روائع العالم في موسكو

سياحة, روسيا, متحف ميتروبوليتان النيويوركي, موسكو, مقاهي , روائع العالم, شرق أوروبا, مطار موسكو, الكرملين, موسكوفا, نهر نيغلينايا, الساحة الحمراء, مراكز العبادة, الأبنية الدينية, القصور, ديمتري ميدفيديف, سور لينين العظيم, السوق القديم, متحف التاريخ,

07 ديسمبر 2009

روسيا، التي كانت امبراطورية القياصرة الواسعة، هي أكبر دول العالم مساحةً، تمتد  في شرق أوروبا وفي آسيا بين البلطيق والمحيط المتجمد الشمالي والبحر الاسود وبحر قزوين والمحيط الهادئ على مساحة ١٧ مليوناً و ٧٥ ألفاً و ٤٠٠ كيلو متر مربع. عاصمتها موسكو ومن أهم مدنها سان بيترسبورغ.

رحلتي الى تلك البلاد لم تكن متوقعة. «الذهاب الى روسيا» مفاجأة حملها زوجي لي وانا لم اهتم يوما بالسفر الى تلك البلاد، كما انني كنت استعد لرحلة اوروبية لكنني شاركت زوجي رغبته عندما قال لي: «اوروبا يمكن الذهاب اليها دون مشاركة أحد اذا رغبنا، اما روسيا فالسفر اليها يحتم علينا البقاء ضمن مجموعة... ولدينا فرصة الآن لهذه الرحلة السياحية التي تنظمها احدى المراكز الدينية وعلينا الإسراع في الحجز... فوافقته رغبته».

بعد التحضيرات، انطلقنا الى تلك البلاد الساحرة ضمن مجموعة ضمت ٤٥ سائحاً. السفر مع الطيران الروسي كان مريحا وخاصة ان روسيا  تبعد عن بيروت ثلاث ساعات ونصف ساعة فقط لذلك اعتبرها لقصر المسافة «رحلة ممتعة».

في  الصباح الباكر وصلنا الى مطار موسكو حيث كانت تنتظرنا دليلة سياحية من الشركة المتعاونة لتنظيم هذه الرحلة.

محطتنا الاولى كانت لتناول الفطور في احد المقاهي  الذي زُيّنت جدرانه بالرسوم الملونة التي تلونت معها فناجين الشاي. بعدها اتجهنا الى الكرملين الذي يقبع على تلة تشرف على منطقة موسكوفا وضفاف نهر نيغلينايا. ويعتبر الكرملين نقطة موسكو المركزية وقلب العاصمة الروسية ورمز عظمتها، ويعود تاريخه الى القرن الحادي عشر اما شكله الحالي فيعود الى القرن السابع عشر.
ويعرف عن الأمير ايفان الثالث انه من الأمراء الذين طوروا الكرملين ( ١٤٧٢- ١٥٠٥ )، لذلك استقدم اشهر المهندسين والنحاتين الايطاليين. ونزور أولاً «الساحة الحمراء»، وهي اجمل مناطق روسيا على الاطلاق  تلفها مراكز العبادة والأبنية الدينية والقصور من الجهات الأربع،  وتضم أيضاً القصر الرئاسي حيث المقر الحالي للرئيس  ديمتري ميدفيديف.

صرخات تعجب وابتهاج كانت تسمع أثر دخولنا هذه الساحة الحمراء. انها أهم ساحات موسكو واجمل ساحات العالم. كانت تسمى ساحة الحريق وتضم أسواق موسكو القديمة. في القرن السابع عشر اطلق عليها اسم الساحة الحمراء وتعني الساحة «الجميلة» في اللغة السلافية القديمة.

لا سيارات أو أي اطارات أخرى تدخل هذه الساحة ولا حتى الحقائب الكبيرة التي أشارت اليها المرشدة لتركها في الباص.

ويحيط بالساحة كما يحدها سور لينين العظيم الذي يمتد معه بناء لمدفن لينين حيث جثمانه (ويقابله من الجهة المحاذية له حصان كبير بحجم طبيعي من البرونز يرتفع عليه شخصه من البرونز)، ويبلغ طول هذا السور  ٢٢٣٥ متراً وارتفاعه يتراوح بين ٥ و ١٩ مترا وعرضه من ٣ امتار ونصف الى ٦ امتار ونصف متر، ويضم ١٨ برجا يتراوح ارتفاعها بين ٢٨ و ٧١ متراً، وأشهر الأبراج هما برج المخلص وبرج الثالوث.

كما تضم الساحة السوق القديم ومتحف التاريخ (قصر السلاح) الذي يحوي ٤،٥ ملايين قطعة من تاريخ روسيا. وهذه الساحة عرفت أعظم أحداث التاريخ في روسيا. وفي الساحة مراكز دينية عديدة.

تكثر الأبنية الحمراء التي تحوط الساحة، وخلف جدار لينين تتوزع قصور ابرزها قصر الامراء وقصر الملذات وقصر البطاركة والقصر الكبير ويعرف بقصر الكرملين أيضاً حيث المقر الرئاسي، وهو مطلي  من الخارج بالأبيض والأصفر، ويعود الى العام ١٨٣٩-١٨٤٩، وتتوزع فيه سبعمئة قاعة تمتاز بالفخامة الفائقة، كما الحق بالقصر آخر يدعى قصر القياصرة.

وفي الساحة سوق قديمة تضم محلات تجارية لابرز الماركات وخاصة من ألبسة، وخلف هذه السوق سوق أخرى  حديثة جداً تلبس الحجارة البيضاء بزخرفة وعصرية. كما دخلنا مركزاً تجارياً كبيراً يبرز من  خلال عمارته الحديثة غنى هذه البلاد وعراقتها خصوصاً ان موسكو باتت تعرف اليوم بانها ثاني اغنى منطقة في العالم.

موسكو ليلا
لم نكتفِ برؤية المكان نهارا فقررنا العودة اليه ليلاً.
وبعد استراحة قصيرة في فندق «الكورستون» من رحلة الطيران ليلا  والتعرف  نهاراً إلى معالم موسكو سريعاً في الباص ثم زيارة الكرملين بمراكزه الدينية ومتاحفه وقصوره عدنا في القطار ليلاً لنتشبع من رؤية الكرملين والساحة الحمراء حيث لا يمكن المرء مشاهدتها دون العودة اليها مراراً.

عندما استقلينا القطار لم نكن بمعية مرشد لكن بمرافقة منظم الرحلة، وكانت الطرفة اننا ركبنا الباص غير الصحيح بعدما عرفنا ذلك من أحد الركاب وبصعوبة تكلمنا مع احداهن تتكلم الانكليزية- فعلمنا ان علينا ترك هذا الباص والعودة الى حيث كنا لنستقل قطاراً. لكن لم نستطع جميعنا دخول قطار آخر لانه على الراكب الاسراع في الدخول لأن الوقت محدد ومتى اقفل الباب لا يفتح. وهكذا انقسمنا فريقين. الأول بصحبة منظم الرحلة، والفريق الثاني علق في محطة قطار ليلحق بنا بقطار آخر.  ولحسن حظنا ان القطارات كثيرة وانتظارها قصير جداً، فما كان علينا نحن الفريق الأول الا ان نترك القطار في أول محطة لنعود ونلتقي الفريق الاخر لنكمل طريقنا معاً قطعنا سور لينين من جهة النهر لنبلغ الساحة الحمراء ونشهد على روعة الانارة التي تزين كل الأبنية ونرثي لحالنا نحن القادمين من لبنان وما نعيشه من مشاكل انقطاع التيار الكهربائي.

ساحات وقصور ومراكز دينية لا تحصى شاهدناها وكأننا في حلم لا نريد ان نصحو منه، ومن أبرز الأماكن ساحة الكنائس وساحة ايفان. هنا تعرفنا على الاماكن التي كان يتم فيها تنصيب الاباطرة وزواجهم... وبرج الاجراس الذي يحتوي على أكبر جرس في العالم. وقد بني بين ١٥٠٥ و ١٥٠٨ بارتفاع ٦٠ متراً، لكن في العام ١٦٠٠ حمل اسم ايفان الكبير وجعل ارتفاعه ٨١ مترا واضيف هذا البرج الى كنيسة القيامة مع برج اجراسها ليضم اكبر جرس في روسيا والعالم ويسمى «جرس الاعياد».

قصر السلاح
لا يمكن زيارة موسكو دون التعرف الى قصر السلاح... رافقنا الى هذا القصر طقس ماطر، لكن جماله ذلّل كل الصعاب.
انه اقدم المتاحف في روسيا ( ١٥٤٧ ) ويضم أهم كنوز الامراء  والقياصرة. قديما كان يستخدم كمصنع للاسلحة القديمة ثم تحول الى متحف لها.عند الدخول تطالعنا صناعات روسية. وفي خزائن من زجاج يبرز  عدد من كراسي العرش، ومنها عرش الامبراطور مانومارك المصنوع من العاج المحفور بالكامل، وعرش من اصل بيزنطي كان لجدة القيصر ايفان. ويتوسطه نسران هما رمز لروسيا اثناء الثورة البولشفية. وهناك أيضاً عدد كبير من الاعلام التي عرفت بها روسيا، أما علمها اليوم فهو  بالأزرق والأحمر والأبيض.

وتشير المرشدة السياحية الى هذا العرش البيزنطي الذي شهد تتويج القياصرة السوفيات كافة، وهو ذاته الذي يعود الى جدة الامبراطور ايفان. ونتطلع الى عرش آخر مصنوع بتصميم شرقي ومزخرف ب ١٥٠٠ حجر كريم و ٨  كيلوغرامات من الذهب الصافي اضافة الى الاحجار الفيروزية. وثمة عروش تعود الى زمن عائلة رومانوف التي حكمت من ١٧١٣ الى ١٩١٧. ويستوقفنا عرش يضم ١٣ كيلوغراماً من الذهب مزخرف ب ٤٥٠٠ حجر كريم ويعود الى اول قيصر من آل رومانوف، ويعرف عن هذا القيصر انه كان ملازماً لعرشه!
وثمة عرش يحوي ٨٥٠٠ حجر كريم هو هدية من جماعة ارمنية لاحد القياصرة. وخلف احد العروش التي تعود الى بطرس الأكبر، نافذة صغيرة كانت تشير من خلالها شقيقة الامبراطور بطرس بنصائحها، وعندما نفد صبره بنى لها حصناً كبيراً اسكنها فيه ليبعدها عنه.

كما يضم هذا القصر مجموعة من تيجان الاباطرة، وأشهرها تاج بطرس الاكبر وتاج بطرس الاصغر وتاج ايفان دو كازان. ولو اردنا سرد ما شاهدنا لن نكف عن الكتابة وخاصة ان القصر مؤلف من طابقين ويضم اضافة الى ما ذكرنا كنزاً ثميناً يبرز جزءاً من تاريخ روسيا.

وتتزين احدى قاعات القصر ب ١٧ عربة خاصة بالقياصرة، وأولاها عربة هدية من ملك انكلترا الى قيصر روسي وكان يجرها ١٠٠ حصان. وعربة من صنع روسي وأخرى تعود الى الامبراطورة التي حكمت روسيا في القرن ال ١٨، وعربات صغيرة خاصة باولاد القياصرة.

وهناك عدد من الاحصنة المحنطة التي تحمل دروعاً وكانت خاصة للسير امام القيصر اذ كان التقليد يحتم سير ١٠٠ حصان امام القيصر.

وزرنا جناحاً خاصاً بثياب العائلة الحاكمة واثواب لمناسبة تتويج زوجات القياصرة . ناهيك بالسجاد والسيوف المطعمة بالماس والذهب والاسلحة... ومحتويات كثيرة من ايقونات  وكؤوس ومباخر ذهبية. وهدايا من سفراء وسوى ذلك...

وتبرز اعلى السقف ١٠٥ صور  لقياصرة رومانوف الذين عملوا على بناء هذا المكان.

محطات المترو
من الامكنة الجميلة في موسكو محطات المترو التي تمثّل قصوراً تحت الارض. روعتها تكمن في اعمال البرونز وزخرفاتها ولوحاتها من موزاييك ورسم، علما انه قد استعمل فيها نحو عشرين نوعا من الرخام والغرانيت والاونيكس.

لكل محطة مترو زخزفات تركز على موضوع معيّن. فمحطة «كونسومول» تمثل لوحاتها الحربية تاريخ موسكو، اما محطة «كييف» فلوحاتها تعكس حالة الشعب في ظل الاتحاد الروسي، كما توحي ان الدولة كانت في حالة جيدة.

وأثناء رحلتنا مررنا بمقر الوزراء ويسمى أيضاً البيت الأبيض، وشاهدنا جسر السفراء المصنوع من زجاج على حوافه. واليه  تكثر الزيارات للامنيات وخاصة للمتزوجين. والى شماله نرى نهر موسكو التي اتخذت منه المدينة اسمها. وعلى ضفاف هذا النهر يتوزع ١٦ مرفأ. كما حط بنا الباص أمام «دير الصبايا» الشهير في موسكو ويقال فيه «كرملين صغير» ويحتوي على ايقونة «سمولنسك» وهي شهيرة جداً في روسيا وتعود الى القرن السادس عشر. كما شاهدنا  ناطحة سحاب هي واحدة من سبع ناطحات في موسكو، ومقر الاستديوهات لانتاج الافلام السينمائية وجامعة موسكو.