علماء الأزهر يرفضون 'الزواج النهاري'!
مشكلة / مشاكل الزواج, علماء الأزهر, د. مبروك عطية, د. عبلة الكحلاوي, د. نصر فريد واصل, د. سعاد صالح, مواقع الزواج الإلكتروني, عقد الزواج, الشيخ جمال قطب, د. سيد صبحي, د. رجاء حزين, الزواج النهاري, د. سهير عبد العزيز
17 أغسطس 2010نوع من الخيانة
وأبدت أستاذة علم الاجتماع والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية في جامعة الأزهر الدكتورة سهير عبد العزيز اعتراضها على الزواج النهاري الذي «يعد نوعاً من أنواع الخيانة للعهد بين الزوجين على المصارحة والمحافظة على مشاعر الطرف الآخر في أقدس علاقة إنسانية، وبالتالي فإن قيام الزوج بإخفاء أمر زواجه على شريكة حياته الأولى - التي غالباً ما تكون أم أولاده -هو نوع من «الخسة والنذالة»، اللذين يحاول البعض إيجاد مبرر لهما انطلاقاً من التقاليد الذكورية التي تنظر الى المرأة على أنها مجرد مربية للأولاد وليست زوجة لها مشاعر وكرامة يجب المحافظة عليها. الحياة ليست أكلاً وشرباً وإنفاقاً على الزوجة فقط، بل المشاعر والكرامة أهم عند الزوجة من كل شيء».
حكمة الإشهار
ويؤكد رئيس لجنة الفتوى في الأزهر الشيخ جمال قطب أن الزواج النهاري «يتنافى مع أحد مقاصد الزواج من المعاشرة بالمعروف وحسن المعاملة والصدق وقول الحق، ولو كان مراً، فقال تعالى: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً» (آية 19 سورة النساء). بالإضافة إلى مخالفته لسلوك وأخلاق الرسول الذي يعد قدوة لكل الأزواج، حيث قال: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي». ومن يتأمل الغرض من الإشهاد في الزواج يجد أنه يقصد به الإشهار الذي يبدأ بالشهود ثم ينتشر إلى كل أفراد المجتمع، ولكن إذا اتفق من يريدان الزواج مع الشهود على كتمان أمر زواجهما فإن هناك من الفقهاء من يرون عدم صحة عقد الزواج لأنه تم إلغاء الهدف من الإشهاد وهو الإشهار، وقد أوجب الإسلام إعلان الزواج وإشهاره بالضرب على الدفوف وإظهار الفرح والسرور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعلنوا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف».
هدم للثقة
ويصف أستاذ الصحة النفسية في جامعة عين شمس الدكتور سيد صبحي الزواج النهاري بأنه ليس «إنشاء لأسرة جديدة مستقرة نفسياً، بل إنه أول معول هدم في أسرة قائمة بالفعل، ومن ثم فإن المصارحة مهما كانت نتائجها أفضل ألف مرة من الخداع والكذب على الطرف الآخر. فإذا ضاعت الثقة بين الزوجين فهذا أول طريق الطلاق. والأولى بالزوج أن يحاول المحافظة على أسرته الأولى، فإن كانت هناك مشكلات في العشرة بينهما فإن الحل التعدد علناً أو تلبية رغبة الزوجة في الطلاق إذا أصرّت عليه ورفضت التعدد الذي أرى أنه ليس الأصل في الزواج، كما يزعم بعض علماء الدين».
من صور النفاق
تشير العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر الدكتورة عبلة الكحلاوي إلى أنه «رغم صحة هذا الزواج من الناحية الشرعية طالما اكتملت شروط صحته وتوافرت أركانه - ولو باتفاق أطرافه على كتمانه عن بعض الناس فإنه يفتقد الصدق والمثالية المطلوبة في عقود الزواج. ولست مبالغة إذا قلت إن الزوج الذي يرتضي أن تكون علاقته الزوجية النهارية فقط فيه صفة من صفات النفاق التي حذّرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان». كما أن الزوجة التي ترتضي أن تكون زوجة نهارية فقط مع إخفاء زواجها عن الزوجة الأولى قد فرّطت في كرامتها وارتضت أن تكون زوجة غير مكتملة الحقوق».
ولفتت إلى أن اشتراط الزوجة على زوجها أن يأتيها نهاراً فقط ليس محرماً شرعاً لأن القاعدة في الشروط حددها الحديث النبوي ألا تحل حراماً أو تحرّم حلالاً، فقال صلى الله عليه وسلم: «المسلمون عند شروطهم إلاّ شرطاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً». وإذا كان الوفاء بالشروط الحلال غير المخالفة للشرع أمراً واجباً في الشروط عامة، إلا أن هناك خصوصية في الشروط المتعلقة بالزواج ووجوب الوفاء بها فقال صلى الله عليه وسلم: «إنّ أحقّ الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج».
«الزواج النهاري» هو الوصف الذي ينطبق على نوع جديد من الزواج يتفق فيه الطرفان على أن كل ما يخصّ علاقتهما الزوجية يتم في النهار فقط. فما هي حكاية هذا الزواج؟ ولماذا؟ وما هي دوافعه؟ وهل هو نوع جديد من الزواج السرّي؟ وماذا يقول علماء الأزهر حوله؟
انفجرت القضية عندما أجاز أحمد المعبي، المأذون الشرعي في جدة ما يسمى «الزواج النهاري» باعتباره زواجاً شرعياً طالماً توافرت فيه الشروط الأربعة للزواج، لأن العبرة بالمعاني وليست بالألفاظ، فإذا توافر في هذا الزواج أركان النكاح وشروطه فإنه يُعد صحيحاً. وعرّفه المعبي بأنه زواج تضع المرأة فيه شروطاً، مستندة إلى ما أجازه الفقهاء من وضع الزوجة شروطاً طالما لا تتنافى مع الشرع، وهي هنا تشترط على زوجها أن يأتيها في النهار فقط، نظراً لظروفهما المشتركة وقد تراضيا على ذلك، ولهذا فإنه سمّي زواجاً نهارياً. وهو يعد أحد إفرازات الحياة المعاصرة وتغير ظروف الحياة، حين يضطر بعض الرجال إلى الزواج من زوجة ثانية زواجاً مكتمل الأركان الشرعية.
وتوقع المعبي أن يحلّ الزواج النهاري محل زواج المسيار مستقبلاً لأن الأخير يخلو من صفة الاستمرار، فضلاً عن أنه غالباً ما يكون موقتاً بعكس الزواج النهاري، وإذا اشترطت المرأة في عقد الزواج أن تلتقي زوجها في النهار فعلى الزوج أن يلتزم ذلك، ومن حقها أن تفسخ عقد الزواج في حال إخلاله بهذا الشرط. علماً أن الزواج النهاري غالباً ما يلقى رواجاً بين الشخصيات المرموقة، خاصة رجال الأعمال الذين يفضِّلون السرية في الزواج خشية من الزوجة الأولى.
خداع مرفوض
وقال الأستاذ في جامعة الأزهر الدكتور مبروك عطية: «العبرة ليست بالمسمى وإنما بحقائق الأمور، وطالما كان الزواج مكتمل الأركان والشروط فهو نكاح شرعي كامل دون النظر إلى مسماه، وهذا لا يعني موافقتي عليه، بل إنني أتحفظ عن قصر المعرفة به على أفراد بعينهم مما يجعلهم أقرب الى الزواج السري، رغم وجود الشهود على الزواج من شاهدين وولي للمرأة تطبيقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل». ومع هذا فهو يفتقد العدل الواجب بين الزوجات في حقوقهن، أي التسوية بينهن في الحقوق كالقسمة في البيات والنفقة بعناصرها المختلفة، وأما الحب والميل القلبي فهما أمر لا يملكه الزوج الذي عليه ألا يتخذ من ذلك وسيلة لظلم بعض زوجاته، فقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله يقسم فيعدل ويقول: هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك». وقديماً قالوا: «إذا استطعت أن تخدع الناس بعض الوقت فلن تستطيع أن تخدعهم كل الوقت»، لأنه بالموت تفتضح كل الأسرار الدنيوية ويتم الحساب عليها في الآخرة.
بعيد عن المصارحة
وقال مفتي مصر الأسبق الدكتور نصر فريد واصل: «رغم أن الزواج النهاري من الناحية الشرعية صحيح، حيث إنه مكتمل الشروط والأركان - ولو من الناحية الشكلية، فإنه يفتقد الإشهار والصراحة والوضوح، وهي صفات يحرص عليها الإسلام لإنشاء أسرة مستقرة صالحة تُساهم في إقامة مجتمع إسلامي قوي متماسك. ومن ثم فإن اقتصار الزواج على ساعات بعينها - ولو كان باتفاق الطرفين - أمر يتنافى مع الزواج الطبيعي الذي تقره أعرافنا الاجتماعية وفطرتنا السوية التي ترفض وجود رجل وامرأة معاً دون أن تكون بينهما علاقة زواج معروفة للجميع وليس لأفراد بعينهم، وهذا أمر غير متوافر في الزواج النهاري الذي يحرص الزوج على إخفائه عن زوجته، مما يعد نوعاً من الخداع والكذب اللذين ينهى الإسلام عنهما.
وأنهى كلامه مؤكداً أن الإسلام «أمرنا بالصدق في الأمور كلها، لأنه النجاة من كل سوء في الدنيا والآخرة، فقال صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البرّ وإن البرّ يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يُكتب عند الله صدّيقاً. وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذّاباً». وهل هناك علاقة إنسانية تستحق الصدق والبعد عن شبهة الكذب والخداع أكثر من الزواج الذي وصفه الله تعالى في كتابه العزيز بأنه ميثاق غليظ فقال: «وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا» (آية 21 سورة النساء).
امتهان للزوجة الثانية
تؤكد العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية الدكتورة سعاد صالح أن كل «الصور المستحدثة للزواج فيها انتقاص لحقوق المرأة وكرامتها، حتى ولو كان رضاها ظاهرياً، ومن ثم فإن الصورة المثالية للزواج هي التي يقيم فيها الزوجان مع بعضهما إقامة كاملة حتى يتمكن كل منهما من أداء ما عليه من واجبات وحقوق. أما الأشكال الجديدة من الزواج فإنها تفتقد الغاية الرئيسية من الرباط، الذي جعله الله آية من آياته حيث قال تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْم يَتَفَكَّرُونَ» (آية 21 سورة الروم).
ورأت أن هذا الزواج «أشبه بالزواج السرّي المنهي عنه شرعاً بدليل حرص كل من الزوجين، خاصة الزوج، على إخفائه عن الناس عامة وشريكة حياته الأولى خاصة. ومن عظمة الإسلام أنه يحرص على جعل كل العلاقات الإنسانية، وفي مقدمتها الزواج، تتم في النور أو ما يسمى شرعاً «الإشهار»، حفظاً للأعراض من القيل والقال، حيث سيظن الناس بالزوجين ظن السوء، خاصة أنه لم يتم الإعلان عن هذا الزواج أمام الناس. وقد أمرنا الإسلام بالابتعاد عن مواطن الشبهات التي قد يختلط فيها الحلال بالحرام، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».
غدر وجبن
وصفت عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر الدكتورة رجاء حزين الزوج النهاري بأنه «غدار» بزوجته الأولى التي «لا تعلم عن زواجه شيئاً، مما يجعل هذا الغدر جريمة مشتركة نفذها بالاشتراك مع الزوجة وولي أمرها والشهود، حيث اتفق الجميع على الغدر بزوجة بريئة لا تعلم عن الأمر شيئاً، وكأن الزوج الغدار ليس زوجها ولها عليه حقوق. ويُعد الغدر من الصفات المذمومة التي يرفضها الإسلام وينهى عنها في الحياة عامة، فما بالنا بالزواج؟ وقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم جزاء الغدار بقوله: «يرفع لكلّ غادر لواء يوم القيامة بقدر غدرته، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان». ومن المؤكد أن هذا الزواج يتسبب بتشتيت الكثير من الأسر وفقدان الرجل إحساسه بالمسؤولية. وهذا الزواج النهاري مجرد وسيلة لقضاء المتعة، وتدفع الزوجة النهارية الضريبة من سمعتها وكرامتها عندما يُعرف الأمر إن عاجلاً أو آجلاً».