متسلّقة الجبال المصرية أنهت حياتها بمغامرة رياضية!

جبال,وفاة,الرياضة,مصر

القاهرة - نسرين محمد 01 نوفمبر 2014

مليئة بالطموح، محبة للحياة وعمل الخير. رغم سنوات عمرها التي لم تتجاوز ثلاثة عقود، حفرت اسمها في قلوب الكثير من الأيتام والأرامل وكبار السن الذين انكسرت قلوبهم بعد معرفتهم بخبر وفاتها. هبة الحسيني، متسلقة الجبال المصرية التي لقيت حتفها عقب سقوطها من أعلى قمم جبال الأطلس في المغرب. أطلق عليها المقربون منها لقب «صانعة الابتسامة» دون أن يفكروا للحظة أن الابتسامة ستغيب عنهم، في مغامرة رياضية ذهبت إليها بلا عودة، تاركة الحزن في قلوب من أحبوا طيبتها وروحها.

هبة الحسيني، فتاة مصرية تخرجت في كلية الهندسة من الجامعة الأميركية في القاهرة، عشقت تسلق الجبال منذ كانت في المرحلة الثانوية، ومن أجلها جابت بلدان العالم، وصارت صديقة لأقرانها من مختلف الجنسيات، تشاركهم رحلات تزخر بالعديد من الأخطار، لكن إحساسها بالخطر سرعان ما كان يتلاشى أمام فرحتها بالوصول إلى القمة رافعة علم بلادها.

أحبت الطبيعة، وولّد الأمر في نفسها حباً للبشر، فكان سعيها وراء إسعاد الآخرين جانباً آخر في حياتها، فهي تلك الفتاة التي تمضي معظم أوقاتها داخل دور رعاية الأيتام وكبار السن، ترسم البسمة على وجه طفل حرمه القدر من والديه، أو تمسح دمعة رسمتها الأيام على وجه امرأة مسنّة. مشروع خيري تبنته هبة مع مجموعة من أصدقائها ميزها رغم سنوات عمرها القليلة، فكانت زياراتها الدورية لذوي الاحتياجات الخاصة تخفف عنهم آلام العجز، نظمت الرحلات من أجل إسعادهم، لعبت دور المهرج لرسم البسمة على وجوههم، فاستحقت عن جدارة لقب «صانعة الابتسامة».

شهرة الموت

كثر لم يسمعوا عن متسلقة الجبال المصرية هبة الحسيني إلا عندما لقيت حتفها، بعدما انزلقت من أعلى قمم جبال الأطلس في المغرب، لتنال شهرة لم توفرها لها رياضتها الوعرة طيلة حياتها، لكنها في الوقت نفسه صنعت حالة من الحزن سيطرت على من لا يعرفها، وصدمة عصفت بمن عرفها.
رسمت هبة النهاية التي رسمها القدر لأصدقائها الأربعة في جبال سانت كاترين، عندما قرروا تسلق جبل «باب الدنيا» في شباط/فبراير الماضي، لتهاجمهم عاصفة ثلجية قتلتهم دَنَقاً، ليتكرر المشهد معها بكل تفاصيله، عندما سافرت إلى المغرب لتشارك مجموعة من أقرانها تسلق جبل طوبقال، الذي يرتفع عن البحر أكثر من أربعة آلاف متر. وتكرر الخطأ الذي وقع فيه الأربعة عندما صعدت الجبل بصحبة أحد الأدلة دون إبلاغ السلطات المختصة.

الرحلة الأخيرة

ذهبت هبة في رحلتها الأخيرة بعدما جمعها اتفاق عبر الإنترنت مع متسلقة الجبال المغربية بشرى بايبانو. وصاحبهما في الرحلة عدد من المتسلقين البريطانيين صعدوا جميعاً إلى قمة طوبقال بصحبة الدليل المغربي. يوم كامل أمضته المجموعة في صعود الجبل، حتى كانت لحظة لا توصف عندما وقفت هبة على القمة تلتقط مجموعة من الصور التذكارية كعادتها في كل مغامرة تخوضها، لتنزلق قدمها بسبب الثلوج وتسقط في فجوة على عمق 400 متر ظلت فيها لمدة يوم، حتى نجحت جهود رجال الإنقاذ بمساعدة طائرات الهليكوبتر في انتشال جثتها.

فراق الأحبة 

حالة من الحزن سيطرت على هبة الحسيني، كما تقول صديقتها إنجي عمر الإتربي، عقب وفاة الرفاق الأربعة في جبل «باب الدنيا» بسانت كاترين، فقد كانوا من المجموعة المقربة إليها التي تشاركها العديد من أعمال الخير، لذا ذهبت إلى حيث فارقوا الحياة لوداعهم، ذهبت إلى المكان دون أن تدري أنها ستخرج من الدنيا بالطريقة التي خرج بها الأربعة من «باب الدنيا» لكن في المغرب.
«
فتاة شغوفة بالحياة مليئة بالطاقة والحيوية، تسعى في كل اتجاه يشير إلى الخير، لم يرها أحد إلا مبتسمة». هكذا تصف إنجي صديقتها التي تعيش في صدمة على فراقها، تنهمر دموعها وهي تقرأ آخر رسالة أرسلتها لها على «فيسبوك» تطلب منها أن تدعو لها كثيراً قبل رحلتها الأخيرة.

خبر وفاة جدتها السيدة سامية ثابت قبل رحلتها الأخيرة بأيام قليلة كان دافعاً لها للسفر إلى المغرب في هذه المغامرة، بعد أن سيطرت عليها حالة من الحزن، كما يذكر شقيقها أحمد الحسيني، فقد كان رحيل جدتها مأساة في حياة صانعة الابتسامة، فأرادت أن تهرب من الموت دون أن تدرك أنها تلهث وراءه. لم تكن الطبيعة بجبالها مصدر قلق لأسرة هبة، فهي عاشقة لكل ما حولها، شغوفة بتسلق الجبال والقفز من الطائرات وتعشق المغامرة في كل مكان سافرت إليه، لذا لم يكن لدى أسرتها ما يجعلهم يعارضون رحلتها الأخيرة.
محمد عمر، تعرّف إلى هبة في دور رعاية الأيتام والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة، يعيش في لوعة على فراق رفيقته صانعة الخير، وهو لم ير فيها طيلة السنوات الخمس التي عرفها، سوى ابتسامتها العريضة توزعها على الآخرين.

المشهد الأخير

جثمان في صندوق خشبي حملته طائرة «مصر للطيران» من مطار الرباط إلى مطار القاهرة الدولي، تم إنزاله في قرية البضائع قبل إنهاء إجراءات تسليمه إلى أسرة هبة، رسم المشهد الأخير في حياتها قبل أن ينقل إلى مسجد الرحمن الرحيم في شرق القاهرة، حيث أقيمت شعائر صلاة الجنازة على متسلقة الجبال وصانعة الخير وصاحبة الابتسامة التي أصبحت تُبكي قلوباً أحبتها.