صديق ابني راشد!

المراهقة, الراشدون, صديق, صداقة, الوسيط

07 سبتمبر 2013

يتباهى عمر ( 12 سنة) بالصداقة الوطيدة التي تربطه بجاره الطالب الجامعي الذي يكبره بسنوات عدة، ويجد خالد (16سنةفي جاره المدرّب الرياضي مثاله الأعلى فيلازمه طوال الأسبوع...
يميل بعض المراهقين إلى بناء علاقة صداقة مع أشخاص راشدين غالباً ما يكونون من خارج المحيط العائلي. ويرى علماء النفس أن هذا النوع من الصداقات يعكس رغبة المراهق في الاستقلال عن أهله والتخلي عن العلاقة الإنصهارية  بهم.
لذا يبحث عن نموذج آخر يتماهى به، قد يكون أستاذ المدرسة أو جاراً... وقد تنشأ بين الاثنين صداقة وطيدة. وهذا الاتجاه الجديد في العلاقة يعتبر مهماً لتحقيق النضج في شخصية المراهق ما دامت صداقة منطقية لا ينتج عنها تعلق مبالغ به.


عن صداقة المراهق والراشد يجيب الإختصاصيون

 لماذا يختار المراهق صديقًا راشدًا؟ وهل صداقة الراشد محمودة؟
يحتاج المراهق عموماً إلى شخص راشد يكون مثاله الأعلى فإذا لم يجده في محيطه العائلي يبحث عنه في الخارج، قد يكون أستاذه أو جاره، وهذا طبيعي في هذه المرحلة.
فمن المعروف أن المراهق في هذه المرحلة يكون لديه قلق من المستقبل وتبرز لديه إشكالية وجوده وهويته الذاتية وما الذي سيكون عليه في المستقبل وما هي المهنة التي سيحترفها، وفي الوقت نفسه يظهر لديه شغف بإحدى الهوايات كالموسيقى أو الرسم أو الرياضة... وقد يجد عند أحد الراشدين المقرّبين منفذاً للتعرّف إلى هوايته المفضّلة.
فمثلاً إذا كان يحب الهندسة المعمارية قد يتقرّب من أحد المهندسين ويمضي معظم الوقت عنده بهدف تعزيز قدراته وتطوير ميله وتنميته، وهذا جزء من اكتشاف الهوية.
وفي المقابل، هناك أسباب عدة تدفع المراهق إلى بناء علاقة صداقة مع الراشد، فقد تكون هذه الصداقة محاولة منه للتعويض عن نقص في العلاقة مع أهله، أو ربما يريد المراهق خصوصاً في بداية المرحلة أن يبدو بمظهر الشخص الناضج فيتقرّب من الأشخاص الأكبر منه سناً ويتعلّق بهم إلى درجة أنه يتصرّف مثلهم عندها يجدر بالأهل القلق من هذا النوع من العلاقات لأنها تحرم المراهق من اختبار المرحلة التي يمر بها أي التصرّف كالمراهقين.
وقد أثبتت الأبحاث أن معظم  المراهقين الذين يصادقون أشخاصاً أكبر منهم سناً (خمس سنوات مثلاً) يقومون بتصرفات خاطئة كالتدخين أو السهر في الملاهي الليلية....

ما محاذير هذه العلاقة؟
قد يبارك الأهل صداقة ابنهم مع أحد الراشدين خصوصاً إذا كان هذا الصديق العم أو الخال أو الجار المعروف بوقاره وجدّيته ويفخرون بها لأن ابنهم يمضي الوقت معه. صحيح أنه من الطبيعي أن يكون المراهق على تواصل مع الراشدين ولكن في الوقت نفسه من غير الطبيعي ألا تكون له علاقات صداقة مع أتراب له.
فهناك مرحلة يجب أن يمرّ بها المراهق، ولا يجوز أن يكون تابعاً لشخص راشد يمارس عليه سلطة هو أصلاً يحاول التخلّص منها.
فالتواصل مع الأتراب يعني الاختبارات الاجتماعية، فمثلاً حين يتحدّث إلى قرين له هناك تبادل أفكار أي أخذ وعطاء وطريقة في التواصل تختلف عن تعامله مع الراشد، إضافة إلى أن التعامل مع الراشد يكون من منطلق السلطة أي أنه يتلقّى منه مثلما يتلقّى من أهله.
في حين أن بناء شخصية منفردة بذاتها يتطلب اختبار المراهق أموراً من مستوى وعيه وقدراته لذا من الضروري أن يتواصل مع أترابه. من الجيد أن يكون للمراهق مثال أعلى أو مرشد ولكن لا يجوز أن يكون مركز حياته.

ماذا عن الصداقة التي  تكون بين مجموعة مراهقين وراشد؟
هذا النوع من الصداقات جيد لأن الاهتمام يكون موزّعاً بين أفراد المجموعة، وقد يكون هذا الراشد أستاذ المدرسة أو قائد الفرق الكشفية أو المدرب الرياضي، يلتقي تلامذته مرة في الأسبوع أو الشهر لمناقشة العديد من الأمور ومشاركتهم همومهم وتطلّعاتهم، ولكن في الوقت نفسه إذا كان الاجتماع مكثفاً أي إذا كان يومياً فيجب القلق، فلربما كانت لدى هذا الراشد أيديولوجيا سياسية أو حزبية أو ثقافية، مخالفة لتقاليد المجتمع الذي ينتمي إليه المراهق، ويريد نشرها، فمن المعروف أن نشر أي أيديولوجية بغض النظر عما إذا كانت سليمة أم لا يتوجه إلى المراهقين باعتبار أنهم الفئة الاجتماعية المثلى لإجراء التلقين الأيديولوجي والسياسي.

كيف يمكن الأهل معرفة أن العلاقة بين ابنهم المراهق أو ابنتهم والراشد بدأت تنحرف عن مجراها الطبيعي؟

  • إذا لاحظوا تعلق ابنهم بالصديق الراشد رغم ثقتهم به تعلقاً مبالغاً فيه. كأن يمضي اليوم كله معه، ويومياً.
  • أن ابنهم لم يعد لديه أصدقاء من سنّه. فمن الطبيعي أن يكون لديه صديق راشد يتماهى به، ولكن في الوقت نفسه يجب ألا يتخلى عن أقرانه.
  • أن ابنهم لا يكترث للخروج مع أقرانه أو لم يعد يشاركهم نشاطاتهم.
  • أن ابنهم بدأ يعلن إيمانه بأفكار ومعتقدات غريبة لا توافق عادات العائلة وتقاليدها.
  • إذا لاحظوا خضوع ابنهم التام لهذا الشخص الراشد وتنفيذه طلباته من دون اعتراض حتى وإن كانت أمور منطقية وصحيحة، فهذا مؤشر لأنه وجد فيه بديلاً منهم.

كيف يمكن الأهل إعادة هذه العلاقة إلى مجراها الصحيح؟
لجوء المراهق إلى شخص غريب يكون بالنسبة إليه بمثابة المرجع في كل الأمور الخاصة به، مؤشر لوجود خلل ولغياب الحوار والصراحة بينه وبين أهله.
لذا فعوض أن يعترض الأهل على هذه الصداقة عليهم أن يعرفوا ماذا يعطي هذا الصديق الراشد لابنهم، ما هي الأمور التي يناقشاها، ويحاولوا القيام بها بطريقة غير مباشرة من دون إظهار التنافس مع الصديق المرشد تجنباً للمواجهة التي قد تحدث بينهم وبين ابنهم، خصوصاً أن المراهق يحاول بناء هويته الذاتية وشخصيته المستقلّة، لذا فسيعترض على كل ملاحظة توجّه إليه من أهله، بل قد تؤدي المواجهة العنيفة بينهم وبين ابنهم إلى إصرار هذا الأخير على موقفه والتشبث به.

هل يمكن الصديق الراشد أن يقوم بدور الوسيط بين المراهق وأهله إذا ما كان هناك خلاف؟
من الخطأ الذي يرتكبه بعض الأهل جعل الصديق المرشد الوسيط بينهم وبين ابنهم، إذ يعمد بعض الأهل إلى بعث رسائل إلى أبنائهم من خلال الصديق المرشد خصوصاً إذا كان من الأقارب أي الخال أو العم وهذا خطأ بل عليهم التحدث إلى ابنهم مباشرة، فمثلاً حين يقوم المراهق بتصرف مسيء وأخبر صديقه الذي يقوم بدوره بإخبار الأهل فيقومون بدورهم ببعث رسالة إلى ابنهم تجنباً للمواجهة العنيفة.
هذا التصرّف جد خاطئ، بل على الأهل أن يكونوا المرجع الأساس لابنهم، فالمواجهة ضرورية لبناء شخصية المراهق حتى يتعلّم في المستقبل حل مشكلاته من دون وسيط.
لذا على الأهل التحدث إلى ابنهم والتحاور معه كأن يقول الأب مثلاً «أنا أعرف أنك صديق لفلان لأنه في إمكانك التحدث إليه عن أمور لا تستطيع البوح بها إلي.
لنتحاور ونعرف ما الذي يقلقك» سوف يرد الابن «عندما ابدي رأياً تعارضونني» حينها يمكن إجابته: «لنتفق أن لك الحق في إبداء رأيك واعدك أنني سأستمع وإذا احتدم النقاش ذكّرني بالاتفاق». على الأهل أن يعرفوا ما الأمور التي تزعج الابن ويعمدوا إلى إيجاد الحلول. 

CREDITS

إعداد: ديانا حدّارة