علاقة المرأة بالأحذية!

خطوط الموضة, أحذية, أحذية نسائية

12 مايو 2009

من لا يتذكّر قصة «سندريلا» وأميرها على جواده الأبيض؟ لهذه القصة تبعات إجتماعية وخلفيّات نفسية قد لا يستطيع الجميع تمييزها. بيد أنّها تعكس في مرحلة ما، العلاقة الوطيدة التي تجمع ما بين المرأة والحذاء! فكما يُقال، بحث الأمير في أنحاء المملكة عن الفتاة المثالية التي تناسب قدمها حذاء من الكريستال الشفاف، الأنيق، لتصبح مليكة على قلبه...
فلكلّ سيّدة قصّة مع الحذاء، لا تخلو من الإنعكاسات النفسية. إذا ما نظرنا إلى خزانة أيّ إمرأة، فسوف يقع ناظرنا على ما لا يقلّ عن عشرين زوجاً من الأحذية المختلفة الأشكال والألوان والموديلات والأكسسوارات. فمنها المفتوح منها المغلق، ومنها ذات الكعب العالي الرفيع، أو الكعب العريض، ومنها أحذية للرياضة والإستعمال اليومي، ومنها ما يليق بالسهرات والمناسبات..  وتكرّ السبحة إلى ما لا نهاية. والسبب؟ قصة عشق أزلية!  «قولي لي أيّ حذاء تنتعلين، أقل لكِ أيّ سندريللا أنتِ!» تشرح الإختصاصيّة في علم النفس نانسي  منصف العلاقة ما بين المرأة والحذاء، والأبعاد النفسية والإجتماعيّة التي قد يراها الجميع. كما تعطي السيدة ميرنا شمص من خلال خبرتها الواسعة في مجال بيع الأحذية النسائية، بعض الشهادات عمّا قد لاحظته في مجالها أثناء تسوّق النساء وشرائهنّ الأحذية. فليس الأمر مجرّد إبتياع غرض عابر، بل هو إنتقاء وفق معايير عدّة!


علاقة متينة
من المهمّ التنويه بأنّ لكلّ إمرأة تعلّقاً خاصاً بأحذيتها، وقصّة خاصة بها، تعود بها إلى ذكريات وأوقات غابرة. لكن تبقى قصة «سندريلا» من أبرز ما يتعلّق بحكايات الأحذية الخيالية. من جهة أخرى، إبتكرت الأميركية نانسي سيناترا، طريقة المشي والتبختر التي تليق بالسيدة اللبقة، عبر وضع عدد من الكتب فوق الرأس ومحاولة المشي بإستقامة مع إنتعال الكعب العالي الرفيع. تفسّر الإختصاصية منصف العلاقة القديمة القائمة ما بين المرأة والحذاء، «فكلمة Shoe أي حذاء من أصل أنغلو-ساكسوني ومعناها تغطية منطقة حسية مثيرة في الجسم. ولعلّ سونجا باتا، صاحب محلاّت باتا العالمية كان أوّل من قال إنّ الحذاء هو المفتاح إلى شخصية الفرد. فإختلاف أنواع الأحذية التي قد تختارها السيدة، ما هو إلاّ دليل على شخصيتها وما تحاول إبرازه للناس، وطريقة عيشها ونمط تفكيرها». قد يستغرب البعض ذلك، لكن لكلّ شيء في الحياة تفسيرات أعمق من تلك السطحية التي نراها.
وتقول منصف: «يشكّل الحذاء نوعاً من الثبات والإستقرار في الحياة. فهو لا يتغيّر، بمعنى أنّ خسارة الوزن أو زيادته، أو تغيّر الجسم لا يؤثران على الحذاء الذي يبقى هو هو. إذ لا يملك «أردافاً وأوراكاً» تمنع المرأة من إختيار ما يعجبها ويناسبها، بل يظلّ وفياً وصديقاً. كما أنّ إنتعال الأحذية المختلفة الموديلات والألوان والأحجام يتيح للسيدة أن تغيّر أسلوبها من دون الحاجة إلى إبتياع الجديد والتخلّي عن القديم. بل على العكس، تبقى الأحذية مكدّسة في الخزانة، كما الكنوز. إضافة إلى ذلك، يساعد الحذاء ذو الكعب العالي المرتفع على منح الشعور العارم بتحدي الطبيعة والجاذبية والنظم المُعترف بها، بحيث لا تكون الرجلان ثابتتين على الأرض (بمعنى أن يظلّ المرء دنيوياً متواضعاً) بل ترتفع المرأة ويعلو شأنها لتصبح المتحكّمة في حياتها».

مجموعة واسعة
تحذو النساء حذو الممثلة العالمية بريجيت باردو التي تهوى جمع الأحذية. فبعد أن ترعرعت في بيئة فقيرة وحُرمت من إنتعال الأحذية، تغيّرت أوضاعها المادية التي مكّنتها من التعويض عن حرمانها لدرجة أنها باتت تملك زوجاً من الأحذية لكلّ بذلة في خزانتها! وتقول منصف «إنّ هواية جمع الأحذية والتعلّق بها ليست مرضاً نفسياً، بل يمكن تصنيفها بأنها هوس أحياناً، إلاّ في بعض الحالات الشاذة التي قد تصبح فيها عبئاً على الحياة وعرقلة للتعايش. بيد أنّ معظم السيدات يبتعنَ الأحذية الجديدة، لكنهنَ لا يتخلّينَ عن القديمة، حتى لو لم تعد صالحة أو على الموضة. والسبب في ذلك غالباً ما يكون لجانب عاطفي ونفسي، يذكّّر السيدة بالمرحلة التي أمضتها والأوقات التي مرّت عليها».يرمز كلّ زوج من الأحذية إلى نمط معيّن، تتبناه السيدة التي تنتعله. فعلى سبيل المثال، من المعروف أنّ إنتعال الأحذية الأنيقة ذات الكعب العالي الرفيع دليل على الأنوثة والإحساس بالجمال. فيما الحذاء المفتوح بالكامل والمستوي مع الأرض الذي كان يلبسه الناس في الحضارات القديمة يدلّ على بساطة الشخصية والتصالح مع الذات والإنسجام مع الطبيعة والروح المتحرّرة. كما تختلف الأحذية المفتوحة في إعطاء معانٍ مفسّرة. تضيف منصف: «قد يستغرب الرجال كثرة عدد أزواج الأحذية التي تملكها السيدة، كونهم لا يملكون أنفسهم هذا العدد الهائل منها. بيد أنهم أوّل من يلاحظ جمال الحذاء ويثنون عليه ويُعجبون بالطلّة الممشوقة التي يضيفها وينجذبون بالتالي إلى المرأة جرّاء ذلك. فصحيح أنّ المرأة تلبس أوّلاً لإرضاء رغباتها ونزواتها، لكنها أيضاً تتأنق من أجل الرجل».

موضة وترجيحات
إنّ تفصيل علاقة المرأة بالأحذية ليس علماً واضحاً أو معادلات لا تتغيّر أو ثوابت، بل هي تحليلات وترجيحات لما يراه الإختصاصيون. تقول منصف: «من المرجّح أن تكون قصّة الحذاء داخلة في الميتولوجيا، فمنذ القديم وفي القصص الخيالية، يظهر لنا أنّ الجديد هو مرادف للسعادة. وهكذا، عندما تشتري السيدة زوجاً جديداً من الأحذية، بغضّ النظر عن سعره، فسوف تشعر براحة نفسية». ونلاحظ أنه مهما إشتدّت الصعاب وكثرت الهموم، فشراء الأحذية يحيلها أبسط ويكاد يضعنا في جو حالم بعيد... والجدير بالذكر أنّ موضة الأحذية تكرّر نفسها، فتعود كلّ بضع سنوات موضة ما ظنناه قد إختفى. والمثال على ذلك الكعب العالي الذي كان الرجال والنساء ينتعلونه على حدّ سواء في الأربعينات، بعدما روّجت له الممثلة «ماي ويست» التي كانت تتمتع بقامة قصيرة، مما ساهم في إعطائها تكلّفاً أكثر وقامة ممشوقة. بعدها، عمد الجميع إلى انتقاله، لكنه إختفى تدريجياً بالنسبة للرجال... حتى الآن! فكلّ حذاء يعطي رسالة واضحة وتصريحاً جهراً ويثبت موقفاً.

ملاحظات دقيقة
بالإنتقال إلى الشق العمليّ من إنتعال الأحذية وإبتياعها، لا بدّ من التوجه إلى الذين يحتكّون بشكل يوميّ بهذه «الظاهرة». تفسّر السيدة ميرنا شمص، وهي بائعة في محلّ أحذية نسائية، أنّ «السيدات لا يوفرنَ مناسبة لشراء حذاء جديد. فعوض تغيير الثوب بالكامل، تفضل السيدة أن تغيّر الحذاء والأكسسوار والتسريحة والماكياج لتطلّ بذلك بمظهر مختلف وإن في الثياب عينها. فكثيرات يعشقن تشكيل مجموعة متكاملة من الأحذية للظهور في كل المناسبات بكلّ أناقة. وقصّة الكعب العالي، مهما مرّت عليها السنوات تبقى من الأساسيات، بحيث تنتقي المرأة الكعوب العالية الرفيعة لإبراز الأناقة التي لا مثيل لها، وإن على حساب آلام الظهر والأكتاف والتعب الجسدي». والملاحظ أنّ بعض الرجال لا يحبذون أبداً أن تنتعل زوجاتهنّ الأحذية البسيطة من دون كعب، بسبب تغيّر قامة الجسم مع الكعب، فلا يفضلون أبداً رؤية السيدة في الشكل العملي أو الرياضي البسيط، بل يشددون على الطلّة الأنيقة. تضيف شمص: «تفضّل السيدات عموماً شراء أحذية بأثمان مرتفعة، فلا يحاولنَ الإستخفاف بقيمة الحذاء، بل يشترين «الماركات» العالمية من دون تردّد، لما من ذلك من إنعكاسات إجتماعية، تتيح للسيدة أن تتباهى بقيمة حذائها وثمنه ونوعيته. ففي المجتمع، تلحظ المرأة على الفور حذاء الأخرى، وتصنفها حسب نوعية الحذاء وماركته وثمنه والموديل، ما يخلق الطبقات الإجتماعيات والصداقات السطحية المبنية على المظاهر. من جهة أخرى، لا تتوانى المرأة أبداً عن إختيار مجموعة واسعة من الأحذية اليومية لتناسب قدر المستطاع كلّ طلاتها وثيابها، فتعمد إلى شراء ألوان وأشكال لتنوّع في خزانتها. وفي بعض الأحيان قد «تُغرم» بزوح أحذية لا يناسب ما تملكه من ثياب، فتشتريه لتعود بعدها إلى شراء ملابس تلائمه».  تتأثر المرأة أيضاً بمزاجها اليومي لإختيار حذاء يلائمها، فتحتار في أن تختار يومياً الحذاء التي تراه سوف يلبّي رغباتها وينقل الرسالة التي تريد ويعكس نفسيتها ورأيها وذوقها.

مواسم وموديلات
من الجميل أن تدخل المرأة عالماً واسعاً من الخيارات، لا تحدّه سوى القدرة على الإنتقاء! فقد أوجد صانعو الأحذية ما يلائم الجميع ويتناسب مع المناسبات والمواسم والطلات والثياب والموضة. تقول السيدة شمص «لا مجال بعد الآن للتقيّد بنوع واحد من الأحذية. فقد توسّعت هذه الصناعة كثيراً لتلبّي كل الأذواق. ففي الصيف والشتاء، للبحر والجبل، في السهرات والعمل، الحذاء رفيق أبداً دائماً! من الحذاء المفتوح إلى «الإسكربينة» إلى الكعب العالي، إلى الحذاء المبروم أو المروّس، إلى الجزمة العالية أو الحذاء الرياضي، إلى كلّ ما يمكن أن يخطر في البال... أنواع لا تُحصى ولا تعدّ، كلّها لإرضاء المرأة وتتويجها ملكة على مملكة الجمال».قصّة التعلّق بالأحذية من الأقاصيص الجميلة التي تردّنا إلى عالم الأناقة والخيال والحلم.

ملاحظات عابرة
قد لا يركّز البعض منا على كلّ التفاصيل في ثياب الآخرين بعد مضيّ فترة من الوقت على رؤيتها. كما قد لا ينتبه قسم  من الناس إلى تموّجات الماكياج أو طريقة التسريحة التي إعتمدتها إحداهنّ في مناسبة قد ولّت... لكن من المؤكّد أنّ للمرأة ذاكرة قويّة كالفيل في ما خصّ موضوع الأحذية. تؤكّد منصف: «عندما ترى السيدة حذاءً يعجبها في قدم أخرى، تُحفر الصورة في ذاكرتها وتنطبع كل التفاصيل كافة في ذهنها، وقد تحاول حتى إيجاد رفيقه من غير أن تسأل مصدر شرائه أو ما شابه. من «الخصال» و«السمّات» الخاصة بكون المرأة إمرأة!