من صميم العراقة التونسية

ورق الجدران, صالون إستقبال, تونس, قناطر, المصابيح الجدارية, لوحة / لوحات زيتية, الحديقة السرية , حوض سباحة, الأعمال الحرفية, قاعة /صالة / غرفة نوم, قرية القرميد, حجر الموزاييك, الرخام, جو أندلسي, سيراميك مزخرف, الفنّ المعماري الإيطالي, قاعة /صالة / غ

22 يوليو 2009

من صميم العراقة التونسية هو، ومن قمة الإبداع صُمّم. هذا المسكن تليق به صفة القصر شكلاً ومضموناً. حافظ على الخصوصيات التونسية في الهندسة، من شمالها إلى جنوبها وصولاً الى شرقها وغربها. فهذا القصر الذي يعود الى عائلة مونصف لمين زاميت جمع العمل الحرفي لكلّ المناطق التونسية، فضلاً عن القطع النادرة والهندسات المستوردة من الخارج.

الشكل الخارجي شبه المستدير للمنزل إنعكس إلى الداخل أشكالاً هندسية متفاوتة، لكن طغى عليها الشكل المستدير. وساهمت في إظهاره الأشكال المقبّبة في الطبقة السفلية على الجدران المستديرة التي تخلّلتها فجوات، إستخدمت كممرات الى الجلسات التي ندخلها تحت القناطر. وأشرفت على أجزاء المنزل من علو قبّة من الزجاج أدخلت النور الى الطبقتين، الأولى مخصّصة للصالونات والثانية لغرف النوم. وساهم الجصّ المزخرف بشكله المستدير في إظهار المساحة كلّها مستديرة، لكنّها في  الواقع مساحة مربّعة. ومن هنا تظهر براعة المهندس المعماري الذي عرف كيف يتلاعب بالأشكال بما يتناسب والطابع الذي أراد إظهاره في هذا القصر. ولا شكّ أنّه استوحى التصاميم من الفنّ المعماري الإيطالي خصوصاً في القبة الزجاجية التي إخترقت السقف المشرف على الطبقتين معاً.

وفي الصالونات المربعة إستحدثت قاعة مستديرة تحيط بها الأعمدة المقببة وكأنها تحضن غرفة الطعام وتعطيها خصوصية معيّنة، وتعكس أيضاً على الجلسات جواً حميمياً. ولتكون الأبواب كلّها متناغمة الشكل، صمم الباب الرئيسي للمنزل من الخشب المربّع، يُفتح باب صغير في وسطه بشكل قنطرة. 

اللون الزاهي للجدران الخارجية من البيج المكحّل بلون يصعب تحديده، مزيج من الأخضر والأزرق في الحديد المزخرف للنوافذ والأبواب والدرج إنعكس الى داخل الجلسات حيث الشرفات الكبيرة والأبواب إتّسمت بلونها الزاهي وكلّها بشكل «مشرّبيات» أيضاً لينعكس النور الى داخل الصالونات التي طغى على أثاث بعضها اللون الداكن.

في الجولة على الصالونات المتجاورة في الطبقة الأولى، لا بدّ من التوقف عند القطع الأثرية النادرة. ففي الصالون الأحمر الناري بقماشه المخمل، صندوق من الخشب المنحوت والمرسوم بألوان نارية أيضاً، قيمته ليست في عمله الفنيّ فحسب بل في عمره الذي بلغ الأربعمئة سنة، وبرمزيته المعنوية، بما أنه يعود إلى جدّة المالكة مصنوع في العاصمة الجنوبية لتونس، صفاقس.

كما أنّه يستخدم لنقل جهاز العروس من منزل والديها إلى منزل زوجها. والأواني التي شغلت الطاولات الخضراء كلون الأبواب والنوافذ الداخلية من الفضّة والبرونز، من العمل الحرفي التونسي، إلى جانب الثريات والفازات والمصابيح الجدارية  التي علّقت فوق كلّ لوحة زيتية. وهذه اللوحات تحكي بدورها عن حضارة بعض البلدان العربية لرسامين تونسيين وعراقيين.

السقف الذي قابل الأرض من الرخام البيج، لبس الجصّ المنقوش برسوم عربية وبأشكال متفاوتة. غرفة الطعام المستديرة المميزة عن باقي الجلسات، وكأن الأعمدة تعانقها من كلّ الاتجاهات، طاولتها من زجاح وحولها المقاعد باللون البيج.

السلم الذي يقود الى غرف النوم حدد إطاره من الحديد المشغول والمزخرف باللون الأخضر الزاهي كما النوافذ والأبواب. وفي وسطه نافذة مقبّبة من الخشب حولها تناثرت اللوحات الزيتية. وفي هذه الطبقة أيضاً المطبخ بأرضيته الموزاييك تذكّر بالطراز الأندلسي. الطاولة والمقاعد حولها، موقعها استراتيجي تشرف من علو على الصالونات. توحي هذه الجلسة بجلسات المقاهي أو الجلسات الخارجية على الشرفة، إذ يمكن للجالس على الطاولة أنّ يسرّح نظره من القضبان الحديد المزخرفة على كلّ أرجاء المنزل.

الجو الأندلسي حاضر في الحمامات التي تميّزت بكبر مساحتها وببلاطها السيراميك المزخرف بألوان زاهية. والقناطر والأقبية لم تغب عنها، إذ إنّ مرآة أحد الحمامات عبارة عن قنطرة من الحجر بداخلها المرآة. وتزينت الحمامات بشموع معطرّة من الصناعة التونسية إتخذت شكل فاز وضعت بداخلها الورود الحرير.

غرف نوم الأولاد بسيطة التصميم، إلا أنّ غرفة نوم الماكلين اتسمت بعراقة وضخامة. فحائط السرير غُطيَ بالخشب الأخضر المنقوش باللون الذهبي أنبعثت من خلفه الإنارة. أما السرير، فهو من الحديد البسيط التصميم وغطاؤه من الحرير البنّي.

الخارج لا يقلّ جمالاً عن الداخل، فالحديقة مصمّمة بإتقان، جزء منها مخصّص لحوض سباحة كبير، والقسم الآخر لجلسة «الباربكيو» من الحجر والقرميد. إلى جانبه جلسة أرضيتها من الحجر الموزاييك إخترق العشب الأخضر الذي غطّى أرض الحديقة.