فتوى مثيرة

علاج, طلاق, بدانة, إنفصال, معالجة البدانة

13 يوليو 2009

هل من حق المرأة طلب الطلاق إذا كان زوجها بديناً؟! هذا هو السؤال الذي أجاب عنه الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى في الأزهر في القاهرة، وأثارت إجابته جدلاً ساخناً بين العلماء. الشيخ الأطرش أجاز للزوجة طلب الطلاق إذا بلغ الزوج من البدانة ما يحول دون إتمام العلاقة الزوجية. فهل وافقه العلماء؟ وما حدود البدانة ومن له حق الحكم بأن الشخص بدين أم غير بدين؟ وماذا يقول علماء التغذية؟

عن الأدلة الشرعية التي استند إليها الشيخ الأطرش في فتواه قال: «الإسلام يرفض الضرر ويدعو إلى قيام الحياة الزوجية على الحب والتوافق. أما إذا تضرر أحد الزوجين من الآخر وأدى هذا الضرر إلى الوقوع في مخالفة شرعية أكبر فلابد من إزالة الضرر لأن القاعدة الشرعية أرساها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا ضرر ولا ضرار». ولاشك أن عدم قدرة الزوج على القيام بالمعاشرة الزوجية فيه ضرر بالغ بالزوجة، وقد يدفعها هذا إلى الانحراف إذا أجبرناها على العيش معه وهي لاتنال حقها الشرعي في المعاشرة نتيجة السمنة الشديدة التي أثرت سلباً على قيام الزوج بواجباته. والقاعدة الشرعية أنه يتم دفع الضرر الأخف وهو تطليق الزوجة حتى لا نقع في الضرر الأكبر وهو خيانتها له اذا بقيت معه وحُرمت حقوقها الشرعية في المعاشرة الزوجية».

ضوابط شرعية

يؤكد الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس اللجنة الدينية في مجلس الشعب المصري والرئيس السابق لجامعة الأزهر أن البدانة وحدها لا تعتبر من العيوب التي تستدعي الطلاق من الناحية الشرعية إلا إذا كان الرجل عنيناً، أي يعاني عدم القدرة على المعاشرة الزوجية، لديه أمراض أخرى تمنعه من القيام بواجباته الزوجية. أما إذا كان بديناً ويؤدي واجباته فلا يجوز للزوجة أن تطلب الطلاق لبدانته خاصة إذا كانت قد مرت سنوات طويلة على الزواج وأصبح الزوج مع تقدمه في العمر سميناً أكثر مما كان في بداية الزواج، وهذا قد يكون أمراً طبيعياً. فلا يجوز أن تطلب الطلاق وإلا سنفتح باباً كبيراً للانهيار الأسري.

ويرى هاشم أنه إذا «كان هناك تعذر في المعاشرة الزوجية بسبب هذه السمنة، فأنصح بإحالة الزوج البدين على الطبيب للتأكد من حالته ومعرفة هل يعاني من ضعف جنسي أم لا. وبناء على التقرير الطبي يصدر القاضي حكمه النهائي في القضية بالطلاق للضرر أو الخلع أو استمرار الحياة الزوجية، مع التأكيد الدائم على أن الإسلام يحارب أسباب الطلاق التي قد تختلف حسب الزمان والمكان. والفقهاء حددوا أسباباً للطلاق منها العجز الجنسي، وبالتالي فالبدانة ليست سبباً للطلاق إلا إذا تحولت الى مرض يمنع إتمام العلاقة الزوجية».

التمهّل أفضل

مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر تنصح الزوجات بأن يكنّ أكثر حرصاً على بقاء الحياة الزوجية ما استطعن إلى ذلك سبيلاً، وألا يتخذن من أمور كالسمنة مبرراً لهدم بيوتهن وتشريد أولادهن. وإذا استطاعت الزوجة الصبر على العيش مع زوجها ولم تخش الفتنة خاصة إذا كانت قد تزوجته وهو سمين، ففي هذه الحالة لا يحق لها طلب الطلاق لأنها ارتضت به وقبلته زوجاً وهو على هذا الشكل، ولكن لها حق طلب الخلع وأن ترد لزوجها ما سبق أن دفعه لها عند الزواج منها خاصة المهر. والأمر في هذه الحالات يعود الى القاضي، فإذا كان الضرر على الزوجة كبيراً ولايحتمل أو لا يطاق وتتعذر معه العلاقة الزوجية، فله أن يحكم بطلاقها للضرر».

فروق جوهرية

الدكتورة مهجة غالب رئيس قسم علوم القرآن في كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، فرقت بين حالات وجوانب مختلفة في القضية، فقالت: «هناك فرق بين ما هو معلوم للزوجة من سمنة زوجها قبل الزواج وبين حدوث ذلك بعد الزواج، وهل هذا الأمر بإرادته كأن يكون مهملاً لنفسه وغير حريص على رشاقته مع أن هذا الأمر في استطاعته، وبين أن يكون سبب السمنة مرضاً خارج عن إرادته، والذي يقرر ذلك هو القاضي الذي يقرر ثبوت الضرر من عدمه وأسبابه. وفي كل الحالات فإن النتيجة لن تخرج عن أمر من اثنين، أولهما أن للزوجة حق الخلع من زوجها لأنها لا تطيق العشرة معه وتخشى على نفسها ودينها، وثانيهما طلب الطلاق للضرر وهذا أمر جائز للمرأة التي تستشعر الضرر. والإسلام لا يجبر المرأة على الاستمرار إذا كان الضرر حقيقياً ولا يُحتمل، أما إذا كان يحتمل أو لا يوجد ضرر من الأصل وأرادت أن تنفصل عنه فأباح لها الإسلام الخلع لأنه يرفض مبدأ الإكراه في كل شيء».

أضرار نفسية وبدنية

من جهتها، أكدت الدكتورة ملكة يوسف أستاذة الشريعة الإسلامية أن للزوجة المتضررة ضرراً حقيقياً سواء كان نفسياً أو بدنياً إقامة دعوى أمام القاضي الذي يقرر ما إذا كان هذا الضرر يعيق الحياة الزوجية أم لا. «فإذا كان هذا السمين يفرز روائح كريهة من بدنه مثلاً أو يُسمع منه شخير عالٍ أثناء نومه نتيجة كثرة ما يتناوله من طعام وأصبحت الحياة معه لا تطاق، فيكون هذا من أنواع الضرر، فلها أن ترفع أمرها الى القاضي وهو يقرر بناء على ما لديه من وقائع. ولا نستطيع أن نتسرع في الحكم لأن أساس الحياة الزوجية التوافق بين الزوجين. وقد يرى البعض أن هذه الأمور تافهة ولكنها غاية في الأهمية للزوجة، ولهذا ننصح الزوجة بالصبر ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً خاصة إذا كان هناك أولاد أو كان الزوج سميناً لعلة مرضية خارجة عن إرادته. وفي هذه الحالة يكون ثوابها عظيما عند الله الذي يكتبها من الصادقين الذين قال في حقهم:

«الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ

مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» (سورة البقرة الآيتان 156/157).

مهلة

مهلةالدكتورة عفاف النجار عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، تقترح على من تتأذى من سمنة زوجها أذى شديداً أن ترفع أمرها الى القضاء حتى يقوم القاضي بتوجيه إنذار شديد اللهجة الى الزوج السمين بأن يدعوه إلى خفض وزنه ويعطيه مهلة سنة، كما هو حال العنين الذي لايستطيع أن يعاشر زوجته. ففي هذه الحالة تعد السنة فرصة ذهبية له ليعالج نفسه فإذا استطاع تخفيف وزنه وزالت المشاكل فهذا هو المستهدف، وإذا فشل في ذلك وأهمل و تضررت الزوجة من هذه السمنة المفرطة فلها طلب الطلاق للضرر. والقضية الحقيقية ليست في البدانة وإنما في الوفاء بحقوق الزوجة، فالبدانة وحدها لا تصلح لأن تكون سبباً للفسخ أو الطلاق للضرر إذا كان الزوج قادراً على القيام بواجبه الشرعي تجاه زوجته رغم بدانته.

السمنة وعلاجها

وعن العوامل التي تؤدي الى زيادة الوزن بعد الزواج قالت الدكتورة هيام الشاذلي الخبيرة العالمية في التغذية ومعالجة السمنة: «لاشك ان الزواج تجربة فريدة في حياة الإنسان وتحدث تغيراً في نظام حياته وخاصة في حالة عدم التوافق ووجود مشكلات، مما يزيد الضغط النفسي فيلجأ المكتئب إلى تناول الطعام كمحاولة للتعويض عن التوتر، إذ إن الأكل يعمل كمهدئ نفسي. وكثيراً ما تحاول الزوجة الاعتناء بزوجها بتحضير الوجبات الشهية المختلفة، وهذا يزيد الشهية ويزيد الطين بلة إذا كان الزوجان لايتحركان كثيراً بسبب الرفاهية المفرطة. حتى إنهما قد لا يمشيان في اليوم إلا خطوات ويمضيان أوقاتهما في مشاهدة التلفزيون والأكل أثناء متابعة البرامج لساعات طويلة دون القيام بأي حركة، مما يساهم في حدوث زيادة الوزن. فإذا أضفنا الى هذا أن كثيراً من الرجال لا يشاركون في مساعدة زوجاتهم في الخدمات المنزلية أو القيام بالزيارات الاجتماعية والاعتماد على وجبات المطاعم وخاصةً الوجبات السريعة، فيبدأ الوزن في الزيادة ويصاب الإنسان بالاكتئاب ويدخل بذلك حلقة مفرغة لها آثارها السلبية على صحته الجسدية والنفسية».

وعن أسباب السمنة عند النساء قالت: «في مرحلة الحمل تعتقد الزوجة أنها يجب أن تلتهم الكثير من الأطعمة مع أنه من الأفضل لها اتباع نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة المناسبة للحفاظ على صحتها وسلامة جنينها. أما بعد الولادة فكثير من النساء لا يرضعن أطفالهن خوفاً من مظهرهن العام وهذا خطأ فادح لأن حليب الأم مفيد جداً للرضيع ويزيد الترابط العاطفي بين الأم والوليد، وينشط المناعة عند الطفل. والرضاعة تساعد الأم في خفض وزنها وإعادة الرحم إلى حجمه الطبيعي. كما أن بعض النساء يتناولن حبوب منع الحمل، وهذه تزيد الشهية والوزن في أكثر من نصف الحالات».

وأنهت كلامها بنصح الزوجين بتقليل وزنهما قائلة: «لا بد من تقليل نسبة الدهون خصوصاً الحيوانية المستعملة في الطهو، وتناول المشويات والإكثار من الحركة والتمارين الرياضية طوال السنة مع الأولاد وكثرة المشي والاستغناء عن استخدام السيارة وغيرها من وسائل الراحة التي تؤدي إلى عدم الحركة. فالرياضة تحرق الدهون المتراكمة في أنسجة الجسم وتخفف من حدة الاكتئاب لأنها تزيد نسبة السيروتونين في الدماغ، وهو الهرمون الذي يمنح الإنسان الشعور بالسعادة. ولهذا فإن تناسق الجسم ووقايته من المضاعفات المرتبطة بالبدانة ليسا بالحلم المستحيل إذ يمكن تحقيق الرشاقة والصحة والجمال باتباع قواعد الصحة العامة والالتزام بإرشادات الطبيب واختصاصي التغذية».

«ابتعدوا عن الطلاق»

الدكتور صبري عبد الرؤوف أستاذ الفقه في جامعة الأزهر ذكّر بأن الطلاق أبغض الحلال عند الله، «ولهذا عمل الإسلام على تجفيف منابعه. فإذا استعصت العشرة والحياة الزوجية فإن الطلاق يكون المخرج الأخير والوحيد. فمثلاً إذا تزوجت المرأة رجلاً بديناً وقبلت به على هذا الشكل أوالعيب فلا يحق لها بعد ذلك أن تطلب الطلاق، والقاضي هو من يحدد إذا كان هناك ضرر أم لا. والزواج مبني على التكافؤ والتوافق وإذا أراد أحد الطرفين الانفصال عن الآخر، فالشرع لا يمنع ذلك مادامت الحياة الزوجية أصبحت لا تحتمل. والطلاق للضرر حدده الشرع ومنه عدم أداء الزوج واجباته الزوجية، وإن كان السبب في ذلك البدانة. ويجوز للزوجة أن تطلب الطلاق لعيب خَلْقي فيه فلها طلب الخلع مثلما فعلت امرأة ثابت بن قيس حين جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم تشتكي دمامته قائلة: « يا رسول الله إني لا أعتب على ثابت في دين ولا خُلق ولكني لا أطيقه » وذلك لأنه كان دميماً وكانت هي امرأة جميلة، ففرق الرسول بينهما بالخلع بعد أن ردت إليه ما سبق أن دفعه لها من مهر عند الزواج بها وكان حديقة وهذا ما يعرف بالخلع وهو فراق الرجل امرأته على مال يحصل عليه الزوج، وقد يكون سبب هذا الخلع كراهية المرأة للعشرة مع زوجها».