مشكلة تعاني منها بعض الزوجات: راتبي أعلى من راتب زوجي!

الرجال يغارون,استغلال,راتب الزوجة,الرجل الشرقي,الجيل الجديد

فادية عبود (مصر),ميس حمّاد (السعودية),سوريا (لها) فادية عبود (مصر) ميس حمّاد (السعودية) سوريا (لها) 16 أغسطس 2015

بعض الرجال يغارون، ليس فقط من نجاح زوجاتهم، ولكن من تقاضيهن أحياناً راتباً أعلى من راتبهم. غير أن إحساس بعض هؤلاء الأزواج قد يتجاوز حدود الغيرة الطبيعية، لتبدأ المشاكل، بخاصة إذا أراد الزوج استغلال راتب زوجته فتدبّ الخلافات بينهما. «لها» ترصد تفاصيل هذه المشكلة التي تعانيها زوجات كثيرات، وتحلل أسبابها وتبحث عن علاج لها أيضاً من خلال تحقيقات من مصر والسعودية وسورية.

شيماء ممدوح: تعلمت الدرس من صديقتي واتفقت مع زوجي على قانون الإنفاق منذ أول يوم زواج
لم تكن أميرة (صحافية) تعلم عند موافقتها على الزواج من زميلها المحرر في القسم الديني أن علاقتها الوطيدة بمصادرها في الملف السياسي، ستكون يوماً نقمة على حياتها الزوجية، فتلك العلاقات فتحت لها أبواب العمل في أكثر من جريدة، فضلاً عن إعداد أكثر من برنامج في الفضائيات المصرية، فوقعت ضحية لاستغلال زوجها الصحافي المتواضع الذي ظل خلال أربع سنوات من الزواج يستنزف راتب زوجته بمختلف الطرق، حتى قررت الانفصال عنه لتربي أطفالها وتتخلص منه ومن نفقاته.
بتلك القصة بدأت شيماء ممدوح (معدّة برامج تلفزيونية) حديثها، مؤكدة أن قصة صديقتها أميرة كانت دستوراً بنت عليه حياتها.
تقول: «تعلمت من تجربة أميرة أن الحياة الزوجية يجب أن تكون مقننة، ويجب أن نضع معاً الخطوط الحمراء، فاتفقنا منذ أول يوم زواج أن راتبي هو ذمتي المالية المنفصلة، ومصروف المنزل لا يعتمد على إنفاقي. ومع إنجاب أول طفلة لم يختلف الأمر بل سار كل شيء كما اتفقنا، لكن مع إنجاب ابنتي الثانية زادت مصاريفنا الأسرية بشكل مبالغ فيه، خاصةً أن اعتماد طفلتي كان على الرضاعة الصناعية، ولبن الأطفال غالٍ جداً في مصر، فجلسنا أنا وزوجي لننظم دستور حياتنا مرة أخرى، واتفقنا على الإنفاق مناصفةً على المنزل ومصاريف مدرسة ابنتينا.
تضيف: «زوجي يعلم أن راتبي أكبر من راتبه، لكنه لا يسألني كم أتقاضى، فكل همنا في الحياة أن نبني مستقبلاً جيداً لأبنائنا، ومع قدوم المولود الثالث منذ أسبوعين زادت أعباؤنا المادية، فاتفقنا من جديد على السعي وراء أعمال إضافية لنوفر مصاريف ثلاثة أبناء».
وتنهي حديثها: «الدرس الذي تعلمته من تجربة صديقتي أميرة هو رفضي لاستغلال الزوج، لذا عملت على تخطيط حياتي مع زوجي، وأن تكون كل خطوة نخطوها محسوبة ونتفق عليها قبل تنفيذها، وهكذا تجنبنا المشاكل واستغلال أحدنا للآخر».

نيهال أحمد: زوجي كان يطالبني بالإنفاق ويدّخر راتبه
نيهال أحمد باشا (32 عاماً) كانت زيجتها أقرب إلى زواج الصالونات، فقد أرسل إليها زميل دراسة سابق يكبرها بثلاث سنوات أهله ليخطبوها بينما كان هو مسافراً من أجل العمل.
وافق عليه الأهل وقبلوا بظروفه المادية المتعثرة، وفق رواية نيهال، ووافقوا على أن تتزوج ابنتهم من دون وجود شقة في مصر، وأن تسافر لتقيم معه في السعودية ليكوّنا مستقبلهما ويدّخرا ثمن عش الزوجية. تقول نيهال: «بعد حوال عامين ونصف عام من الزواج، طلبت منه أن يسمح لي بالعمل فوافق بلا تردد، لكن كانت الطامة الكبرى عندما علم أن راتبي يفوق راتبه. في البداية جعلني أدفع أجرة عاملة المنزل، ثم بدأت تصرفاته تتغير تدريجاً. مثلاً إذا أردت شراء شيء ما لنفسي من راتبي يرفض بشدة، ويقول لي هذه ليست أموالك وحدك، هي أموالنا معاً، وعندما كنا نسافر لتمضية الإجازات في بريطانيا ولبنان وسواهما، كان يفرض عليَّ أن أدفع النفقات... لم ألتفت كثيراً إلى تصرفاته في البداية رغم تعجبي منها».
وتضيف: «استمرت حياتنا على هذا المنوال لمدة عامين، وفي عام 2008 تركت العمل عند اقتراب موعد وضعي، وسافرت إلى أميركا كي أنجب هناك. قبل أن يمضي عام على وضع مولودي الجديد عدت إلى عمل جديد وعملت مدرّسة لغة إنكليزية، وقتها صادفتنا أكبر مشكلة في حياتنا الزوجية. فيوم تسلّمي العمل الجديد كان يوم استغناء صاحب العمل عنه، فما كان مني إلا أن وقفت بجانبه وتكفلت بمصاريف الأسرة كاملة وراتب عاملة المنزل ومصروفه الشخصي، طوال فترة الأربعة أشهر التي ترك عمله فيها. ولم أجد منه تقديراً لي ولا حتى كلمة شكر، بل كان يقابلني يومياً بعصبية غير مفهومة تصل أحياناً إلى العنف ويضربني بلا سبب، وحتى بعد عودته إلى العمل استمر عنفه الذي لا مبرر له سوى أنه يريد أن يأخذ راتبي كاملاً. ودون سابق إنذار طردني في إجازة المدارس وأعادني إلى أهلي بطفليّ إلى مصر».

بارقة أمل
وتتابع والدموع في عينيها: «في مصر تلقيت مكالمة من امرأة تؤكد لي أنها مضيفة في شركة مصر للطيران تعرفت إلى زوجي في الطائرة أثناء عودته من أميركا، وكان على علاقة معها واقترض منها مبالغ طائلة من المال. والكارثة أنها حكت لي أسراراً عن علاقتي معه لا يعرفها إلا هو، فأطلعت أهلي على الأمر وتدخل أهله لأنني طلبت الطلاق، فما كان منه إلا أعلن توبته عن تلك العلاقة، وأقسم على كتاب الله أنه لن يعود إلى تلك الفعلة. فعدت إليه في السعودية وكلي أمل أن ينصلح حاله. ورجعت إلى عملي، وفي العام الدراسي الجديد دخل طفلاي المدرسة، وبصفتي مدرسة، منحتني إدارة المدرسة 50 في المئة حسماً على مصروفات كل طفل، واقترحت على زوجي أن يتحمّل مصاريف واحد وأتكفل أنا بالثاني، فرفض وهددني بأنني إذا طلبت منه نقوداً فسيمنعني من العمل».
ورغم تلك المصاعب، ظهرت بارقة أمل في حياة نيهال، فقد وجدت شقة مناسبة في مصر واتفقت مع والدة زوجها وأخته على أن يقنعاه بها، وبالفعل دفع مقدم الشقة وبقيت له أقساط التمليك، وتقول: «رغم استغلال زوجي لي، لم أستطع التخلص من جينات الزوجة الأصيلة، فعرضت عليه أن أساعده في مصاريف المنزل ليدفع هو أقساط الشقة، فوجدت نفسي متحملة جميع مصاريف المنزل والأطفال وراتب الخادمة، بحيث لا يتبقى لي من راتبي إلا 300 ريال. وكالعادة لم أجد رداً للجميل من زوجي بكلمة شكر واحدة، بل فور انتهائه من سداد ثمن الشقة أعاد الكرّة وأخذ يهجرني في الفراش بالأيام، ويتعلل بأنه نام أمام التلفزيون تارة، وأخرى بأنه منهك ولا يريد إزعاجي، أو أن لديه مشاكل في العمل ونفسيته متعبة، حتى فوجئت به ذات يوم فور عودتي من العمل وقد وضع أغراضي الخاصة في صناديق جاهزة للشحن إلى مصر، وأخبرني بأنني سأعود إلى أهلي لأنه لا يريد أن يراني... فكرت كيف سأعود إلى أهلي بولديّ، وقررت أن أقيم في شقة الزوجية، لكنني فوجئت بأن ليس من حقي أن أقيم فيها لأنها باسم والده، وهذا ما اتفق عليه مع أهله، وبالتالي أهدرت عملي وراتبي وشقائي وسنوات عمري مع رجل استغلني أسوأ استغلال. ورغم وجودي مع ولديّ في مصر منذ عام تقريباً، إلا أنه لم يسأل ولم ينفق عليهما جنيهاً واحداً، بل لا يزال يعتمد على راتبي ويرفض تطليقي».
تختتم نيهال حديثها قائلة: «أتمنى أن تفهم كل امرأة أن لها ذمة مالية منفصلة عن زوجها ولا ينبغي أن تسمح له باستغلالها».

هالة المنجي: زوجي قسّم راتبي على رفاهيته ومصروف المنزل
تؤكد هالة المنجي (مديرة علاقات عامة) أنها لم تكن تعلم أن راتبها الكبير سيكون بمثابة نقمة عليها، خصوصاً أن حظها دائماً ما يقع في رجال استغلاليين، وتقول: «عندما كنت في العشرينات من عمري تمت خطبتي لرجل كنت أحبه، وكان راتبي ضعفيّ راتبه أو أكثر. حينها كنت مؤمنة بأن الحياة الزوجية شركة بين الطرفين، ولا مانع من أن نؤسسها معاً ما دمت ميسورة الحال. لم يجد خطيبي حرجاً في أن يأخذ مني ثمن الهدية التي يحضرها إلى المنزل أثناء زيارتي، وعند انصرافه لا يجد غضاضة في طلب بدل التاكسي حتى يعود إلى منزله. الأمر تكرر مراراً ولم ألتفت إليه، بل كان يقترض مني أموالاً من أجل أي ظرف يمر به».
وتتابع: «عندما قررنا شراء الشبكة أخبرني أنه لا يمكنه دفع مبلغ كبير، وأن عليَّ المساهمة معه بنصف ثمنها. لم أمانع، فلم لا وأنا التي سأضع الشبكة؟ لكن ما جعلني أتنبه إلى أنه يستغلني هو أنه افتعل معي مشكلة وذهب إلى منزل أهلي ليخبرهم بأنه لن يستطيع إكمال حياته معي، وطلب منهم الشبكة كاملة، ولكن من سوء حظه أنني كنت أضعها، وأخبرت أبي بأنني ساهمت بنصف ثمن الشبكة وأنه اقترض مني أكثر من النصف الآخر... منذ ذلك الوقت صرت أتحسس الرجال الانتهازيين وأشم رائحتهم من بعيد».
لم تجد هالة الرجل المناسب طوال فترة العشرينات والثلاثينات، لكنها تزوجت في الأربعين من عمرها برجل أنيق يكبرها في السن بأكثر من عشر سنوات، لكنه ابن عائلة «كبيرة»...
تقول هالة: «لم يستمر زواجي أكثر من عام وشهرين، فزوجي الرجل المرموق عندما أخبرته برغبتي في العودة إلى العمل لم يمانع، وبدأ يقسم لي راتبي الذي يزيد عن راتبه بقليل، قائلاً: «أنت تتقاضين 5 آلاف جنيه سنشتري سيارة جديدة لي وندفع قسطاً مقداره 2000 جنيه، وتمنحين والدتك 200 جنيه من راتبك وتأخذين أنت 800 جنيه مصروفاً لك، أما الألفا جنيه الباقيان فهما مصروف للمنزل».
وتتابع: «هكذا قسم زوجي المحترم راتبي على رفاهيته ومصروف المنزل، فرفضت العودة إلى العمل، فرفض بدوره الإنفاق عليَّ، فلم يكن من حقي أن يشحن لي رصيد موبايلي حتى أكلم أهلي، وكان ممنوعاً عليَّ استخدام هاتف المنزل. وعندما طلبت منه شراء بنطلون وجاكيت جديدين غضب وقال لي: «لقد بدأت المطالب يا هانم». وبالتالي لم أتحمّل الحياة مع بخله واستغلاله، وكأنه كان يقصد ذلك حتى أعود إلى العمل وأتحمل وحدي نفقات المنزل وأشتري له سيارة جديدة، حتى شبكتي أخذها مني وباعها حتى ينتج حفلة فنية. وعندما عدت إلى عملي بعد الطلاق رفض منحي حقي في النفقة والمؤخر».
وتضيف: «عندما أساعد الرجل على الإنفاق فأنا أحبه وأختبر رجولته في الوقت نفسه، فإذا قدر مساعدتي لا مانع لأن الحياة مشاركة، لكن إذا زاد طمعه واستغلاله فهو يخرج بذلك عن نطاق البشر، ويدخل في سلسلة مصاصي الدماء، لكنه مصاص دماء من نوع خاص».

الدكتور أحمد عبدالله: الرجل الشرقي يشعر بأن رجولته في خطر إذا كان دخل زوجته أكبر
يؤكد أستاذ الطب النفسي في جامعة الزقازيق الدكتور أحمد عبد الله أن المشاكل بين الزوجين نتيجة ارتفاع راتب الزوجة، ناتجة عن الفهم الخاطئ من الرجل لقوامته على المرأة. ويوضح: «القوامة هي الأصل في الزواج، ومعنى قوامة الرجل أن يكون مسؤولاً مادياً عن التزامات المنزل والزوجة والأطفال، وعلى الطرفين الاتفاق على تعهدات في الحياة الزوجية، ولا يوجد قالب واحد لتلك التعهدات والاتفاقات، فجميعها سليمة إذا ارتضى بها الطرفان».
ويرجع أستاذ الطب النفسي خلافات الأزواج على الراتب إلى البنية الاقتصادية في العالم التي أصبحت تعتمد في التسويق على المرأة أكثر من الرجل، فأصبح أغلب موظفي العلاقات العامة والتسويق من النساء، يتقاضين رواتب أعلى من رواتب الرجال، ومن هنا يشعر الرجل الشرقي بأن رجولته في خطر وتتزايد الخلافات مع زوجته التي يراها أعلى منه.
في نهاية حديثه يشدد عبد الله على «ضرورة فهم كلا الطرفين ماهية الزواج، وعلى كل طرف أن يسأل نفسه هل يريد الزواج ليفرض سيطرته على الآخر؟ إذا كانت إجابته نعم فليدخل معركة إثبات القوة وينتظر كماً لا حصر له من المشاكل. أما من يرون أن الزواج شركة يساهم كل فرد فيها ويضع في رصيد الآخر حباً ومشاركة، فالتفاهم ووضع القوانين يجب أن يكونا من البداية، وبالتالي لن يواجها مشاكل وإن وجدت سيستطيعان حلها بكل مرونة».

الدكتورة سامية خضر: استغلال الرجل لراتب زوجته ظاهرة في كل المستويات الاجتماعية والثقافية
أما أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس الدكتورة سامية خضر، فترى أن استغلال الرجل لراتب زوجته الأعلى من راتبه ظاهرة واضحة في كل المستويات الاجتماعية والثقافية، بدايةً من العاملات حتى الطبيبات وأساتذة الجامعات، مؤكدة أن سبب ذلك هو جشع بعض الرجال وطمعهم.
وتضيف: «الإسلام منح المرأة الحق في أن تكون ذمتها المالية منفصلة عن الزوج ولا جدال في ذلك، ولا مانع من مساهمتها مادياً إذا كان ذلك بمحض إرادتها ورغبتها الكاملة».
وتقدم الحل لتلك المشكلة في ثلاث خطوات، أولاها ضرورة اتفاق الزوجين على طريقة الإنفاق، وأن يفهم الرجل أن للمرأة ذمة مالية مستقلة.
ثانياً: يجب أن يكون الاتفاق واضحاً ومكتوباً في شروط عقد الزواج.
ثالثاً: على المرأة أن تساعد زوجها في تحمل بعض الأعباء المادية ويجب أن يكون ذلك نابعاً من إرادتها، وألا تشعر زوجها بأنها تتفضل عليه، بل عليها أن تشعره بأنها تسانده في حياتهما.

في السعودية: الجيل الجديد يتقبل ما رفضه الجيل القديم
لقد بدأ الجيل الشاب في السعودية يتقبَّل مشاركة الزوجة في ميزانية الأسرة، بل ان هؤلاء يميلون إلى الزواج من المرأة المنتجة لتساهم بدورها في مواجهة متطلبات الحياة العصرية التي تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم.

أُعطيه جزءاً من راتبي لكي لا يحرمني من أبنائي!
هي إعلامية رفضت الإفصاح عن اسمها، واكتفت باسم وهمي أطلقته على نفسها «خلود». تعمل منذ سنوات، في المجال الإعلامي، ولها الكثير من المصادر، والمعارف في هذا المجال. تقول: «أنا جامعية، وزوجي يحمل الشهادة الثانوية. تزوجت في سن مبكرة، وأصررت على إكمال دراستي. وبالفعل سمح لي زوجي بإكمال الدراسة، ومن ثم الوظيفة التي حصلت فيها على تدرج بالسلم والراتب، حتى أصبح مدخولي أعلى من مدخوله الذي يحصل عليه من بعض الأعمال الحرة التي يقوم بها. الرجل بطبيعة الحال يتحسس كثيراً من مسألة نجاح زوجته المهني، أو وجودها في الكثير من الأماكن، والسفر للعمل، وحصد الجوائز. وبالفعل هذا ما حدث معي لتتأجج مشاعر الغيرة والحرص على اختلاق المشاكل في أي مناسبة أو ظرف،  حتى أنه بدأ يردد على مسامعي أنه يبحث عن مكانته الاجتماعية، وطلب مرافقتي في عملي، كمساعد أو مصور، لكنني رفضت هذا الأمر. وتسبب بعدها بالكثير من المشاكل والاهانات أمام أسرتي وأبنائي، وبدأ يطلب مني إعطاءه جزءاً من راتبي، والاكتفاء بمبلغ صغير، وعندما كنت أرفض كان يهددني بأبنائي وبالطلاق. حتى أنني قبلت أن أعطيه جزءا بسيطاً من راتبي لكي لا يحرمني أبنائي. ومع ذلك الخلافات لم تتوقف، وما زالت الغيرة سيدة الموقف».

نحن متفقان: أنا أُوفِّر وهو يعيل الأسرة
«أؤمن بمبدأ التعاون بين الزوجين، ولا بأس أن تهِبَ الزوجة زوجها شيئاً من المال حين يكون في ضائقة بشرط ألا يكون عطاؤها مدعاة لاستغلاله لها». بهذه الجملة بدأت نهى محمد (42 سنة) حديثها، وهي دكتورة في إحدى الجامعات، وأم لأربعة أبناء، وزوجها يعمل في مجال الكمبيوتر في شركة خاصة. تقول: «راتبي يفوق راتب زوجي بشكل كبير، إلا أننا متفقان فأنا من يوفر، وهو من يعيل الأسرة ويهتم بتوفير احتياجات الأبناء، وشراء الأساسيات في المنزل. وإن احتاج إلى نقود إضافية، من الممكن أن يستعين براتبي. وبالفعل قبل شهر تقريباً تمكنا من شراء فيلا، وقدمت سيارة لزوجي هدية، ونحن متفقان جداً من هذه الناحية، طالما أنني أحترمه أمام الجميع، وأجعله أولويتي لكي لا يشعر بالنقص». وأضافت محمد: «في وقتنا الحالي على المرأة المشاركة في كل شؤون الحياة، فراتبها، لا يمكنها أن تصرفه فقط على الكماليات أو احتياجاتها الشخصية. فكيف تقبل الزوجة أن تخرج من منزلها على حساب زوجها، ثم لا يكون له نصيب من هذا الراتب؟ يجب أن يكون للمرأة دور فعال مع زوجها في بيتها، وأن تقف معه جنبا إلى جنب حتى يتمكنا من مواجهة صعاب الحياة”.

راتب الزوجة من حقها فقط ما دام زوجها قادراً على توفير حياة كريمة لها
إلا أن الأمر يختلف لدى ندى السويد (33 سنة) التي تعمل معلمة، في إحدى المدارس الأهلية في جدة، والتي تؤمن بأن راتب الزوجة بالكامل من حقها فقط، ما دام «زوجها قادراً على توفير حياة كريمة لها ولأبنائها. وكنت قد اشترطت في بداية زواجي أن لا يأخذ زوجي راتبي، حتى أن والدي سجّل هذا الشرط في عقد الزواج. لكنني فوجئت بعد الزواج بامتعاض زوجي من هذا الأمر، مع أن عمله في الشرطة يوفر له راتباً كافياً. إلا أن الطمع والجشع وخوفه من بقاء المال معي، جعلته يتعامل معي بشكل سيئ. وفي كل مرة يقترب موعد قبض الراتب، تبدأ الخلافات بيننا وتتأجج وتكاد تصل أحياناً إلى الطلاق».
وتضيف السويد: «من الرائع أن يكون بين الزوجين، تكافؤ وتعاون في كل مسائل الحياة الزوجية، لكن زوجي لا يعترف بوجود المشاركة في الحياة الزوجية. فمن الظلم أن أعمل طول السنة، لكي يستحوذ هو على راتبي ويمنحني منه ما يعتقد أنه يكفيني».

بعد بناء المنزل أحضر زوجته الجديدة... والسبب راتبها!
وتختلف قصة الموظفة في قسم الخدمة الاجتماعية في أحد  المستشفيات الخاصة نوف الفايز (37 سنة) عن بقية القصص، فهي تعمل منذ ما يقارب الست سنوات في المستشفى، وكان زوجها يعمل أيضاً في القسم ذاته، إلى أن حدث خلاف بينه وبين الإدارة وترك العمل، وبقي عاطلاً لمدة ثلاث سنوات. في هذه الأثناء كان يكرر زياراته للمستشفى ليتحدث إلى نوف ويتقرب منها. تقول: «كنت أخبره كل ما يحدث معي في المستشفى، حتى جاء اليوم الذي قرر فيه أن يطلب يدي من والدي، وبالفعل تم النصيب بيننا، واتفقت معه منذ ليلة الزفاف على مبدأ التعاون، بعد أن كان قد بدأ عملاً جديداً براتب أقل مما كنت أحصل عليه. استمرينا على هذا الحال في التعاون، وجمع الراتبين، حتى تمكنا أخيراً من بناء منزلنا الذي نحلم به. وما أن انتهينا من البناء، حتى أهداني هدية غير متوقعة، فأحضر زوجة جديدة، لتعيش معنا في المنزل، وأيقنت أنها ضحية أخرى، والسبب راتبها!».

«هل تقبل بالزواج من زوجة راتبها أعلى من راتبك؟»
بسؤالنا لبعض الشباب عن قبولهم بالزواج من زوجة موظفة، راتبها أعلى من رواتبهم، وجدنا قبولاً لعمل المرأة ورفضاً لاستغلال راتبها...
«أفضل أن أرتبط بموظفة». بهذه العبارة بدأ محمود سعد (29 سنة) حديثه، مؤكداً أن «راتب الزوجة هو حقها، وهي قادرة على أن تُغطي احتياجاتها الشخصية، كشراء الملابس أو السفر أو شراء الكماليات للمنزل، من أثاث وغيره. لذلك لا يهمني إن كان راتبها أعلى من راتبي، بل على العكس سأشعرها باستقلاليتها. نحن في مجتمع يحتاج من المرأة إلى أن تشارك في الحياة العملية، وأن تكون مستقلة بذاتها، لكن هذا الأمر لا يعفيني من واجبي في الإنفاق عليها، وتوفير احتياجاتها. وأن رغبت في المساهمة بأمور المنزل، كشراء بعض الأساسيات، أو مشاركتي في راتبها، يبقى الأمر اختيارياً لها، ولن أجبرها عليه مهما كلف الأمر».
 ويشاركه الرأي الموظف في إحدى الجامعات عبد الخالق بن رافعه (25 سنة)، بقوله: «لا أفكر في الزواج في الوقت الحالي، لكنني وبشكل عام أرغب في الارتباط بموظفة، لا يهمني إن كان راتبها أعلى من راتبي، مع أنني أشك في هذا الأمر. إلا أن المسألة بالنسبة إليّ رمزية ولن تسبب أي خلاف بيننا، بل على العكس من الممكن أن نتكاتف ونجمع نقودنا، لنوفرها لشراء منزل، أو للسفر... ويبقى الأمر اختيارياً بالنسبة إليها، وليس إجباراً مني».
ويؤكد موظف البنك نايف قطان (28 سنة) أن «راتب الزوجة لها بشكل كامل، وليس لدي أي مشكلة في أن يكون راتبها، أعلى من راتبي. وان رغبت في مساعدتي في مصروف المنزل أو غير ذلك، سأترك لها الحرية في فعل ما تريد».
الدكتور أبو بكر باقادر: المسألة رمزية، لكن تقبل الرجل الشرقي لها صعب
قال أستاذ علم الاجتماع الدكتور أبو بكر باقادر أن هناك «تفضيلاً في الثقافة الشرقية للذكورة على الأنوثة، ولا شك أن هذه القضية ما زالت حساسة، إن كان دخل المرأة أعلى، أو مكانتها الاجتماعية أعلى، سواء نسباً، أو مقاماً، فهي تؤثر على شعور الرجل بمكانته الاجتماعية. هناك تغيرات وقبول داخل بعض الأسر، لكن لم يوازِها قبول في الأدوار داخل الأسرة، فلا تزال المرأة تسعى إلى إعطاء الأولوية للزوج، كجعل القوامة له، وذلك مراعاة لحساسية الموقف. لكني أعتقد أن أفراد الجيل الجديد، بسبب عقلية الاستهلاك، وبسبب خصوصية الأسر، بدأوا يتجاوزون هذه القضية، لكن ليس بصورة واسعة، لأن الاعتبارات ما زالت في الأسرة أن المُعيل الأساسي هو الرجل، وإذا كانت الزوجة الموظفة في وضع أفضل دخلاً ومكانة، يشعر بالنظرة الدونية، وقد يشعر بها من خارج محيط أسرته».
ولفت إلى أن بعض الشباب بدأ «يتقبل مشاركة الزوجة في ميزانية الأسرة، ومساعدتها في شراء منزل، أو السفر... أصبح كثيرون يتفهمون حاجة المرأة العاملة إلى راتب مستقل. وعندما يأتي الشاب للزواج، يرغب في أن يتزوج متعلمة، وامرأة عاملة، ويرغب في أن يكون دخلها مساهماً معه في ميزانية الأسرة».
وأشار إلى أن معونة الزوجة في الغالب تكون «موجهة إلى الكماليات، مثل السفر، واستقدام الخادمات، وشراء السيارات والأثاث، وبعض من احتياجات مظاهر الطبقة الوسطى، أو الطبقة المرفهة. أما الأساسيات مثل إيجار المنزل، أو دفع فواتير الكهرباء والمياه، وغيرها، فإن الرجل يسعى إلى دفعها من دخله الشهري. في نهاية الأمر المسألة رمزية، لكن يبقى تقبلها صعبأً على الرجل الشرقي».

في سورية: المشكلة تتراجع أمام ظروف الحياة الصعبة
الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يواجهها أرباب العائلات جعلت المجتمع والأزواج في سورية يتقبلون فكرة ارتفاع راتب المرأة بالقياس إلى راتب الرجل، ومساهمتها مساهمة أساسية في إعالة الأسرة.

سالي: أجري المرتفع لا يؤثر على حياتنا الزوجية
سالي قدورة، موظفة منذ سنتين تقريباً وراتبها أعلى من راتب زوجها، خاصة أن عمل زوجها حر. تؤكد سالي أن التفاوت في الدخل بينها وبين زوجها لا يشكل مشكلة بينهما مطلقاً، فهما في نهاية كل شهر يضعان كل مدخراتهما  معاً، ويقسمان راتبيهما بين فواتير والتزامات وأشياء للمنزل. وتقول إن زوجها علاء العوّا يعمل مصوراً فوتوغرافياً حراً، يضع كل دخله بين يديها في معظم الأحيان تهرباً من المسؤولية. أما علاء فلا يرى أي شيء سلبي في حياتهما كون راتب زوجته أعلى من دخله، ويجد أن الأمر عادي جداً، فالراتب المرتفع ليس حكراً على الرجل دائماً، بل هناك نساء يتقاضين مئات الآلاف وأزواجهن عاطلون عن العمل، وطالما هناك تفهم ومحبة لا مشكلة مطلقاً في هذا الأمر.
ويعود الزوجان ليؤكدا أن موضوع الأجر الأعلى لا يؤثر على علاقتهما الزوجية، ولا يشعران به ولا أحد يتحدث أساساً في الأمر.
وعما إذا كانت سالي تشعر بأنها أقوى لكون راتبها أعلى من دخل زوجها، أو أن تكون صاحبة قرار، تؤكد أنه «لا يوجد رجل تحكمه امرأة براتب إذا ما شعر بأنها تهين رجولته، والمرأة التي تشعر بذلك أعتقد أنها حالة نادرة لأن الرجل ليس براتبه أو نقوده، والحياة الزوجية التي يريدها الطرفان أن تنجح وتستمر يفترض أن تبتعد عن النقاش المالي الذي يؤدي إلى مشاكل تكبر وتتضخم».

رانية دراجي: أجري العالي كان السبب في انفصالي عن زوجي
رانية دراجي شابة في العشرينات، انفصلت عن زوجها لأسباب عدة أهمها أنها المورد المالي الأعلى للأسرة، وهي أم لطفلين. رانية لم تشعر للحظة أنها المسؤول عن البيت ولم تكن تحسس زوجها بأن راتبها أعلى من راتبه، ولكنه كان دائم الحديث عن الموضوع. وتقول إن موضوع دخلها أثر بشكل كبير على علاقتهما الزوجية حتى أمام الأهل والأقارب، وبات البعض ينظر إليها ويحدثها بطريقة وكأنها تمنن زوجها وتبخس من قدره، رغم أنها كانت دائما تضع كل راتبها بيديه، وتطلب منه مالاً كلما أرادت شراء شيء ما حتى لو لأطفالها.  وتأسف لأن حياتها الزوجية انهارت بسبب هذا الأمر عندما طلب منها زوجها ترك عملها بحجة التفرغ له ولبيتها وأطفالها، مؤكداً استعداده للعمل بأي شيء كي يؤمن كل الاحتياجات. لكن رانية لم تقبل بفكرته لأنها تدرك مسبقاً النتيجة، وهذه كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير...

دارين: راتبي الأعلى لا يعني أني تحولت إلى «رجل المنزل»
مزيار: الأمر إيجابي ومن يتسنّى له هذه الأيام أن تكون الزوجة تعمل براتب عالٍ؟

تقول دارين: «لا يوجد اي مشكلة في كون راتبي أعلى من راتب زوجي. على العكس تماماً أشعر بالسعادة. ولكن الرجل الشرقي عموماً ولو كان مغتربا من عشرات السنين لا يرضى ولا يتقبل المرأة المتفوقة عليه من النواحي الاجتماعية والمادية والعلمية».
ولكن لا بد ان يكون هناك استثناءات ولو قليلة، وهي لا يمكن أن تتكبر على زوجها أو تلغي من صلاحياته، وإذا كان راتبها أعلى فهذا لا يعني أنها تحولت إلى رجل المنزل، فالمرأة «تحتاج إلى رجل».
أما زوجها مزيار حريري فليس لديه مشكلة في أن زوجته متفوقة عليه من الجانب المادي، ويقول: «إذا كنا أنا وزوجتي من ذوي الدخل المرتفع فهذا يعني أننا سنعيش في راحة مادية أكبر وسنؤمن مستلزمات الحياة. وأعتقد أن الرجل الذي يستفزه راتب زوجته المرتفع هو رجل يشعر بالنقص ويعاني أزمة نفسية، فمن يتسنّى له هذه الأيام أن يكون له زوجة راتبها عالٍ كي تحمل عنه أعباء تتحمل مصروفها وجزءاً من مصروف أبنائها».
ويضيف: «العلاقة الزوجية المبنية على الحب والتفاهم لا تتوقف عند هذا التفصيل، لأنه سيؤدي إلى مشاكل كبيرة يكون فيها الرجل هو الخاسر الأكبر... التحقيق الذي تقومين به الآن ذكّرني أن راتب زوجتي أعلى من راتبي!».

الدكتورة ليلى شريف: شخصية الرجل هي التي تحدّد موقفه من راتب زوجته المرتفع
ترى اختصاصية الطب النفسي الدكتورة ليلى شريف أن الحالات التي يتقبل فيها الرجل تفوق زوجته عليه من الناحية الاقتصادية «يكون فيها الرجل متصالحاً مع ذاته وليس لديه أي إحساس بالنقص، كامل الرجولة بمعانيها، مشبعاً بشخصيته ومتوازناً.هذا النوع من الرجال لا يعاني هذه المشكلة ولا يفكر فيها البتة».
وتوضح أن هناك حالات أخرى يكون فيها الرجل متوازناً، ومتقبلاً للفكرة، ولكن عندما تشعره المرأة بأنها متفوقة عليه وأنها صاحبة القرار وتبدأ سحب الصلاحيات منه، وتنتقص من قيمته ورجولته، يتغير للانتقام لرجولته المخدوشة، وهنا تقع المشاكل بين الطرفين والتي قد تؤدي إلى الانفصال.
وتضيف أنه «في المقابل هناك نوع من الرجال لديهم إحساس بالنقص، إضافة إلى نظرة دونية إلى المرأة. هنا حتى وإن كانت الزوجة تحترم زوجها وتحبه، ولا تقوم بأي سلوك يبين أن راتبها أعلى من راتبه، ومهما فعلت لامتصاص غضبه لن تفلح، لأنه سيسعى بسبب عقدته النفسية لافتعال مشكلة، ومحاولة إذلالها والتجريح بها بأي طريقة وأي سبب، لأنه من وجهة نظره لا يجوز لزوجته أن تتقاضى أكثر من راتبه، وهذا للأسف تفكير ناتج عن تربيته ووعيه الاجتماعي».
وعن إمكان حل المشاكل التي قد تقع بسبب هذا الأمر تؤكد الدكتورة ليلى أن «هناك رجالاً لا طريقة في العالم لإقناعهم بأن هذا الموضوع لا يستحق دمار أسرة بكاملها، لأن النقص موجود  بداخلهم لا يمكن استئصاله. ولكن في بعض الحالات ننصح المرأة بأن تكون صبورة، وتتحمل عجز الرجل عن التنازل عن فكرة رجولته حتى لو كانت بالأمور المالية. وننصح المرأة أيضاً بأن تتعامل مع زوجها بمودة واحترام مبالغ فيه بعض الشيء، وإشعاره بأنه بر الأمان، وأن الحياة من دونه تخسر جمالها، بمعنى تأكيد أهميه صلاحياته ورجولته ووجوده. وفي المقابل الوعي والتوازن مطلوبان من الطرفين، للابتعاد عن المشكلة التي قد تصل إلى طريق بعيد عن الحل. والحقيقة التي بتنا نلاحظها اليوم، أن هذه الأزمة خفت بعض الشيء عن ذي قبل ربما بسبب ظروف الحياة المعيشية الصعبة، ومنهم من يهمه استثمار راتب زوجته والاستفادة من عملها، ومنهم من يتشارك معها لتأمين مستقبل جيد ولائق».