سوزان عليوان شاعرة هاربة على جناحَي القصيدة

ديوان

22 أبريل 2013

الديوان: «معطف علّق حياته عليك»

الشاعرة: سوزان عليوان


«العالم لا يحتمل دمعة»... هذه الجملة التي قالتها الشاعرة سوزان عليوان، مرّة بل مرّات، حضرت مجدداً في ديوانها الأخير «معطف علّق حياته عليك» (طبعة خاصة)، فعلاً لا قولاً.

الشاعرة التي تميّزت، منذ أعمالها الأولى، بحساسيتها المرهفة تجاه الأشياء، ارتأت في ديوانها الجديد أن تهرب من كلّ الأشياء التي تدور من حولها، من مشاهد الدم والدموع التي تُحيط بها، لتُكمل احتفالها بالحبّ الذي شكّل الثيمة الرئيسة لديوانها السابق «رشق الغزال».

يبدو ديوان عليوان، في ظاهره، بعيداً عن الأجواء التي يعيشها الإنسان العربي الغارق اليوم في انقساماته وقلقه وخيباته. وقد يٌخيّل للقارئ أنّ الشاعرة كتبت هذه القصائد في زمان آخر كان فيه مكان للحبّ والتأمّل والغناء.

ولكن، قصيدة تلو الأخرى، يكتشف القارئ أنّ أجواء هذه المجموعة ليست إلاّ نتيجة لما يُعانيه العربي في ظلّ مناخات من الحقد والكره والتعصّب.

وأمام عجزها- كإنسانة قبل أن تكون شاعرة- عن وضع حد لكلّ هذا العنف الذي يُغرق عالمنا، تختار عليوان التمرّد على واقعها والعودة إلى الرومنطيقية التي يسمو فيها الشاعر عن أوحال العالم السفلي، هارباً إلى ذاته وملتحفاً بمشاعره وتأملاته: «... ما دامت المجرّة ذرّة/ والأمطار غزيرة/ ما دمت حضني وجلدي/ وأصابعي أوّل أغصانك/ ما دمنا من ماء وتراب/ كيف حينما نبكي/ لا تنبت أزهاراً؟» (ما لم تنله يدي).

هكذا اختارت سوزان عليوان ألاّ تحوّل معاناتها إلى قصيدة، بل أن تهرب منها إلى القصيدة: «عاشقان من قشّ/ عريشة أقمار في قارورة/ أبيات بحر على محرمة/ مطرقة على حطب عناق/ مشط يضحك/ فراشات ودبابيس/ مهرّج صغير من البلاستيك/ قطنة سكرى وسط سرّة/ خيط أحمر/ حبال طويلة من مطر/ فلّينة لغرق بين الأصابع/ لقطة يتيمة/ لوهلة وجهين...» (مسوّدة مدينة).

كانت سوزان عليوان تُفضّل عدم وضع العناوين الداخلية لقصائدها، حتى تكاد المجموعة كلّها تبدو قصيدة واحدة. إلاّ أنّها عمدت في هذا الديوان إلى عنونة كلّ مجموعة من القصائد بعنوان واحد، وكذلك كلّ قصيدة بعنوان مُستقلّ.

وعناوين المجموعات هي: «ألوان الأبيض»، «باقة قمر على مفارق»، «شبابيك أكثر الليل»، «مواويل مالك الحزين»، «لمن تُغنّي النوافير»، «الدرجة صفر من الصحراء». ومن عناوين القصائد نذكر: «تشرين الثالث، أحدنا ابتسامة الآخر»، ومن: «قصّة أبيض وأسود»، «أرض الأحلام»، «يمامة بين اليدين»، العمر على كبريت»...

وربما أكثر ما يُميّز مجموعة عليوان الأخيرة  هي موسيقى القصائد التي جعلتها أشبه إلى الأغنية لما تحمله من إيقاع داخلي جميل: «على التلّ المُطلّ/ كطائر أسطوري/ على مدينتنا/ غيم وشجر صنوبر/ وصغار بالأبيض والأسود/ فوق ظلّينا يركضون/ خطوة على جفنك/ أختها على خدّي...» (من قصيدة مونمارتر)، أو «من قطرة/ على زهرة مطرزة/ على كمّ قميصي/ إلى دمعة/ بزوال زهرة/ عزيزة على هدبك» (من تشرين الثالث).

«معطف علّق حياته عليك» عنوان لافت يليق بديوان جميل يُشبه صاحبته في أناقة طباعته وعمق قصائده وابتكار صوره. ومن هذا العنوان- القصيدة وحتى آخر قصائد  المجموعة يظلّ صدى كلمة هولدرن يرنّ في آذاننا: « روح الشعراء تتردّد في الأغنية، وفي هذا التردّد تتحوّل المعاناة إلى موسيقى».