إحراق فتاة بماء النار

مشكلة / مشاكل إجتماعية, رانية فريد شوقي, إحراق فتاة, المملكة العربية السعودية, عنف ضدّ المرأة, ماء النار, عنف جسدي

17 يونيو 2009

تعرضت الشابة السورية المولودة في السعودية شوق لجريمة بشعة هزت المجتمع. فقد عمدت صديقتها نورة الى سكب مادة الأسيد على جسمها مما أدى إلى فقدان شوق البصر والسمع وتشوه واسع في الجسم. وأجريت لها أكثر من مئة عملية ولا تزال ترقد في مستشفى الملك فيصل التخصصي. «لها» زارت الضحية لتعرف تفاصيل القضية.

شوق (28 عاماً) تحمل ماجستير في التسويق الدولي، وطالبة دكتوراه في التخصص نفسه. قالت لمجلة «لها» إن الجانية نورة كانت من صديقاتها المقربات، وتزورها في منزلها باستمرار وهي بمثابة أخت ثانية لها.

«تعرفت عليها بعد ترددي على المدرسة التي تعمل فيها والدتي. وقبل الحادثة بأربعة أيام طلبت نورة مني مبلغا مالياً، واذكر هنا انه قبل أربع سنوات رغب كفيل والدي أن يفتتح مشغلاً نسائياً باسمه، ومن الطبيعي أن يكون باسم إمرأةً، وزوجة الكفيل تعمل في وظيفة حكومية ولا ينطبق عليها الشرط النظامي، فوافقت نورة على استخراج رخصة المشغل باسمها وأصبحت تستفيد استفادة مادية كبيرة مني ومن والدتي».

وأضافت: «زارتني يوم الخميس في المنزل وجلسنا جلسة عائلية وأخوية ولم يظهر عليها أي شيء غريب. كان معها رضيعها، وغادرت منزلنا الساعة الأولى وأوصلها سائقنا الخاص. وهي تعرف أنني سوف أصوم يوم الجمعة، وقالت لأخي شادي سوف أحضر الإفطار لشوق غداً وعليك إرسال السائق الساعة الخامسة عصراً الى منزلي».

وتابعت شوق: «في يوم الجمعة 9 محرم 1429 (قبل سنة ونصف تقريباً) أتت نورة عند الساعة الثامنة صباحاً ووقتها كنت نائمة وفتحت لها الخادمة. ودخلت إلى غرفتي ووجدتني نائمة، وأنا بطبعي نومي ثقيل جداً، وقامت بربط يدي وركلي برجلها وسقطت من السرير. عندها استيقظت من النوم وكنت قبل شهر قد خضعت لجراحة بقدمي ولا أستطيع المشي دون عكازة. فاجأتني بقيامها بسكب الأسيد عليّ من فوق رأسي إلى كامل جسمي، وهي في حالة هستيرية. ومن شدة الألم والحرارة أسرعت في اتجاه الباب للذهاب إلى دورة المياه، وحاولت فتح الباب، فضربتني على رأسي وطرحتني أرضاً. وكلما نهضت كانت تطرحني أرضاً، وكان حول رقبتي «لفاف». وقتها كان الجو بارداً جداً في السعودية فحاولت خنقي باللفاف. ولوجود مادة الأسيد عليه انقطع، ووصلت إلى دورة المياه».

وزادت شوق قائلة: «وبعدها دخلت نورة إلى دورة المياه وهي شبه عارية، وتصيح من شدة الألم، واتضح لي في ما بعد أنها جلست على مادة الأسيد المتبقية على الأرض. وقتها كان أبي وأمي خارج المملكة، وكان هناك أخي شادي ( 23سنة) في البيت. ومن الصراخ استيقظ من النوم، وأتى وشاهد نورة وهي شبه عارية فأعطاها عباءة لتستر نفسها، فخرجت مسرعة من الغرفة، وكانت تحمل معها كيساً تضع فيه مادة الأسيد، وخرجت من المنزل مسرعة، وشاهدها الجيران».

وعن أسباب ارتكاب صديقتها هذا الفعل قالت شوق: «لا أعرف، وأتمنى زيارتها في السجن لألقي عليها سؤالاً واحداً فقط: لماذا عملت هذا وأحرقتني وشوهتني هكذا؟ نورة تغار مني كثيراً لأني أجمل منها، وأفضل منها مادياً وثقافياً».

رفضت شوق التعويض من الجانية مطالبة بالحد العادل، كما طالبت الجهات المختصة بعدم السماح ببيع المواد الكيميائية لعامة الناس، بعمليات النظافة بهذه المواد، وذلك للحد من استخدامها في الاعتداء على الآخرين.

يذكر أن الجانية نورة الموقوفة في سجن الملز في مدينة الرياض تبلغ من العمر 34 عاماً، وهي أم لأربعة أبناء وتعمل مساعدة مديرة في مدرسة أهلية خاصة.

وقد قالت حسب إعترافاتها للشرطة: «الساعة الثامنة والنصف صباحاً اتصلت بالسائق الخاص بالمدرسة الأهلية التي أعمل فيها مساعدة للمديرة. وبعد وصوله ركبت معه، وأخذت معي علبة الأسيد ووضعتها في كيس أحمر، وطلبت من السائق التوجه الى منزل أبي شادي. قبل وصولي اتصلت بخادمتهم روبي مرتين من الجوال الذي وجهت منه رسائل تهديد منذ فترة. وبعدما طرقت باب الشقة فتحت الخادمة الباب. اتجهت مباشرة إلى المطبخ وأخذت وعاء بلاستيكياً وذهبت إلى غرفة شوق وقمت بإغلاق الباب وقفله بالمفتاح، ثم سكبت الأسيد في الوعاء البلاستيكي. أيقظت شوق من النوم بغية التفاهم معها وحل خلافات بيننا تتعلق بأمور مالية وعلاقتنا ببعضنا. لكن لم أشاهد منها إلا عدم مبالاة، فأخذت الوعاء وسكبته عليها وسكبته على نفسي ولم أكن أعلم مضاعفاته أو تأثيره. وعندما شاهدت الدخان ركضت شوق وأنا خلفها إلى الباب واتجهنا إلى الحمام، ولحق بنا شادي بعدما سمع الصراخ. وحضر الجيران ثم رجعت الى الغرفة وأخذت العباءة  والأسيد المتبقي ووضعته في الكيس ولبست معطفاً أعطاني إياه شادي والخادمة. وحضر الجيران ثم رجعت الى الغرفة وخرجت من الشقة إلى المصعد وصعدت إلى الطبقة الثالثة، وشاهدت أم غسان. ثم نزلت الى الطبقة الأرضية  وخرجت من الباب الشمالي للعمارة ووضعت الكيس والأسيد بداخله وركبت مع السائق الذي كان ينتظرني واتجه بي إلى منزلي».

 

الوالدة الحزينة والشقيق

والدة شوق قالت بصوت يكسوه الحزن: «لم أصدق أن نورة فعلت ما فعلت لأنها كانت طبيعية بتصرفاتها ولم ألاحظ عليها أي شيء يدعو الى الشك. ولكن بعد اعترافها ذهلت من تصرفها لأني كنت اعتبرها ابنتي الثانية، وكان والد شوق لا يشتري أي شيء لإبنته إلا ويشتري مثله لنوره».

وأضافت دامعة: «لن نتخلى عن شوق وسوف نعالجها حتى اذا بعنا كل ما نملك. وأشكر ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز _ شفاه الله _ وأشكر الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير الرياض ونائبه الأمير سطام بن عبد العزيز على وقوفهم معنا في هذه المحنه التي هي اختبار لنا».

أما شادي فقال: «في ذلك اليوم كنت خارج المنزل لأشتري بعض الحاجيات، وبعد رجوعي دخلت غرفة شوق وكانت مستغرقة في النوم. خفضت صوت التلفاز ثم ذهبت الى غرفتي لأنام، وبعدها استيقظت على صراخ يصدر من غرفة أختي وتوجهت الى الغرفة ولم أجدها، وتوجهت الى دورة المياه وشاهدت شوق تحترق بمادة الأسيد والمتهمة نورة قربها. وطلبت من الجيران الاتصال بالإسعاف. جميعنا صدمتنا هذه الجريمة البشعة والوحشية التي ارتكبتها فتاة قريبة لنا، وأحمد الله أنني لم أعلم أن الجانية نورة وقتها».  

من جهته، أكد الدكتور محمد علوش أستاذ القانون الدولي والد المجني عليها ومحاميها في الوقت نفسه ان العائلة طالبت بالقصاص وأردف بقوله: «ربما تأخرنا في الادعاء أمام الجهات المختصة بسبب حداثة خروج ابنتي من المستشفى، فقد تلقت علاجها في المستشفى لمدة سنة تقريبا. نية نورة كانت مبيتة وسبق أن تلقينا قبل الحادث رسائل تهديد على الجوال بحرقنا وحرق البيت، وهذا ما تم بالفعل، فقد تعرضنا قبل عامين لحريق هائل في المنزل ولم نكن نعلم أنها الفاعلة، ونحن سائرون في القضية حتى نصل الى العدالة».

وأضاف علوش أن القاضي «الذي ينظر في القضية في المحكمة العامة بالرياض، حدد موعداً للجلسة المقبلة فور صدور التقرير الطبي من مجمع الملك سعود الطبي، وذلك للوقوف على الحالة الصحية لابنتي بشكل مفصل».

وأكد أن الحادثة محل استغراب، فالعلاقة التي تربطهم بالجانية امتدت عشرة أعوام، اذ كانت ابنته تدير مشغلاً نسائياً لكفيله مسجلاً باسم الجانية. «إلى هنا والأمور وحياتنا تسير على أفضل حال. قبل ثلاث سنوات بدأت الأحوال تتغير بشكل تدريجي، فمن رسائل للجوال تحمل تهديداً بالقتل إلى إحراق السيارة والمنزل» وتطور الأمر وازدادت رسائل الجوال التي راحت تصل إلى هاتف زوجته لعامين كاملين، بعدها أُحرقت سيارة ابنه وهي من نوع جراند شيروكي عند المنزل، زاد الوضع تأزماً وبعد مضي ستة أشهر أُحرق منزلهم بالكامل وهم خارج المملكة. لم يتوقف الوضع واستمر التهديد ليأتي يوم التاسع من محرم 1429هـ عندما تلقت الخادمة اتصالاً من الهاتف الذي كانت تصلهم منه الرسائل مرتين دون أن تجيب عليه، بعدها طرقت الجانية باب المنزل الذي لم يكن فيه سوى شوق وشقيقها شادي لتدخل إلى شوق، وتقوم بفعلتها النكراء.

وأضاف علوش ان ابنته نقلت إلى مجمع الملك سعود وقد فقدت النظر وتشوهت العينان وفقدت أذنيها ونصف الأنف، وشعر رأسها، مع تشويه كامل للوجه والصدر واليدين والرجلين.

وتابع علوش: «ذهبت الجانية الى مستشفى الملك خالد للعلاج نتيجة تعرضها لحروق في يديها. وكانت الشرطة وقتها قد تلقت بلاغاً بالحادث وعلى الفور تم القبض عليها وفي حوزتها هاتفان محمولان كان أحدهما الذي تصدر منه رسائل التهديد، واعترفت بجريمتها».

وزاد: «تقدمت بالقضية للمحكمة بطلب القصاص من الجانية، وتدخل عدد من الوسطاء للصلح. وبالفعل تم ذلك مقابل العلاج الذي يكلف ما يقارب 7 ملايين ريال إلا أنهم أثناء الجلسة عرضوا علينا مبلغ 300 ألف ريال على ان يتم الاتفاق على سبل تقديم بقية المبلغ لاحقاً. إلا أنني رفضت ذلك الطلب».

واختتم علوش حديثه وعلامات الحزن قد ملأت وجهه قائلاً: «ابنتي لم تذق طعم النوم منذ الحادث وتعيش حالة نفسية صعبة، وما أن يحل الليل يتهيأ لها ان الجانية نورة عادت. كما أن والدتها قد تركت العمل وتفرغت لملازمتها».

 

رأي شرعي

قال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن التركي المحاضر في المعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، إن «تشويه جسم الإنسان بأي وسيلة من الوسائل يعد لوناً من ألوان الجريمة التي حرمها الإسلام، واستخدام ماء النار في التشويه ظاهرة من ظواهر العنف الدموي التي حرمها ديننا الحنيف، واستخدام هذه الوسيلة الشيطانية في الإيذاء راجع إلى قلة تكاليفها والآثار المروعة التي يحدثها ، مما جعلها الوسيلة الشعبية المفضلة للانتقام. وقد نهى الإسلام عن تعذيب الإبل بالنار، فقد أخرج مسلم أن النبي صلى الله عليه و سلم مر بحمار وسم في وجهه فقال:‏ «لعن الله الذي وسمه» وقد خرج العلماء هذا على قصد التعذيب، فإن كان الإسلام قد حرم تعذيب الحيوان الأعجمي فما بالنا بالإنسان الذي كرمه الله تعالى يقول تعالى: «ولقد كرمنا بني آدم» «لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم». فالاعتداء بماء النار وتشويه الوجوه به من الجرائم الشنيعة في الإسلام الذي حرَّم ضرب العبد المملوك بالمال على وجه أو لطمه عليه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «اتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته»، أي على صورة المضروب. فالعبد عندما يخطئ ويستحق العقاب من سيده فإن سيده منهي عن ضربه على وجهه، واللطم من الأذى الزائل، لا الدائم فما بالنا بتشويه الوجه الذي شرفه الله بماء النار، وقد التمس العلماء الحكمة في تكريم الوجه فقال الشيخ عطية صقر: لأن وجه هذا المضروب يشبه وجه آدم، فينبغي أن يحترم لشبهه، وعلى هذا فيحرم على المسلم أن يعمد إلى تشويه وجه الإنسان بأي وسيلة، ويكون الحرام أشد إذا استخدم فيه هذه الأداة الشيطانية التي تسمى ماء النار».