ضجيج الطبول في الأغنية اللبنانية يُلهينا عن بعض المعاني

فارس كرم, مركز المشاعر الإنسانية, وديع الصافي, أغنية لبنانية, أغنية شعبية, برنامج ستوديو الفن, دبكة, نيفين نصر

26 أغسطس 2010

حالة غريبة تجتاح "الأغنية اللبنانية" في هذه الأيام وتتمثّل بكلمات نعجز معها عن فهم المعنى الذي يقصده الشاعر ولم الإصرار على مفردات غريبة عجيبة. المشكلة في بعض هذه الجمل لا تكمن فقط في عدم فهمها، بل إن المسألة وصلت أيضاً إلى التفاهة والترويج والتشجيع على أمور تحذّر منها المجتمعات، ليبدو المطرب وكأنه يشجّع على بعض الآفات في مجتمعاتنا. ولهذا نقول إننا فعلاً لم نفهم ما المقصود من جملة "كذا كذا" في أغنية فلان، إلى درجة أن البعض استغرب عدم المطالبة بمنعها على غرار ما حصل مثلاً مع أغنية "جمهورية قلبي" التي قيل إنها تريد إرجاعنا إلى العصر الحجري من خلال عدم السماح للمرأة بالعمل.

سنحاول في هذا التقرير إبراز بعض هذه المفردات، وذلك بعيداً جداً عن تقييم الأغنية بحدّ ذاتها ولا لحنها ولا أداء المطرب فيها ولا حتى نجاحها أو عدمه، بل فقط هي مسألة تسليط الضوء على جمل لم نفهمها أو رأينا أن فيها ترويجاً لآفة معينة.

1- من أشهر هذه الجمل في أغنياتنا اللبنانية الجديدة، تبرز مثلاً جملة في أغنية جديدة لفارس كرم تحمل عنوان "ريتني" أو "الأرجيلة" (أي النرجيلة)، يقول فيها: "ريتني تنبك معسّل وتحرقيني بأرجيلة، ومهما عندك اتوسّل عنّي الجمرة لا تشيلي". فنحن نسأل أولاً لماذا يريد فارس أن تحرقه حبيبته بنرجيلة ولم هذه السادية وما الهدف منها! فهو لا يحكي في الأغنية عن عذاب الفراق أصلاً ليشبّه ذلك مثلاً باحتراق التنبك في النرجيلة، بل مجرد إنه يدعو حبيبته صراحة إلى تعذيبه وإحراقه! طيب لماذا وما الداعي إلى كلّ ذلك؟!

من جهة ثانية نسأل أنه في الوقت الذي تتكاثر فيه الدعوات إلى منع التدخين في الأماكن العامة، والمحاضرات اليومية التي يُطلقها الأطباء والمختصّون والتي تحذّر من خطر النرجيلة التي تنتشر في شكل واسع في لبنان، والذي يقال إنه يزيد عن خطر السيجارة العادية بثلاث أو أربع مرات، يأتي فارس كرم النجم المعروف والمحبوب ليزيد النرجيلة ترويجاً من خلال أغنية  يسهُل حفظها وتردادها، وكل ذلك طبعاً دون حسيب ولا رقيب.

2- أيضاً في الألبوم ذاته لفارس كرم، تبرز أغنية "طالع لجدّك منزوع". ويقول المطلع:

"سألتها لستّي مرة (ستّي يعني جدّتي)

قوليلي عن جدّي نتفة (أي أخبريني عنه قليلاً)

قالت كان عينو لبرّا (أي نسونجي)

متلك مش عاقل ولا نتفة

طالع لجدّك منزوع ، معَنطز وراسك طلوع

يا ريت قلتلو ممنوع وريتها ما كانت هالخلفة" (أي ليتها لم تُنجب من الأساس).

رجاء ليفسّر لنا أحد ماذا كانت تقصد الجدّة في الأغنية من خلال القول "يا ريت قلتلو ممنوع"؟، كما نسأل كيف تمرّ في أغنية جملة "ريتها ما كانت هالخلفة"، فهي المرة الأولى التي نسمع فيها أغنية نلعن فيها ولادة شخص ما!

3- وبعد أن راجت كلمة "يقبرني" ومن ثم "يسلملي" في الأغنيات اللبنانية، والكلمتان من باب التحبب والدلال، بات لزاماً إيجاد كلمة جديدة بحجّة التجديد لتأتي كلمة "يُقبش" في أغنية للفنانة نيفين نصر. و"يقبش" هي ذاتها كلمة "يُقبرني" ويمكن اعتبارها مصغراً لها، لكنها لا تُقال إلاّ في الشوارع والأزقّة ومن منطلق "التحرّش" الواضح. فكيف تسمح لنفسها بأن تغني أغنية تقول فيها لحبيبها "يُقبش، ويسكن بقلبي ويفرش" وتصوّرها كليباً وهي كلمة ربما يخجل مطرب رجل من ترداها؟!

4- وفي الإطار ذاته، نسمع أخيراً عبر المحطات الإذاعية في لبنان أغنية لمغنّ برز في برنامج "استديو الفنّ" يدعى أيمن أبو حيدر، يحكي فيها عن نفسه أنه الرجل "الجهلان" الذي "دوّخ النسوان" أي السيدات وجعلهّن يذبن في غرامه، وهو الذي يمضي أيامه معهنّ ولا عمل لديه سوى السيدات والفتيات الجميلات، وهو الذي يصرف كلّ ماله عليهّن إلى درجة لم يبق فيها معه ولا فلس في الجيب. كلمة "جهلان" تعني الطائش الذي لا همّ له سوى الجنس الآخر، وهو يقول هذا مفاخراً بنفسه ومعتزاً كونه يمضي كلّ أيامه لاهثاً وراء الصبايا صارفاً ماله عليهنّ... لكنا فهمنا أن تكون الأغنية تحذيراً للشباب من خطر الوقوع في هذا الفخّ الذي قد يفلس معه الشاب أو الرجل تماماً كأنه يمارس آفة القمار أو الإدمان، لكن المصيبة أن الأغنية ليست كذلك بل دعوة صريحة للتفاخر. ألا يحق لنا أن نسأل ربما مع مرور الوقت من أين سيضطر إلى جلب المال لتكملة "مسيرته" الهامة في هذه الحياة والتي أراد إخبارنا عنها في أغنية لتكون عبرة لشباب هذا اليوم؟ أي عبرة وأي شباب وأي رقابة على مطربينا هذه الأيام وكيفية تلويث عقول الناس بحجة أن "الجمهور عايز كده" وأن "هيدا اللي ماشي" والخ من الحجج الفارغة التي لا تصبّ إلاّ في خانة الجهل والإفلاس الفني الصريح!!! أما المصيبة الأكبر فهي أن ألحان مختلف هذه الأغنيات تندرج ضمن إطار "الدبكة" والأغنية الشعبية اللبنانية التي كرّس لها روّاد الأغنية اللبنانية حياتهم من وديع الصافي إلى الرحابنة وفيلمون وهبي وغيرهم كثر. هل هذا هو تراثنا فعلاً؟ أم أن ضجيج الطبول والمزامير في أغنيات الدبكة، كفيل بإلهاء الناس عن معاني هذه الأغنيات؟