زواج الرجل التسعيني ببنت الـ15سنة فجّر القضية...
مواقع الزواج الإلكتروني, د. عفاف النجار, د. ملكة يوسف, فارق السن, د. صبري عبد الرؤوف, د. أحمد حسين, د. فايزة خاطر
04 فبراير 2013وأد معنوي
يؤكد الدكتور صابر طه، عميد كلية الدعوة في جامعة الأزهر، أن «الرضا والقبول في الزيجات التي فيها فارق عمر كبير لا يتوافران، والفقهاء جعلوا الرضا والقبول من شروط الزواج، ولهذا تتحمل أسر الفتيات، سواء الأب والأم أو الأشقاء، المسؤولية كاملة في تزويج بناتها لأشخاص في مقام أجدادهن، حتى لو وصل الأمر إلى معاقبتهم قانوناً لأنهم غير أمناء».
وأشار طه إلى أن «الإضرار بمصلحة الصغيرة حرام شرعاً، فما بالنا بمن قاموا بوأدها معنوياً، وهذا لا يقل خطراً عن الوأد الجسدي، لأن الواد المعنوي يؤدي إلى انتهاك الجسد وقتل الروح بتعذيبها في زواج غير متكافئ يجلب لها التعاسة والشقاء، بل وقد يدفعها إلى الانتحار. ولهذا حذر الإسلام من سوء التعامل مع البنات بهذا الشكل غير الإنساني، وعرض لنا ما كان يفعل الآباء ببناتهم في الجاهلية، ليكون نموذجاً علينا الابتعاد عنه، فقال تعالى: «وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ» الآيتان 58- 59 سورة النحل. بل إن الإسلام استهجن هذا الفعل، حتى جعل الموؤودة تُسأل عن سبب قتلها، فقال تعالى «وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ» الآيتان 8-9 سورة التكوير».
وأنهى الدكتور صابر كلامه مؤكداً «عدم وجود نص شرعي يحدد فارق السنّ بين الزوجين، لكن هناك قواعد شرعية أهمها التكافؤ بين الزوجين في كل شيء، أو يكونان متقاربين في السن والمكانة الاجتماعية، حتى نضمن زواجاً مستقراً ناجحاً، فيه الحب والمودة والرحمة، بل جعله الله آية من آياته حين قال: «وَمِنْ آيَاتِهِ أن خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إن فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21 سورة الروم».
تهلكة باسم الزواج
ويؤكد الدكتور أحمد حسين، وكيل كلية الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر، أنه «ليس من المنطق أن يتم هذا الزواج، لأن الطفلة التي في بداية مرحلة المراهقة ليس لديها استيعاب للثقافة الجنسية أو إتقان عمل البيت أو رعاية الأطفال، وهو ما يجعلها تقصر في القيام بدورها كزوجة أو أمٍّ مستقبلاً. ويتحمّل وزر هذا التقصير الأب والأم اللذان ضيعا ابنتهما وخالفا قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، والرجل راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»».
وأشار حسين إلى أن الإسلام لم يحدد بشكل قطعي فارقاً سنياً بين الزوجين، لكنه اهتم بالتكافؤ بينهما من حيث السن، والذي يعني التقارب بينهما من ناحية، وكذلك أن تكون الزوجة ناضجة جسمانياً حتى لا تتعرض حياتها للهلاك والخطر إذا حدث حمل أو ولادة، وهذا ما تدعونا إليه الآية الكريمة «.... وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إن اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» آية 195 سورة البقرة.
وحذر الدكتور أحمد حسين الآباء والأمهات من «التهاون في تزويج بناتهم صغاراً، لأن هذا أمر منهي عنه شرعاً، فما بالنا إذا كان زواج الصغيرة بمن هو أكبر من جدها بحثاً عن مال أو جاه أو سلطان، فلا شك أن في هذا تضييعاً للرعية التي سيحاسبهم الله عنها، لقول رسول اللَّه، صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أن يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ»، وفي رواية «أن يضيِّع من يعول». ولا شك أن في تزويج الصغيرة غير الناضجة بمن هو في سن جدها جريمة مركبة وظلماً بيناً من الآباء والأمهات لبناتهم، وقد حرَّم الله الظلم، وقال في كثير من الآيات القرآنية إنه لا يحب الظالمين، وأن مأواهم النار وبئس المصير.
خيانة لحق الولاية
وتطالب الدكتورة سعاد الشرباصي، أستاذة الفقه في كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، باتخاذ كل الإجراءات القانونية ضد وليّ الأمر الذي يسيء التصرّف مع من جعله الله محلاً لولاية عليه كالابنة في هذه القضية، لأنه يجب شرعاً على الولي قبل إبرام عقد الزواج لموكلته معرفة ما إذا كان الشرع والقانون يجيزان له ذلك أم لا، وكذلك ما إذا كان الطرف الآخر في عقد الزواج أهلاً لما يقرره التعاقد من حقوق وما يفرضه من التزامات أم لا، لأن «الولاية» كلمة يقصد بها التدبير والقدرة على الفعل والتصرف في شؤون الغير نيابة عنه. والولي قادرٌ على ذلك لكمال رأيه وعقله، ومن ثم يجب أن يضطلع بمسؤولياته عوناً للضعيف أو عديم الخبرة، وهي الابنة التي جعلها أمانة في عنقه، فإن لم يقم بدوره كولي يعمل على مصلحة ابنته، من حقها شرعاً رفع أمرها إلى القضاء لتشكو والدها الذي ظلمها وتطلب الطلاق من رجل في سن جدها إن لم يزد».
استبداد الأولياء
ويرى الدكتور صبري عبد الرؤوف، أستاذ الفقه المقارن في كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، أن الأب الذي وافق على الزوج التسعيني لا يستحق شرف «الولاية الشرعية على ابنته»، لأن الولاية لغةً «سلطة قدرة وتدبير لمن لم يتمكن من القيام بها»، فيقوم بها من يفترض فيه النصرة والقرب والخوف على مصلحة الصغيرة، باعتباره أقرب الناس إليها وأكثرهم نصرة لها وتحقيقاً لمصالحها.
ولفت إلى أن «الإسلام أعطى الفتاة الحق في قبول من ترضاه من الأزواج ورد من لا ترضاه، ومنع الأولياء من الاستبداد في تزويج من لهم عليهن ولاية بغير رضاهن، وإلا من حق المتضررة اللجوء للقاضي لرفع الظلم عنها، ومن حق القاضي ردع الأب الذي لم يكن أهلاً للولاية».
وأنهى الدكتور صبري كلامه بأن «الزواج مطعون في شرعيته، لأنه تم تزويج البنت رغماً عنها، وكذلك فإنه لا بد من احترام العرف ما لم يتعارض مع الشرع. ولا يجوز القياس على زواج الرسول، صلى الله عليه وسلم، من السيدة عائشة في الفرق السني، رغم أن هذا الزواج فاقه بكثير، لأنها تزوجته برضاها وكانت تفخر بذلك، وكان شرفاً لها أن تكون زوجته وأمًّا للمؤمنين، بل وذكر القرآن قصتها وكان لها دور في رواية الأحاديث».
أثارت قصة زواج رجل في التسعين من عمره بفتاة دون الخامسة عشرة جدلاً فقهياً بين علماء الدين الذين وصفوا هذا الزواج بأنه نوع من «الوأد المعنوي المحرّم شرعاً». إلا أنهم اختلفوا في مشروعية هذا الزواج، وهل هو مكتمل الأركان من الناحية الشكلية؟ والأهم، ما هو الفارق السني المباح شرعاً؟ وما المسؤولية الشرعية والقانونية على ولي أمر الفتاة وزوجها العجوز؟ وهل من حقها اللجوء إلى القضاء للطلاق ومعاقبة المتآمرين عليها بحثاً عن مصلحتهم على حسابها؟ وهل يجوز القياس في فارق السن على زواج الرسول بالسيدة عائشة التي كانت تصغره بفارق كبير؟ هذه الأسئلة وغيرها يجيب عليها علماء الدين.
أكدت الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية بالزقازيق جامعة الأزهر، «أهمية الاستناد إلى أهلية الفتاة للزواج، وكذلك أهلية الرجل، حتى لا نجد زوجات في عمر الطفولة وأزواجاً عواجيز لا يستطيعون الحركة أو حتى خدمة أنفسهم. فالزوجة الطفلة تحتاج إلى أمٍّ تدبر لها أمورها، والثاني في حاجة إلى ممرضة تعالجه. من هنا تأتي أهمية الأهلية التي تعني «صلاحية الشخص لوجوب الحقوق المشروعة له أو عليه». بمعنى أن يكون الإنسان، أنثى أو ذكر، صالحاً لاكتساب الحقوق وأداء الواجبات المترتبة عليه، ومؤاخذاً بأقواله وأفعاله، إضافة إلى مطالبته بتنفيذ الالتزامات التي نشأت جراء أقواله وأفعاله، فيكون قادراً على الوفاء بالحقوق التي في ذمته، وهذا ما لا يتوافر في هذا الزواج الغريب بين أجيال متناقضة ليس بينها تكافؤ أو أهلية، وهذا ما نهى عنه الشرع، رغم أن الزواج من الناحية الإجرائية أو الشكلية صحيح شرعاً، إلا أنه يتناقض مع القواعد الشرعية، ومنها قاعدة «درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة»».
وحذرت الدكتورة فايزة من أن هذا الزواج غير المتكافئ يفتقد رضا الفتاة، مما يطعن في شرعيته، لأن الشرع حث الآباء والأمهات على استشارة البنات وعدم تزويجهن رغماً عنهن، حتى أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قرر فسخ عقد زواج ابنة زوَّجها أبوها بغير رضاها، فعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ قَالَتْ: «جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إن أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ، لِيَرْفَعَ خَسِيسَتَهُ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الأَمْرَ إِلَيْهَا، قَالَتْ: فَإِنِّي أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي، أَرَدْتُ أن تَعْلَمَ النِّسَاءُ، أن لَيْسَ إِلَى الآبَاءِ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ». أي إنه لا يجوز شرعاً قيام الآباء أو الأمهات بتزويج البنات رغماً عنهن بغير الكفء لهن، ولو كان قريباً منهن في السن، فما بالنا إذا زوَّجوها بمن هو أكبر من جدها؟!
الضرر حرام
أوضحت الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، أن كل المجتمعات العربية والإسلامية تحتاج إلى قوانين تجرم هذه الأفعال التي فيها انتهاك حقوق الإنسان باسم الدين وهو منها براء.
وأشارت إلى أنه لا بد أن يكون «الفارق في السنّ معقولاً في حدود العشر سنوات على الأكثر، ولا شك أنه كلما قلّ هذا الفارق كان أفضل في التفاهم والانسجام بين الزوجين، رغم أنه لم يرد نص صريح يحدد فارقاً سنياً معيناً بين الزوجين، لكن الإسلام يهتم بالمصلحة العامة للأفراد من خلال القاعدة الشرعية التي أرساها الحديث النبوي الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار». ولا شك أن هذا الفارق العمري الكبير بين الزوجين ضار بأحدهما، حتى لو كانت الزوجة هي الأكبر سناً بفارق كبير، فإن هذا لا يكون مقبولاً عرفاً أو عقلاً».
وأنهت النجار كلامها برفض قياس بعض الأزواج كبار السن زواجهم بالصغيرات بزواج الرسول صلى الله عليه وسلم، من أمِّ المؤمنين عائشة، مؤكدة أن هذه حالة خاصة لحكمة إلهية في التشريع، بالإضافة إلى أن البيئة آنذاك كانت تتقبل ذلك، وبالتالي فالعرف له اعتبار، بالإضافة إلى أن السيدة عائشة لم تكن في التاسعة مثلما يقول البعض، بل إن هناك من الباحثين الشرعيين من نقّبوا في النصوص وأكدوا أن سنها لم تكن تقل عن السابعة عشرة.
عقوبة قانونية
أشارت الدكتورة ملكة يوسف، أستاذة الشريعة بجامعة القاهرة، إلى أن الطفلة ليست مؤهلة شرعاً للزواج والدخول بها، لهذا من الشروط التي اتفق عليها جمهور الفقهاء أن يكون الإنسان المقبل على الزواج، سواء ذكراً أو أنثى، بالغاً عاقلاً حراً، وبالتالي فإن الطفلة التي لا تزال في مرحلة الطفولة، أو حتى بداية المراهقة، وتكون في هذه المرحلة مزاجها متقلب، ولهذا إذا أُجبرت على الزواج بمن يكبرها بكثير قد تكون عرضة للانحراف أو الاكتئاب ثم الانتحار.
ووصفت هذه الحالة ومثيلاتها بأنها «نوع من جرائم الاتجار بالأشخاص التي يجب فرض المعاقبة القانونية على كل من شارك فيها، حتى الزوج وليس الأب أو الأم أو الأشقاء فقط، لأن البنت تؤخذ كسلعة يبيعها أب بلا رحمة بمال وجاه وسلطة، كل ذلك لأجل سد شهوة أو تحقيق مصلحة مادية على حساب الطفلة المسكينة. ولهذا فإن هذه الحالات تعد نوعاً من خيانة الأمانة، إذ إن الله جعل الأطفال أمانة في أعناق الآباء والأمهات، بل وولي الأمر الحاكم الذي بيده سن قوانين تجرم مثل هذا الظلم الذي نهى عنه الشرع، فقال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إن اللَّهَ نِعِمًّا يَعِظُكُمْ بِهِ إن اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» آية 58 سورة النساء. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك»».