في السعودية: 44 بلاغ عنف أسري ضد الرجال والرياض تتصدر القائمة بـ 14 بلاغاً

رجل في مستشفى,فيسبوك,تويتر,عنف النساء,الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان,عنف أُسري ضد الرجال,مركز واعي للاستشارات الأسرية

ميس حمّاد (جدة) 20 يونيو 2015


تداولت بعض مواقع التواصل الاجتماعي قبل فترة، صورة لرجل في مستشفى، وقد شُجّ رأسه بكعب حذاء نسائي، وتواصلت التعليقات على موقعي «فيسبوك» و«تويتر»، منها المُضحك، ومنها المؤكد على عنف النساء، وتردّد أن هذا الرجل سعودي تعرض للعنف من زوجته، إلّا أن مكان الحادثة لم يتأكد تحديداً. وفي السياق نفسه، كشف تقرير صادر عن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، تلقّيها 44 بلاغ عنف أُسري ضد الرجال العام الماضي، وذلك في ثماني مدن رئيسية في السعودية. وأفاد التقرير السنوي للجمعية، بأن الرياض شهدت النسبة الأعلى بنحو 14 بلاغاً، تليها مدينة جازان بمجموع 13 بلاغاً، ثم الدمام بثمانية بلاغات، لتأتي المدينة المنورة بخمسة بلاغات، إضافة إلى حالتين في مكة المكرمة، وتساوت جدة ومنطقة عسير بحالة واحدة لكل منهما. يأتي ذلك وسط مطالبات من حقوقيين برفع مستوى التعامل والتشدد مع حالات العنف الأسري، وتفعيل نظام الحماية من الإيذاء للتعامل مع حالات العنف ضد المرأة والطفل. فهل بات الرجل بحاجة إلى جهة مختصة لمناقشة قضايا العنف ضده؟ وهل يعدّ العنف الأسري ضد الذكور في السعودية، ظاهرة، أم هو مجرد حالات محدودة؟ وهل أصبح من الضروري إيجاد نظام معيّن لحمايته من الإيذاء؟ أسئلة كثيرة طرحتها «لها» في هذا التحقيق، وناقشتها مع أصحاب الاختصاص للوقوف على هذه المسألة.

المعدي: لا حاجة إلى قانون منفرد لحماية الرجل من العنف، والقوانين الموجودة تحمي الجميع
مدير مركز النشر والإعلام في هيئة حقوق الإنسان في السعودية محمد المعدي نفى أن تكون الهيئة قد تلقّت «أيّ بلاغ يتعلق بحدوث انتهاك، أو عنف جسدي مثلاً، من جانب الزوجة تجاه الزوج». وأوضح أنه قد تكون هناك خلافات مادية أو نزاعات أسرية، ما بين أي زوجين، وقد يكون الحق أحياناً على الزوج، لكن «لم تصل إلى الهيئة أي قضية تتعلق بعنف جسدي، أو ما شابه ذلك. قد يحدث عنف من الأب تجاه ولده. أما عن العنف من الزوجة للزوج، أو من الأخت للأخ، أو ما شابه ذلك، فلم تصل الى الهيئة أي شكوى من هذا النوع».
وعن الجهة التي من الممكن أن يتوجه إليها الرجل إذا وقع عليه عنف، ذكر المعدّي أنّ «الجهات المسؤولة في المراحل الأولى، والتي تتلقى بدورها البلاغات، هي الأجهزة الأمنية، والشُرطة، ووزارة الشؤون الاجتماعية، أو إمارات المناطق، وتأتي بعدها هيئة حقوق الإنسان، وجمعية حقوق الإنسان، أو الجمعيات المعنية بهذا الأمر». ويشرح محدّثنا أن المتضرر يستطيع أن يلجأ إلى الهيئة، إن لم يوفق لدى الجهات المذكورة، علماً أنّ «حقّ التقاضي مكفول لكل من المرأة والرجل، والمقيم والمواطن، على حدٍ سواء. فالقضاء في السعودية لا يفرّق بين الدعاوى المقدمة من المرأة، أو الرجل، وفي نهاية الأمر سيُنظر اليها بعدالة، وتأخذ الإطار الصحيح في الشكوى».
ويؤكد: «هيئة حقوق الإنسان هي جزء من المنظومة، وهي الحلقة الأخيرة بالنسبة إلى المعنَّف أو المعنّفة. فبعد استنفاد جهود الجهات المعنية الأولى من أمن وقضاء وإمارات، يلجأ إليها المتضرر. عندها، تتواصل الهيئة مع جهات الاختصاص، وتتولّى متابعة قضيته، ودعمه قانونياً، أو تقديم المشورة القانونية، وسواء لجأ الى الهيئة في البداية، أو في النهاية، تقوم بواجبها الذي يضمن الحماية للشخص المعنَّف، رجلاً كان أو امرأة أو طفلاً».
ويلفت المعدي إلى احتمال أن يكون المعنَّف رجلاً «فنحن بشر وكل الاحتمالات واردة، لكن نادراً ما يكون الضحية رجلاً، وإذا حدث يكون الأذى مادياً أو معنوياً... أما جسدياً؟ فهذا نادر في مجتمعاتنا».
وحول إمكانية إيجاد هيئة مختصة لمعالجة قضايا العنف ضد الرجل، قال المعدي: «هذا الموضوع لا أستطيع تحديد الحاجة اليه، لكن الأنظمة الموجودة كفيلة بحماية المرأة والرجل على السواء، فاليوم لدينا قانون الحماية من الإيذاء، ولدينا قانون لحماية الطفل، ولدينا نظام الإجراءات الجزائية، ونظام المرافعات، والأنظمة القضائية... وكلها تخضع للشريعة الإسلامية»، وبالتالي، شخصياً، «لا أرى أن ثمة حاجة إلى قانون منفرد يصب في حماية الرجل من العنف، خصوصاً أن طبيعة المجتمعات العربية، تؤسس على قوامة الرجل على المرأة. وكما هو معروف، فإن أكثر حالات العنف، موجّهة من الرجل ضد المرأة. وحتى في المجتمعات الأخرى، قد يعنَّف الرجل، لكن ليس بالدرجة ذاتها التي تتعرض لها المرأة العربية، لأنها الحلقة الأضعف أمام الرجل».

«مركز واعي للاستشارات الأسرية»
مركز تابع لجمعية التوعية والتأهيل الاجتماعي، المسجلة في وزارة الشؤون الاجتماعية، يسعى بدوره ومن طريق الاستشارات التي يقدمها الى المجتمع، عبر نخبة من المستشارين المتخصصين في خدمة الأسرة ودعمها، نحو تماسكها، وتكاتفها، والرقي بها، على نحوٍ يمكّنها من أداء رسالتها في بناء مجتمع صالح ومتلاحم، من خلال البرامج التوعوية في المجال الاجتماعي، الموجهة الى الأسرة والمجتمع.
الدكتور خالد محمد النقيّة، أستاذ علم الاجتماع الأسري في قسم الخدمة الاجتماعية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كان أدلى لنا بدلوه في مسألة ضرب الذكور في السعودية وهل هي ظاهرة أم حالات محدودة؟ قال: «الظاهرة في علم الاجتماع هي سلوك شائع، وواضح، وله خصائص، جبرية، وإلزامية، ومشاهدة، ويمكن قياسها. أما ما جرى تداوله في وسائل الإعلام، من أن هناك 44 حالة عنف ضد الرجال، فلا يدخل في تعريف الظاهرة، حيث إن العدد مبالغ فيه جداً، ثم إن هذه النسبة لا تذكر مقارنة بعدد الأسر السعودية، وللحكم على أي قضية بأنها ظاهرة أم لا، لا بد من أن يكون ذلك من خلال البحوث العلمية والميدانية والإحصائية والاستقصائية والمسحية، على الأقل تلك التي تستطيع أن تعطي الظاهرة الحجم، والتعريف، والتأكيدات الخاصة بها». ويحاجج محدثنا فيقول: «إذا كان ضرب الأزواج لزوجاتهم لا يعدّ ظاهرة في السعودية، فكيف لنا أن نُعمم الأقل حدوثاً بل النادر، وهو ضرب الزوجات لأزواجهن وندرجه ضمن هذا التعريف؟».
وعن الأسباب التي قد تدفع الزوجة إلى ضرب زوجها، قال د. النقيّة: «هناك أسباب عدة، نفسية، واجتماعية، وشخصية تتعلق بالزوج نفسه، أو بالزوجة... فالزوجة التي تضرب، أو الزوج الذي يضرب، يكون بالعادة شخصاً غير سويّ، وقد يكون هو نفسه ضحية تربية عنيفة سابقة، وقد يكون ممن يعانون بعض الاضطرابات النفسية والسلوكية، كالانفصام وما شابه، كما قد تكون لديه إشكالية إدمان المخدرات، أو الاختلاط في الأدوار». «الأمر الآخر»، يتابع محدّثنا، «هو أن يكون ضرب أحد الزوجين للطرف الآخر مرضاً نفسياً متأتياً مثلاً، من العصبية الزائدة، أو فقدان «هوية» الرجل في نفسه، كدوره زوجاً في الأسرة، ولم يستطع أن يحفظ لنفسه مكانة الزوج، وكرامته، فيعوّض ذلك بالضرب. عموماً، غياب دور الزوج أو الزوجة، أو الدور الخطأ الذي قد يتخذه أحدهما تجاه الآخر، يمكن أن يؤدي إلى العنف الأسري بين الزوجين».  
ويلفت د. النقية إلى أن العنف المشار إليه في تقرير الهيئة ليس بالضرورة أن يكون جسدياً، فقد يكون نفسياً أو مادياً أو معنوياً أو غير ذلك كالصراخ أو الشتم وسوى ذلك.
وفي ما يتعلق بالجهة المناسبة لتلقي قضايا العنف ضد الرجل، يقول اختصاصي علم الاجتماع الأسري: «الجهات الحكومية، كالمحاكم والقضاء، ودُور الرعاية الاجتماعية، لكن لا أستطيع أن أقول بأن هناك جهة مخوّلة حصراً بهذا الأمر، نظراً الى غرابة الموضوع، وبالتالي لا توجد جهة مختصة يذهب إليها الرجل ليشتكي زوجته بأنها تقوم بتعنيفه. وللأسف في مجتمعنا، إذا قصد شخص قاضياً، وأخبره بأن زوجته تضربه، فسيكون مثالاً للسخرية، ولو سلّمنا جدلاً بوجود عدد كبير من الرجال المعنفين، الذين يبحثون عن مكان لحمايتهم من العنف، فهذا يكون في الدول الأوروبية، حيث حملات تحرير الرجل من ظلم المرأة. أما عندنا في المجتمعات العربية والإسلامية، فهذا نادر».
ويؤكد د. النقية أن «مركز واعي للاستشارات الأسرية»، لم يتلقّ أي «اتصال من رجل يشكو من عنف زوجته، سواء لفظياً، أو جسدياً».
ويخلص محدّثنا إلى أن الزوج في مجتمعنا هو القدوة لزوجته وأبنائه وبناته، فإن كان هذا الزوج محطّم الشخصية، يتلقى الضرب من زوجته، التي ينبغي أن تكون هيّ محط الرحمة والعطف، له ولباقي أفراد الأسرة، تتعاظم المصيبة، وتتفاقم المشكلات وتتصدّع الأسرة ويحدث الانفصام لدى الأولاد. ويوضح د. النقية: «أحياناً يكون الزوج ضعيفاً والزوجة قوية لخلل ما عصبي أو نفسي أو شخصي في أحدهما، فتعنّف الزوجة زوجها وتبدأ بممارسة العنف النفسي ضده، ويمكن أن يتحول إلى عنف جسدي... وتقع الكارثة إذا حدث هذا أمام الأولاد». ودائماً يذكّر محدّثنا بأن هذا بعيد عن مجتمعنا.
وعن الأسباب التي أدّت إلى بروز قضايا العنف ضد المرأة في السعودية، يشير د. النقيّة إلى أن: «ثقافة المجتمع، هي التي تملي علينا أن الزوج المعنِّف، هو نتيجة تربية عنيفة سابقة، وبالتالي هو امتداد. وقد يكون الرجل مدمناً المخدّرات، أو يعاني أمراضاً نفسية، أو قد يعاني ضغوطات في عمله، فيعود الى المنزل، ويبدأ بضرب زوجته! أضف إلى ذلك عدم إحساس الرجل بالمسؤولية، والظروف الاقتصادية، استبداد الرجل بعض الأحيان، وعصبيته وكثرة تذمره... وسوى ذلك من الاضطرابات النفسية والسلوكية».

د. باقادر: يجب أن يكون الزواج قائماً على التكافؤ وإن حدث خلل فسيؤدي الى العنف الأسري
لقاؤنا التالي كان مع أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة الدكتور أبو بكر باقادر. «الطبيعة البشرية، عُرفت بعنف الأزواج ضد زوجاتهم». لكن، على ما يبدو، يوضح، «خروج المرأة الى الفضاء العام، والعمل، والاستقلالية المادية، وسقوط هيبة بعض الرجال بسبب التفاوت، إما في المستوى التعليمي، أو في مستوى الدخل، واكتساب المرأة قدرات رياضية، لأن الكثيرات أصبحن يتدربن رياضياً، كل ذلك أو بعضه ربما ولّد عدم صبر بعض النساء، «فاستقوين» على الرجل، في محاولة لاستقلالهن بردود فعل وصلت حدّ العنف ضد الأزواج».
وأضاف: «التفاوت في الدخل قد يجعل شخصية الرجل ضعيفة أمام زوجته، كما أن التفاوت في القيادة، والقدرة على إبداء الرأي، قلة الحيلة، ابتلاءه بقضايا تجعله في مواقع دفاع، إما أن يكون متعاطياً المخدرات، أو يعاني مرضاً ما، أو فشله، وهناك عناصر تجعل من الرجل أقل ثقة بنفسه أمام الآخر الذي يعيش معه، من ثم قد يؤدي هذا إلى جرأة الطرف الآخر، وهي الزوجة، وبدلاً من أن تقف خلفه، نراها تقف أمامه، لتعنّفه».
وعن رؤية المجتمع إلى قضايا العنف ضد الرجل، أشار باقادر إلى أن: «النظرة تجاه المرأة عموماً بدأت تتغير، وما عُرفت به المرأة من عطاء، وبذل من دون مقابل، قد يكون موقع استغراب وها هو يتحول إلى مواجهة، وهجوم، وأحياناً يتخطّى إلى هزيمة الخصم، أو الزوج  هنا.  كل هذا موضع عجب واستغراب، فهزيمة الرجل، أو الخصم المواجه، لا تعتمد على العضلات، إنما يمكن نسج مكائد أخرى تُفضي إلى الهزيمة. لكن أعتقد أن التغيرات التي مرت بها المرأة، وقدراتها على استعادة الثقة في نفسها، ربما أدّت بالبعض إلى معرفة نقاط الضعف، والنقص عند الذكور، بما أدى إلى استخدام العنف، من طرف بعض النساء، ضد شركائهن في الحياة، وأزواجهن»! ويستدرك محدّثنا معقّباً: «لكن، يجب ألا يُنظر إلى هذا الكلام من باب النكتة، على الإطلاق».
وعن إمكانية استمرار الحياة للرجل المُعنَّف، قال باقادر: «الأمر سيّان، إن كانت المُعنفة امرأة، والشراكة قائمة على مصالح معقّدة ومركّبة، بين الأطراف، ومن الملامح المهمة لمسألة العنف الأسري، أننا نرى آثاره، لكنه غير مُعلن، فكما تقول بعض النساء عندما يُعنفن، إنهن سقطن من على الدرج، أو ما شابه ذلك، كذلك الحال مع الرجل، المضروب من زوجته، لن يعترف، وبالتالي سيضع بعض الحجج بكونه سقط على الأرض، وما إلى ذلك».
ويلفت د. باقادر إلى أنه: «قد آن الأوان لإعادة تشكيل العلاقات الأسرية في مجتمعاتنا، بحيث تكون تكاملية، وقائمة على الاحترام المتبادل، وأعتقد أن هذا الكلام يصحّ في الطبقات المتوسطة، أو الدنيا من التعليم بين الزوجين حيث يجري هذا النوع من التعامل، والمشاركة. لكن إذا كانت المرأة ترى في نفسها، قدرات، أو مدارك، أو إمكانات، أو عطاء... تفوق قدرات الزوج، تختلّ القاعدة، إلا إذا كانت هي الطرف الأقدر على امتصاص هذه الأوضاع، وإلا فالعنف الأسري، سواء عنف بدني أو لفظي، أو القبول بالهامشية، والدونية».
ويشير محدّثنا إلى عبارة «زوج الست» التي تقال في وصف الزوج الضعيف أمام زوجته الخاضع لآرائها، والمذعن لها، مؤكداً وجوب إقامة العلاقة التكافؤية بين الطرفين، «فلا أقوى ولا أضعف، بل شراكة إيجابية بين الرجل وزوجته وبين الذكر والأنثى وصولاً إلى التوازن في العلاقة الزوجية».

د. سفر: العنف بين الزوجين منهيّ عنه بالشريعة الإسلامية ويُجرّم صاحبه
من جانبه، ذكر أستاذ السياسة الشرعية والأنظمة في جامعة الملك عبدالعزيز، والخبير والعضو في مجمع الفقه الإسلامي الدولي ومنظمة التعاون الإسلامي، والمحكّم القضائي المعتمد في وزارة العدل البروفيسور الشيخ حسن بن محمد سفر أن «الله عزّ وجلّ خلق الخلق، ونظّم حياتهم في هذا الكون، وربطهم بروابط، هي بمثابة الميثاق الغليظ، وهو الرابط بين الزوج، والزوجة لقوله تعالى «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»، ومن هذا المنطلق، فإن فقهاء الشريعة الإسلامية بيّنوا حق الله عزّ وجل، وحقوق العباد المشتركة، ومن هذه الأخيرة حقوق الزوجين». ويتابع موضحاً: «يجب على الزوج والزوجة أن يحترم كل منهما الآخر، وأن يبتعدا في حياتهما الزوجية عن كل ما يُعكّر صفوها، لأن ذلك ينعكس على تربية الأبناء والبنات، كما أن المجتمع الأسري يجب أن يكون مهيّأً، على نحو كامل لكي ينبت نباتاً حسناً، من أبناء وبنات. وفي المجتمعات، ولا سيما في بعض المناطق السعودية، ومنها مكة المكرمة والمدينة المنورة، اللتان هما أقدس المقدسات، وفيهما نزل التشريع، الأَولى أن نحرص كل الحرص على أن نقدم الصورة المثالية التي جاء بها القرآن الكريم، والسنّة النبوية الشريفة، ونستقرئ من هدْي النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، بمعاشرته لزوجاته، فليس هناك، في أجندة الأسرة مصطلح العنف، لأن العنف هو عبارة عن تقليل لمكانة الزوجة واحترامها من ضمن  حقوق ما بين الزوجين. كما أن العنف داء خطير في المجتمع، وهو يضر بالزوج لزوجته، أو بالزوجة لزوجها، وهو بالتالي أمر منهيّ عنه في الشريعة الإسلامية، ويُجرّم صاحبه، لأنه ينجم عنه إيذاء، وتطاول على حُرمة المرأة، وعلى حقوقها، وكذلك الحال بالنسبة الى الرجل».
وأضاف: «والمقتضى الشرعي يستوجب منّا أن ننشر ثقافة الحقوق بين الزوجين، وأن يكون ذلك عبر منابر العلماء، في المساجد، وفي الدروس، وفي الجامعات للجيل الجديد، وأيضاً مراكز الأحياء، فهناك الكثير من الأحياء، التي عاصرت عنف الأسر، أو العنف بين أحد الزوجين، وقد يمتدّ هذا العنف إلى الأبناء والبنات، وما هي إلا إفرازات للداء المستشري في الأسرة. لذلك تحسُن مخافة الله عزّ وجل، ويجب على الزوجين التمسك بالميثاق الغليظ، وأن نجنّب كل بيت هذا العنف».
ويشير إلى أن «ضرب الزوج لزوجته، أو ضرب الزوجة لزوجها، يجب أن تتولاه المحاكم الشرعية، التي تُحاسب كل من يتطاول على أحد الزوجين، سواء كانت المرأة أو الرجل، ولذلك يجب علينا أن نحافظ على الأسرة، وألا يكون هناك هتك لستر الأسرة في المجتمع، وينفضح الشقاق والنزاع والعنف بين الناس، لأن ذلك سيؤثر في ما بعد في الأبناء والبنات، وقد يمنع أيضاً من ارتباط الأبناء، أو عضل البنات، خصوصاً إن كانت الزوجة هي التي تُعنّف زوجها، وهي الطرف الأقوى في العلاقة الزوجية، خشية من أن يمتد هذا الداء، ويستمر العنف بصفة دائمة فيهم».