علماء الأزهر...
علماء الأزهر, د. مهجة غالب, د. مبروك عطية, د. عبلة الكحلاوي, د. عبد المعطي بيومي, د. عبد الحي عزب, الإختلاط
11 يونيو 2012في البداية تؤيد الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، ما ذهب إليه آل الشيخ والغامدي لكن بالضوابط الشرعية، و«ليس بإطلاق كما قد يفهم البعض، لأن كل ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام، ولن يحدث الانحراف طالما أن الجميع يخشون الله».
وأشارت لى أن الإسلام كرم المرأة ورفض حبسها بين أربعة جدران وكأنها رجس من عمل الشيطان، ولهذا أباح لها التعليم، وأن تُعلِّم غيرها وتحضر مجالس العلم وتؤدي الصلاة في المسجد وتشارك في المؤتمرات، وغيرها من الأنشطة بشرط الحشمة في الملبس والعفاف والحياء في الكلام، والتاريخ أكبر شاهد على أن النساء الصالحات منذ عهد النبوة ساهمن في رقي المجتمعات ونهضتها، فكان منهن التاجرات العفيفات مثل أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد، وكذلك منهن المفتيات للأمَّة والحافظات للسنَّة النبوية، مثل أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر، وكن جميعاً يلتزمن بقوله تعالى في التعامل مع الرجال « فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وقلن قولاً معروفاً» آية 32 سورة الأحزاب.
ولفتت الدكتورة عبلة الى أنها عاشت في السعودية فترة طويلة وتعلم أنه جاء في اللائحة الداخلية لتنظيم أعمال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أنه يقصد بالاختلاط «التجمع بين الرجال والنساء الذي يؤدي إلى مفسدة ظاهرة». أما إذا لم يؤد إلى مفسدة وكان لضرورة التعليم أو العمل فلا مانع منه شرعاً.
وأشارت الدكتورة عبلة إلى أن الموسيقى يتوقف حكمها على مضمونها، بمعنى أنها إذا كانت راقصة أو صاخبة أو تؤدي إلى إثارة الغرائز فهي حرام، أما إذا كانت موسيقى عادية لا تؤدي إلى معصية فلا شيء فيها، بل إن هناك أنواعاً من الموسيقى تستخدم في علاج الأمراض النفسية لآثارها الإيجابية على النفس الإنسانية، والإسلام لا يصادم الفطرة السوية.
ضوابط الحلال والحرام
ويتفق معه في الرأي الدكتور عبد الحي عزب، عميد كلية الدراسات الإسلامية للبنات في بني سويف، فيقول: «من المستحيل سجن كل من الجنسين اللذين خلقهما الله لتعمير الأرض، حتى يكون الرجال والنساء بمعزل عن بعضهما تماماً، بدليل أن المرأة شاركت في الغزوات مع الرسول، صلى الله عليه وسلم، وشاركت في مجالس العلم التي كان ينظمها للنساء».
وأضاف: «المشكلة أن كلمة «اختلاط» أصبحت سيئة السمعة، ويتطرق إلى الذهن الانفلات الأخلاقي بكل صوره، مع أن التعاملات اليومية، في العمل ومجالس العلم والتعليم والتداوي والمناسبات الاجتماعية، هي من قبيل الاختلاط الذي فيه المباح والمحرم حسب سلوكيات الطرفين».
وعن تحليل الموسيقى التي لاتؤدي إلى معصية، قال: «يقر الإسلام الجانب الترويحي في حياة المسلم، لأنه يراعي الفطرة البشرية والغرائز التي أودعها الله في النفس البشرية، وهذا يؤكد شمولية هذا الدين بتشريعاته لكل جوانب حياة الإنسان، الجسمية والروحية والعقلية والنفسية والاجتماعية بل والغريزية.
والترويح ليس معناه المعاصي واللهو واللعب بالحرام، بل إن المباحات فيه كثيرة، ومنها الموسيقى غير المثيرة للغرائز. وينبغي أن يكون الترويح وسيلة لا غاية لتحقيق التوازن بين جوانب الإنسان المختلفة، لأنه إذا تجاوز النشاط الترويحي هذا الحد وأصبح هدفاً في ذاته فإنه يخرج من المستحب أو المباح إلى الكراهية أو الحرمة، لأن الجد في أمور الحياة هو الأصل والترويح فرع، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب». وكذلك ألا يكون في النشاط الترويحي كذب وافتراء، وألا يكون فيه تبذير للمال واستهلاك باذخ، وألا يكون في النشاط الترويحي اختلاط لما يفضي إليه ذلك من النظر المحرم والخلوة المحرمة.
وأنهى عزب كلامه، مؤكداً أن من «عظمة الإسلام أن تشريعاته قامت على جلب المصالح ودرء المفاسد المبنية على رفع الحرج، ومراعاة التيسير ومجافاة التشديد، لأنها بذلك تراعي الفطرة البشرية ومتطلباتها. وقد حذرنا النبي، صلى الله عليه وسلم، من الانغماس في الترويح واللهو، فقال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيَبِيتَنَّ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى أَشَرٍ وَبَطَرٍ وَلَعِبٍ وَلَهوٍ فَيُصْبِحُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ بِاسْتِحْلالِهِمُ المَحَارِمَ وَاتِّخَاذِهِمُ القَيِّنَاتِ وَشُرْبِهِمُ الخَمْرَ وَبَأَكْلِهِمُ الرِّبَا وَلُبْسِهِمُ الحَرِيرَ».
وذلك لأنه تزداد خطورة الترويح والترفيه إذا كان في بيئة مختلطة بين الرِّجال والنِّساء، وما قد يصاحبها من هزل وضحك وإسقاط التكلُّف، وحينها لن يجد الشيطان بيئة أخصب من تلك البيئة ليقذف القلوب بسهامه، ويسقطها في حبائل الفتنة التي حذر منها النبي، صلى الله عليه وسلم، في قوله: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ»، وإذا وصلنا إلى هذه الحالة أو مقدماتها أو الأسباب المؤدية إليها، يكون الاختلاط حراماً، لأنه أصبح معصية وانتهاكاً للحرمات والأعراض، لأن الخلوة من المحرمات».
هناك فرق
وفرقت الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، بين الاختلاط البريء الذي تفرضه ظروف الحياة، ولا يكون إلا مجرد كلام ونقاش عفيف، وبين الاختلاط الذي فيه ميوعة ومزاحمة، وكشف النّساء على الرّجال، وغيرها من الأمور المحرّمة التي تؤدي للفتنة والشهوات.
وأشارت إلى أهمية إباحة الاختلاط للضرورة لا المنع التام أو الانفتاح بإطلاق، وإنما وفقاً لضوابط شرعية، وقد راعى النبي، صلى الله عليه وسلم، ضوابط اختلاط الرّجال بالنساء حتى في المساجد، وذلك بفصل صفوف النّساء عن الرّجال، وبقاء الرجال بالمسجد حتى تنصرف النساء، وتخصيص باب خاص في المسجد للنساء، فقال صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا». وذلك لأن الانجذاب بين الجنسين وارد في أي وضع وأي مكان، إذا لم تكن هناك ضوابط شرعية.
وعن حكم سماع الموسيقى قالت الدكتورة مهجة: «لا بد أن نفرق أيضاً بين موسيقى ماجنة أو تؤدي إلى تمايل من يستمع إليها، والموسيقى التي تؤدي إلى صفاء النفس وتخفيف الأعباء عنها بالترويح، وقد أمرنا الإسلام بالترويح المباح شرعاً وألا ننشغل بالترويح ليل نهار، ونتكاسل عن العبادات والاجتهاد فيها، فقال صلى الله عليه وسلم: «روِّحُوا القلوب»».
المزاج الشخصي
وأوضح الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، أن الاختلاط في التعليم والعبادة «حكم من أحكام الدين الإسلامي، سواء في الصلاة أوالحج، وكذلك في كل أمور الحياة العامة، وأضاف: «أرى أن التعامل في هذا الموضوع يخضع للمزاج الشخصي وتركيبة كل إنسان النفسية، وذلك في ضوء الأحكام الشرعية، بمعنى انه قد يكون مزاجك أن تختلط للضرورة في أماكن التعليم أو العمل وتلتزم بضوابط الشرع ولا تخشى الفتنة، وهناك آخرون مزاجهم ألا يختلطوا لأنهم يخشون الفتنة فهذا حقهم، لكن لا يفرضونه علي غيرهم بالقوة، ويؤكدون أنهم وحدهم على الدين الصحيح، ومن يلجأ للاختلاط لغير ضرورة آثم شرعاً».
وأضاف: «الحكم نفسه ينطبق على الموسيقى، فكل ما فيه منفعة بلا معصية فهو حلال، لأن النفوس البشرية تختلف في تركيبتها. وأدعو من يحرمون الموسيقى ألا يطلقوا الحكم على الجميع، بل عليهم أن يضعوا له الضوابط الشرعية بأنها إذا أدت إلى حرام أو صاحبت أفعالاً محرمة فهي حرام، أما من يستمع إلى موسيقى بمفرده أو في غرفة النوم مع زوجته فعمله حلال».
نسب إلى الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ، الرئيس الجديد لهيئة الأمر بالمعروف بالسعودية، إباحة الاختلاط، للضرورة، من خلال إيراده النصوص الشرعية التي تفرِّق بين فعل الخلوة المحرمة والاختلاط المباح. كما أعلن الداعية الدكتور أحمد بن قاسم الغامدي، الرئيس السابق لمكتب هيئة الأمر بالمعروف في مكة المكرمة، في لقاء مع قناة «العربية»، أن الاختلاط بين الرجال والنساء جائز، وأنه لم يندم على فتوى جواز الاختلاط التي أفتى بها، رغم معارضة البعض لها، كما أكد أن سماع الموسيقى حلال ولديه الأدلة التي تثبت عدم تحريمها إطلاقًا. وبعد هذه التصريحات حول إباحة الاختلاط ورفض دعاوى تحريم الموسيقى، سألنا علماء الأزهر عن رأيهم واستمعنا لهم في السطور التالية.
شروط
ووضع الدكتور عبد المعطي بيومي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، شروطاً للاختلاط المباح شرعاً قائلاً: «من الخطأ القول بأن الاختلاط حلال أو حرام بشكل مطلق دون ضوابط، لكنَّ هناك شروطاً للاختلاط المباح، أولها أن يخلو من تبرج المرأة، وكشف ما لا يجوز لها كشفه، لقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ» الآية 59 سورة الأحزاب. وثانيها أن يخلو من النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه، وثالثها ألا تتدلل المرأة في الكلام بشكل يثير الفتنة، لقوله تعالى: «فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا» الآية 32 سورة الأحزاب. ورابعها ألا يكون الاختلاط مع خلوة محرمة، بحيث يكون الرجل والمرأة في مكان لا يراهما فيه أحد، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يخلُوَنَّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم»، وقوله: «لا يخلُوَنَّ أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما». وخامسها ألا تظهر المرأة على حالة تثير الرجال، من تعطر واستعمال لأدوات الزينة بشكل زائد على الحد. وسادسها إزالة الحواجز بين الجنسين حتى لا يتجاوز الأمر حدود الأدب ويدخل في اللهو والعبث».
ورأى بيومي أن الموسيقى الراقية تعد نوعاً من الترويح، وهو أمر مشروع طالما أنه في إطاره الشرعي السليم المنضبط بحدود الشرع، التي لا تُخرج الترويح عن حجمه الطبيعي في قائمة حاجات النفس البشرية.
واستشهد ببعض مواقف بعض الصحابة من الترفيه أو الترويح المباح في عصره، فيدعو الإمام علي بن أبي طالب إلى ترويح القلوب بالحلال، قائلاً: «أجموا هذه القلوب والتمسوا لها طرائف الحكمة فإنها تملُّ كما تملُّ الأبدان»، وكذلك قول عبد الله بن مسعود: «أريحوا القلوب فإن القلب إذا أكره عمي»، وورد عن أبي الدرداء قوله: «إني لأستجم لقلبي بالشيء من اللهو ليكون أقوى لي على الحق»، أي أن الترويح الحلال يتقوى به المسلم على الطاعة.