بين اللغة الأم واللغة العلمية واللغة الموضة ماذا يدور في رأس الطفل؟

اللغة أجنبية, العودة الى المدرسة

15 مايو 2013

«فاجأني خالد. فهذا الطفل الصغير حاد الذكاء، لكنه لا يستطيع أن ينطق جملة عربية  واضحة. فهو يمزج لغته العربية الأم باللغة الإنكليزية حين يعجز عن التعبير عما يريد قوله، لأن بعض المفردات تعرف إليها بلغة ثانية. فمثلاً يقول  «I want to play  مع ريما».
ولعلّ خالداً مجرد نموذج. فكيف يتعلّم الطفل لغته الأم؟ هل من الصواب تعليمه لغة ثانية في سن مبكرة؟ وهل يصح المثل القائل «العلم في الصغر كالنقش في الحجر»؟ وما هي السن المناسبة لتعليم الطفل لغة ثانية؟ وما أهمية تعليم الطفل لغة ثانية وثالثة؟
«
لها» حملت هذه الأسئلة إلى اختصاصية علم نفس الطفل كالين عازار.

كيف يتعلّم الطفل لغته الأم؟
يتمكن الطفل من فهم اللغة قبل أن يتكلم ولا يتقنها إلا من خلال التواصل مع الآخرين وخصوصاً أهله، إذ تعتبر السنوات الأولى من حياته مرحلة حاسمة في تطور قدراته اللغوية.
فهو يتعلم النطق بالانتباه والتكرار والتقليد، ويحوّل بالتدريج الأصوات التي يصدرها إلى كلمات يمكن فهمها. وتعبّر الكلمات الأولى عن اهتماماته وحاجاته المباشرة، وعما يجذب انتباهه من الأشياء والأفعال التي تحصل في محيط بيئته.

هناك الكثير من الأهل يفضّلون التحدّث إلى أطفالهم بلغة أجنبية منذ بدئهم الكلام ، لظنهم أن اللغة الأم يتعلّمها تلقائيًا. فهل هذا الأسلوب صحيح؟
من الضروري أن يتعلّم الطفل خلال سنواته الأولى لغته الأم حتى يتمكن من التعبير عن نفسه وتطوير مداركه المعرفية كلها. ويتحقق إتقان اللغة عن طريق التكرار والتواصل مع أهله الذين يشكّلون بالنسبة إليه مصدر الأمان النفسي والاجتماعي.
فمن المعلوم أن اللغة هي نظام صوتي ونظام نحوي. وبالنسبة إلى الطفل تتشكل اللغة تبعًا لروزمانة بيولوجية.
الأصوات حتى سن الخامسة والقواعد حتى الثامنة. لهذا السبب فإن المدرسة تبدأ بتعليم  اللغة الأجنبية للتلامذة منذ الثالثة.
وبالنسبة إلى الطفل اللغة الأجنبية غير موجودة، ففي هذه السن فإن المضمون الطبيعي والأبعاد العاطفية والمحيط هي الموجودة، والطفل يتعرّف إلى اللغة الأجنبية من خلال الشخص الذي ينطق بها، فإذا أحبه أو اهتم بلغته فإنه سيتكلمها.

ما الطريقة  المثلى لتعليم  الطفل لغة  ثانية؟
كي يتعلّم الطفل لغة أو أي نوع من أنواع المعرفة فإنه يستعمل كل حواسه.  لذا فإن أمورًا بسيطة تقوم الأم بها مع طفلها، مثلا، احتساب عدد درجات السلم  أو قراءة قصة يحبها بلغة أجنبية أو اسماعه أغنيات باللغة الأجنبية  وسائل ممتازة تعزّز علاقته باللغة الأجنبية، بدلاً من تعليمه لائحة من المفردات الأجنبية.
وكذلك اللعب أو حتى تحضير الطعام مع والدته فإنه يشرك الطفل جسديًا في تجربة تعلّم واسعة. لذا يمكن الأهل إيجاد نشاطات تنبه الحواس وتناسب مستوى الطفل الفكري وتحترم حاجته، فإذ أُخذت هذه الأمور بالاعتبار فإن تعليم لغة ثانية في مرحلة الحضانة حين يكون دماغ الطفل مرنًا جدًا ويستطيع تخزين كل ما يتعلّمه، يكون سهلاً .
من الأفضل أن يتعلم الطفل لغة أجنبية في سن مبكرة لأن قدرة الاستيعاب عنده قوية، وبالطبع بعد تعلّمه لغته الأصلية.

هناك بعض الأهل لا يتقنون اللغة الأجنبية. فما هي الطريقة المفيدة لتعليم الطفل لغة ثانية؟
من المعلوم أن القراءة للطفل بدءًا من سن الستة أشهر هي الخطوة الأولى والأساسية لتعليمه إتقان اللغة، والهدف هو تعويده على الاستماع وتنمية قدراته اللغوية. ويشترط بعامة  أن تُقرأ له القصص بلغة الأهل الأصلية.
فالطفل حين يتقن لغته يصير من السهل عليه تعلّم لغة أجنبية أخرى.
مثلاً إذا اعتادت والدته القراءة له باللغة العربية قصة تتناول موضوع نمو النبات، فإنه لن يجد صعوبة في فهم القصة نفسها عندما تقرأها له المعلّمة باللغة الإنكليزية، أو تشرح له درساً عن النبات، ومع التكرار سوف يتمكن من إتقان هذه اللغة الجديدة.

ولكن أحيانًا يحدث أن التلميذ يتراجع أداؤه المدرسي لاسيّما في المواد العلمية لأنها تدرّس بلغة أجنبية لا يتقنها بشكل جيد ماذا على الأهل أن يفعلوا؟
بالفعل هذا يحدث كثيرًا مع بعض التلامذة الذين لا يتداولون اللغة الأجنبية في البيت لأن الأهل لا يتقنونها إطلاقاً، في هذه الحال أنصح الأهل إما بتعيين أستاذ خصوصي إذا كان التلميذ في المرحلة الإبتدائية يساعده في فهم المادة العلمية ويتحدّث إليه باللغة الأجنبية.
أما إذا كان في سن المراهقة فمن المفيد جدًا إرساله إلى معهد لغة في أيام الإجازات المدرسية مما يساهم في شكل كبير بتحسين لغته الأجنبية.

ماذا عن الأهل الذين يتكلّمون مع أطفالهم جملاً مركّبة من لغات عدة؟
من الممارسات الخاطئة عند الأهل التحدث مع الطفل بلغتين أو ثلاث في الجملة الواحدة فمثلاً تناديه أمه «حبيبي give me come قبلة». وهذا خطأ لأن الطفل قد يشعر بالارتباك.
فمركز اللغة في الدماغ أصبح ممزوجاً بمفردات غير مرتبطة ببعضها لغوياً. لذا أنصح  الأهل الذين يتقنون لغة ثانية ويريدون تعليمها لطفلهم، أن يستخدموها في نشاطات معينة يكون الحوار فيها باللغة الأجنبية.
فمثلاً إذا أرادت الأم أن تلعب مع طفلها يمكنها أن تجعل الحوار خلال ساعة اللعب باللغة التي ترغب في تعليمه إياها. وأنبّه هنا  إلى أنه من الخطأ تصحيح أخطاء الطفل اللغوية مباشرة بل يجب أن نعيد على مسامعه ما قاله، ولكن في شكله الصحيح.
مثلاً إذا قال الطفل لأمه: I playing my friend  عليها أن تردد ما قاله في شكل صحيح Ah you are playing with your friend  فبهذه الطريقة سوف يتنبّه للخطأ فوراً.

«الموضة» السائدة اليوم أن بعض الأهل يصرّون أن يتعلم أبناؤهم لغة ثالثة كالإسبانية أو الألمانية. فهل يمكن للطفل استيعاب لغة إضافية؟
بالفعل هذه الموضة أصبحت سائدة خصوصًا بين فئات المراهقين، وليس فيها ضرر إذا كان المراهق يرغب في تعلم لغة ثالثة. فتعلم لغات
أجنبية يؤدي إلى الإنفتاح على ثقافات شعوب وعاداتها وتقاليدها.
وأنصح الأهل إذا وجدوا هذه الرغبة عند ابنهم أو ابنتهم المراهقة بتحفيزه على هذه الخطوة وتوفير الوسائل التي تعززها. أما فرض الأمر عليهم يؤدي إلى نفور. كما من الضروري ألا يؤثر تعلم لغة ثالثة سلبًا على اللغة الثانية التي يتعلّمها في المدرسة.


عندما تتحوّل الخادمة إلى معلّمة لغة أجنبية

يلفت التربويون إلى مشكلة يواجهونها مع بعض التلامذة وهي رعاية الخادمة لهم في موازاة إهمال الأهل في التواصل لغوياً معهم. فمن الصعاب التي يواجهونها مع بعض التلامذة الصغار عدم قدرتهم على التعبير عما يريدون قوله، وسبب ذلك هو أن الخادمة الأجنبية هي التي تتولى تربيتهم كلياً.

 وهذا لا يعني الحط  من قدرها لكنها لا تتقن غير لغتها.هي لن تقرأ له قصة وإذا تحدثت إلى الطفل باللغة الإنكليزية أو الفرنسية فهي لا تعرفها في شكل سليم.
وربما أدى الأمر إلى إرباك الطفل، ولا يعرف اللغة التي عليه التعبير بها. فصورة اللغة عنده أصبحت مشوّشة. لذا يشدد التربويون على توّلي الوالدين مسؤولية تربية أطفالهما.