الأعمال الحِرفية والثقافة التراثية السعودية

جولي صليبا 26 أبريل 2024

الأعمال الحِرفية هي الأعمال التي يقوم بها الفرد أو مجموعة من الأفراد مستخدمين فيها أدوات بسيطة وتقليدية غير مكلفة وبعيدة تماماً من الآلات الحديثة، بهدف إنتاج سلع ومنتجات محلية الصنع لها طابع خاص شخصي وثقافي وتاريخي. وتحظى الأعمال الحِرفية عموماً بمكانة مميزة في العديد من الدول العربية، ولا سيما في المملكة العربية السعودية حيث الصناعات اليدوية تجسّد الحضارات الأولى للمملكة، وهي جزء لا يتجزأ من الثقافة التراثية. فبعض الأعمال اليدوية تُمثل عادات وتقاليد توارثتها الأجيال وتطورت على مرّ العصور. ثمة مناطق ومحافظات في المملكة تعتمد على الحِرف والصناعات اليدوية كمصدر دخل أساسي لها، وتنفرد بتلك الصناعات دون غيرها كصناعة السُّبحات، والمشالح، والحُلي النسائية وغيرها من الحِرف التقليدية التي استمرت منذ مئات السنين...


على الرغم من التقدّم الهائل الذي تشهده المملكة العربية السعودية في الوقت الحاضر، لا تزال بعض المجتمعات في المدن والمحافظات تمارس المهن الحِرفية التي تمثّل هويتها وتاريخها، ونستعرض في ما يأتي أهم وأبرز الأعمال الحِرفية التي يشتهر بها المجتمع السعودي.


البشوت الحساوية

ازدهرت صناعة البشوت في منطقة الأحساء، مما جعلها الأولى في تصدير البشوت الى مختلف مناطق السعودية ودول الخليج. وذاع صيت «البشت الحساوي» على امتداد الوطن العربي منذ القِدم، وراح يتسابق الآلاف على اقتنائه دلالةً على جودة صناعته يدوياً وحِرفية حياكته ونوعيته التي ميّزته عن غيره.

وقد توارثت الأسر الحساوية أسرار حِرفة صناعة المشالح منذ الصغر، بدءاً من حياكة خيوط البشوت وحتى تركيب خيوط «الزري» الذهبية. وتطوّرت صناعة البشوت كثيراً حتى باتت لها معارض ضخمة تليق بهذا المنتَج الذي يجسد معاني الأصالة والتراث.

«البشت» مسمّى فارسي لقطعة اللّباس فوق الثوب ويُصنع من الصوف أو الوبر، ويُعدّ مصدراً للوجاهة والوقار يرتديه رجال الدولة وكبار الشخصيات. و»البشت» لباس عربي رسمي من القماش يكسو الجسم من الأكتاف إلى الأقدام، ومفتوح من الرقبة إلى الأسفل، وفُتحتا الأكمام ضيقتان وتُطرّز حواشي الفُتحات بخيوط «الزري»، وهي خيوط حريرية ذهبية اللون. إلا أنها تطوّرت في السنوات الأخيرة بوجود تصاميم حديثة ولمسات زخرفية.

يُشار إلى أن «البشت الحساوي» من أرقى الأنواع في العالم حيث اشتُهر عبر العقود بدقّته وفخامته ولا ينافسه من حيث الجودة والسعر سوى نوعين هما: «النجفي» و«الكشميري».


الخوص

لا تزال غالبية النساء السعوديات يتمسّكن بحِرفة صناعة الخوص التي هي أشبه بجسر بين الماضي والحاضر لتخليد التراث المحلي. فالعديد من الأماكن الشعبية والتقليدية في السعودية تعتمد في ديكوراتها على الخوص المزيّن، علماً أن تلك الصناعة كانت منتشرة بكثرة في مدينة الدواسر.

في هذه الحرفة التقليدية في المملكة العربية السعودية، تُستخدم سعَف النخيل مع الجريد المنسوج يدويّاً، لتُصنع منه طاولات الطعام والمحادر والقفف والسلال والمناسف والزبلان والأواني، وكذلك أسِرَّة الأطفال والأقفاص وبعض أنواع الحِبال.

تُجمع سعَف النخيل الأخضر، وتُنشر تحت أشعة الشمس وتُترك حتى تجفّ، ومن ثم تُنقع في الماء حتى تلين، وتحوَّل إلى «سفايف»، وهي جدائل عريضة تضيق أو تتسع باختلاف الإنتاج، ثم تُخاط وتُضَمّ إلى بعضها البعض على هيئة نسيج، ويمكن صبغ السعَف بألوان مختلفة، منها الأزرق والأخضر والأحمر.

ولا تزال هذه المهنة تلقى إقبالاً من نساء المملكة اللواتي ورثناها من أمهاتهنّ، حيث إن صناعة الخوص تزدهر في المناطق التي تكثُر بها أشجار النخيل، والتي تُعدّ بدورها مصدراً أساسياً لصناعته.

كما شهدت هذه الحِرفة دعماً ملحوظاً من الجهات المعنية في المملكة، فلا يخلو مهرجان سياحي أو ثقافي وتراثي من جزء تُعرض فيه تلك المشغولات الفريدة والمميزة.


الحُليّ النسائية

تشتهر صناعة الحُليّ النسائية في المنطقة الشرقية، وتُستخدم فيها خامات مختلفة مثل الأصداف التي يتم استخراجها من البحر، والفضّة والذهب والأحجار الكريمة كاللؤلؤ والمرجان وغيرها... وقد تكون البناقر والخناقة والخشخوش من أبرز الحُليّ وأدوات الزينة التقليدية في المملكة العربية السعودية.

وتُعدّ صناعة الحُليّ التقليدية من الصناعات واسعة الانتشار في المملكة العربية السعودية لما للحُليّ من دور أساسي في جمال المرأة، وهي أساسية بالنسبة إلى العروس وتقدّم لها مع مهرها. علماً أن نساء المدن في المملكة العربية السعودية أكثر اقتناءً للحُليّ المصنوعة من الذهب والمرصّعة بالأحجار الكريمة، أما البدويات والقرويات فتكون حُليّ غالبيتهن من الفضّة.


السُّبحات

تعتبر صناعة السُّبحات من الصناعات الحِرفية وجزءاً من الموروث الحضاري والثقافي والاجتماعي العريق الذي تتوارثه الأجيال المتعاقبة في المملكة العربية السعودية. كما تمثل تلك الصناعة الهوية الوطنية كونها من أهم الروافد التراثية المستوحاة من واقع البيئة السعودية.

تتركّز صناعة السُّبحات أكثر في مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة، ويستخدم الحِرفي القوس والمخرطة والعزاب والمثقاب والمسنّ والقردان... أما المادة الخام التي تدخل في صناعة السُّبحات فهي عظام الحيوانات وبالأخص السير التي يتم استخراجها من البحر، ثم يعمل الحِرفي بعد ذلك على حفّها ونقشها وتلوينها. وتختلف أسعار السُّبحات باختلاف المادة الخام الخاصة بها، وحسب الزخرفة والنقشة الموجودة عليها.


القوارب الخشبية

شاعت صناعة القوارب الخشبية وكثُر استخدامها إلى حدّ كبير في مهنة الصيد بين سكان المناطق الساحلية في المملكة العربية السعودية. فقد كانوا يصنعون القوارب والشّباك ويخرجون إلى الصيد. ولا تزال هذه المهنة قائمة حتى اليوم وطغى عليها الطابع التراثي.

وتعتمد صناعة القوارب على الأخشاب التي تكثُر في المناطق الساحلية الجنوبية الغربية للمملكة ومصدرُها شجر الأثل. وتستغرق صناعة القارب نحو 60 يوماً، وتُعرف صناعة السفن والقوارب بــ»القلافة»، ويسمّى صنّاع السفن «قلايق»، وكبيرهم يُدعى «أستاذ».

تجدر الإشارة إلى أن صناعة السفن تتطلب بعض الأدوات مثل الخشب وخصوصاً الساج، وجوز الهند، والصنوبر، والأثل، وكذلك القطن، والمسامير، والشونة، وبعض أنواع الأقمشة لصناعة الأشرعة.

العصايب

صناعة العصايب من أقدم الحِرف التي اشتُهرت بها المنطقة الجنوبية، وكانت تسمى «الخطور العطرية» وتستخدم بوضعها فوق هامة الرأس في الأفراح والمناسبات لتفوح منها رائحة زكية تعج بأنواع الزهور الجبلية، وتضفي طابعاً جمالياً على لابسها. وقد أصبحت هذه الحِرفة الآن صناعة مزدهرة حيت تمتلك السعودية أكبر مصانع العطور ذات الشهرة العالمية.


التطريز

التطريز هو من الحِرف القديمة التي امتهنتها النساء، ثمّ تطورت وشارك الرجال فيها مع مرور الزمن. وتعتمد هذه الحِرفة على مهارة صانعها ولمسته اليدوية وبراعته، حيث يرسم الأشكال بالخيط والإبرة، مستخدماً خيوطاً متنوعة وأشكالاً متعددة ومتداخلة لتظهر بأشكال جميلة تروق لناظرها. وينقش التطريز على بعض الألبسة النسائية كالدراعية بأنواعها المختلفة (كالموركا) في منطقة عسير والمستخدَم فيها خامة القطيفة، وكذلك (أم عصا وأم سفرة)، كما ينقش التطريز على بعض أنواع أغطية الرأس النسائية؛ كالشيلة أو ما يسمّى قديماً «المريشة»، ويُستخدم التطريز على بعض الألبسة الرجالية كالثوب المرودن وغترة الصوف والطواقي المطرّزة بـ»الزري» أو الحرير.


الصناعات الليفية والنسيجية

تعدّ الصناعات الليفية والنسيجية من أشهر الصناعات الحِرفية السعودية حيث تُستخدم الخيوط الليفية المستخرَجة من أشجار النخيل في صناعة النِّعال والحقائب وبعض الأغراض الأخرى، مثل الحِبال وغيرها بالاعتماد على استخدام ليف النخيل.

ولا تقلّ الصناعات النسيجية أهميةً عن الصناعات الليفية؛ ومن أشهر الصناعات النسيجية في المملكة، صناعة البشوت والمفارش والكليم والأغطية والمفروشات الأرضية وبعض الملابس، والتي يتم الاعتماد في غزلها على أجود أنواع الخيوط وأقواها، علماً أن الكثيرات من نساء المملكة ما زلن يمارسن في هذه المهنة.