هل يجوز التجنيد الإجباري للنساء؟
د. آمنة نصير, الشيخ يوسف البدري, جمال البنا, د. عبلة الكحلاوي, د. عفاف النجار, د. سعاد صالح, علماء الدين, القوات المسلحة, التجنيد الإجباري
08 أغسطس 2011جائز شرعاً
ويرى المفكر الإسلامي جمال البنَّا أن تجنيد المرأة بشكل إجباري جائز شرعاً، لأنه يعد من الواجبات الوطنية، ومن ثم لا يمكن أن يكون اختيارياً، وقد ضرب لنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، القدوة في حب الأوطان حيث قال عن مكة بعد أن طرده المشركون منها: «أَنْتِ أَحَبُّ بِلادِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَأَنْتِ أَحَبُّ بِلادِ اللَّهِ إليَّ، ولَولاَ أَنَّ أهلك أخرجوني منك ما خرجت».
وأضاف: «المرأة في عصرنا الحالي تمثل نصف المجتمع وتطالب بحقوقها من هذا المنطلق، والمجتمعات المعاصرة بحاجة إلى خدمة كل أبنائها وبناتها، وبالتالي لا يوجد مانع شرعاً من إلزام الفتيات بأداء الخدمة العسكرية، بشرط ألا يكون هناك اختلاط مشين، وأن تتوافق الخدمة العسكرية التي نكلّف بها المرأة مع طبيعتها، حتى لا نحمّلها ما لا تطيق».
أثارت توصية لجنة القوات المسلّحة والهيئات الاستشارية والقضائية المنبثقة من مؤتمر «الوفاق القومي المصري» بالتجنيد الإجباري للنساء مثل الرجال جدلاً فقهياً، فانقسم علماء الدين ما بين مؤيد ومعارض لها. فماذا قالوا؟
تؤكد مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، أن تجنيد المرأة في الجيوش من حيث المبدأ جائز شرعاً، باعتباره واجباً شرعياً على كل أفراد الوطن، بمن فيهم النساء، لكن في حالة خاصة هي تعرض أمن الوطن للخطر وعجز الرجال وحدهم عن القيام بمهمة الدفاع عن الوطن، وهذا جائز لعموم قوله تعالى: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» آية 71 سورة التوبة.
وناشدت مسؤولي القوات المسلحة في مختلف الدول العربية والإسلامية، إذا فكروا في تجنيد المرأة بشكل إجباري، أن يدرسوا القضية بتأنٍ، وأن يوفروا لها عوامل الأمان، وعدم إيقاع الضرر بها، أو نشر الفتنة بالمرأة، أو إيقاعها في الفتنة، ولن يكون ذلك إلا من خلال توفير قيامها بالوظائف التي تتناسب مع أنوثتها، وذلك لأن المبدأ الإسلامي حدده الحديث النبوي «لا ضرر ولا ضرار». فمثلاً لا يجوز أن تبيت المرأة خارج بيتها إلا وقت الحروب، ووقوع كثير من القتلى من الرجال مما يجعل سلامة الوطن في خطر، وهنا يكون الدفاع عنه واجباً شرعياً على رجاله ونسائه في ظل حالة الطوارئ القصوى.
جائز للضرورة
وتؤكد الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية ببورسعيد - جامعة الأزهر، أن «المرأة هي نصف المجتمع ومربية النصف الآخر، فإذا صلحت المرأة صلح المجتمع كله، وكانت بمئة رجل يمكن أن تساهم في إعدادهم وشحذ همتهم للجهاد. ولا مانع إذا اقتضت الضرورة الحربية من مشاركة المرأة في الصفوف الخلفية وبشكل منظم وليس فيه إجبار، بل إن التجنيد الاختياري أفضل، خاصة أن أمتنا لا تعاني من قلة الرجال فتعدادها ربع سكان الكرة الأرضية، وإذا تم تفعيل اتفاقات الدفاع المشترك على المستويين العربي والإسلامي لن تكون هناك حاجة إلى دخول النساء للجيوش. وأفضل دليل على ذلك الخنساء التي أرسلت أربعة من أولادها ليجاهدوا واستشهدوا جميعاً في يوم واحد في معركة القادسية أمام الفرس، وحمدت ربها أنه شرّفها باستشهادهم».
وفرّقت الكحلاوي بين الوضع العام في مختلف الدول العربية والإسلامية، حيث لا توجد حروب طاحنة تستدعي تجنيد النساء، وبين الأوضاع في المناطق المحتلة مثل فلسطين، حيث يكثر الشهداء والمعتقلون والمطرودون من أوطانهم، مما يستدعي أن يكون للمرأة دور في مقاومة الاحتلال بالطريقة التي يراها علماء الإسلام. وهنا تكون المرأة في حكم المضطرة دفاعاً عن وطنها، وحدث ذلك في بداية الإسلام مع صفية بنت عبد المطلب عمة النبي، التي كان لها دور كبير في الدفاع عن بيوت المسلمين أثناء غزوة الخندق، وفي غياب الرجال المسلمين أراد يهودي التسلل إلى الحصن الذي فيه بيوت نساء المسلمين، فقتلته وقطعت رأسه ورمته على باقي اليهود، فظنوا أن هناك جيشاً مسلماً قوياً داخل الحصن. كما حملت أم سليم خنجراً يوم بدر ويوم حنين.
نماذج عملية
وتؤكد الدكتورة عفاف النجار، عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، أنه من حيث الأصل الشرعي والتطبيق العملي فقد شاركت كثيرات من الصحابيات مع النبي، صلى الله عليه وسلم، في العديد من غزواته، بمن فيهن أمهات المؤمنين، رضي الله عنهن، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا أراد الغزو أجرى قرعة بين نسائه، فأيهن وقعت عليها القرعة خرج بها. فمثلاً كانت معه عائشة في غزوة «بني المصطلق» في السنة السادسة من الهجرة، وكانت معه أم سلمة عند «صلح الحديبية». ومن أشهر الصحابيات اللواتي حاربن مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، السيدة أم عمارة نسيبة بنت كعب النجارية، التي حضرت معه في غزوة أحد، وكانت تباشر القتال بنفسها دفاعاً عنه، صلى الله عليه وسلم، وأصيبت في كتفها فقال لها النبي: «من يتحمّل ما تتحمّلين يا أم عمارة».
كما كان لها دور كبير في قتل مسيلمة الكذاب، وكذلك أم سليم بنت ملحان، فقد حضرت يوم حنين رغم أنها كانت حاملاً، وكان معها زوجها أبو طلحة، وقد استبسلت مع النبي، صلى الله عليه وسلم، مع من ثبت معه عند الهزيمة التي وقعت أول القتال. ولا يمكن أن ننسى أن أول شهيد في الإسلام كان امرأة، وهى السيدة سمية أم عمار بن ياسر، وبشرها النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة. وكذلك أول شهيد على أرض قارة أوروبا كانت السيدة أم حيرام بنت ملحان في فتح قبرص. وتضيف الدكتورة عفاف أن هذه النماذج قليل من كثير في مختلف فترات التاريخ الإسلامي، حيث كانت النساء يشاركن في الحروب والغزوات باختيارها وإرادتها وحرصها على الجهاد، وغالباً ما كان دور النساء مُداواة الجرحى والمرضى، ومناولة الطعام والشراب للمجاهدين، مثلما كانت تفعل السيدة رُفيدة التي تعد أول ممرضة وطبيبة في الإسلام.
وقد أمرها النبي، صلى الله عليه وسلم، أن تنصب خيمتها في المسجد لعلاج المصابين في غزوة الخندق. كما أنه في بعض الحروب شاركت المرأة بالسلاح إذا اقتضت الضرورة ذلك، مثلما فعلت خَوَلةُ بنت الأزوَر التي قاتلت في معركة اليرموك أمام الروم وهي ملثمة فظنها الناس خالد بن الوليد. كما قامت هند بنت عتبة بإلهاب حماسة الجيش في المعركة نفسها. ولمن يقول إنها كانت حالات فردية فهناك خمس عشرة امرأة شهدن خيبر. ووصفت الربيع بنت معوذ وضعها مع غيرها من الصحابيات بقولها: «كنا نغزو مع النبي، صلى الله عليه وسلم، فنسقي القوم ونخدمهم ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة».
مخالف للشرع
أما الشيخ يوسف البدري، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، فيعارض تجنيد النساء بشكل إلزامي «في ظل الظروف التي يعيشها العديد من الدول العربية التي يعاني شبابها من البطالة، فضلاً عن التأجيلات العديدة للمطلوبين للتجنيد، ومن ثمَّ فإنه ليست هناك ضرورة قصوى تستدعي الاختلاط في التجنيد بين الشباب والفتيات وغالبيتهم، إن لم يكن كلهم، في مرحلة المراهقة، وفي ظل تأخر سن الزواج، فإننا نكون كمن يضع النار بجوار البنزين ونطلب من الله الستر».
وأشار إلى أن احتمالات الخلوة المحرمة كبيرة جداً، وهذا ما نهى عنه الإسلام باعتباره مدخلاً من مداخل الشيطان، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ» الآيتان 168- 169سورة البقرة.
كما قال صلى الله عليه وسلم: «ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما»، وقد سد الإسلام كل أبواب الفتنة قبل وقوعها، وليس الانتظار حتى وقوعها ثم معالجتها، لأن الوقاية خير من العلاج، خاصة في عصرنا الذي تراجعت فيه القيم الدينية، والجهاد رغم فضيلته الكبرى ليس فرضاً على النساء المطلوب منهن الستر، ومن ثمَّ فلا يجوز الاستشهاد بإطلاقٍ بخروج بعض الصحابيات للجهاد في الغزوات الأولى، لأنه كان للضرورة، أي لقلة عدد الرجال وكثرة تعداد الأعداء، فضلاً عن التقوى والإيمان الذي كان يتمتع به الصحابة والصحابيات، الذين وصفهم الله تعالى بقوله: «وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» آية 100 سورة التوبة.
تحفظات وضوابط
أما الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، فترفض أن يكون «تجنيد النساء إلزامياً، وإنما يمكن أن يكون اختيارياً وبحسب الضرورة التي يقدّرها العلماء، لأن الضرورة تُقدَّر بقدرها كما أن الضرورات تبيح المحظورات. ولا يمكن تجاهل الظروف الأسرية التي تختلف من امرأة إلى أخرى، وكذلك التقاليد الاجتماعية التي تختلف من بيئة إلى أخرى في تقبلها لقضية التجنيد الإجباري للمرأة».
وأشارت إلى أنه يجب على من يخططون لإدخال المرأة الجيوش بشكل إلزامي أن يعرفوا أن فترات الحمل بالنسبة الى المرأة تمثل فترة تجنيد رباني لها، وهي أهم لمصلحة الوطن من ارتداء الزي العسكري، لأن تربية الأجيال هي جهد متواصل من المرأة طيلة العمر، وليس مجرد خدمة لمدة عام أو عامين.
وأوضحت أنه إذا كانت هناك حاجة فعلية ملحة إلى تجنيد المرأة فلا يجوز أن يكون ذلك أمراً إجبارياً، وإنما لابد أن تترك لها حرية الاختيار. واستشهدت بما فعلته المرأة المصرية عندما هاجمت إسرائيل وفرنسا وبريطانيا محافظة بورسعيد عام 1956، وهو المعروف تاريخيا بالعدوان الثلاثي، فتطوعت الكثيرات من النساء في مختلف المراحل العمرية في العمل الوطني، وفُتحت لهن الأبواب في ما يطلق عليه «التربية العسكرية»، وكان لهن دور بطولي في صد العدوان عن طريق قيامهن بالمهمات التي تتناسب مع طبيعتهن.