هل أصبحت لغة؟ Emoji أشهر أدوات التعبير والتواصل الإلكتروني

Emoji,أدوات التعبير,التواصل الإلكتروني,الدكتور غسان مراد

فاطمة نصرالله 19 سبتمبر 2015

تخطت شهرة رموز «ايموجي» وانتشارها كل التوقعات، اذ أصبحت أداة تعبير قائمة بحد ذاتها، متفوقة على لغات الأبجدية التي تعتبر لتعددها واختلافها، عائقاً أمام التواصل بين المجتمعات ومختلف الثقافات. و «إيموجي» مصطلح ياباني الأصل ويعني الصور الرمزية أو الوجوه الضاحكة المستخدمة في كتابة الرسائل الإلكترونية وصفحات الويب. وأصل الكلمة هو نحت من حرف e والذي يعني صورة، وكلمة moji التي تعني حرفاً أو رمزاً.

تعددت الآراء حول هذه الرموز، فمنهم من رأى فيها ثورة في عالم التواصل لناحية التعبير عن المشاعر المقصودة بدقة وسرعة واختصار من دون الاضطرار الى الغوص في بحر الكلمات التي لن تعبر غالباً عن الحالة المعاشة كما هي، ومنهم من رأى فيها عودة الى الوراء، وتحديداً الى عصر ما قبل الأبجدية، أي العصر الحجري، اذ كان سكان تلك الحقبة يكتبون بالصور ويدونون رسائلهم بالنقوش والرموز. ولكن لا يختلف اثنان على أن رموز «ايموجي» بتنوعها، ساهمت في تبسيط طريقة ايصال الرسائل والمشاعر الى الآخرين.


 

يقول الدكتور غسان مراد، أستاذ الألسنية المعلوماتية في كلية الآداب والعلوم الانسانية في الجامعة اللبنانية، ومدير مركز علوم اللغة والتواصل، إن «هناك أسباباً عدة لانتشار رموز ايموجي، ترتبط بطبيعة حامل المعلومات والوسيلة التي يستخدمها لكتابة الرسائل القصيرة كالهاتف المحمول مثلاً الذي يتميّز بصغر شاشته، ما دفع المستخدمين للجوء الى الاختصار لنقل الصورة بأسهل طريقة». ويوضح مراد أن «هذا الاختصار سيؤثر بالتأكيد في عالم الكتابة، وسنرى لاحقاً طفرة في استخدام الجمل الاسمية على حساب الجمل الفعلية، ما سيؤثر مباشرة في الثقافة اللغوية وإنتاجها، اذ ستكون ثقافة حديثة تعتمد على الاختصار والجمل القصيرة». ويرى أن هذه الرموز «لن تسهّل عملية التواصل فقط، إنما ستؤدي بعد 30 أو 40 سنة الى تغيير في البنية اللغوية بشكل عام، وستتجه الكتابة أكثر فأكثر نحو الاختصار وسيعتاد الناس على ذلك»، مشيراً الى أن «الشباب  بدأوا فعلاً في استخدام «ايموجي» والعبارات المختصرة بكثافة، كاستبدال الجمل بالأحرف الأولى من كل كلمة مثل ttyl وتعني talk to you later، موضحاً أن «جيل اليوم هو جيل الـ «zapping»، يريد كل شيء بسرعة وفي اللحظة نفسها». ويستعين مراد بمثل، مشيراً الى أنه «عندما بدأ إنتاج الحواسيب والهواتف المحمولة، لم تكن تحتوي على لوحة مفاتيح باللغة العربية، فبدأ الشباب بكتابة اللغة العربية بالأحرف اللاتينية، لكنهم واجهوا مشكلة في فقدان بعض الأحرف، فاستبدلوها بالأرقام، مثلاً استخدموا الرقم 7 للإشارة الى حرف (ح)، واستمروا في ذلك على الرغم من توافر الأحرف العربية في لوحة المفاتيح في وقت لاحق».

ويضيف مراد أن «كل ثورة في عالم الكتابة تؤدي حتماً الى تغيير في تمثيل المعرفة وأساليب التعبير عنها وترميزها كتابياً»، لكنه لفت الى أن «ذلك لا يعني أن هذه الرموز ستصبح لغة، لأن اللغة ترتكز على بنية معرفية وصرفية وتحتاج الى قواعد وقوانين»، موضحاً أنها «تشكل جزءاً من اللغة ولكنها لن تصبح لغة، وهي تستخدم في إطار معين لخدمة التواصل السريع». وعن رأي البعض بأن هذه الرموز تعيدنا الى العصر الحجري، يعتبر مراد أن «هذه الاسقاطات غير واقعية، فالترميز لا يعني أننا نعود الى العصر الحجري، واللغة تفرض ذاتها من خلال الاستخدام والوظيفة. ومع كل طفرة في عالم التواصل، يستحدث الناس نوعاً من الأدوات التي تقرّب الأفكار والصور».

ويرى مراد أن «الدماغ البشري يجد النقطتين والقوس : مثلاً، أسهل وأقرب اليه من كتابة عبارة «أنا أبتسم». وبسبب وجود بعض الرموز الملتبسة كالابتسامة التي قد لا تعبر دائماً عن الفرح، نرى أن الذين يعملون في عالم الرموز قد عمدوا الى زيادة وتنويع الرموز التي تعبر عن الابتسامة، من مبتسم الى مبتسم جداً».

وتعمل الشركات القائمة على هذه الرموز على تطويرها باستمرار، لتشمل جوانب الحياة كافة، ولتعبّر عن مختلف المشاعر الانسانية. وأخيراً، أولت شركات التواصل الاجتماعي الكبرى اهتماماً خاصاً بـ «الايموجي»، اذ عمدت شركة «فيسبوك» العملاقة الى إضافتها الى المنشورات من أجل التعبير عن الحالة التي كتبت بها وللمساعدة في ايصال الفكرة المقصودة. كذلك سمحت شركة «تويتر» بإظهار الـ «ايموجي» في التغريدات، في حين قامت «انستغرام» بتحديث خصائص جديدة تسمح بإضافة الوسوم (هاشتاغ) الى الرموز لتضيفها الى محركات البحث عبر الـ «هاشتاغ».

كذلك، أصبح لـ «ايموجي» يوم عالمي خاص بها، إذ احتفى رواد شبكات الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية في 17 تموز/يوليو الماضي باليوم العالمي للرموز التعبيرية وانتشر حينها هاشتاغ (#WorldEmojiDay). من جهة أخرى، وجد الكثيرون في هذه الرموز مجالاً للإبداع، فصاغ البعض قصصاً قصيرة بـ «الايموجي». أمّا المطوّر الأميركي إيريك أندرو لويس، العامل في صحيفة «نيويورك تايمز»، فابتكر برنامجاً جديداً، يتيح تحويل أيّ صورة فوتوغرافيّة أو لوحة، إلى فسيفساء مشكّلة من رموز «إيموجي» الصغيرة. ويقوم البرنامج بتحليل ألوان الصورة، واستبدالها برموز «إيموجي» المناسبة. على سبيل المثال، يستبدل اللون الأحمر برموز البطيخ أو الضوء الأحمر، واللون الأصفر برموز المفرقعات أو النجوم والوجوه المتعددة.

ومع سرعة انتشارها، ووصولها الى جميع مستخدمي الانترنت ووسائل التواصل في العالم، لا تزال رموز «ايموجي» تفتقر الى تفسير موحّد جامع لكل رمز، إذ كسبت أكثر من معنى بين الزملاء والأفراد والمجموعات، ولكنها رغم ذلك، تبقى اليوم من أبرز أدوات التواصل الالكترونية التي يمكن أي شخص في العالم القول بأنه يجيدها.