إخفاء عمليات التجميل عن الزوج هل يبطل الزواج؟
جراحة التجميل, د. مهجة غالب, د. آمنة نصير, مواقع الزواج الإلكتروني, د. ملكة يوسف, علماء الدين, عيادة التجميل
17 ديسمبر 2012إخفاء العيب غش
تلفت الدكتورة ملكة يوسف، أستاذة الشريعة في جامعة القاهرة، إلى أن «للغش صوراً متعددة، منها ستر العيب وعدم إبدائه أو عدم المصارحة به. ولا شك أن إخفاء عمليات التجميل يدخل في الغش، والتدليس على الزوج يعطيه الاستمرار أو فسخ عقد الزواج، لأن ما بني على باطل فهو باطل، فهناك من العيوب في أحد الزوجين التي لو اطلع عليها الآخر لانعدمت رغبته في الزواج، ولهذا فكل عيب عند طرف ما لا بد من إبدائه للآخر وإلا فإننا أمام حالة غش».
وقدمت الدكتورة ملكة نموذجاً عملياً في بضاعة حاول البائع تجميلها وإخفاء العيب، فقد مر النبي، صلى الله عليه وسلم، على بائع يخفي عيب بضاعته، فأدخل الرسول يده فيها فنال أصابعه بلل، فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟ فقال: أصابته السماء يا رسول الله. فقال له الرسول: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غشنا فليس منا».
ورغم اعترافنا بالفارق بين المثالين إلا أنه يجمعهما إخفاء العيوب وعدم الصدق والصراحة، ولهذا يجب على المسلمة أن تؤمن بالقدر، وأن الله سيختار لها زوجاً يرضى بما فيها من العيب طالما كان عادياً وليس منفراً. وكذلك من حق المتقدم لخطبتها أن يسألها إذا كانت قد أجريت لها عملية تجميل أم لا؟ وعليها الصدق في الرد.
يسبب انتشار عمليات التجميل بمختلف أنواعها، وقدرة الأطباء على إخفاء أي آثار لتلك العمليات، تنفجر مشاكل بين الأزواج أحياناً إذا اكتشف الزوج أن زوجته خضعت لجراحة تجميل قبل زواجهما ولم تخبره بها، حتى أن البعض يعتبر هذا غشاً يبطل الزواج من الأساس.
فهل يوافق علماء الدين على هذا الرأي؟ وهل إخفاء المرأة عن زوجها أي جراحة تجميل أجريت لها قبل الزواج يعتبر غشاً، أم أن الأمر ما دام قد حصل قبل الزواج يظل خاصاً بالزوجة وحدها؟
تقول الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة في جامعة الأزهر: «من حق كل من الزوجين أن يكون شريك حياته كامل الخِلقة، مما يعين على غض البصر عن غير الشريك، ومن هنا كان أمر الرسول، صلى الله عليه وسلم، للمغيرة بن شعبة حين خطب امرأة، إذ قال له: «انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما»، ومعنى يؤدم: تدوم المودة والألفة بينكما ويوفق بينكما، وهذا يتطلب أن يكون وجهها على طبيعته وليس نتاج عملية تجميل غيرت معالم الشكل تماماً».
وتضيف الدكتورة فايزة أنه من الأفضل أن «تخبر الفتاة راغب الزواج منها بخضوعها لعملية تجميل لإصلاح عيب أو تشوه، لأن الصدق لا يأتي إلا بخير في الدنيا والآخرة.
فقال اللَّه تعالى: «قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» آية 119 سورة المائدة.
وفي الوقت نفسه ذم ّ الكاذبين ولعنهم لأنهم استحلوا الغش رغم ما فيه من المخادعة والتدليس على الغير، فقال الله تعالى: «قُتِلَ الخَرَّاصُونَ» يعني لُعن الكذَّابون. وفي حالة اكتشاف الزوج أن زوجته أخفت عليه أمراً مثل هذا، سيطالب بحقه في تطليقها باعتبارها غشته، ولذلك فالصراحة تؤدي إلى تفادي تلك المشكلة».
خداع مرفوض
ويقول الدكتور صابر طه، عميد كلية الدعوة الإسلامية في جامعة الأزهر: «لا شك أن كلاً من الزوجين راعٍ للآخر ومسؤول عن رعيته، ولهذا نذكر بحرمة ما تفعله المرأة من عمليات تجميل ولا تخبر الراغب في الزواج منها بما فعلت، فقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو في مرض الموت: «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة»».
وأوضح أن إخفاء العيوب بعمليات التجميل ما لم تكن لضرورة كبرى هو نوع من تغيير خلق الله، ولهذا هو حرام شرعاً، لأن عمليات التجميل هي بمثابة تلاعب في الأوصاف التي خلق الله المرأة عليها، وأحياناً تكون بغرض زيادة فرص الزواج والتمويه على الآخرين، وهذا بالطبع لا يجوز، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من بات وفي قلبه غش لأخيه المسلم بات في سخط الله وأصبح كذلك حتى يتوب». وقال الإمام علي بن أبي طالب: «شر الناس من غش الناس» وقال أيضاً «مرارة النصح أنفع من حلاوة الغش».
حلال للضرورة
تؤكد الدكتور آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، أن ماضي الزوجة حق لها وحدها، ولا يجوز للزوج التدخل فيه أو السؤال عنه، وعملية التجميل إذا كان لضرورة وإصلاح لتشوه خلقي في جسدها فإن كثيراً من الفقهاء أباحوها بقدر إصلاحها للعيب فقط، ولا يتعدى التجميل ذلك وإلا أصبح تغييراً لخلق الله، وهنا يتم إعمال قاعدة: «الضرورات تبيح المحظورات والضرورة تقدر بقدرها».
وأشارت الدكتورة آمنة إلى أن «هناك من الأمور ما يصعب إخفاؤه إلى الأبد، ومنها إجراء عمليات التجميل، ولهذا فإن المرأة اذا صارحت المتقدم إليها فهذا أفضل، فإذا كان يحبها بصدق سيكمل وإذا لم يكن يحبها سيتركها وسيعوضها الله بغيره أو أفضل منه، لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما ترك عبد لله أمراً لا يتركه إلا لله إلا عوضه الله عنه ما هو خير له منه في دينه ودنياه».
ونصحت من خضعت لعملية تجميل بأن تصارح المتقدم إليها، وتكون ممن قال الله فيهم «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّه وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» آية 119 سورة التوبة. وأن تكون على يقين أن الصدق مناجاة والكذب مهلكة، لقول النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند اللَّه صديقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند اللَّه كذابا» وقوله كذلك «اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم».
الكتمان معصية
تشير الدكتورة سعاد الشرباصي، أستاذة الفقه في كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، إلى أن «الإسلام يحض أتباعه على الصدق، فإذا كانت الزوجة قد خضعت لعملية تجميل غيرت ملامحها تماماً، فيجب عليها وعلى أهلها إخبار الزوج بحقيقة الوضع ليقرر إذا كان سيكمل الزواج أم لا، أما كتمان تلك الأمور فهو من قبيل المعصية والإضرار بالزوج وأولادها الذين يحملون جيناتها الوراثية، وقد قال صلى الله عليه وسلم «لا ضرر ولا ضرار». ولست مبالغة إذا قلت إن هذا نوع من الغش والخديعة، وقد قال النبي، صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا»».
وتضيف الدكتورة سعاد أن بعض الفقهاء يبيحون للزوج فسخ عقد الزواج واسترداد ما قدمه من مهر لأنه تعرض للغش، ولهذا يجب على كل من الزوجين أن يبين للآخر ما فيه من العيوب الخَلْقِيَّة قبل الزواج، لأن هذا من الصدق الذي يؤدي إلى حصول الوئام بينهما، ومنعاً للنزاع حتى يدخل كل منهما مع الآخر على بصيرة بحقيقته. ولا يجوز الكذب والغش والكتمان مهما كان السبب، فعن رسول اللّه، صلى اللّه عليه وسلم، قال: «آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خانَ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أنَّهُ مُسْلِمٌ».
الستر أفضل
وتشير الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، إلى أن هناك من الفقهاء من يرون الستر أولى في ما هو أكثر من عمليات التجميل، مثل من تتعرض للاغتصاب وتفقد عذريتها وتقوم بترقيع غشاء البكارة، بل إن هناك من الفقهاء من اجتهد وأباح ذلك لمن وقعت في الخطيئة وأرادت التوبة الصادقة، ويكون المنع هنا من باب الفضيحة وإغلاق باب التوبة إذا تم كشف أمرها، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل حليم حيي ستير، يحب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر».
ولفتت الدكتورة مهجة إلى إجماع العلماء على أن الجزاء من جنس العمل، وبالتالي فإن من كان حريصاً على ستر المسلمين في هذه الدنيا إذا زلوا أو وقعوا في الهفوات، فإن الله تعالى يستره في موقف هو أشد ما يكون احتياجاً إلى الستر والعفو يوم القيامة، فقال صلى الله عليه وسلم: «ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة». وقال أيضاً «لا يستر عبدٌ عبداً في الدنيا، إلا ستره الله يوم القيامة».
فإذا كان الستر مع عامة الناس، فما بالنا بستر من أصبحت زوجته وأم أولاده وسبق لها الخضوع لعملية تجميل لم تضره أو تنتقص من حقوقه الزوجية شيئاً، أما الأولاد من حيث الشكل فإن هذه أمور بيد الله وحده، مع اعترافنا بتأثير العوامل الوراثية، ولكن كم من جميلات جدا أنجبن أولاداً وبنات ليسوا في مستوى جمالها، والعكس كم من نساء عاديات في جمالهن ووهبهن الله أولاداً وبنات غاية في الجمال.
وبالتالي فليس هناك عملية ارتباط قطعي دائم بين جمال الأم وجمال أولادها.
وأنهت الدكتورة غالب كلامها بالتأكيد أنه «يجب ألا نغفل أن الجمال ليس في الشكل فقط، كما يفهم بعض الأزواج والزوجات، وإنما الأهم منه جمال الروح والأخلاق، فكم من رجال ونساء دون المستوى في الجمال الشكلي ومع هذا فهم محبوبون من الجميع، وكم من ملكات جمال ورجال غاية في الوسامة ومع هذا فإنهم ممقوتون ومكروهون من الناس».