الإنتاج الغنائي في العالم العربي...

الإنتاج الغنائي, القرصنة, الثورات العربية, العالم العربي, ماجدة الرومي, صابر الرباعي, الملحن سليم سلامة, علي صفا, محمد حجازي, غسان شرتوني

16 مارس 2014

هل حقاً يشهد الإنتاج الغنائي في العالم العربي تراجعاً ملحوظاً؟ وهل هذا التراجع سببه الأزمات السياسية والأمنية التي بدأت منذ ثلاث سنوات ونصف في عدد من الدول العربية؟

الخبراء في هذا المضمار يؤكدون أن هذا التراجع متعدد الأوجه، فهو لم يقتصر على انخفاض كمية الأغاني المنتجة بل يشمل نوعية هذه الاعمال الفنية على كل الصُعُد، شعراً ولحناً، وصولاً الى إحتلال عدد من الأصوات غير الجيدة الساحة الغنائية.
ويبدو أن تقوقع معظم نجوم الغناء في العالم العربي وامتناعهم عن تقديم أي جديد أحدثا فراغاً لدى المستمع  العربي. لا شك ان الاضطرابات في عدد من الدول العربية التي تعتبر مؤثرة جدا في عالم الفن مثل مصر وسورية وتونس ولبنان، كانت سبباً لتدهور سوق الحفلات والمهرجانات الغنائية.
ومع اشتداد تلك الأزمات تضاءلت مكاسب هذه السوق رغم محاولات بعض المتعهّدين فتح أسواق مرادفة في بلاد الاغتراب مثل أميركا وأوروبا وأوستراليا والمغرب والجزائر والإمارات .

وأمام هذا الواقع الأليم وجدت شركات الإنتاج الغنائية نفسها غارقة في مأزق حقيقي، خصوصاً أنها كانت اعتمدت في السنوات الأخيرة مبدأ مشاركة المطربين، الذين تتعامل معهم، مدخولهم من الحفلات والمهرجانات، وصولاًإلى مقابلاتهم التلفزيونية عبر عقود إدارة الاعمال، وذلك بعدما أدت القرصنة الإلكترونية عبر الإنترنت إلى ضرب موارد مبيعات الألبومات في العالم العربي  لأنه أصبح بإمكان أي شخص يرغب في الاستماع الى أغنية جديدة أن يحصل عليها بعد دقائق من إصدارها عبر أي موقع موسيقى على الشبكة العنكبوتية مجاناً.
ومع تراكم المشكلات، بدأ عدد كبير من مطربي الصف الأول وحتى الثاني والثالث اعتماد مبدأ إصدار أغنيات منفردة وتصويرها كليب على حساب الشركات الإعلانية الراعية  sponsor من أجل الحضور فقط.

«لها» حاولت عبر هذا التحقيق وضع الإصبع على الجرح لمعرفة مكامن الخلل في هذا المجال، فاستطلعنا آراء عدد من النجوم وأصحاب شركات الإنتاج ونقاد وملحنين، وكان لكل واحد من هؤلاء وجهة نظره.


ماجدة الرومي
المطربة ماجدة الرومي تقول إن انحدار الفن الغنائي في العالم العربي بدأ منذ عشر سنوات، وهو ليس وليد اندلاع الأزمات الأمنية والسياسية في المنطقة بل لأن القيّمين على الساحة الغنائية كانت نظرتهم تجارية نحو هذا المجال الفني.
واعتبرت أن مثل هذه التوجّهات لا تعيش طويلا والعصور السابقة أثبتت ذلك، لأن هدفها الكسب السريع. أما الفن الحقيقي فهو الأبقى للتاريخ.
وأضافت أن شركات الإنتاج هي السبب الرئيسي لتردي الحالة الفنية في الوطن العربي، وأن الامور تتجه إلى الاسوأ، إذ لا أحد يرغب في تقديم أغنية كاملة الأوصاف، بمعنى أن تحمل قيمة شعرية ولحنية وتؤديها أصوات جميلة.
وهذه النوعية من الأغاني تحتاج وقتا للوصول إلى الناس بشكل صحيح. وتتابع الرومي أن الفن رسالة وعندما تبتعد هذه الصفة عنه يزول مع مرور الايام.
وهي ستبحث دوماً عن أغنيات تعيش على مدار الأجيال مثل «كلمات» و«ست الدنيا» و«يا حلم يا لبنان» و«اعتزلت الغرام».

صابر الرباعي
المطرب التونسي صابر الرباعي بدوره قال إن هناك أعمالاً غنائية منتشرة في الإعلام المرئي والمسموع لا يمكن تقبّلها، وعلى أصحاب اأصوات المحترمة أن لا تترك المتطفّلين على الغناء يحتلّون مكانها، «ومن ناحيتي أعمل جاهداً كي لا أكون ماكينة تفريخ للأغاني.
فانا أتعب لأقدّم لجمهوري أحسن الأعمال الفنية وهدفي ليس الكم بل النوعية». ويؤكد أن شركات الإنتاج هي التي «ساهمت في تدهور الحالة الغنائية في العالم العربي لأن معظم من يشرفون عليها لا يفقهون في الموسيقى وهدفهم فقط صرف الأموال دون أي خطة لسبل استرجاعها وتحقيق أرباح عبر التوازن بين الإنفاق والمدخول.
وأنا أدعو كل النجوم الحقيقيين أصحاب الثقافة الفنية العالية أن لا يستسلموا، وطبعاً أنا واحد منهم. علينا أن ندافع عن وجودنا عبر المثابرة على تقديم الأفضل دائما رغم كل الظروف المحيطة بنا فالفن والموسيقى مستمران والبقاء للمميز والمجتهد».

الملحن سليم سلامة
الملحن سليم سلامة صاحب الأغنيات الناجحة مثل «عبالي حبيبي» لإليسا و«تعا خبيك» لنجوى كرم وغيرهما، يقول إن الإنتاج الغنائي في العالم العربي تراجع لأن «معظم شركات الإنتاج أقفلت أبوابها بعدما فقدت المردود المادي الذي كانت تجنيه من مبيعات الألبومات وسوق الحفلات.
كما بدا واضحاً أن مزاج الناس لم يعد متقبّلاً لسماع الموسيقى بل هم يفضلون متابعة نشرات الأخبار».
ويؤكد سلامة أن الموسيقى «تراجعت عالميا وليس في العالم العربي فقط. ففي أوروبا وأميركا هناك أزمات اقتصادية أثّرت في المناخ العام.
أما إذا تحدثنا لبنانياً، فقد نستنتج أن استنساخ الأغاني الناجحة ساهم بشكل كبير في تراجع الإبداع، فمثلاً إذا نجحت أغنية بلدية وجدنا أن معظم المطربين يطلبون من الملحنين أغاني مشابهة. لكن التكرار يملّ منه المستمع».
ويضيف سلامة أنه مع عودة الهدوء الى المنطقة العربية سيعود الزخم الى الساحة الفنية. «إنما بات مطلوبا من المطرب الذكيأن يتفاعل مع التكنولوجيا وأن يتعاون مع الشركات التي تنظم هذا المضمار كي يكون مربحاً لكل الأطراف، لأن الديجيتال بات مصدرا فعالاً في حال وجود متخصصين يعملون باحتراف لوضع الموسيقى العربية  في المقدمة».
وأخيراً أكد سلامة أنه متفائل بعودة الروح إلى الوسط الغنائي لأن «عدداً من النجوم الكبار عاودوا نشاطهم بعدما شعروا بأن غيابهم عن الساحة سمح لمواهب جديدة بأن تقاسمهم قالب الحلوى في سوق الحفلات».

الموزّع علي صفا
وسط هذه السوداوية في دنيا الغناء وإقدام معظم شركات الإنتاج الغنائي في العالم العربي على غلق أبوابها، شهدنا منذ سنتين ونيف إقدام رجل أعمال لبناني على إنشاء شركة فنية تعتمد على تبني المواهب الشابة ودعمها.
هي شركة jaroudi media لصاحبها يوسف جارودي. وهنا يقول مدير الشؤون الفنية في الشركة الموزّع علي صفا: «قبل سنتين تقريباً قرر السيد يوسف جارودي «المتذوق للفن» تأسيس «جارودي ميديا».
والقصة بدأت عندما اقتنع الملحن سمير صفير بأداء أغنية «الناس أجناس» التي لا تناسب إلا شخصيته. وقد حققت هذه الأغنية نجاحاً كبيراً. وعلى أثر هذا النجاح قرر الجارودي إنشاء jaroudi media التي صوّرت «الناس أجناس».
وبعد ذلك بدأنا تبني المواهب وكان أول عقد مع خريج استديو الفن ماجد أمين وتلته خريجة ستار أكاديمي بدرية السيد لكنهما لم يستمرا معنا. وبعد ذلك وقعنا عقدين مع جورج الراسي وميشال قزي اللذين نسعى الى ترسيخ حضورهما بقوة في عالم الغناء».
أما عن المردود المادي مقابل هذا الانتاج فيؤكد صفا أن الفن لم يتوقف في العصور السابقة «رغم الحروب والأزمات التي مرت على الناس.
وفي زمن الموت السريري لسوق الالبومات بسبب القرصنة، بات عقد إدارة الاعمال مع المطرب يشكل نوعاً من الضمانة للمردود المادي، من خلال الحصول على نسبة معينة من مداخيل الحفلات.
صحيح أن ما ينفق في الوقت الراهن لا يتناسب مع المردود، إلا أن تمويل صاحب الشركة هدفه تسليط الأضواء على مطربيها حتى يصبحوا مطلوبين في الحفلات، وحينها يحصل توزان بين الإنفاق والمدخول».
وأخيراً قال مدير الشؤون الفنية في شركة «جارودي ميديا»: «نعيش في عصر  وسائل التواصل الاجتماعي، وصار تأثير فايسبوك وتويتر ويوتيوب فعالا جداً

الناقد محمد حجازي
الناقد الفني اللبناني محمد حجازي له رأيه في مسألة تدهور الإنتاج الغنائي. قال: «الغناء أصبح يعتمد على المبادرات الفردية، وهذا الواقع يحكم كل النجوم العرب.
فمنذ سبع سنوات توقف إنتاج الألبومات الغنائية في العالم العربي لأن شركات الانتاج وجدت أن لا فائدة من صرف الأموال على أمور لم تعد تجني منها أرباحاً بسبب القرصنة.
ومع اندلاع ما سمّي ثورات الربيع العربي ساءت الأمور أكثر وأكثر، ومن هنا ضاقت السبل في وجوه المطربين الذين فقدوا مدخولهم من الحفلات التي انخفضت إلى مستوى متدنٍ جداً.
وقد حاول المتعهدون إيجاد حلول عبر تنظيم جولات غنائية لعدد كبير من المطربين إلى أميركا وأوروبا وأستراليا لتعويضهم عن الخسارة، وفي المقابل قام هؤلاء النجوم بتقنين إنتاجهم الغنائي واكتفوا باطلاق أغنية منفردة في السنة بهدف الوجود، لأنهم لمسوا أن أعمالهم القديمة لا تزال تساعدهم على البقاء في الصورة.
كما ان مشاركة عدد كبير من النجوم في لجان تحكيم برامج الهواة أعطتهم بديلا لإيجاد مردود مادي».
ويتابع حجازي أن المطربين الذين اعتمدوا إصدار أغنيات منفردة راوحوا مكانهم لأنهم كرّروا قديمهم. ويعتبر أن المطرب عاصي الحلاني ذكي ويقدّم جديداً بين فترة وأخرى كي يبقى في أذهان الجمهور.
«ولا شك أن الفنانين هم الأكثر تضرراً من الوضع الراهن في العالم العربي لأن الفنون من الكماليات وهم الآن يعيشون في حالة انتظار. وإذا هدأت الأوضاع ستتغير الأجواء وستعود الحفلات الى أوجها رغم أن الساحة الغنائية بحاجة إلى نجوم جدد على كل الصُعُد».
ويشير حجازي إلى أن على النجوم الحاليين أن يتجهوا إلى الدراما التلفزيونية أو السينمائية لأنها في المستقبل القريب ستكون الأبقى في أرشيفهم الفني الذي ستتابعه الأجيال القادمة.

غسان شرتوني
وقال غسان شرتوني صاحب شركتي «وتري» للانتاج الغنائي و«ميوزيك اذ ماي لايف» لإدارة الأعمال: «الإنتاج الغنائي لن يتوقف وطالما هناك حياة ستظل الموسيقى غذاء للروح.
ومع  التطور التكنولوجي أصبحت الموسيقى متوافرة بسهولة للجميع عبر الأجهزة الإلكترونية والهواتف الذكية. وقد اوضحت الدراسات أن نسبة تحميل الأغنيات من المواقع الإلكترونية على هذه الأجهزة وصلت إلى 55 مليون مرة في الشهر دون أي مقابل.
وفي العالم العربي لا يزال الناس غير مستعدين لدفع ثمن الموسيقى، وهذا الواقع يساهم في فداحة خسارة شركات الإنتاج، فهناك من أقفلوا أبوابهم، وآخرون ألغوا العديد من فروعهم في الدول العربية».
أما شركة «وتري» التي أسسها قبل سنة «فاستطاعت أن تقدّم للجمهور العربي نجماً لامعاً في فترة قياسية هو نجم ستار أكاديمي ناصيف زيتون الذي حصدت أغنيته على موقع يوتيوب عشرة ملايين مشاهدة».
ويضيف شرتوني أن الساحة الغنائية بحاجة إلى نجوم جدد على كل الصُعُد في عالم صناعة الموسيقى، و«المطلوب من الوسائل الإعلامية الإضاءة على إيجابيات هذا المجال.
وحتما بعد انقشاع هذه العتمة وعودة النور إلى العالم العربي  سنشهد مرحلة ازدهار خصوصا أن عدد سكان العالم العربي يبلغ نحو 350 مليون شخص».