الأميرة ريم علي تتحدث عن حياة الأميرات في العائلة الأردنية المالكة

حوار: فاديا فهد 25 نوفمبر 2023

من صحافية في محطّة CNN الى أميرة من أميرات العائلة المالكة في الأردن ورئيسة لـ«مهرجان عمّان السينمائي الدولي». الأميرة الأردنيّة ريم علي امرأة مثقفة تتقن العمل الاجتماعي التطوّعي، كما تجيد لغة الحوار بين الثقافات وتؤمن بالفنّ والثقافة والسينما وسيلةً لتغيير وجه العالم ومنع سقوطه في فخاخ الأحكام المسبقة والكراهية والحروب.

تصوير: عمّار عبد ربه


- مَن هي ريم علي المرأة والأميرة والصحافية والناشطة الاجتماعية؟

لا أعرف ما إذا كنت سأستخدم هذه الكلمات لوصف ما أنا عليه. في العادة لا أحبّ أن يُنظر إليّ على أنني أي شيء آخر غير الأم أو الزوجة أو الابنة أو الأخت أو العمّة أو الصديقة. كما ترين، العائلة والأصدقاء مهمّون جداً بالنسبة إليّ، كذلك أنا صحافية سابقة تعمل في مجال تعليم الإعلام والسينما وتؤسّس للحوار بين الثقافات وتبذل قصارى جهدها للمساهمة في المجتمع على طريقتها.

- كيف تبدّلت حياتك من صحافية في “سي إن إن” الى أميرة من أميرات العائلة المالكة في الأردن؟

كثيرا ما يُطرح عليّ هذا السؤال. نعم لقد تغيّرت حياتي من نواحٍ كثيرة. بالطبع أتشرّف بأن أكون فرداً من أفراد العائلة المالكة في الأردن، وهي نعمة من نواحٍ عدة. لكنني أعتقد أن أي امرأة تعمل وتتزوّج وتُنجب أطفالاً، تتغير حياتها الشخصيّة، وأرى أن هذا كان التغيير الرئيس المتمثل في الانتقال من حياة شابّة عزباء عملت مراسلة صحافية، إلى امرأة متزوّجة بمسؤوليات مختلفة. فمسؤوليتي تجاه بيتي وأطفالي باتت الأولوية لي. وكان التغيير الثاني في حياتي هو اضطراري إلى تغيير مسيرتي المهنية، لكنني أرى نفسي محظوظة جداً في ذلك... هناك الكثير للقيام به، كل فرد من أفراد الأسرة المالكة يقوم بواجبه ويساهم قدر الإمكان في ازدهار الأردن. شخصيّاً، دخلت عالم العمل التطوعي من خلال إنشاء معهد الإعلام الأردني، وهو منظّمة غير حكومية هدفها تدريب الإعلاميين الأردنيين. كذلك أدعم زوجي الأمير علي بن الحسين في مهماته كرئيس لـ”الهيئة لملكية الأردنية للأفلام” وأترأس حاليا مؤسّسة “آنا ليند” للحوار بين الحضارات.


- هل حياة الأميرة تشبه ما نشاهده في أفلام ديزني أم أنها مختلفة؟

حياة أميرات ديزني النموذجيّة لا تنطبق على حياة الأميرات في العائلة الأردنية المالكة. هنا ستجدين أن معظم الأميرات يعملن طواعيةً ويقمن بما في وسعهن للمساهمة في مجتمعهنّ بأسلوب إيجابي، في وقت يتولّين فيه تربية أطفالهن أفضل تربية. أميرات الأردن متواضعات للغاية ويعملن بجد. لقد وجدت هنا أميرات قدوات ألهمنني في حياتي الشخصيّة والاجتماعية كيفية التوفيق بين العائلة وتربية الأطفال والعمل التطوّعي الفاعل.

- كيف تربّين ابنك وابنتك؟ وأي مفاهيم تزرعين فيهما؟

أبذل وزوجي قصارى جهدنا لغرس القيم التي ستخدم طفلينا كعمود فقري أينما كانا ومهما فعلا في الحياة. تساهم الروابط الأسرية القوية في ذلك، ونحاول أيضاً تذكيرهما بأن التعليم لا يتوقف عند التخرّج، بل يستمرّ مدى الحياة. الانفتاح على الآخرين مهم أيضاً في تربيتنا لهما إذ نحرص على زرع احترام الآخر فيهما، بغض النظر عن عقيدة هذا الآخر ولونه وجنسيته، وتجنّب إصدار الأحكام المسبقة، خصوصاً عندما لا يملك المرء كل الحقائق عن هذا الآخر.

- ماذا أخذت عن والدك الديبلوماسي الأخضر الإبراهيمي؟

علّمني والدي أن العلم والثقافة بطاقتي الى الحياة، كذلك احترام الآخر. كما علّمني أن أكون فضولية وأستمع أكثر وأتكلّم أقلّ. الواقع أن والدي مستمع جيد جداً. وأعتقد أن فكرة الخدمة العامة كانت دائماً قوية جداً لديه، وهو ما انطبع فيّ وأثّر في اختياري الصحافة رسالةً ومهنةً، ولاحقاً انخراطي في العمل التطوّعي بالأردن.


- منذ 2017 وأنت ترأسين “مهرجان عمان السينمائي الدولي”... أخبرينا أكثر.

أعلنّا عن إنشاء المهرجان في عام 2017، واستغرق الأمر بعض الوقت لإعداده. أردنا إطلاق الدورة الأولى في نيسان (أبريل) 2020، لكن كورونا اجتاحت العالم، فقررنا تأجيل الإطلاق إلى آب (أغسطس) 2020، وانطلقنا بفكرة مشاهدة أفلام السينما في السيارات Drive-in cinema والمسرح في الهواء الطلق، الأمر الذي سمح بالتباعد الاجتماعي. وكانت اللقاءات الاحترافية تُعقد في الغالب عبر الإنترنت، وبالطبع لم يكن لدينا ضيوف من الخارج في السنة الأولى، ومع ذلك نجح المهرجان. هذا العام كانت الدورة الرابعة من المهرجان، وأعتقد أنه في إطار زمني قصير، ثبّت المهرجان موقعه على خريطة المهرجانات الدولية. إنه مهرجان متوسط الحجم، لكنه يركّز على الجودة، وهو بالضبط ما خطّطت له مديرته ندى دوماني. أردناه مهرجاناً نخبوياً مهمّته مساعدة السينمائيين المبتدئين من العالم العربي على تطوير مواهبهم السرديّة وعطاءاتهم السينمائية، وهذا ما نجحنا في تحقيقه. وهو ما يتناسب مع خطّة الهيئة الملكية الأردنية للأفلام التي تعمل على تشجيع السينمائيين الأردنيين.

- أي القضايا العربية ترغبين في أن تركز عليها السينما في بلادنا العربية؟

ليس هناك قضايا محدّدة. ما يهم هو سرد القصص بطريقة حقيقية. في الواقع، القصة ليست الأهمّ، بل النظرة الخاصّة التي يقدّمها فيها المخرج. من المهمّ بالطبع أن تكون هناك قصص تمثّلنا وتقدّم اهتماماتنا بجودة عالمية كي يمكنها حمل أصواتنا الى العالم. مع الأحداث المأسوية التي نشهدها في غزة هذه الأيام، لا يمكننا التأكيد بما فيه الكفاية على مدى أهمية محاربة تجريم العرب. السينما يمكن أن تكون وسيلة قوية جداً لذلك، من خلال الفنّ والمحتوى الذي يعكس انتماءنا الى الإنسانية. قصص الحبّ والوثائقيات أيضاً مهمّة بالقدر نفسه: يمكننا القول إننا بحاجة إلى سرد قصصنا ومشاركة أفكارنا ضمن مجتمعاتنا المتنوعة، والتأكد من تمثيل جميع أفراد المجتمع. ونحتاج أيضاً إلى تذكير العالم بأننا نحبّ مثلهم ونبكي مثلهم، ونحن أصدقاء للإنسانية، ونحترم الآخر، بغض النظر عن هويته.


- أي فيلم شاهدتِه وأثّر فيك؟

في سنّ المراهقة، أُعجبت كثيراً بأفلام كوستا غافراس، بالأخص فيلم “زد” الذي شاهدته مراراً وتكراراً، وهو فيلم تم تصويره في الجزائر وحصل على جائزة أوسكار كفيلم جزائري. وبالطبع فيلم “معركة الجزائر” للمخرج جيلو بونتيكورفو. هناك العديد من الأفلام التي شاهدتها أخيراً وأعجبتني. الواقع أنني أحب الوثائقيات مثل “دموع أطفال غزة”، لقد تأثرت به كثيراً وعلى الجميع أن يشاهده. في الواقع، لا يمكنكِ مشاهدته من دون أن تتأثّري، خصوصاً مع ما يجري اليوم في غزّة، واستمرار الوضع المزري فيها منذ عقود بدون أيّ معالجة. من الأفلام الروائية التي أثّرت فيّ “الهديّة”، كما استمتعت بفيلمَي “بنات عبدالرحمن” و”الحارة” اللذين يعكسان بطرق مختلفة حكايا من مجتمعاتنا، وبالطبع “فرحة” فهو فيلم مؤثّر للغاية، والثلاثة أفلام أردنية حديثة. في الأفلام الأجنبية، فيلم مثل “إنفيكتوس” أظهر لي كيف يمكن أن تروي قصة عن شيء محدّد في جنوب إفريقيا وتستطيعين الوصول إلى جمهور واسع جداً. بصفتي صحافية سابقة، أحب دائماً فيلم “كل رجال الرئيس” من إخراج آلان ج. باكولا. ومن أفلامي المفضلة بالتأكيد “سينما باراديزو”، الذي شاهدته أخيراً مع أطفالي واستمتعوا به كثيراً. إنه فيلم جميل عن حب فتى في جزيرة صقلية للسينما، وكيف يمكن أن يكون النجاح بالابتعاد عن الجذور.

- مَن هو المخرج الذي تتابعين أعماله؟

كما ذكرت، كوستا غافراس، وهناك أيضاً إيليا سليمان ويسري نصر الله. أحبّ أن أتابع المخرجين الشباب الذين يشاركون في مهرجاننا، ومنهم: صلاح اسعاد، محمد ياسين دراجي، ولينا سويلم... ولكن من الطبيعي أن أتابع عن كثب أيضاً أعمال صانعي الأفلام الأردنيين الموهوبين جداً، والذين أجدني دائماً ممتنة لهم في لقاءاتنا للاستماع إلى آرائهم حول أحدث مشاريعهم، وهذا يشكّل مصدر إلهام لي.  

- ماذا عن الممثلين والممثلات الذين تحبّين أداءهم؟

هناك الكثير من الممثلين العرب الرائعين، وبينهم أيضاً مخرجو أفلام أو منتجون أذكر منهم صبا مبارك وهيام عباس وهند صبري ونادرة عمران، وبالطبع يسرا وبشرى وكذلك نيللي كريم وزينب تريكي وصوفي بوتيلا وجورج خباز وأياد نصار وإلياس سالم وكارلوس شاهين والمزيد. من الغرب، أحبّ أداء رشيدة براكني، كيت بلانشيت، فيولا ديفيس، أوسكار إسحاق، خواكيم فينيكس، طاهر رحيم وغاري أولدمان.  

- ما أكثر شيء يجذبك في المهرجانات الدولية التي تشاركين فيها؟

يجذبني لقاء الأشخاص الذين يمكن التفكير في العمل أو التعاون معهم أو مشاركة أفكار حول السينما وكيفية مساعدة صنّاع الأفلام. أيضاً أتعلّم الكثير من ورش الأعمال التي يديرها أشخاص لديهم سنوات من الخبرة، وهذا دائماً ذو قيمة كبيرة جداً. وبالطبع، أنا أحب الترويج لما يمكن أن يقدّمه الأردن.  


- هل تحبّين السجادة الحمراء في المهرجانات المختلفة؟

أعتقد أن أفضل المهرجانات هي تلك التي تتمكن من تحقيق توازن بين السجادة الحمراء والأناقة من جهة، والمحتوى عالي الجودة من جهة أخرى.

- غزّة الجرح، ماذا تقولين عنها؟

تعجز الكلمات عن وصف ما يجري في غزّة. غزّة جرح، وجرحٌ عميق، متروك من دون مساعدة إنسانية أو دعوات لوقف إطلاق النار، ممّا يزيد من تفاقمه يوماً بعد يوم. ماذا يمكن الإنسان قوله عندما يشاهد عمليات تطهير عرقي تتكشّف أمام عينيه، والعالم في صمت مريب؟ ملك وملكة الأردن هما الصوتان النادران اللذان يجاهران بالمطالبة بالعدالة وحماية المدنيين. نحن من جيل نشأ على قيم إنسانية معيّنة وعلى فكرة أن الحروب يجب ألاّ تتكرّر. لكنها تتكرّر اليوم، وكلّ العِبر التي استُخلصت من الحربين العالميتين الأولى والثانية، سقطت اليوم نحن ندرك أن عبارة “الحرب لن تندلع مجدداً” قد لا تنطبق على جميع الشعوب... وإلا لماذا يكون من الصعب على أي شخص نطق كلمة “وقف إطلاق النار”، حيث نشاهد آلاف الفلسطينيين الأبرياء يتعرّضون للقتل تحت القصف، ومن بينهم آلاف الأطفال؟ لا يمكنني أن أجد تفسيراً آخر، وذلك يصدمني في العمق.

- ما دور السينما في تقديم القضايا الإنسانية للعالم؟

السينما حالياً هي أقوى وسيلة لنقل الرسائل وزيادة الوعي واكتشاف عوالم جديدة. السينما قادرة على تقديم القضايا الإنسانية بشكل قويّ وفعّال، وتساعد في توجيه انتباه العالم إليها. بالنسبة الى منطقتنا العربيّة، ستساعدنا السينما في تغيير الصورة النمطية التي كوّنها الغرب عنّا كعرب، إذ تبيّن لهؤلاء أننا بشر ولدينا قيم إنسانية وأحلام ونعيش حياة بسيطة. الفن وسيلة تساهم في التغلب على الكراهية والأحكام المسبقة. والسينما لديها القدرة على مساعدتنا في وضع أنفسنا في جلباب الآخر لفهمه والتعاطف معه، وهي تساعدنا على النظر إلى الأمور من منظور مختلف وتفتح آفاق عقولنا بأسلوب مسلٍّ أيضاً.



CREDITS

تصوير : تصوير: عمّار عبد ربّه