أميمة الخليل..عصفورة بدأت مشوارها مع نسر

محمود درويش, مارسيل خليفة, أميمة الخليل, أسمهان, سيّد درويش, هاني سبليني

11 سبتمبر 2009

عصفورة بدأت مشوارها مع نسر علّمها أنّ الفن رسالة والغناء قضية والإبداع إلتزام... غرّدت أميمة الصغيرة على ألحان مرسيل الكبير فحلّق صوتها بين أسلاك الشمس حاملاً معه بحّة «الخضرجي» وعرَق «بوليس الإشارة» والدم النازف من «جرح الفلسطيني» وتراب «أرض الجنوب»... فأنشدت حنجرتها الذهبية أجمل المعاني الإنسانية وأعطتها أبعاداً متعددة سرعان ما ارتطمت بالواقع الفني الهشّ الذي لا يُشبهها ولا يفهم لغتها، ربما... هي دون شك، صاحبة «عصفور طلّ من الشباك»، أميمة الخليل... عن مسيرتها التي بدأتها مع مرسيل خليفة وسرّ اختيارها الغناء الملتزم وتجربتها مع «أسمهان» و«محمود درويش» و«سيّد درويش» تحدّثت أميمة الخليل بصدق وعمق وشفافية في هذا الحوار.


- اخترت منذ البداية ألاّ تُجاري الموضة الغنائية الدارجة منذ نحو عقدين من الزمن، فسلكتِ الطريق الأصعب حين بدأت من أعلى درجات السلّم مع قيمة فنية بحجم مرسيل خليفة... على ماذا كان رهانك حينها؟
هذا الخيار كان في الأساس خيار الأهل الذين أرادوا لإبنتهم موقعاً خاصاً يُعطي صوتها أبعاداً إنسانية واضحة المعالم والتوّجه كما كلّ الكبار في عالم الموسيقى والغناء في العالم العربي. هكذا كانت بدايتي مع فرقة مرسيل خليفة بمثابة الإطار المميّز الذي يُحقّق لي المكانة التي أرادوها أهلي لي. أمّا الرهان فقد كان ويبقى على واقعية هذه التجربة وتفرّدها في الشكل والمضمون عن كلّ ما سبقها من تجارب غنية عظيمة دون شك.

- ألم يكن بإمكانك تقديم الفن الذي يرضي اقتناعات العائلة وطموحاتك على الصعيد الشخصي مع مجاراة استراتيجية الفن السائد اليوم، ما يساعدك على إيصال رسالتك في شكل أكبر؟
لديّ قناعة أكيدة بأنّ الفنّ لا يخضع للتسويات وهو بالنسبة إلي خارج أي نوع من المساومة. فإذا كانت الإستراتيجية المتبعة اليوم تعتمد على تصوير الكليبات مثلاً فأنا أصوّر أغنية أو اثنتين من كلّ عمل أسجّله، كما أقدّم حفلاتي عندما تتوفّر لي التفاصيل اللازمة. فضلاً عن أنني أتعامل مع شعراء وموسيقيين كبار أستطيع أن أحقق من خلالهم كلّ أفكاري وأنفذّها بالشكل الذي يرضيني ويرقى إلى مستوى الجمهور الذي يُقدّر الفن الهادف. أمّا موضوع الإنتشار فله معوقّات معروفة لدى الجميع ولن أكرّر ما أقوله دائماً في هذا الصدد.

- أنت تُقدّمين إذاً الفن الملتزم الذي لم يعد له مكان كما في السابق باعتراف الجميع... فما جدوى الغناء خارج السرب برأيك؟
 الفنّ الجاد يبني الجمال والأخلاق والأمم، ومن يخرج عن هذه المسلّمات يضع نفسه خارج السرب. وبرأيي  لا جدوى للغناء أو الفنّ عموماً إذا لم يتبنّ هذه القيم. وهنا أستغّل الفرصة لأوجه ندائي إلى كل من هم خارج هذا السرب بأن عودوا إلى هذه القيم والمسلّمات وإلاّ فلتعتزلوا التغريد.

- من هنّ الفنانات اللواتي يناضلن إلى جانبك من أجل تقديم الفنّ الهادف في عالمنا العربي؟
كلّ من لا تُقدّم مصلحتها المادية على حساب فنها والتزاماتها الإنسانية هي مناضلة في هذا المجال. وكلّ من ترفض عرض مفاتنها بدل إمكاناتها الصوتية تكون أيضاً مناضلة في هذا المجال. وكلّ من تلتزم بيتها وأخلاقها بدل العلاقات العامّة: «بوابة العبور إلى الجماهيرية السريعة» (تقولها باستهزاء)،هي مناضلة لمصلحة الفن المحترم الذي يبقى مرآة الشعب على مدى الأجيال. 

- بماذا تصفين الوسط الغنائي اليوم؟ ومن يعجبك من فناني اليوم؟
لا علاقة لي بالوسط الغنائي السائد حالياً، ولكن كمراقبة من بعيد لا تعجبني كميّة الهشاشة الموجودة نسبة لكميّة الأعمال المتينة. تعجبني أصوات كثيرة ولكن كحضور بنّاء ومؤثّر لا أرى أحداً من المُروّج لهم حالياً على الساحة الغنائية يأخذ الموضوع بالجديّة اللازمة. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنني أحرص دائماً على التواصل مع من يفكّر في تقديم نص جديد أو أغنية جديدة دون التلطّي بالتراث أو الموروث الجميل والمحفوظ أصلاً أمثال: تانيا صالح، جاهدة وهبة، ريم البنّا، لينا شماميان...

- اختار مرسيل خليفة صوت أميمة الخليل ليكون رفيق نجاحاته ولابدّ من أنه أخبرك عن السرّ الذي وجده في صوتك بعيداً عن باقي الأصوات... فهل لك أن تخبرينا ذاك السرّ الذي يُميّز أميمة عن أترابها؟
كبداية أو كمدخل الإحساس الذي أبثّه حين أغنّي وما أتى بعد ذلك هو ثباتي على قناعاتي بجديّة ورصانة الفن الحقيقي رغم كلّ الإغراءات الموجودة الآن من أجل تحقيق نجومية سريعة وانتشار أسهل. وليس بسرّ إصراري على تقديم ما يبقى ويُفتَخر به إن في الوطن أو في خارطة الغناء بشكل عام.

- قدّمت من ألحان مرسيل خليفة واحدة من أروع أغنياتك «عصفور طلّ من الشبّاك» كهديّة إلى كل الأسرى في السجون الإسرائيلية. فما كانت ردّة فعلك كواحدة من الذين خدموا القضية العربية بفنّهم إزاء تحرير الأسرى وعلى رأسهم عميدهم سمير القنطار؟
الحريّة قيمة لا تُقدّر بثمن، ويستطيع الإنسان أن يملكها ويتمتّع بها حتى في مراحل إعتقاله، وهذا حال سمير القنطار وكلّ من تعرّض للأسر على يد العدو الإسرائيلي أو  عملائه. أما ردّة فعلي إزاء خروج الأسرى فكان مزيجاً من الفرح والشعور بإنتصار حقيقي للإنسان الحرّ الشريف المقاوم الذي سطّر لأجيالنا بطولات على الطريق.

-غنيت ل «الخضرجي» و«بوليس الإشارة» وغيرهما ما يؤكّد توجّه أغنياتك إلى عامة الشعب... فهل تعمّدت ذلك لتكريس فكرة غنائك الملتزم بالقضايا الإنسانية أم تأسيّا ً بتجربة الكبير سيّد درويش الذي غنّى للفلاحين والشيّالين والبسطاء...؟
الفن عبارة عن تجسيد الواقع بهدف تجميله أو إصلاحه إذا احتاج الأمر. وهذا ما سأعمل على تنفيذه دائماً في أعمالي إكمالاً لأعمال كبار الفنانين كسيّد درويش وغيره. ولا أبالغ إذا قلت أننا نعيش اليوم حاجة ماسّة من أجل تحقيق تغيير شفّاف يُنير الواقع ولا يتجاهله كما يحصل على شاشاتنا. ففي الحقيقة واقعنا لا يُشبه ما نراه من بهجة وبهرجة وسخف في كليبات عارضات أزيائنا الجميلات أو مغنيّات الحاضر كما أصبح يٌعرّف عنهن، وكأنّ المقصود من وراء ذلك هو اللهو الدائم بمُثلنا الأخلاقية وهدر الوقت الذي لا يخدم سوى مصالح أعداء أولادنا وأجيالنا.

- ما هي الموضوعات التي لم تتناوليها في أعمالك إلاّ أنّك ترغبين في تقديمها من خلال أعمالك المستقبلية؟
الطائفية والتعصّب في كلّ أشكاله من المواضيع التي تُبكيني وأراها تقف عائقاً هائلاً في حياة مواطنينا، وكذلك في كوكبنا المجنون كلّه. وأبحث عن نص معبّر لمعالجة هذه المواضيع.

- ذكر إبن شقيق أسمهان الأمير عماد الأطرش في حلقة من برنامج «ضدّ التيار»أنّه لا يمكن لأحد إعادة تقديم أغنيات أسمهان لأنه لا أحد يملك حنجرتها وإن كان صاحب صوت جميل، وذلك ردّاً على تجربتك التي أعدت من خلالها تجديد أغنية «يا حبيبي تعال الحقني». فما رأيك بما قاله؟
ما قاله صحيح ودقيق للغاية، وأنا أوافقه الرأي دون شك لأنه بالفعل لا يوجد من يُقدّم ولو جزءاً صغيراً من عظمة صوت أسمهان. أمّا أنا فلم أقدم على غناء شيء بدافع إجراء مقارنة بين الصوتين بل بدافع حبّي واحترامي لصوتها العظيم ولفنّها الإستثنائي في مرحلة زمنية قصيرة جداً. وهذا الحب ليس بجديد بل يعود إلى سنوات طفولتي الأولى حين كان والدي يصرّ على أن أحفظ العديد من أغنياتها قبل بلوغي سنّ العاشرة، وكانت أولى هذه الأغنيات التي رددتها آنذاك: «ليت للبرّاق عيناً».

- لو عُرض عليك مسلسل أسمهان، هل كان يمكن أن توافقي على تجسيد سيرتها الذاتية صورة وصوتاً؟
طبعاً لا، لأنني سأضع نفسي في مجال المقارنة تلقائياً.

- هل تابعت مسلسل أسمهان؟ ألم يُعرض عليك أداء الأغنيات كبديل عن صوت أسمهان خصوصاً أنّ أغنية «يا حبيبي تعال الحقني» حققت نجاحاً كبيراً بصوتك؟
نعم كنت أتابع المسلسل من حين إلى آخر، وفي الحقيقة لم يُعرض عليّ أن أكون بديلة لصوت أسمهان في هذا العمل. إلاّ أنّه من قبل المسلسل تناهى إلى سمعي من عدة جهات أنني كصوت وإسم مُرشحّة بفخر لغناء أعمال أسمهان ليس إلاّ.

- كيف وجدت صوت وعد البحري التي أدّت صوت أسمهان في المسلسل؟ ما رأيك بالعمل ككل وهل لديك موقف معيّن من مسلسلات السيرة؟
سلاف ممثلة رائعة وسيّدة جميلة الوجه... ولن أتكلّم أكثر عن المسلسل... فأنا بصراحة ضدّ السيرة المتلفزة لكونها لا تقدّم إلاّ رؤية القيّمين على العمل من تأليف وإخراج، وهذا ما قد يكون بعيداً عن الحقيقة في مجمل الأحوال. وبالتالي فأنا أعتبره بمثابة وقت نتسلّى بتمضيته مع معلومات وصلتنا بشكل أو بآخر. أمّا صوت وعد فهو متين جداً ومرنان وفيه الكثير من الجمالية الأمر الذي يدعوها إلى العمل الجاد والدؤوب لإيجاد مساحتها الكبيرة على خارطة الغناء العربي اليوم.

- في فترة معينة كانت الفنانات القديرات يُشاركن كممثلات ومطربات في أهم المسرحيات مع الرحابنة وغيرهم... ألا يُراودك حلم الوقوف على خشبة المسرح في أدوار تمثيلية غنائية؟
أتمنّى ذلك وأنتظر دوراً يُكتب لصوتي وشخصيتي إلى أن أستطيع إنتاج هكذا عمل بمالي الخاص.

- قدّمت أغنيات وحفلات مشتركة مع مرسيل خليفة... ولكن لو أردت تقديم ديو غنائي مع أحد الفنانين الموجودين على الساحة اليوم، فمن تختارين؟
أختار من يعرفني منهم ويُقدّر موقعي الخاص كتجربة فنية غنائية. ولا بدّ من أن يُبادلني أيضاً التواضع الذي هو سمة حياتي.

- حُكي كثيراً عن الأصداء الجميلة التي حصدتها حفلتك الأخيرة على مسرح بابل، فهل لك أن تخبرينا عنها؟
تضمنت حفلاتي الثلاث الأخيرة أغاني من الذاكرة إضافة إلى أغنياتي الخاصة. فكانت كلّها من الطرب والطرب الشعبي. اللقاء كان جميلاً للغاية وحاراًُ جداً، الأمر الذي يدفعني إلى إعادة تقديم حفلات أخرى في مناسبات أخرى بُغية لقاء كل من يعرفني وينتظر حضوري في المسرح وخصوصاً مسارح لبنان. فالأوضاع المتأزمة دوماً تُعيقنا.

- ماذا عن آخر أعمالك الغنائية ومشاريعك الفنية الجديدة؟
ألبوم «يا» كان آخر إصدار لي وقد تضمّن تسع مقطوعات. أمّا اليوم فأنا أعمل على إنجاز الألبوم الجديد مع زوجي هاني سبليني ومن شعر محمود درويش ومحمد العبدالله ونزار الهندي وزاهي وهبي وحنان عاد وعبيدو باشا وغيرهم... كما أنتظر حضور مرسيل لتسجيل عمل من تأليفه وسيكون بمثابة الحلم الذي يتحوّل إلى حقيقة. وهناك العديد من الحفلات المبرمجة في تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري من دول عربية عدّة وأميركا وهي ضمن جولات مرسيل خليفة.

- كيف تصفين علاقتك بزوجك الموسيقي المعروف هاني سبليني؟ وهل كنت تتخيّلين الإرتباط برجل لا علاقة له بالفن أو الموسيقى؟
علاقتنا هي علاقة حب متوقدّة دائماً، علاقة صداقة شفّافة، علاقة فنية مُتجانسة، وأخيراً علاقة إثنين يعيان دائماً حقيقة أنهما كيانان متعايشان وليسا كياناً واحداً. بالنسبة إلي الإرتباط برجل غير موسيقي وارد، لم لا بالمطلق؟ ولكن ارتباطي شخصياً بغير شخص هاني سبليني فقطعاً لا...

- أخيراً، ما الذي اكتسبته بكلمة واحدة من:
مرسيل
خليفة: معنى الإلتزام
سيّد درويش: بساطة الجمال
محمود درويش: أناقة المناضل
أسمهان: الكبرياء
هاني سبليني: قيمة العمل...