طقوس زواج جماعي في أعالي جبال الأطلس

زواج, زواج جماعي, جبال الأطلس, تقاليد, القبائل

01 أبريل 2014

اختتم موسم الخطوبة السنوي في إميلشيل في قلب جبال الأطلس المغربية، تحت شعار «موسم الخطوبة... تراث أصيل في خدمة تنمية قبائل آيت حديدو». يهدف الموسم إلى المساهمة في الحفاظ على الموروث الثقافي والرمزي للمنطقة من خلال التعريف بتقاليد القبائل المحلية والترويج للسياحة الجبلية، ويشكل فرصة لتدفق عدد كبير من سكان قبائل الأطلس الكبير، وعدد كبير من السياح المحليين والأجانب، بهدف التعرف على أحد المواعيد السوسيو - ثقافية الأكثر أهمية في المنطقة. وتضمن برنامج هذه السنة تنظيم عرس نموذجي وحفلات موسيقية وفقرات متعددة ومتنوعة من شأنها التعريف بالتراث الموسيقى المحلي لسكان أعالي الجبال.


يخلّد موسم الخطوبة في إميلشيل قصة حب تناقلتها أجيال المنطقة. ففي الماضي البعيد أحب فتى من قبيلة آيت ابراهيم فتاة من قبيلة آيت إعزة (قبيلتان من قبائل آيت حديدو)، وكان أقصى ما يصبو إليه الحبيبان هو الزواج. لكن العداوة المتجذرة بين قبيلتيهما جعلت تحقيق حلمهما مستحيلا. حينئذ، غادر كل من الحبيبين قبيلته في اتجاه الجبال فأغرق الفتى نفسه في بحيرة أصبحت اليوم تحمل اسم إيسلي (العريس) وأغرقت الفتاة نفسها في بحيرة أضحت اليوم تحمل اسم تسليت (العروس).  وهناك رواية تقول إن هاتين البحيرتين ما هما إلا دموع الحبيبين اليائسين. ومهما اختلفت الروايات، فهذه هي القصة التي لا بد أن يسمعها كل قاصد لموسم الزواج أو الخطوبة في إميلشيل الذي يقام سنويا قرب ضريح سيدي أحمد أولمغني. ويسمعها أيضا زوار بحيرة تسليت قرب إميلشيل وضيوف مهرجان موسيقى الأعالي في إميلشيل.

عندما تضع قدميك في منطقة تقع على ارتفاع 2300 متر عن سطح البحر، وبالضبط في سوق موسم سيدي أحمد أولمغني أو «أكدود» (كما يسميه بالأمازيغية أهل المنطقة)، تبدو لك أجواؤه شبيهة بأي موسم آخر في المغرب: بضائع متنوعة من خضر وفواكه مجففة وحبوب وألبسة ومصنوعات تقليدية وأطعمة تطهى في المكان، ونساء يجبن السوق محملات بما حاكته أناملهن من مناديل و أغطية تقليدية صوفية جميلة تحمل طابع المنطقة. لكن ما يختلف فيه «أكدود» عن بقية أسواق المغرب هي تلك الخيمة الكبيرة المنصوبة قرب الضريح، ففيها  نحو خمسة صفوف متراصة أفقيا من العرسان و العرائس.

إن حقيقة موسم الخطوبة كما وقف عليها الزوار في إميلشيل مخالفة تماما لما نقلته وسائل الإعلام على مدى سنوات، انطلاقا من تسمية هذا الموسم، فهو ليس موسم خطوبة وإنما هو موسم زواج إذ يكون العريس والعروس قد التقيا مسبقا ولا يأتيان إلى السوق برفقة والد العروس إلا لإبرام العقد أمام السلطات. وللمنطقة تقاليدها الخاصة للتعبير عن الفرحة بالعرس: للخطبة يأخذ والدا العريس السكر واللوز والحناء والهدايا ويذهبان لخطبة العروس من أهلها، وإذا نالوا الموافقة فإنهم يحددون تاريخ عقد القران الذي لا يكون بالضرورة في موسم الزواج بسيدي حماد ألمغني. ولم يبدأ الناس باستغلال الموسم إلا عندما ظهرت الحاجة إلى الوثائق لإتمام الزواج، حيث كان من الصعب التنقل إلى مدينة الريش على مسافة 150 كيلومترا من الطريق الوعرة غير المعبدة لتحضير الوثائق اللازمة للزواج. فبدأ الناس يفضلون الذهاب إلى الموسم نظرا إلى وجود ممثلي السلطات والمكاتب الإدارية ويعقدون قرانهم هناك.

بعد تحديد موعد الزواج يوزع أحد أفراد عائلة العريس التمور على أفراد قبيلته و ويوزع فرد من عائلة العروس التمر على قبيلتها كنوع من إشهار الزواج من جهة، وتأكيد الود بين الجانبين من جهة أخرى. و في المساء تجتمع نساء العائلتين لطحن القمح في الرحى حتى تتجمع لديهن كمية كبيرة من الدقيق بما يكفي لصناعة خبز أيام العرس بأكملها. وتخبز أسرة العريس من ذلك الطحين خبزة كبيرة اسمها «أبادير» توزع على أطفال عائلة العروس تيمنا ببراءة الأطفال. وتقوم عائلة العروس بطهو الطعام، وتستمر الاحتفالات لدى عائلة العروس ثلاثة أيام.

إيسلي و تسليت، روميو وجولييت... تتضارب الآراء حول تاريخ ظهور موسم الزواج لأول مرة، لكن كبار السن في المنطقة يقولون إن الزواج الجماعي في موسم سيدي حماد أولمغني قديم ويعود إلى مئة و خمسين عاما على الأقل، فقد جاء إلى إميلشيل بعض الباحثين الأنتروبولوجيين ومنهم فولفغانغ كراوس من النمسا الذي لم يتوصل خلال 31 عاما من البحث إلى تاريخ محدد لبداية موسم الزواج، وكذلك الأميركي دافيد هارت. والمؤكد هو أنه ظهر قبل أكثر من قرن.

وتتضارب الآراء أيضا حول سبب الزواج بشكل جماعي في هذه المنطقة دون بقية مناطق المغرب، لذا يفسر الكثيرون ذلك بأنه ربما تكون قصة العاشقين إيسلي وتسليت حقيقية في جزء كبير منها خاصة و أنه فعلا كانت هناك عداوة بين أيت إعزة و أيت براهيم بسبب أراضي الرعي والمياه، لذا بدأت قبائل أيت حديدو تزوج أبناءها جماعيا تكفيرا عن ذنبهم مع إيسلي و تسليت اللذين انتحرا على غرار روميو وجولييت.