المهندسة المعمارية سيماء المنصوري تُضيء على أهمية العمل الجماعي في التصميم

فرح جهمي - بيروت 06 يناير 2024

بتصاميمها المبتكرة وحسّها الفني المرهف، تمكّنت الإماراتية العصامية سيماء المنصوري من النجاح في مجال الهندسة المعمارية من خلال عملها في عدد من الشركات العالمية التي أكسبتها الخبرة الكافية وهيّأتها لبدء عملها الخاص عام 2009 والمتمثّل في Eva interiors. تأثرت الشابة في طفولتها وخلال مسيرتها المهنية بوالدها الذي لطالما قرأ لها ولأخواتها كتاب «العادات السبع للناس الأكثر فعاليةً» للكاتب ستيفن آر كوفي، لتعليمهن جوهر هذه الحياة، فتعلّمت هذه العادات وتبّنت هذه القيم وعزّزتها بنجاح مع فريق عملها المتخصّص في شركة «إيفا».


تُرجع المهندسة المعمارية سرّ نجاحها في الإمارات والخليج إلى «العمل الشاق والتحلّي بالصبر والإصرار. فمن المهم أن نؤمن دائماً بأنفسنا وبقدراتنا على التغيير والنمو. كما أنني أولي اهتماماً خاصاً لتفاصيل العمل الذي أقوم به، لأن الهندسة والتصميم يتطلبان دقة وعيناً للجمال».

شركة «إيفا» ونظام «أربعة تعاليم للتنفيذ»

وتقول سيماء: « في «إيفا»، نتبع نظاماً يُسمّى «أربعة تعاليم للتنفيذ»، وهو نظام يعتمد على تحقيق الإنجازات بدقة وتحديد هدفين رئيسين في كل مرة. أُركّز وفريق عملي على دائرتنا من التأثير، ونتجنّب التركيز على الأمور التي لا يمكن تغييرها. ونحن نستلهم الأخلاق الإسلامية في كل جوانب عملنا، ونعتمد على الله في كل خطوة نتّخذها. هذا الأسلوب لا يعزز فقط الثقة في قدراتنا، بل يشكل أيضاً قاعدة أخلاقية قوية توجّه كل قراراتنا».

وتؤكد مصمّمة الديكور أن تجربتها في الهندسة والتصميم «هي رحلة لا تنتهي من التعلّم والابتكار. كل مشروع يقدّم لي فرصة لاستكشاف أفكار جديدة وتطبيق مهاراتي بطرق مبتكرة. أرى تلك التحدّيات فرصاً للنمو والتطوّر. وأعتقد أيضاً أن النجاح لا يأتي فقط من الأداء الفردي، بل من القدرة على العمل الجماعي كفريق وبناء علاقات قوية مع الآخرين. الهندسة والتصميم هما حقلان يعتمدان بشكل كبير على التعاون والتواصل، وأنا فخورة بأنني قادرة على التعاون مع فريق من المحترفين المتميزين لإنجاز الأعمال الرائعة التي نقدّمها».


الخبرة تحوّل التصاميم إلى واقع

وعما يميّز أعمالها عن باقي المصمّمين، تقول سيماء المنصوري: «أحد العوامل التي تجعلنا من الأكثر تميزاً في الإمارات هو التزامنا الدائم بالاطّلاع على أحدث التطورات في مجال التصميم. كما نحرص على حضور معظم المعارض الكبرى على مستوى العالم، والتواصل مع المورّدين وصانعي الذوق الدوليين. نحن لا نتخيّل فقط التصاميم، بل لدينا الخبرة الكافية لتحويل تلك التصاميم إلى واقع، وهو ما أصبحنا معروفين به حقاً».

وتضيف: «من الأمور الأخرى التي تميّز عملنا، أننا ندرك أن التصميم الجيد لا يتعلق فقط بالجانب الإبداعي، بل يتضمن أيضاً الحلول الإبداعية لدمج الأنظمة الكهربائية والصحية والتكييف في التصميم بطريقة تضيف إلى جمال المكان ولا تقلّل منه. ومن الضروري أن نستمع جيداً إلى عملائنا، ورؤيتنا هي ترجمة أفكارهم ورؤاهم إلى تصميمات ملموسة. ونسعى دائماً الى جعل العملية سهلة وممتعة لهم، وهذا ما يجعل عملنا فريداً ومميزاً بالفعل».

أهمية الجانب النفسي لريادة الأعمال

وتلفت المنصوري إلى أهمية العامل النفسي في ريادة الأعمال فتقول: «رغم أن بدء الأعمال التجارية يأتي مع العديد من المزايا، بما في ذلك الاستقلالية الاقتصادية والحلول المبتكرة والتنويع الاقتصادي، لا يتحدث الكثيرون في عالم ريادة الأعمال عن عامل مهم جداً، وهو الثمن النفسي لريادة الأعمال. عندما قررتُ الدخول إلى عالم الشركات الناشئة، كنت امرأة طموحاً ومتحمّسة في السابعة والعشرين من عمري، ولكنني لم أدرك أهمية الأخذ بالصحة النفسية طوال هذه الرحلة. كنت أركّز دائماً على بناء شركة ناجحة حتى أنني أهملت رعاية نفسي. مع مرور السنين، أدركت أنني كنت مُجهَدة عقلياً وعاطفياً، وغير قادرة على أداء المهام بفعالية وشعرت بالعزلة والإحباط. هذا الواقع جعلني أدرك حاجتي إلى تغيير نمط حياتي والأخذ بصحتي النفسية أولاً. طلبت المساعدة من مدرّب حياة وركّزت على الأولويات الصحية النفسية».

وتتابع: «صحتي النفسية أصبحت أولويتي، وكذلك صحة أعضاء فريق العمل، وكان لذلك تأثير إيجابي في أدائهم العام وقدرتهم على التعامل مع الضغوط الخارجية. الدرس المهم الذي تعلّمته هو أنه «يجب أن تأخذ بصحتك النفسية والجسدية والعاطفية منذ البداية في رحلتك الريادية. لا تدع السعي نحو النجاح يُلهيك عن رعاية نفسك في كل خطوة تخطوها»... طلب المساعدة والثقة بالنفس كنساء رائدات أعمال هما أساس قوّتنا الحقيقية».


أحدث صيحات عالم الديكور للعام 2024

وتتحدث المهندسة المعمارية عن أحدث التصاميم السائدة في العام المقبل فتوضح: «أنا على يقين بأننا جميعاً نحب الأشياء الجديدة والمثيرة، ولكن بالنسبة إليّ، عالم التصميم يتعدّى كونه مجرد موضة عابرة. أنا أهتم أكثر بالدوام والاستدامة في التصميمات، بالأفكار التي تحتفظ بجاذبيتها على مرّ الزمن، وليس لموسم واحد فقط، لكن هذا لا يعني أنني أتجاهل الاتجاهات الجديدة. في الواقع، في رحلتي الأخيرة إلى معرض «سالوني» في ميلانو، لاحظت الكثير من الأفكار المثيرة. العديد من المصمّمين استمدّوا الإلهام من الطبيعة، وأحببتُ هذا الاتجاه بالفعل. الأقمشة التي تشبه الأشكال الطبيعية، الألوان المحايدة التي تذكّرنا بالأرض والسماء، كلها تضفي أجواء هادئة ومريحة على الديكور». وتضيف المنصوري: «لاحظت أيضاً ظهور بعض الألوان الزاهية والجريئة. بصراحة، أنا أحب هذا التوازن بين الهدوء والحيوية. إن استخدام الألوان الزاهية بحذر هو طريقة رائعة لإضافة القليل من الحياة إلى المساحة. أما عن الاتجاهات التي قد تختفي فأجد أن هذا يصعُب التنبّؤ به. الأشياء تتغير دائماً، وما يبدو جديداً ومثيراً اليوم قد يصبح قديماً غداً. لكن الجميل في عالم التصميم هو أنه دائم التجدّد والتطوّر».

تجنّب الإضاءة السيئة

وتؤكد سيماء المنصوري: «أعتقد أن أكثر الأمور التي تجعل المكان مملاً هي الإضاءة السيئة، وأن يكون هناك طقم كامل من الأثاث. أحب أن أجلب قطعاً من تصاميم مختلفة وأجمعها معاً بأسلوب متناسق وإضافة إضاءة منتشرة مثل الإضاءة الموجّهة نحو القطع الفنية أو مصابيح الطاولة التي يمكن تعتيمها، فهذه قد تشكّل حلاً سريعاً للمكان وتجعله أكثر حيويةً. إضافة إلى النباتات التي يمكن أن تبثّ الحياة في المكان، ولكن يجب اختيار النباتات التي تتناسب مع الأسلوب العام وحجم المكان».


اختيار الألوان ذوق شخصي

وعن اختيار الألوان، تقول المنصوري: «يجب علينا أولاً أن نتعلم ونتثقّف بشأن دائرة الألوان وكيفية تفاعل كل لون مع الآخر. فذلك يتيح لنا فهم كيفية تأثير الألوان في المزاج والأبعاد المختلفة لحياتنا، وبعد أن نكتسب المعرفة بدائرة الألوان، يمكننا البدء في عملية اختيار الألوان ومطابقتها مع بعضها البعض». وتضيف: «يجب أن نتذكر أن اختيار الألوان يعتمد على ذوقنا الشخصي وشخصيتنا الفردية. ما من قواعد صارمة، بل اعتماد على الانطباعات الشخصية والتفضيلات الفردية. لذا، دعونا نستمتع بعملية اختيار الألوان ونعبّر عن أناقتنا وروحنا من خلالها. لنجعل هذا الاختيار فرصة للتعبير الحر ومصدراً للبهجة، ولنجعل من محيطنا مكاناً جميلاً ومريحاً يعكس ذوقنا وشخصيتنا».

نصائح قيّمة لدخول مجال الهندسة

وتنصح السيدة الإماراتية كل صبية ترغب في دخول مجال الهندسة «بأخذ الأمور خطوة بخطوة: لا تستعجلي الأمور. كل مهمة كبيرة يمكن تقسيمها إلى خطوات أصغر وأبسط. ومع كل خطوة تتقدمين فيها، ستتعلمين شيئاً جديداً. ومن الضروري أن تعلمي دائماً أن العالم يتغيّر باستمرار والهندسة ليست استثناء. لذا، كوني دائماً مستعدة لتعلّم أشياء جديدة، ولا تنسي أن كل تحدٍ تواجهينه هو فرصة للتعلّم».

وتلفت إلى أهمية تحديد الأهداف بالقول: «ابدئي بوضع هدفين بسيطين يمكنك تحقيقهما. وبمجرد تحقيقهما، انتقلي إلى الهدف التالي. هذه الطريقة ستحافظ على حماستك وتساعدك على الاستمرار. وإذا كنتِ تعملين ضمن فريق، ركّزي على العمل الجماعي وتأكدي من أن جميع أعضاء الفريق يفهمون الهدف الذي تسعون لتحقيقه. التواصل الجيد مع زملائك سيساعدك في الوصول إلى نتائج أفضل». وتضيف: «لا تخافي من الأخطاء، فالأخطاء هي فرص للتعلّم. عندما تخطئين، حاولي أن تعرفي السبب وكيف يمكن تجنّب الخطأ في المستقبل. والأهم، ثقي بنفسك، فمع مرور الوقت ستكتسبين الخبرة والمعرفة، وهذا سيعزّز ثقتك بنفسك. الثقة ليست مجرد شعور، بل هي نتيجة للعمل الجاد والتعلّم المستمر. وتذكري دائماً أن الرحلة مهمة أكثر من الوجهة».

وعن مشاريعها المستقبلية، تقول سيماء المنصوري: «‎لديّ الكثير من الأفكار والخطط، بعضها كبير وبعضها الآخر صغير، لكن كلها مهمة بالنسبة إليّ. ومن بين هذه الخطط، التوجّه نحو تكنولوجيا الأعمال، وقد نفّذت العديد من العمليات في شركتي. كما أرغب دائماً في جعل شركتي مكاناً رائعاً للعمل. أؤمن بأهمية بيئة العمل الإيجابية والتي تشجّع الابتكار والإبداع، ولكن ليست كل خططي مرتبطة بالعمل. أريد أيضاً أن أحقق التوازن بين العمل والحياة الشخصية كزوجة وأمّ لطفلين. أعتقد أن النجاح ليس فقط في العمل، بل يتعلق أيضاً بالنمو الشخصي والسعادة الداخلية. لذلك، أسعى لتخصيص جزء من وقتي وجهدي للأشياء التي تجعلني سعيدة ومرتاحة. كما أتطلع إلى مستقبل أشعر فيه بالرضا ليس فقط من النجاح في عملي، بل أيضاً من السلام والراحة في حياتي الشخصية».