على الفيسبوك...
طب نفسي, سياسة, التواصل الإجتماعي, علم إجتماع, فستان / فساتين سهرة, شبكة الإنترنت, عيد الأمهات, د. سامية خضر, المجتمع العربي, الفيسبوك
12 سبتمبر 2011التعلّم صعب
أما نبيل حكيم، رجل أعمال وأب لثلاث فتيات، فيقول إنه لا يعرف شيئاً عن مواقع التواصل الاجتماعي، وعبّر لنا عن استيائه الشديد منها بسبب انشغال بناته بشبكة الإنترنت، وخاصة موقع الفيسبوك. ويقول: «بصراحة، بناتي يجلسن طوال الوقت أمام شاشة الكمبيوتر، وعندما أطلب منهن ترك هذا الجهاز والتحدث معي، أجد إجابة واحدة وهي انشغالهن بالتحدث مع أصدقائهن».
ويضيف: «أنا أثق ببناتي بالطبع، ولكنني أتمنى الاندماج في حياتهن الخاصة، وطلبت منهن كثيراً تعليمي كيفية الدخول على الفيسبوك، ولكن يبدو أن هناك العديد من الأشياء من الصعب تعلّمها، منها لغة الفرانكو التي انتشرت بشكل غريب في مجتمعنا العربي».
يمضي أبناؤنا أوقاتاً طويلة على شبكة الإنترنت، وتحديداً على مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك، ويعتبر معظمهم ما يفعلونه خلال تلك الأوقات أسراراً تخصّهم وحدهم لا يحق للآباء الاطلاع عليها، وهو ما يفسّر رفض معظم هؤلاء الشباب إضافة آبائهم كأصدقاء لهم على صفحاتهم الخاصة. فماذا يفعل الآباء في المقابل للاطمئنان على أبنائهم؟
أكدت دراسة بريطانية أن 55 في المئة من الآباء ينشئون صفحات بأسماء مستعارة ليضيفهم أبناؤهم، ومن خلالها يمكنهم التجسّس على ما يفعله الأبناء، وأن نسبة أخرى من الآباء لديهم الاستعداد لفعل الأمر نفسه إذا تعلّموا كيفية استخدام تلك المواقع. لكن تبقى علامات استفهام تحتاج إلى إجابات صريحة: لماذا يرفض الأبناء التفاعل مع آبائهم على مواقع التواصل الاجتماعي؟ وهل يحق للآباء التجسّس على أبنائهم بدعوى الخوف عليهم؟
أسماء مستعارة
من جانب آخر، رفضت الدكتورة سامية خضر مصطلح «التجسس»، وأشارت إلى أنه من الأفضل أن نقول حرص الآباء على متابعة أبنائهم، كما وجدت أنه من الطبيعي قيام الآباء بالدخول إلى عالم الإنترنت الذي يحمل العديد من أسرار أبنائهم حتى وإن كانت من خلال استخدام أسماء مستعارة عند الدخول على موقع الفيسبوك. وأضافت: «في بعض الأوقات يرفض الأبناء التحدث مع آبائهم، ويسعون لإخفاء العديد من الأشياء التي قد يترتب عليها حدوث مصائب كبيرة، وبالتالي لا يجد الآباء سوى هذه الطريقة أمامهم لأنها بلا شك نابعة من خوف شديد على أبنائهم، خاصة في سن المراهقة».
وأكدت أستاذة علم الاجتماع تأييدها لهذه الوسيلة لأنها في مصلحة الأبناء، وحتى يتم التأكد من عدم صحة ما يقال من أن الآباء لا يهتمون بأبنائهم. وعزت تدهور القيم والأخلاقيات إلى عدم اتباع الآباء الأساليب الحديثة للتربية. ورأت أنه «من الممكن اللجوء إلى هذه الحيلة، ولكن في حالة واحدة وهي وجود رفض من الأبناء للتحدث مع آبائهم، وبالتالي يشعر الوالدان بالخوف على أبنائهما ويصل بهما الأمر إلى الشك في تصرفاتهم وأفعالهم».
ثلاثة أسباب
أما أستاذ علم النفس الدكتور خليل فاضل فتحدث عن ثلاثة أسباب دفعت الآباء والأمهات للتجسس على أبنائهم من خلال الإنترنت، وقال: «يعتبر الخوف على الأبناء من الأسباب الرئيسية، وخاصة في المجتمع العربي الذي يختلف عن المجتمع الغربي في هذه النقطة، ففي الغرب عندما يبلغ الابن سبعة عشر عاماً يصبح حراً في تصرفاته ومسؤولاً عن هذه التصرفات مسؤولية كاملة. أما السبب الثاني لهذه الظاهرة فهو العادات والتقاليد، فنحن في مجتمع شرقي غير مسموح فيه، وخاصة للفتيات، بتكوين صداقات مع الأولاد»، وبالتالي تكوين صداقة مع شاب عن طريق الإنترنت هو بمثابة الفضيحة لدى الكثيرين.
أما السبب الثالث، وهو لا يقل أهمية عن السببين السابقين، فهو عدم الاهتمام باستخدام الطرق الحديثة للتربية والتي تعتمد في الأساس على الثقة».
وفي نهاية حديثه معنا كشف لنا خليل عن طرق ووسائل لمعالجة هذه الظاهرة، وهي أهمية دخول الآباء إلى عالم الإنترنت، وتكوين ثقافة واسعة عن الفيسبوك، والتفريق بين المفيد والمضرّ فيه، وكذلك تكوين علاقة بين الآباء وأبنائهم تعتمد على الثقة المتبادلة، بالإضافة إلى عدم العتاب الشديد عند ارتكاب الابن أو الابنة أي خطأ.
«من أجل أبنائي»
«قررت الدخول إلى عالم الفيسبوك من أجل أبنائي». بهذه الكلمات بدأت ثريا البدوي، أستاذة الاتصال الدولي في كلية الإعلام جامعة القاهرة، حديثها وأضافت: «لا توجد علاقة بين الثقة والمتابعة كما يظن البعض، فأنا أثق بأبنائي بشكل كبير، ولكن هذا لا يعني أنني غير حريصة على متابعتهم، بالعكس فأنا أحاول الاهتمام بهم بكل الطرق والوسائل. وبصراحة وجدت الفيسبوك من أهم تلك الوسائل، لأنهم يعبّرون عن مشاعرهم وأفكارهم من خلال هذا الموقع، ولذلك بدأت التعرّف على هذا العالم الإلكتروني ولم أكتفِ بالمتابعة، بل أصبحت أناقشهم في تلك الأفكار من خلال التعليق عليها.
والشيء الذي أسعدني هو بدء أصدقائهم المقربين منهم التفاعل معي ومناقشتي في العديد من المشاكل السياسية والاجتماعية». وعند سؤالها عن رأيها في استخدام بعض الآباء أسماء مستعارة لمراقبة أبنائهم، قالت: «الآباء لهم مطلق الحرية في اختيار وسيلة المتابعة، ولكنني لا أحبّذ هذه الطريقة لأنه لا يجوز أن تكون العلاقة مشوهة بين الآباء والأبناء، بل قائمة على الصراحة والثقة». وفي نهاية حديثها أكدت الدكتورة ثريا أنها تقوم بتوجيه أبنائها فقط، ولا تتحكّم في أفكارهم أو آرائهم التي يعلنون عنها بكل صراحة على الفيسبوك.
خوف الوالد... من السياسة
رغم تأكيد عمرو الشاعر الطالب في الفرقة الرابعة كلية الإعلام جامعة القاهرة، عدم تعرّضه لأي نوع من أنواع التجسس من والدته التي تمتلك حساباً خاصاً بها على موقع الفيسبوك، إلا أنه أوضح أن والده حاول التجسس عليه ومعرفة ما يفعله والآراء التي يكتبها من خلال حسابه الشخصي على الموقع. ويقول: «أكد بعض المقربين لوالدي أن آرائي وأفكاري السياسية، التي أُعلنها بكل وضوح وصراحة على موقع الفيسبوك، خطيرة جداً، وخاصة قبل ثورة «25 يناير» ومن الممكن أن أتعرض للخطورة من جانب النظام السابق وأمن الدولة. والدي لم ينفعل ولكنه نصحني بعدم كتابة هذه الآراء مرة أخرى في تلك المواقع».
ويضيف: «بالطبع نصيحة والدي نابعة من خوفه الشديد عليَّ، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي مرّ بها البلد، ولكن لم ينتبني هذا الشعور مطلقاً لأنني كنت على اقتناع كامل بآرائي وأفكاري».
وفي النهاية أكد عمر (21 عاماً) أن سبب خوف والده عليه هو السياسة وليس من تكوين صداقات مع فتيات، وهو سبب خوف معظم الآباء الآخرين على أبنائهم.
طريقة غير صحيحة ونتائجها سيئة
أما ندى خالد المراسلة لإحدى الفضائيات فتؤكد امتلاك والدتها أيضاً حساباً خاصاً بها على موقع الفيسبوك، وأوضحت أن والدتها لم تحاول التجسس عليها، بل بالعكس تحاول التعرف على أصدقائها والتقرّب منهم، كما تتفاعل معهم من خلال المشاركة بالتعليقات على الصور وما يكتبونه من آراء وأفكار سياسية أو اجتماعية أو عاطفية.
وعند سؤالها عن قيام بعض الآباء بالتجسس على أبنائهم من خلال أسماء مستعارة، قالت: «السبب الرئيسي وراء انتشار هذه الظاهرة بشكل كبير هو عدم وجود علاقة طيبة بين الآباء والأبناء، بمعنى أصح لا تجمعهم علاقة صداقة، فيحاول الآباء التعرف على أخبارهم بدافع الخوف عليهم. ولكن هذه الطريقة غير صحيحة ونتائجها سيئة للغاية، إذ يفقد الأبناء الثقة بآبائهم بمجرد اكتشاف الأمر».
صورة فستان السهرة
أما ندى محسن، الطالبة في الفرقة الرابعة كلية الآداب جامعة عين شمس، فأكدت امتلاك والدها حساباً خاصاً على موقع الفيسبوك، ولكن باسمه الحقيقي وليس باسم مستعار، وتقول: «والدي يحاول متابعتي بشتى الطرق والوسائل، ويعتبر الفيسبوك إحدى هذه الطرق. في البداية كنت أشعر بالضيق بسبب معرفته كل شيء يحدث في حسابي، ولكن هذا الشعور اختفى بعد وقت قصير، والسبب أنني لا أفعل شيئاً خاطئاً على حسابي الخاص، والحمد لله والدي يثق بي بشكل كبير للغاية».
ندى كشفت أيضاً عن موقف واحد شعرت خلاله بمحاولة والدها للتّحكم فيها، وذلك عندما طلب منها مسح صورة كانت ترتدي فيها فستان سهرة، لكنها رفضت. وعند سؤالها عن رأيها في استخدام بعض الآباء أسماء مستعارة لمراقبة أبنائهم على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها الفيسبوك، قالت: «السبب الرئيسي وراء هذه الظاهرة هو انعدام الثقة بين الآباء والأبناء وأيضاً غياب الحوار والمناقشة بينهما، كما أن هناك بعض الآباء يعتبرونها وسيلة للاطمئنان على أبنائهم، ولكنني أجدها طريقة غير صحيحة، فعندما يكتشف الأبناء هذا الأمر يفقدون الثقة بآبائهم».
شكاوى
أما الدكتور محمد هاشم بحري، أستاذ الطب النفسي في جامعة الأزهر، فأكد أن النتيجة التي توصلت إليها الدراسة البريطانية طبيعية وليست غريبة كما يعتقد البعض، وقال: «للأسف اختفت لغة الحوار بين الآباء والأبناء، والاتصال بينهم أصبح ضعيفاً للغاية، فالأبناء لهم حياتهم الخاصة، وطريقة في التحدث تختلف تماماً عن طريقة تحدث الآباء، وبالتالي نجد أن ثقتهم تزداد بأصدقائهم، وهذا ما وجدوه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، حيث توجد فرص أكبر للتعبير عن آرائهم ومشاعرهم وأفكارهم دون سلطة أو رقيب».
وعند سؤاله عن رأيه في قيام بعض الآباء باستخدام أسماء مستعارة وعن النتائج المترتبة على هذا الأمر، يقول: «نسمع باستمرار شكاوى من الآباء بعدم قدرتهم على استخدام الوسائل الإلكترونية الحديثة، وما يواكبها من تطورات، وبالتالي يصبح لديهم إحساس بالشك المستمر في تصرفات أبنائهم. وللأسف الآباء الذين يتعلمون التعامل مع تكنولوجيا الاتصال يحاولون التجسس على أبنائهم، وبالتالي تولد العديد من المشاكل، ويصبح الاتصال بين الآباء والأبناء أكثر صعوبة، خاصة عندما يكتشفون الأمر لأنها في نظرهم طريقة بوليسية تستخدم مع المجرمين».