مصمّم الأعراس والمناسبات الملكيّة الفنان ريمون شويتي...

أكسسوارات, كريستال, متحف غاليريا بورغيزي, يوسف الخال, الأميرة هيفاء الفيصل, تنظيم الأعراس, الرياضة, أوستراليا, ريمون شويتي, الأمير سعد بن فيصل

01 سبتمبر 2010

ريمون شويتي فنان ونحاتٌ وتشكيلي، مصمّم الأعراس الملكية والمناسبات المخملية منذ أكثر من عشرين عامأً، مبدعٌ وصل اسمه إلى العالمية، وحقّق شهرة واسعة في المجتمع الخليجي خصوصاً. صمّم شويتي أعراس كريمات الملوك العرب وهو اليوم يصمّم أفراح بناتهن.

أعراسه كالأحلام عوالم مشغولة بالسحر والعطر، تتفتّح الخامات بين يديه ربيعاً وتفرح الأعراس بشمس تصاميمه. يزيّن المناسبات بالفضة والذهب وينسج بأنامله فسيفساء من الأشكال والألوان، ينثر بحسّه تفاصيل الزينة فوق الأمكنة فتحتشد طقوس الجمال والحضارات والبلدان في تصاميمه.

من عوالم الفقروالعدم خرج الفنان المرهف إلى عوالم الفنون الواسعة،  ومن الهواية إلى الامتهان تطوّر عمله وأصبح اسماً مضيئاً في العالم العربي. «لها» أجرت معه هذا الحوار.

- من إدارة الغاليريات الفنية في السبعينيات إلى الفنون التشكيلية ومن ثم تصميم الأعراس الملكية، ماذا عن هذه المراحل والانتقالات؟
أبدأ من حيث استهوتني فكرة الفن والطبيعة وأنا فتى في سن المراهقة. تركت المدرسة رغماً عني وأنا في السادسة عشرة  من عمري نظراً لظروفي العائلية والمعيشية الصعبة، كنت كبير العائلة ولدي أربعة أشقاء أصغر وكان عليّ أن أضحي. بدأت العمل بأشياء متواضعة كعامل في مسبح أقطع تذاكر الدخول، ثم في محل لبيع الأقمشة أحمّل الصناديق وأنظّف وأشرب من دموعي.
كنت أصنع من علب الكبريت تحفاً أزينها وأبيعها في شارع الحمرا بنصف ليرة. عانيت كثيراً حتى استطعت أن ألتحق بمدرسة للمحاسبة نزولاً عند رغبة والدي، علماً أنني كنت أرغب في الالتحاق بمعهد الفنون وكنت قد حصلت على الشهادة المتوسطة التي تخوّلني الدراسة في المعهد، لكن رفض والدي حال دون ذلك لأن الفن برأيه غير مجدٍ من الناحية المادية.
درست المحاسبة ولم أفهم منها كلمة واحدة لمدة سنة، ثم درست المساحة وهي مهنة كانت رائجة في تلك الأيام بناء على رغبة والدي أيضاً الذي رفض مجدداً طلبي دراسة الفن.

كانت المساحة نوع من العلوم الذي يستدعي الخروج إلى الطبيعة، فكان الأستاذ يشرح وأنا أتأمل في الزهور والطبيعة، أنبش بين الصخور أرقب شكل الأحجار، أرى الجبال وكأنها نساء مستلقيات، كنت أنظر إلى الطبيعة من منظور تشكيلي. بقيت أعمل في النهار وأتعلم في الليل حتى أصبحت قادراً على اتخاذ قراري، فالتحقت بمدرسة خاصة ليلية تعلمت فيها الهندسة الداخلية، ثم بدأت أرسم وأقمت أول معرض لي في الهند بدعم من الروائية الأميركية أناييس نين.

- تعاونت مع الشاعر يوسف الخال وأدرت غاليري «وان» الخاص به قبيل اندلاع الحرب في لبنان؟
ساعدني الشاعر يوسف الخال المعروف بتشجيعه للشباب في إقامة أول معرض لي في لبنان، ثم طلب مني إدارة الغاليري الذي يملكه، بعدها تسلمت إدارة غاليري آخر وعملت إلى جانبه في إدارة محل للزهور في منطقة الاشرفية وبدأت أتعهد تصميم أهم أعراس في البلد، ومن هذه التجربة قلبت مفاهيم الأعراس في لبنان. وبقيت أعمل فيه رغم ظروف الحرب حتى التقيت رجل الأعمال سليم يونس الذي قرّر أن يفتتح «ديزرت روز» في الرياض وطلب مني إدارته فيما كنت أعدّ نفسي للهجرة إلى أوستراليا مع عائلتي الصغيرة هرباً من الحرب.

- من «ديزرت روز» في الرياض حلّق اسمك عالياً في عالم تصميم الأعراس الضخمة؟ 
كانت مهنة الزهور في الرياض لا تزال حقلاً خاماً وقليلون الذين كانوا يعملون فيها أو لديهم فكرة عنها. وضعت تجربتي وقدّمت تدريجياً أفكاري وأسلوبي في العمل وتعرّفت على عائلات كريمة وبدأت أعدّ وأصمّم أعراسهم. قد ساعدني الأمير سعد بن فيصل الذي كفلني وزوجته الأميرة هيفا التي كانت تتحدث عن عملي في كل مكان، وهذا ساهم كثيراً في وصول اسمي وأعمالي، وعاش «ديزرت روز» في تلك الفترة عصراً ذهبياً وبقيت أرسم إلى جانب تصميم الأعراس وأقمت معارض في أوستراليا ونيويورك وبغداد.

- استفدت من كونك فناناً تشكيلياً بعملك في تصميم الأعراس، كيف وظّفت التشكيل في التصميم؟
تركيباتي في عالم الزهور والرسم وهندسة المسرح التي درستها استخدمتها كلّها في هندسة الأعراس، فالمنصة حيث يجلس العروسان هي عبارة عن «ستايج» شبيه بالمسرح لا تقلّ مساحته عن  40 متراً مربعاً، ولا قدرة لأي شخص على تصميم المنصة بشكل إبداعي إذا لم يكن لديه خلفية فنية. أنا أضع هذه الخلفية الآتية من خبرتي في عالم الرسم والنحت والألوان بالأبعاد الثلاثة في تصميم الأعراس، ويلمس كل من يرى التفاصيل تأثير الفن التشكيلي على عملي حتى في تركيبة الورد الصغير.

- نرى في أعمالك حواراً متكاملاً  ما بين المواد والألوان وتفاصيل الديكور كلها، ومن ينظرْ إلى أعمالك يرَ فيها العطر والسحر؟
أنظر من «باليت» الفنان عندما أبدأ توضيب الزهور وتنسيقها، أصنع من التناقضات اللونية مشهداً ساحراً وأعرف كيف يشكل النحات الأبعاد الثلاثة من قطعة خام شجرة أو صخرة. أنا أنحت وأرسم وألوّن في تصاميم أعراسي. لا أتفلسف بل أنقل الطبيعة في عملي،  أعكس شخصيتي في العمل وأعكس شخصية صاحب الفرح، وأنشىء نوعاً من الكيمياء بيني وبين الشخص وخصوصاً العروس، لذلك كثيراً ما سمعت من الفتيات عبارات تؤكد أنهن وجدن أنفسهن فعلاً في هذه التصاميم.

- تستخدم في تصاميمك موادَّ مختلفة: ألمنيوم وخشب وخرز وغيرها. ما هو العنصر الأهم الذي ترتكز عليه في أعمالك؟
الموضوع يفرض عليّ المواد أحياناً، وهنا تلعب الميزانية دوراً أساسياً أيضاً، لكن واجباتي كمبتكر ومصمّم أن أبتكر «ديزاين» من أي مادة مهما كانت متواضعة. يمكن أن أكون قطعة جميلة من  «فاز» أكان من الكريستال الفاخر أو الفخار الوطني. المادة أساسية من دون شك لكن الأهم كيف نُبرز جمال هذه المادة، وكلما كان العنصر خاماً أرتاح اليه أكثر وأوصل فكرتي أيضاً.

إذا كان المنزل «سوبر شيك» و«أنتيك» وغيره، لا أعرض عضلاتي بكمية الزهور التي أضعها، أنا أكمّل العمل كما يكمل العطر شخصية المرأة. عملي خجول، أتسلّل إلى الشخص وإلى المشهد بتواضع لأضفي عليه ما يحتاجه من لمسات.

- لكنك أيضاً بارع في جمع المتناقضات ثلج وورد فواكه برية وبحر...؟
هنا يلعب دور ريمون التشكيلي السوريالي، أنا متأثر جداً بالمدرسة السوريالية  وأحب هذه المتناقضات لأنها تثير التساؤلات وتجعل التصميم أكثر قوة وجذباً.

- بماذا تبدأ عندما تريد أن تصمّم عرساً. أخبرنا من الألف إلى الياء عن خطوات الإعداد للأعراس الملكية الفخمة؟
الأهم بالنسبة إلي قبل التحضير لأي مشروع  هو العثور على كيمياء بيني وبين صاحب المشروع أو العروس على وجه التحديد. أهتم بالشخصية، بنبرة الصوت. أحاول أن أتعرّف إلى أسلوبها وطريقة تفكيرها لأقترب من ذوقها، أول سؤال أسأله للعروس عن برجها وماذا تحب وماذا تكره، أستدرجها بهذا المعنى، لا أعطيها شيئاً من عندي وإنما آخذ منها كل ما يلزمني لأكوّن انطباعاً أو شكلاً للعمل من خلال شخصيتها. إنه يومها وينبغي أن تنال ما تريد. بعد ذلك نتحدث عن الميزانية المتوفرة، ثم أفتح أمامها مكتبتي وفيها الكثير من المراجع والأفكار، ثم أطلعها على خامات وعيّنات وأنواع الزهور الكثيرة، ألتقط طرف الخيط وأبدأ بتنفيذ اسكتشات، وأعرض أمامها في المرحلة الثانية من العمل الأواني والقطع والزهور وغيرها.

- من أين تأتي بكل المواد والإكسسوارات؟ وما هي المدة التي يستلزمها التحضير للعرس؟
 أواجه أحياناً كثيرة صعوبات في العثور على المواد التي أريدها، وأحياناً أضطر للسفر الى أكثر من بلد لساعات فقط مثل  هونغ كونغ لشراء قطع معينة أو الهند حيث مشاغل التطريز اليدوية وإلى أوروبا لأجلب أنواعاً معينة من الزهور وإلى الفيليبين وأحياناً إلى الشام ولبنان. كل ذلك يرتبط بالفكرة التي أعمل عليها. أحياناً تكون العروس على عجلة من أمرها فأختصر التحضيرات بشهر لكنني أتعب كثيراً وأضطر للعمل ليل نهار، وأحيانا يمتد التحضير ستة أشهر أو سنة.

- بالمناسبة ما هو برجك؟
الأسد لكنني لا أحمل كل مواصفات صاحب هذا البرج. دجّنت نفسي وأخذت أفضل ما عنده. بشكل عام أنا لا أؤمن بالأبراج اليومية وإنما بالعلم الفلكي، عموماً لا بد أن يحمل أصحاب البرج نفسه العديد من العناصر المشتركة.

- وماذا عن العريس؟ أليس له رأي في التصميم والديكور؟
العريس لا يتدخل عادة، فقط يأتي إلى العرس مع أهله، لكن الفتيات يقلن لي ملاحظات حول ما يحبه عرسانهن. عموماً بدأت الأمور تتغير تدريجياً وأصبحت أرى أحياناً شباباً سعوديين يأتون ويبحثون معي في موضوع العرس.

- معروف عنك أنك مصمّم أعراس الملوك والأمراء والطبقات الأرستقراطية في الخليج العربي، ماذا يتطلّب العمل مع هذا النوع من الطبقات الاجتماعية؟
السيدات الأرستقراطيات يسعين إلى التميّز بكل بساطة، تنشد هذه الطبقة الكمال. التقدم في شتى المجالات جعل الذوق متقدماً أيضاً وجعل الناس يتطلعون إلى الفرادة والتميّز أكثر. أصبحت السيدات يسافرن أكثر ولم يعدن يرضين بالعادي، وإنما بما فيه إبداع وابتكار. تأتي السيدات إليّ ومعهن أحياناً صور وكتب ومواقع إلكترونية، أناقشهن في التقنيات وفي الممكن تنفيذه وفي الأجمل والأفضل. بشكل عام هن يسعين إلى الرقي في العمل والصدق في التعامل.

- صمّمت أعراس أمهات في الماضي وتصمّم اليوم أعراس بناتهن، مفارقة مميزة ،كيف تشعر وأنت تقوم بهذا العمل؟
عندما بدأت قبل 26 عاماً أصمّم أعراس هذه العائلات الكريمة في المملكة العربية السعودية، لم أفكر يوماً أنني سأبقى طوال هذه المدة وأنني سأصمّم أعراس بناتهم وأحفادهم. أعتقد أن ما جعلني أستمر هو احترامي لعملي ولصاحب المشروع، العمل عبادة بالنسبة لي، زوجتي وأولادي يفهمون هذا الموضوع وقلت لهم منذ البداية أن عملي يجعلني متوازناً وعملي يأتي قبل عائلتي. أحياناً كثيرة لا أنام وأنا أفكر وأبحث عن حلول وأفكار جديدة وفريدة.

- هل أنت مصمم أعراس الملوك والأمراء فقط؟
أنا مصمّم أعراس العائلات العادية أيضاً وهؤلاء أحترمهم وأهتم بتفاصيل أعراسهم كما أهتم بالأعراس الملكية ولا أردّ أية فتاة خائبة تريد مني أن أنظم عرسها مهما كانت ميزانيتها صغيرة وإمكاناتها محدودة. لكن أنا أفتخر طبعاً بعلاقاتي المميزة مع العائلات الكبيرة، وخصوصاًعائلات من آل سعود الذين بدأت معهم قبل 25 سنة، صمّمت أعراس بناتهم ولا أزال أشاركهم أفراحهم.

- آخر عرس صمّمته لمن كان وأي نوع من التصاميم استخدمت وماذا تحضّر اليوم؟
عرس لأحد أفراد آل الشيخ  وكان التصميم شفافاً وهو عبارة عن «بلكس غلاس» وكريستال أعطى انطباعاً وكأن الحفلة في الغيم. وأذكر انه بعد انتهاء العرس توجّهت والدة العريس نحوي وقالت لي مهما أخبروني عنك ومدحوك يا ريمون لم يقولوا إلا عشرة في المئة عن إبداعك، بيّض الله وجهك كما بيّضت لنا وجهنا. أما بالنسبة الى مشاريعي الحالية فأنا أحضّر اليوم لفرح كبير آخر.

 - ما هو أفضل إطراء سمعته؟
تأثرت بمشهد معين أكثر من أي كلام وذلك عندما وصل والدا إحدى الفتيات التي كنت أنظم عرسها، وما إن رأيا ديكور الصالة حتى بدآ بالبكاء. اتصلا بي أثناءها وهما يردّدان ما هذا يا ريمون ما هذا كلّه لا يُصدق...

- تعمل لأشهر وأنت تبني ثم في لحظة تدمّر كل شيء، كيف تشعر في لحظات الخسران هذه؟
نشوتي الحقيقية هي في البناء خلال التصميم والتنفيذ، وبعد أن أسلّم المشروع لا يعود يعني لي الكثير. المخاض الحقيقي هو في ساعات الإعداد والعمل في العذاب والمعاناة والبحث عن المواد لأن هوسي هو إرضاء ذوق العروس وهذا حفر لي اسماً مهماً. الناس يقولون ريمون يصنع المعجزات، ريمون ليس عنده كلمة مستحيل، فانطبعتُ بهذه الصفة حتى أصبحت أسيرها.

- كتاب الأعراس عمل نوعي وضخم  أنتجته بالتعاون مع فنان البيوت والقصور القديمة هاني سماحه. كيف التقيتما على هذا المشروع؟
في حياتي لم أهتم بإنتاجي الشخصي ولا بالتصاميم التي أبتكرها إلى أن تعرفت على هاني، وعندما رأيت كتبه عن بيوت بيروت الراقية وكتابه عن فقرا شعرت بأن هذا الشخص هو من يستطيع أن يبوّب ويوثّق عملي.
وقد أدرجت في الكتاب  كل مكان صورته وله عندي ذكريات. وقد حاز الكتاب نجاحاً كبيراً واتصلت بي قبل فترة شركة نشر عالمية وأخبرتني أنهم اختاروا الكتاب من بين أفضل 15 عملاً تضم مشاهد تتعلق بتنظيم المناسبات في العالم. الكتاب لم أطلقه حتى اليوم في الرياض لكنه موجود في متاجر «ديزرت روز» وفي مكتبة أنطوان في بيروت.

- المشاريع التي تعد نفسك بها؟
طموحي ليس له حدود ولدي مشروع سأنفذه إذا ما عدت إلى بيروت واستقريت فيها، هو عبارة عن ملتقى ثقافي فني. ويؤسفني أنني عقدت أمالاً كثيرة على شباب علمتهم ووجهتهم فتركوني وهم يحاربونني اليوم، وهذا يشعرني بالأسى فعلاً. لكن كل معاناتي في هذه الحياة كوفئت بالناس الذين التقيهم عن طريق الصدفة من دون موعد أو تخطيط، أنا أدين بالجميل لهؤلاء الأشخاص الذين وضعتهم الحياة أمامي عن طريق الصدفة.