الأخطاء الطبية في السعودية من الجاني ومن الضحية؟

تحقيق, عيسى حموتي, المملكة العربية السعودية, الخطأ الطبي, تدبيس / تكبيس المعدة, طبيب الجلد, انتصار راغب الطيلوني, فحوص طبية, مشكلة / مشاكل صحية, حقيقة طبية

18 مايو 2009

كشف تقرير رسمي لوزارة الصحة السعودية أن مجموع القضايا المعروضة على الهيئات الصحية الشرعية وصل إلى 1165 حالة موزعة بين المستشفيات الخاصة والحكومية خلال عام واحد. وبلغ مجموع القرارات المتعلقة بالأخطاء الطبية حوالي 209 صدر فيها 102 قرار إدانة و107 عدم إدانة في القضايا المعروضة أمام هيئة الطب الشرعي.  والواقع أننا نسمع الكثير عن الأخطاء الطبية دون أن نجد من يوقفها أو يمنع تكرارها وهذا ما تؤكده هذه الحصيلة التي أعلنتها وزارة الصحة. وفي كل يوم نسمع تذمراً هنا وشكوى هناك دون الوصول إلى حلول نهائية توقف الأخطاء وتحمى حياة المرضى من النساء والأطفال وكبار السن من أخطاء يرتكبها أطباء ومستشفيات تواجه الخطأ المرتكب على أنه قضاء وقدر.  «لها» رصدت في هذا التحقيق قصصاً مروّعة عن أخطاء كلفت الناس حياتهم، موجهين الأسئلة إلى أصحاب القرار في وزارة الصحة وهيئة الطب الشرعي لعلنا نضع الإصبع على الجرح ونفتح باب النقاش الذي يوصلنا إلى حالة جدّية في التعامل مع هذه الأخطار والجرائم التي تهدد مرضانا ومؤسساتنا الصحية.


فهد: شقيقتي ضاعت حقوقها بسبب خطأ طبي
مهى (26 سنة) دخلت المستشفى على قدميها لتُنجب طفلها الثالث، إلا أنها لم تعرف أنها ستبقى محتجزة في المستشفى رهينة الغيبوبة الطويلة وذلك نتيجة خطأ ارتكبه الطبيب الذي أشرف على ولادتها عندما أجرى لها عملية قيصرية. أثناء العملية تم قص الأمعاء عن طريق الخطأ وذلك بحسب ما أخبرنا به شقيقها فهد (35 سنة) الذي روى تفاصيل الحادثة قائلاً: «دخلت شقيقتي المستشفى في حالة ولادة، وأًجريت لها عملية قيصرية لإنجاب الطفل، وتمت بنجاح لتخرج شقيقتي بعد ذلك من العملية إلى المنزل وتعود إلى حياتها الطبيعية. بعد مرور أسبوعين على  العملية علمت من زوجها أن بطنها أصبحت منفوخة بصورة غريبة وأنها تفقد الوعي لفترات طويلة ولا تأكل أبدا. عدنا بها إلى المستشفى وأخبرنا الأطباء بالأمر. وبعد سيل من البحث والتشاور بين الأطباء اتفقوا على إجراء عملية أخرى لمعرفة سبب فقدان الوعي وانتفاخ البطن ليجدوا أن الطبيب الذي أجرى لها عملية الولادة القيصرية قصّ الأمعاء عن طريق الخطأ. فعملوا على خياطة الأمعاء وتصحيح الخطأ كما أخبرونا، وكل ذلك وشقيقتي في غيبوبة تامة. إلا أنهم لم ينجحوا بل بقي الانتفاخ في البطن واضحاً فتم الاتفاق مجددا على فتح مكان العملية للمرة الثالثة وقاموا بشفط الصديد والدم اللذين كانا في بطن شقيقتي، وتمّت خياطة مكان الجرح ومازالت شقيقتي في حالة غيبوبة». ست جراحات أجريت لمها لإجراء تنظفيات داخل الرحم، وهي لم تستيقظ خلال أي عملية. والعملية السادسة والأخيرة هي عملية مفتوحة  استمرّت أسبوعاً كاملاً ولم تأتِ بفائدة. والمهم أن مها ترقد في المستشفى غائبة عن الوعي منذ شهرين! وأضاف شقيقها فهد: «لم يعطنا المستشفى أي تقارير عن حالة شقيقتي، كما أن  الطبيب الذي أجرى لها العملية القيصرية في المرة الأولى اختفى تماما عن الأنظار. حاولنا إيصال معاناتنا إلى وزارة الصحة إلا أن هذه الشكوى لم تكن لتصل إلى المسؤولين. كما أني حاولت أن انشر قصة معاناتنا في جريدة محلية إلا أن هناك من أوقفها. وكذلك أرسلت قصتنا إلى حقوق الإنسان ولم يصلنا أي تفاعل أو تجاوب منهم.  وأشعر بأن حق شقيقتي ضائع وليس هناك من يساعدنا في استرداده أو استردادها وإعادتها للحياة ».

الخطأ في تدبيس المعدة أوصلها إلى الموت
لم تعرف أم إلهام (53 سنة ) أن عملية تدبيس المعدة التي كانت تنوي الخضوع لها دون علم زوجها خوفاً من رفضه ستوصلها إلى نهاية حياتها وتسليم الروح لبارئها في أقل من يومين. تروي القصة ابنتها الهام (32 سنة)، «اتفقت ووالدتي على إجراء عملية تدبيس المعدة دون علم والدي الذي كان يرفض إجراء مثل هذه العمليات خاصة أن والدتي كانت صاحبة سمنة مفرطة ووزن زائد. فقررت الخضوع لهذه العملية دون علم والدي لتقدمها هدية له. لكن القدر سبقنا وأخذ والدتي في غضون أيام قليلة. في يوم إجراء العملية ذهبت ووالدتي إلى المستشفى لإجراء تنظفيات للرحم، كما قلنا لوالدي. دخلت غرفة العمليات واستغرقت العملية بضع ساعات. إلا أن والدتي بعد خروجها من العملية لم تستيقظ وكانت منطقة البطن لديها منتفخة بصورة مخيفة مما أدى إلى دخولها في حالة غيبوبة طويلة استمرّت يوماً ونصف دون الاستجابة لأي مؤثرات خارجية. بدأ الأطباء والمستشفى عملية البحث عن السبب ليتمّ اكتشاف «براعة» الطبيب الذي أجرى لها العملية واستخدامه لدبابيس صدئة، إضافة إلى نسيانه قطعة من القطن في معدتها، مما اضطرّهم لإجراء عملية أخرى لفتح المعدة بالتأكيد دون إخبارنا لعدم كشف الخطأ الذي ارتكبوه. إلا أن الطبيب قال لوالدي بعد حضوره إلى المستشفى إن إجراءات العملية الأخرى يجب أن تتمّ بهذه الصورة لإزالة الدبابيس والاطمئنان إلى حالة المريضة. فوافق والدي على إجراء العملية الأخرى التي لم نكن نعلم هدفها وتمّ فتح المعدة مرة أخرى وأزيلت الدبابيس الصدئة واستبدلت بدبابيس أخرى، وأزيلت قطعة القطن التي كانت منسية داخل المعدة لتخرج والدتي من العملية جثة هامدة لا تتحرك سوى أنها رفعت إصبعها ونطقت بالشهادتين وسلمت الروح لبارئها».

يوسف الحربي: كاد  يوصل شقيقي إلى الموت
يوسف الحربي (23عاماً) بدأ يعاني ضيقاً في التنفس، وبعد عرضه على أكثر من طبيب أخبروه بأنه مصاب بنزلة صدرية. وعند التوجه إلى مستشفى خاص وبعد إجراء فحوص عدّة وصور أشعة أخبره الأطباء أن لديه كيس ماء على الرئة وهو بحاجة إلى علاج وسيغادر المستشفى بعد يومين فقط. وتقول شقيقة يوسف هند الحربي (33 سنة): «كان يشرف على علاج يوسف طبيب مختص في هذه الحالات. وبعد ثلاثة أيام عمل الأطباء على إدخال أنبوب إلى رئة يوسف لسحب الماء، بدأ الأنبوب يمتص ماءً لونه اصفر من رئته. أخبرنا الطبيب أن الأمور تسير في تحسن وانه سيغادر المستشفى قريباً. إلا أن يوسف بقي في المستشفى  لمدة عشرين يوماً، الأمر الذي أقلقنا وطلبنا من الطبيب المشرف على علاجه الإفصاح عن المرض حتى وإن كان السرطان. وفي اليوم الحادي والعشرين قال الطبيب لوالدي أن ابنك لم يبقَ له علاج وعليك نقله إلى مستشفى آخر». أجريت ليوسف عملية أخرى في مستشفى آخر  إضافة إلى إشراف طبيب  آخر على علاجه أكد أن ما حدث ليوسف في المستشفى هو خطأ يتمثل في طريقة إدخال الأنبوب إلى الرئة، فقد فجّر حبوباً صغيرة كانت منتشرة على جدار الرئة مما أدى إلى انتشار ما بداخلها من مواد وفيروسات إلى جميع أجزاء الرئة. وقد تم تصحيح مجرى الأنبوب، وبعد أربعة أيام من إجراء العملية غادر يوسف المستشفى عائداً إلى بيته».

الطيلوني: الديّة الشرعية تُدفع بالتساوي سواء كان المخطئ طبيباً سعوديا أو من جنسية أخرى
من جانبه، ذكر استشاري أمراض النساء والولادة وعقم  النساء والعضو السابق في الهيئة الطبية الشرعية في مستشفى الملك عبد العزيز الدكتور انتصار راغب الطيلوني أن اللجان الطبية التي سعت لإيجادها وزارة الصحة لحل هذه الأخطاء موجودة منذ ما يقارب الخمس سنوات تقريباً ويتلخص عملها في «أن الخطأ الطبي يتم تقديمه في الشؤون الصحية، أو يحقّ للمتضرّر تقديم  الشكوى لمدير عام الشؤون الصحية أو قد تقدم الشكوى لوزير الصحة بشكل مباشر. ويتمّ تحويل كل هذه الشكاوى إلى قسم المخالفات الطبية في وزارة الصحة. ويتلخص عمل هذا القسم في درس الملف. ويتمّ استدعاء الشخص المشتكي لأخذ أقواله. وبعد ذلك تحضر الملفات من المستشفى الذي وقع فيه الخطأ المفترض، ويحوّل الملف إلى لجنة أخرى محايدة في مستشفى آخر  للتدقيق دون الرجوع إلى تقرير المستشفى بشأن الحادثة. في الغالب إن كانت الحادثة وقعت في مستشفى خاص فإن الملف يُرسل إلى لجنة أخرى في وزارة الصحة، وإن وقعت الحادثة في وزارة الصحة فإن الملف يُرسل تلقائياً إلى أي مستشفى آخر كالحرس الوطني أو المستشفى العسكري. وثم يصدر التقرير النهائي الذي يخطّأ فيه الطبيب فيتم إخبار المشتكي بأن الطبيب هو المخطئ في هذه الحادثة، ومن حق المشتكي أن يرفع هذا التقرير إلى اللجنة الشرعية للمطالبة بحقه  لأن قسم المخالفات لا يستطيع منح الدية. ولا نعرف بحدوث الخطأ الطبي إلا إذا وصلنا من المشتكي عن وقوع حادثة في المستشفى تصنّف على أنها خطأ طبي . وهناك الكثير من الأشخاص من يستودع أمره لله ولا يلجأ إلى الشكوى، لذلك لا نستطيع الإلمام بكل الأخطاء الطبية التي تحدث في المستشفيات الخاصة أو في وزارة الصحة».

وأضاف الطيلوني: «تكون هذه اللجنة الشرعية من الرئيس وهو القاضي من وزارة العدل  من فئة (A)، أي أنه من القضاة أصحاب الخبرة الطويلة، إضافة إلى وجود استشاري من التعليم العالي، ويوجد أيضا اثنان من الاستشاريين من وزارة الصحة، وهناك محام، إضافة إلى الكاتب. والقضية تأتي بحسب نوعها، فإذا وقع الحادث في قسم النساء والولادة تُعطى الحالة إلى استشاريين النساء والولادة لدراستها، فإذا كانت ملابسات القضية واضحة يحدّد الاستشاري موعداً لمناقشة القضية في اللجنة. وإذا أسفرت القضية عن وجود خطأ واضح يتفق عليه أعضاء اللجنة فإن القضية تُحال على القاضي ويُحكم على المذنب بحسب الخطأ الذي اقترفه. ولا يجوز أن نُجزم بأن الخطأ يقع على الطبيب وحده لأنه قد يقع على المستشفى أيضاً. وعلى سبيل المثال إن كانت استشارية التخدير تعمل على تخدير مريض وتم استدعاؤها لتخدير امرأة في حالة ولادة وتأخرت عنها فمات الطفل، فهنا يقع الخطأ على المستشفى لعدم وجود نظام مناوب آخر. وسبق أن وقع هذا الخطأ وتحمل المستشفى دفع الديّة كاملة لأهل المتضرر. والديّة الشرعية تُدفع بالتساوي، فالطبيب الذي وقع عليه الخطأ  سواء كان سعودياً أو أجنبياً عليه دفعها، للرجل 100 ألف ريال سعودي وللمرأة 50 ألفاً. وهناك ما يُسمى ديّة الأعضاء، أي على سبيل المثال هناك من يخضع لعملية ويتمّ استئصال كلية منه من باب الخطأ، فإذاطالب أهل المريض بالديّة فهنا لا يُعطى الديّة الكاملة بل يعطى نصفها لأن الكلية الأخرى مازالت موجودة في جسم المريض. وهناك الحق العام الذي قد يحكم القاضي بموجبه بمبالغ مالية تصل إلى 10 آلاف ريال سعودي حسب الخطأ المرتكب، ويتمّ رفع التوصيات إلى مكان عمل الطبيب والمطالبة بإنهاء خدماته لعدم كفايته».

د.عبد الجواد:  لابد من التفرقة بين الخطأ الطبي والمضاعفات التي تحدث للمرضى
قال مساعد مدير الشؤون الصحية في جدة ومدير الرخص الطبية الدكتور محمود عبد الجواد إن الأخطاء الطبية ليست ظاهرة في السعودية، «والدليل على ذلك هو أنه بمقارنة السعودية بدول العالم المتقدمة طبياً نجدها من أقل النسب وهو شيء نفخر به. وبالتأكيد ثمّة عقوبات تُطبق بحق مرتكبي الأخطاء الطبية سواء كان المستشفى أو الطبيب. لكن معظم القضايا المقدمة للهيئة الطبية الشرعية من المضاعفات وليست من الأخطاء الطبية. ولابد من التفرقة بين الخطأ الطبي والمضاعفات المعروفة التي تحدث للمرضى نتيجة لذلك وهي خارج عن إرادة الطبيب ومعترف بها عالمياً. وإذا حدث الخطأ الطبي، لا قدّر الله، فليس هناك اجتهادات تعمل خارج النظام بل هناك نظام معتمد لمتابعة القضية التي تصل إلينا من لجان فنية متخصصة وشرعية تتابعها أولاً بأول وتصدر الحكم فيها. هذه اللجان تتابع كل ما يصل إليها من قضايا للنظر وإعطاء الحكم. وأؤكد أن هذه اللجان لجان فنية متخصصة في مجالها وكذلك شرعية".

وأضاف عبد الجواد: «يمنع أي طبيب من العمل في القطاع الصحي في السعودية إلا بعد تصنيفه وتسجيله من قبل الهيئة السعودية للتخصصات الصحية والتي يتمثل عملها في الاطلاع على الشهادات اللازمة وسنوات الخبرة لدى الطبيب المتقدم، كذلك تخضعه لاختبار للممارسين في القطاع الصحي. وبالتأكيد هذا ما يوفّر الجودة في المواد. وهناك أيضاً المجلس المركزي لاعتماد المنشآت الصحية الذي يعمل على تطبيق الجودة للمنشآت الصحية التي تعمل على التقليل من حدوث الأخطاء الطبية من خلال معايير الجودة التي تقضي برفع مستوى الأجهزة الطبية والتقنية الطبية. كما نجد أن التأمين الطبي وهو الآن خلق مساحة من التنافس بين القطاعين الخاص والعام، أي أن الكل يريد أخذ حصة أكبر من التأمين. لذلك يجب أن يتم التنافس مع أكفأ  الممارسين من خلال مواصفات معينة تخضع لها التأمينات ومن خلال أجهزة حديثة وعلى خطط مناسبة ومميزة، وهي بالتالي أمور ساهمت وستساهم بشكل كبير في الحد من الأخطاء الطبية في المستشفيات".