'تمنّى' تحوّل حلم طفل مريض...

نجوى كرم, نانسي عجرم, هيفاء وهبي, مارسيل غانم, طفل / أطفال, مرض السرطان, مرض الطفل / أطفال, جمعية تمنّى, أمنية طلعت

06 أغسطس 2012

قد تكون رؤية طفلهم المريض أصعب مشهد يمكن أن يشهده الاهل. إذ يبدو الطفل كائناً ضعيفاً لا قوة له، يحتاج إلى الحماية، فنجده عاجزاً وضعيفاً أمام مرض شرس لا يعرف كبيراً ولا صغيراً. أخذت جمعية «تمنى» على عاتقها مهمة تحويل دموع الأطفال المرضى إلى ابتسامة وأحلامهم إلى واقع يعيشونه بكل فرح ويدخل السعادة إلى قلوبهم. ما من أمنية يصعب تحقيقها لطفل بالنسبة الى «تمنى». فلا حدود أمامها ضمن مخيّلة الطفل وأحلامه بهدف تأمين لحظات من السعادة في أيامه التي يعيشها في مرحلة مرضه، والتي يطغى عليها الألم والحزن، مما يسمح برفع معنوياته وإعطائه المزيد من الأمل في الحياة والشفاء.  مقابلة أحد المشاهير أو شخصية سياسية أو لاعب كرة قدم أو السفر إلى هذا البلد أو ذاك وغيرها من الأمنيات التي تتحقق للأطفال المرضى يوماً بعد يوم لعيشوا لحظات تملؤها السعادة، إما بانتظار تحقيق الحلم أو في مرحلة تحقيقه ولوقت طويل بعدها. جمعية «تمنى» يتولاها أشخاص وجدوا شغفهم في رسم ابتسامة على ثغر طفل مريض دون مقابل لان فرحة طفل تساوي كل أموال العالم.


انطلقت جمعية «تمنى» على أثر وفاة الطفل كريم ريّس في حادث في البحر في تركيا عام 2005. عندها قررت والدته ديالا التي تؤكد أنه ما من ألم هو أكبر من ذاك الناتج عن فقدان أم طفلها. لكن من هذه المصيبة التي ألمّت ولدت جميعة تمنّى  لتجلب السعادة إلى أطفال يعانون جراء إصابتهم بالمرض.

وكانت ديالا تعرف بوجود جمعية Make a wish في الولايات المتحدة الأميركية. فقررت أخذ الفكرة من هناك وتم تأسيس جمعية «تمنّى»  التي ساهم في تأسيسها 7 أشخاص. عن دور الجمعية تتحدث السيدة نادين عكاوي إحدى مؤسِّساتها عن أهدافها ودورها قائلة: «بدأنا التعامل في المرحلة الأولى مع مركز سانت جود الطبي لمعالجة الأطفال مرضى السرطان، كون السرطان من الامراض المزمنة التي يحتاج الطفل فيها إلى الدعم والفرح ليتمكن من المتابعة.

لكن صحيح أننا بدأنا مع السرطان لكن توسّعنا لاحقاً لتشمل الأمنيات التي نحققها أطفالاً آخرين يعانون أمراضاً أخرى مزمنة. فكل طفل يعيش في لبنان بغض النظر عن جنسيته ودينه، يعتبر ضمن نطاق اهتمامنا. وبعد أن كنا نتولى حصراً الأطفال مرضى السرطان، يشمل نشاط الجمعية اليوم الأطفال المصابين بالتلاسيميا او بأمراض القلب أياً كان المستشفى الذين هم فيه في مختلف المناطق اللبنانية».


900 حلم

حتى الآن حققت جمعية «تمنى» نحو 900 حلم أو امنية من أمنيات الاطفال المرضى في لبنان. وتؤكد السيدة عكاوي ان ما تفعله «تمنى» جزء لا يتجزأ من العلاج بالنسبة الى الطفل الذي يحتاج في الايام الصعبة التي يمر بها في فترة علاجه ومرضه، إلى فرحة تزرع ابتسامة على ثغره. وتقول: «تساعد الامنية التي نحققها الطفل على تقبل علاجه بشكل أفضل والتعامل بشكل إيجابي مع المرحلة التي يمر بها.

فقد ثبت علمياً أن الفرح الذي يرافق تحقيق أمنية الطفل يرفع معنوياته إلى حد كبير ويساهم بشكل إيجابي في علاجه، خصوصاً إذا كان ينتظر تحقيقها مباشرةً أو خلال فترة قصيرة. ويلاحظ عندها أن ملامحه تتغيّر وأن أمله بالشفاء يزداد على نحو ملحوظ. هدفنا في «تمنى» هو تحقيق أمنيات الأطفال المرضى لنجلب لهم السعادة والقوة والامل في مواجهة المرض الذي يعانونه. إذ ان تحقيق أمنية الطفل او حلم يراوده هو بمثابة هروب من واقع صعب ومرير، مما يسمح بإعادة الضحكة والفرح الى حياة الطفل. يسمح ما نفعله للطفل بأن يعيش تجربة ساحرة أشبه بحلم يتشارك فيها في لحظات لا تنسى مع أفراد عائلته. أما السؤال الذي نسأله للطفل فهو»لو كانت لديك أمنية واحدة تتمنى أن تتحق، ماذا يمكن أن تكون؟».

بذلك تحاول «تمنى» ألا تحدّها إلا مخيّلة الطفل، علماً أننا نحقق ثلاث أمنيات في الأسبوع تسمح بإعادة الفرح إلى قلوب الأطفال في الظروف الصعبة التي يعيشونها. فمنهم من عبّر عن فرحته بأن شبّه نفسه بطير في لحظة تحقيق أمنيته لشدة فرحته. كما لا تقل فرحة الأهل بسعادة أطفالهم، خصوصاً أن الأهل يتحمّلون بصعوبة آلام أطفالهم ومعاناتهم فيجدون في السعادة التي يعيشها أطفالهم عند تحقيق أمنياتهم فسحة من السعادة لهم أيضاً.

اما أعمار الأطفال الذين نحقق أمنياتهم فتراوح بين 3 سنوات و18 سنة. أما أنواع الأمنيات التي نحققها فأربعة أولها الامنية بتملّك شيء جديد كغرفة جديدة أو ألعاب الكترونية أو IPad أو كمبيوتر محمول laptop أو هاتف iphone مثلاً. أما النوع الثاني من الاحلام فهو أمنية عيش تجربة معينة كأن تتمنى طفلة أن تكون عروساً أو عارضة او معلّمة في مدرسة، أو أن يتمنى طفل أن يكون لاعب كرة قدم. والنوع الرابع من الأمنيات هو التقاء شخصية معينة مشهورة فنية او سياسية أو غيرهما. وأخيراً النوع الرابع هو الذهاب إلى مكان معين كالسفر، وسبق أن أخذنا أطفال في رحلات إلى أستراليا وكندا وEurodisney ... ويمكن أن يتمنى طفل الذهاب إلى ملعب كرة قدم أو كرة سلة...».


أصعب ما يمكن تحقيقه

عن أصعب الأمنيات التي يمكن أن يطلب الأطفال تحقيقها تقول السيدة عكاوي إن ما من أمنية للأطفال يمكن أن تكون صعبة التحقيق، لكن ثمة أمنيات يصعب التحكم في فترة تحقيقها كتلك التي ترتبط بمقابلة شخصيات سياسية وفنية. «صحيح أن تحقيق أمنية طفل بمقابلة شخصية قد يتأخر لكن ما من شخصية رفضت يوماً المساهمة في تحقيق أمنية الطفل. فقد تأخرت مثلاً مقابلة أحد الأطفال السيدة فيروز، لكننا نجحنا في تحقيق ذلك في النهاية. ومن المشاهير الذي قابلهم الأطفال وائل كفوري وإليسا ونجوى كرم وهيفا ونانسي عجرم وأحمد شريف. حتى أن إحدى الشابات المريضات تعشق المغني جيمس بلانت، وتمكنت من لقائه عندما كان في حفلة في لبنان».

وتضيف السيدة عكاوي: «لدى كل طفل حلم أو أمنية بغض النظر عما إذا كانت لديه أموال أو لا او ما إذا كان من الاثرياء أو فقيراً.
فعندما يُسأل الطفل، من الطبيعي أن يكون له حلم. وعندما يتحدث عن الامنية التي لديه يبقى منتظراً تحقيقها. وأذكر إحدى الفتيات التي تمنت ان تكون عروساً وأقمنا لها حفلة زفاف. بشكل عام الولد الذي يكون مريضاً ولديه أمنية يشعر بأنه مميز عندما تتحقق مما يدخل السعادة إلى قلبه. ومهما كانت صعوبة الأمنية نسعى إلى تحقيقها على طريقتنا. ففي إحدى المرات كان احد الاطفال مريضاً ويحلم بالسفر. لم تكن حالته الصحية تسمح بسفره، كما اكد الطبيب. لذلك، حجزنا له ولعائلته جناحاً خاصاً في فندق فينسيا في بيروت لمدة يومين فشعر بسعادة لا توصف وكأنه سافر إلى خارج البلاد».

أما عن كلفة تحقيق الأمنيات فتقول السيدة عكاوي أنها تراوح بين 150 دولاراً أميركي و4000 دولار بحسب نوع الأمنية . ويتم تمويل الجمعية من خلال متبرعين ومن خلال عشاء سنوي يعود ريعه إلى الجمعية. إضافةً إلى التعاون مع مستحضرات معينة يعود جزء من مبيعاتها إلى الجمعية عند الشراء. وبحسب عكاوي، كثر يتبرعون لأنهم يعرفون أنهم بذلك يحققون امنية طفل مريض. هم بذلك يشاركون في تحقيق الحلم ويدخلون السعادة إلى قلب الطفل وهذا إنجاز بذاته. حتى أن السعادة التي تدخل إلى قلوب الاهل لا توصف لسعادة أطفالهم، فتبقى هذه ذكرى لا تنسى لهم حتى في حال وفاة الطفل المريض فيشعر الأهل بشيء من الارتياح لأنه عاش لحظات من السعادة وحقق أمنيته قبل وفاته.


من أقوال الاطفال الذين تحققت أمنياتهم

كان يوماً رائعاً. وكأنه حلم لي.
نصري(15 سنة)

منحتم ابنتي السعادة، وليس لبعض الوقت بل لمدى حياتها. بدّلت الأمنية التي حققتموها لها مسار حياتها.
والد نور(9 سنوات)

جلبتم السعادة إلى قلبي ورسمتم ابتسامة على وجهي.
مريم(10 سنوات)

فرحت كثيراً عندما حققتم حلمي. شعرت بقوة قصوى إلى درجة أني سألت الممرضة ما إذا كان من الممكن أن أغادر المستشفى، ووافقت.
سحر(10 سنوات)

منذ أن علم ابني أن حلمه سيتحقق، لم تفارق الابتسامة ثغره للحظة.
والدة أسعد (8 سنوات)

لن أنسى هذا اليوم. منحتموني الثقة بالنفس لاحقق أحلامي الباقية.
محاسن(18 سنة)

لم أتوقع أن تقدموا لي كمبيوتراً محمولاً laptop . لم يعطني احد شيئاً في يوم من الأيام دون مقابل.
جنى(18 سنة)

شكراً لكم لإعطائنا السعادة في هذه اللحظات المؤلمة التي نعيشها.
والدة جنى

من الرائع أن نعرف أن ثمة من يفكر في أطفالنا مثلنا.
تاتيانا (17 سنة)

أشكركم على هذه الرحلة الرائعة التي كانت أبعد من أحلامنا. بدت الايام الأخيرة مذهلة وساحرة وكأننا أعيش حلماً.
شقيقة غسان (17 عاماً)

شكراً لكم لأنكم حوّلتم حلمي إلى واقع
ليزا(7 سنوات)

تحوّل حلم ابني إلى حقيقة. لا يمكن أن تتصوّروا كم رفع ذلك من معنوياته.
والد ماريو (12 سنة)

شكراً لأنكم حققت حلمي برؤية مصر. كان ذلك رائعاً ومدهشاً.
سارة (17 سنة).


«تمنّى»... إحياءً لذكرى كريم

يصعب على الأم أن تتقبل فكرة فقدان طفلها في وقت يشكل فيه محور اهتمامها. فعندما فقدت السيدة ديالا الفيل طفلها كريم ريّس في حادث في البحر في تركيا خلال عطلة للعائلة، بدا الأمر لها وكأنه كابوس. رفضت أن تتقبل الواقع، فتقول: «عجزت عن تقبل فكرة أن كريم لم يعد موجوداً في حياتها وفي حياة الآخرين. كنت أرفض الفكرة طوال الوقت. حاولت ان أبقيه موجوداً من خلال أمور عدة أنجزتها في مدرسته وفي أماكن مختلفة لكني لم اجد ما أفعله كافياً أو مجدياً. تعلّقي الكبير به كان يدفعني في اتجاه آخر. أردت أن أبقيه حياً من خلال أمر بارز أفعله. من هنا، أتت فكرة جمعية «تمنى» المقتبسة في فكرتها عن فكرة جمعية موجودة في الخارج. باعتقادي هي أول جمعية  تنطلق بهدف إحياء ذكرى ولد توفي ومن بعدها أتت بقية الجمعيات التي انطلقت على هذا الاساس.

صحيح أن ما أفعله لن يعيد كريم حياً بيننا، وعرفت من البداية وفهمت جيداً أني فقدته إلى الأبد، لكن على الأقل ذكراه ستبقى حيّة وسيبقى موجوداً من خلال الجمعية حتى بعد موتنا نحن. أردت أن أكرّمه بهذه الطريقة. ولأني أعرف معنى أن تفقد أم طفلها، أردت أن أقدم كل ما أمكن للأطفال المرضى   ضحكة الأطفال الذين نحقق امنياتهم تسعدني إلى أقصى حد. فمنذ وفاة طفلي كريم لم أعد أعرف الضحك، حتى أني أشعر بالخجل إذا أردت الضحك وكانه صار أمراً غريباً عني. أما اللحظات الوحيدة التي تشعرني بنوع من التعويض والسعادة، فهي تلك التي أرى فيها الاطفال سعداء بما نقدمه لهم. فكلنا نعرف كم من الصعب على الأهل أن يروا اطفالهم يعانون في سرير المستشفى، ورؤيتهم سعداء هو أجمل هدية يمكن تلقيها. سنتابع في الجمعية في هذا الاتجاه لننشر السعادة بين العدد الأكبر من الأطفال.وننوي التوسع أكثر في الجمعية بفتح فرع لنا قريباً في السعودية، ولاحقاً في دول عربية أخرى. أما بالنسبة إلى دور الجمعية فلن نغيّره أبداً لنبقى معروفين في هذا الإطار، فلا ننوي الدخول في أي أنشطة أخرى غير تحقيق الأمنيات لأننا هكذا بدأنا وهكذا ننوي المتابعة».