طلاق في إعلان تلفزيوني!
طلاق, د. مبروك عطية, د. عبلة الكحلاوي, حملة إعلانية, د. صبري عبد الرؤوف, هدى الكاشف, د. فايزة خاطر
04 يناير 2013النية
أما الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، فيؤكد أن الطلاق من المسائل الشائكة، والفتوى فيها عظيمة الخطر، ولذلك فالأصل فيها أن يكون الطلاق مشافهة من الزوج لزوجته حرصاً على اليقين والتأكد من نية الزوج، ومع هذا فإنّ كتابة الرجل رسالة بالمحمول أو الإنترنت أو الفيسبوك أو غيره بطلاق زوجته، يحصل بها الطلاق، إذا تحققنا بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه الرسالة من الزوج، الذي عقد النية على الطلاق، كأن نتصل به هاتفياً ونتأكد أن هذه الرسالة بالطلاق منه ويقر بذلك جاداً غير هازل، لقوله صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثٌ جِدُّهنَّ جِدٌّ, وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: اَلنِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ»، وفي رواية «العتاق».
وأشار الدكتور مبروك إلى أنه رغم اختلاف الفقهاء في وقوع الطلاق بالوسائل الإلكترونية، إلا أن جمهور الفقهاء أوقفوا وقوع الطلاق من عدمه على نية الزوج لتأكيد إيقاعه للطلاق، وبالتالي فإن الطلاق الإلكتروني لا يقع إلا بنية وتأكد من الزوج، وبناءً عليه فلا يقع الطلاق حتى يُسأل الزوج عن نيته: أكان يقصد طلاقاً أم تهديداً أم كيداً وما شابه؟ لأنه ربما قام شخص آخر بذلك وكتب كلمة «الطلاق» مكيدة أو دعابة أو سفاهة أو مكراً، ومن دون هذا لا يقع هذا الطلاق.
وشن الدكتور مبروك هجوماً شديداً على من يستغل الوسائل الحديثة للتشهير بزوجته أو مطلقته، لأن هذا يتنافى مع شيم الرجال، فالرجل يجب أن يتصف بالشهامة مع زوجته التي طلقها، لأنها أم أولاده أو كانت بينه وبينها عشرة وزواج، جعله الله آية من آياته حين قال: «وَمِنْ آَيَاتِهِ أن خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إن فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21 سورة الروم.
للضرورة
يشير الدكتور صبري عبد الرؤوف، أستاذ الفقه المقارن في كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، إلى أن الشريعة تنظر إلى حكم الطلاق على أنه مكروه وأبغض الحلال إلى الله، لكن مسموح به في بعض الحالات. وقد اختلف العلماء في الأصل في الطلاق، فذهب عدد كبير منهم إلى أن الأصل فيه الإباحة، وذهب أتباع المذهب الحنفي إلى أن الأصل في الطلاق الحظر، وذهب بعض الفقهاء إلى أنه محرم لأنه ضرر بنفسه وزوجته وأولادهما إذا لم تكن هناك حاجة ضرورية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»، وقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق».
ورفض عبد الرؤوف الاعتراف بطلاق الوسائل الإلكترونية الحديثة، إلا للضرورة القصوى، كأن يكون الزوج مسافراً في مكان بعيد ويصعب عليه الرجوع لبلده لتطليق زوجته بشكل مباشر، وهنا يكون الاحتكام إلى قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات»، وهذه القاعدة مأخوذة من قوله تعالى: «إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ» آية 119 سورة الأنعام.
واستنكر الدكتور صبري الاستهانة بأحكام الطلاق، وأن يتم التشهير بالزوجة عبر الفضائيات بواسطة إعلان أو غير ذلك، فهذا يتنافى مع مكارم الأخلاق التي حثنا عليها الإسلام، فعن عبدالله بن عمر بن الخطاب قال: «صعد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المنبر فنادى بصوت رفيع فقال: «يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيِّروهم، ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله».
وعن وقوع الطلاق بهذه الوسائل الحديثة من عدمه قال الدكتور صبري: «أنا شخصياً أفضل الطلاق المباشر أما غيره من الوسائل الحديثة ففيه شك وإذا كان الزواج الذي وصفه الله بقوله». وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا» آية 21 سورة النساء، تم بشكل يقيني لا شك فيه، فإنه لا ينتهي إلا بوسيلة يقينية تماماً.
ممنوع إلا بشروط
ترفض الدكتورة فايزة خاطر، رئيس قسم العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية بالزقازيق جامعة الأزهر، التوسع أو التساهل في الطلاق الإلكتروني أو غيره من الطرق الغريبة والحديثة، ويجب حصره في أضيق الحدود، وبعض الفقهاء يرون ضرورة الإشهاد على الطلاق حتى يقع منعاً لأي شك وكنوع من الاحتياط، وذلك لأن الزواج ميثاق غليظ بين اثنين قائم على نظام دقيق، كذلك الطلاق له ضوابط منها الإشهاد عند بعض الفقهاء الذين استندوا إلى قوله تعالى: «إِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا» آية 2 سورة الطلاق. وبالتالي فإنه لا ينبغي قبول الطلاق عبر الوسائل الإلكترونية إلا للضرورة القصوى عندما لا يوجد بديل لها.
وحددت خاطر شروطاً لا بد من توافرها في الطلاق الإلكتروني حتى يقع، وهي أن يكون الزوج هو المرسل وليس أحداً غيره، وأن يكون لديه العزم والرغبة الأكيدة على تطليق زوجته، وألا تحمل الرسالة أكثر من معنى غير الطلاق، أي الطلاق بلفظ صريح، وأن تستقبلها الزوجة. فإذا توافرت تلك الشروط يقع الطلاق، سواء عن طريق الرسائل أو عن طريق الهاتف المحمول أو حتى بالاتصال الهاتفي أو بالبريد الإلكتروني ويكون صحيحاً، لأننا تأكدنا أنه قام به الزوج بنفسه وابتعدنا عن أي شك أو غش أو خداع، وتحولت هذه الوسيلة من أداة غير مضمونة لإيقاع الطلاق إلى أداة مضمونة.
ونبهت الدكتورة خاطر إلى خطورة التشهير في الطلاق عبر الفضائيات أو وسائل الإعلام عامة، لأن الطلاق حتى وإن كان حلالاً، إلا أنه يعد طعنة في قلب المرأة ومشاعرها وسمعتها، ولهذا يجب الستر عليها واحترام مشاعرها، وقد قال تعالى: «لا يُحِبُّ اللَّهُ الـْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ» آية 148 سورة النساء. وقوله صلى الله عليه وسلم: «من ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة»، وقوله أيضاً: «إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ».
تشهير
ترى الداعية الإسلامية هدى الكاشف أن الطلاق يفضل أن يكون بشكل مباشر منعاً لأي ريبة، وخاصة أنه إنهاء لحالة زوجية وتترتب عليه أحكام شرعية، من حرمة المعاشرة الزوجية وبدء العدة ووجوب النفقة وغيرها من الأحكام الشرعية، ولهذا فإنه من الأولى تطبيق القاعدة الشرعية «إذا تزاحمت المصالح أو المفاسد روعي أعلاها بتحصيل أعلى المصالح ودرء أعلى المفاسد». ولا شك أن أعلى المصالح ألا يقع الطلاق الذي لا يعتد به شرعاً إلا بالطريق الطبيعي المباشر، أو غيابياً أمام القاضي الذي يثبت ذلك.
وأشارت الكاشف إلى أنه إذا كانت هناك ضرورة ملحّة تمنع إتمام الطلاق بالشكل الطبيعي، فإن بعض العلماء يرون أن الحل الشرعي يكمن في الاستناد إلى قاعدة «المشقة تجلب التيسير»، لكن يجب أن يحذر الجميع من التساهل في استخدام الوسائل الحديثة، مثل البريد الإلكتروني أو الفيسبوك أو رسائل المحمول، لأنه يمكن أن تحدث كوارث مخالفة للشرع عن طريقها، كأن يتم إرسال رسالة من هاتف الزوج أو بريده الإلكتروني أو صفحته على الفيسبوك من شخص آخر، مما يؤدي إلى تدمير الحياة الزوجية واختلاط الحلال بالحرام. ويزداد الأمر تعقيداً عندما يتم التشهير بالمطلقة عبر شاشات الفضائيات عن طرق الإعلان عن ذلك، وهذا ما يرفضه العقل والشرع مهما كانت مبررات من يفعل ذلك، كأن يقول إنه يقصد «الإشهار»، لكن ما فعله «تشهير» محرم شرعاً، بصرف النظر عن وقوع الطلاق عن طريقه من عدمه.
وتضيف: «أقول لمن يشهر بطلاق زوجته أين أنت من قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»؟، وعندما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم: أي المؤمنين أفضل إيماناً؟ قال صلى الله عليه وسلم: «أحسنهم أخلاقاً».
حالة رجل الأعمال الذي طلق زوجته عبر إعلان تلفزيوني أذاعه عبر القناة التي يملكها، أثارت جدلاً حول هذا النوع من الطلاق وغيره من الوسائل الغريبة التي يلجأ إليها بعض الرجال في تطليق زوجاتهم، مثل رسائل المحمول والبريد الإلكتروني والفيسبوك وغيرها.
وأمام انتشار تلك الطرق غير التقليدية في الطلاق، كان لابد أن نعرف رأي الدين فيها، وهل يقع فيها الطلاق؟ أم أن هناك محاذير عليها. وهل تعد تشهيراً بالزوجة التي تفاجأ بطلاقها عبر إعلان تلفزيوني؟ وهل أصبحنا أمام طلاق يرتدي نيولوك بعيداً عن شكل الطلاق المعتاد؟
في البداية توضح الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، أن الطلاق بشكله الطبيعي في الإسلام هو انفصال الزوجين عندما ينطق الرجل سليم العقل كلمة الطلاق أو ما يطلق عليه «يمين الطلاق»، بأن يقول «أنت طالق» أمام زوجته في حضورها، أو يقول يمين الطلاق أمام القاضي في غيابها وفق شريعة الإسلام، علماً أن أحكام الطلاق وردت في سورة البقرة، حيث يقول تعالى: «الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلا أن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أن يَتَرَاجَعَا أن ظَنَّا أن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ «الآيتان 229-230 سورة البقرة.
وأشارت الدكتورة عبلة إلى أن القرآن الكريم حدد الطلاق مرتين طلاقاً موقتاً، إذ يمكن للزوج أن يسترجع زوجته إذا كانت لم تتجاوز مدة العدة، وهي ثلاثة أشهر، لضمان عدم حدوث الحمل، أما إذا طلقها ثلاث مرات فلا يمكنه أن يعود إليها إلا أن تتزوج رجلاً غيره بنية البقاء مع الزوج الجديد، ثم إذا طلقها زوجها الجديد يمكن للزوج القديم أن يسترجعها بمهر وعقد جديدين، هذا هو الوضع في الأمور الطبيعية.
عن الطلاق عبر الوسائل الالكترونية الحديثة قالت الدكتورة عبلة الكحلاوي: «أنا شخصياً لا أحبذه بل أرفضه، لأنه ليس مُتيقناً منه تماماً، ويحتمل التلاعب إذ يمكن لأي إنسان عمل مكيدة بالزوجة وإرسال رسالة من محمول الزوج، أو يعرف كلمة السر الخاصة بحسابه على الفيسبوك ويرسل رسالة طلاق منها، أما ما شاهدناه من الطلاق على شاشات الفضائيات فهذا مرفوض أخلاقياً ودينياً، لأنه نوع من التشهير الذي يتنافى مع أخلاق الإسلام التي تحث على عدم نسيان الفضل أو ما سبق من عشرة وحياة زوجية، حتى عند الطلاق فقال تعالى: «وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إن اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» آية 237 سورة البقرة».