّسة أشكال ألوان"، منتدى أشغالٍ فنّياً وهو بينالي مهمّ من المتوقع أن يستقطب أكثر من ٢٠٠ فنان عالمي. ثمّة العديد من المبادرات الثقافية والمهرجانات التي تُنظم في بيروت والتي لا ينقصها غير الدعم المادي كي تنهض ببيروت الثقافية.

دانيال دو بيتشيوتو: هذا المعرض تحية لزوجي إدغار

المعرض الذي ينظّمه متحف سرسق لم يكن ليبصر النور لولا منحةٌ قدّمتها السيدة دانيال إدغار دو بيتشيوتو، تخليداً لذكرى زوجها الراحل السيد إدغار دو بيتشيوتو، أحد أبرز هواة الأعمال الفنية وجامعيها. دو بيتشيوتو قالت عن مبادرتها هذه، إنها تأتي نتيجة حبّها لوطنها الأم لبنان وتقديرها وشغفها بالفن بشكل عام، والفن المعاصر بشكل خاص. وتقول دو بيتشيوتو: "بيكاسو فنّان عظيم وأعماله فريدة، والشعب اللبناني يستحق أن يرى هذه التحف الفنية ويطّلع عليها"، شاكرةً كلاً من زينة عريضة مديرة متحف سرسق، ولوران لوبون مدير المتحف الوطني بيكاسو-باريس، وسيريل قاراوغلان، وجميع الذين عملوا بجدٍّ منذ انطلاق هذه الفكرة في أيلول/سبتمبر الماضي، وحوّلوا هذا الحلم الى حقيقة وواقع جميل".