هند الزيادي: كتّاب الوطن العربي في صراع دائم لفك «شفرات» إضافية لحرية التعبير

هند الزيادي,كتاب الوطن العربي,في صراع دائم,لفك شفرات إضافية,لحرية التعبير,لافاييت,الكتابة الأدبية,الوطن العربي

تونس - ضحى السعفي 02 يوليو 2016

 هند الزيادي كاتبة تونسية قديرة، تغلف نصوصها الأدبية بلغة راقية، ويتميز أسلوبها الأدبي بالتشويق والإمتاع، وتدل كلماتها على طلاقة الخيال. وتتنوع أعمالها الأدبية بين القصيدة والقصة والمقال والرواية. فهي أديبة مهمومة بقضايا ومشاكل مجتمعها بمختلف طبقاته وشرائحه، كما أنها ناشطة في ميدان التربية والتعليم وحقوق المرأة. وقد صدرت لها رواية تناقش أوضاع المجتمع التونسي خلال السنوات الخمس الأخيرة التي شهدت تحولات الربيع العربي.


- كيف تصنفين عملك الصادر أخيراً «لافاييت»؟ حدثينا عن قصة الكتاب...
«لافاييت» رواية استوحيت عنوانها من اسم الحيّ الذي دارت فيه معظم الاحداث، وهو حي يقع في وسط تونس العاصمة.... والرواية تحكي قصة المرأة التونسية... ومسيرة تونس كلها بعد انتفاضة يناير 2011… بحيث نرى فيها مجموعة من الفتيات المجاهدات في سبيل غد أفضل تتنازعهن الأحلام وتأخذهن الطموحات الى أن يقعن فريسة لمن جعل من التجارة بأحلام البسطاء وعذاباتهم مصدر عيش ورزق وفير. لا أبحث عن تصنيف معين لروايتي، وليس من حقي أن أفعل ذلك، فهذا دور يقوم به القرّاء والنقاد بالتحديد... لأن الكاتب يمكنه أن يقرر الكتابة في جنس معين بصفة عامة، لكن التصنيف الدقيق هو عمل يحتاج الى تفكيك ودراسة نقدية، وهذا ليس دور الكاتب.

 - نعود بك الى البدايات... أخبرينا عن أول ما خطّه قلمك؟
أول ما خط قلمي كان أقصوصة عنوانها «يحدث في كار الطاهر»، وكان ذلك في التسعينات، وقد شاركت بها في مسابقة نظّمتها «سيراس» دار النشر العريقة في ذلك الوقت بمناسبة يوبيلها الفضي على ما أعتقد، وكنت واحدة من عشرة فائزين... وكمكافأة، نشرت لنا الدار مجموعة مشتركة باللغتين العربية والفرنسية.

 - لماذا اخترت اسم «لافاييت» لرواية توجهينها الى الوطن العربي الذي ربما سيتساءل عن معنى الاسم؟
العنوان هو عتبة  مهمّة من عتبات النص، ويمكن الكاتب من خلال هذا العنوان أن يكثّف المعنى للمتلقي أو يشد انتباهه، كما يمكنه ان ينفّره من الرواية لو أساء اختياره. بالنسبة اليّ أردته أن يكون عنواناً محيّراً، أو بالأحرى مزعجاً يشد الانتباه ويحرّض على التفكير والفضول الحميد الذي يكون دافعاً لقراءة الرواية.

 - ما مدى العلاقة بينك وبين ما نقرأه في نصوصك؟ وهل يمثل ما تكتبينه تجربتك الحياتية؟
يجب ألا يعتقد القارئ أن كل ما يكتبه الروائي يجسد بالضرورة واقع حياته، وإلاّ لانتُزعت صفة الفن والابتكار والإبداع من الرواية التي تنبت أولاً وأخيراً في ذهن الكاتب وخياله ثم يختار لها ما يراه مناسباً من تقنيات وأدوات لكتابتها وتحويلها الى أثر ملموس على الورق... صحيح أنه يستقي مادّتها الخام من الحياة اليومية ومن الأحداث التي قد تطرأ عليه أو على غيره، ولكنّ جوهرها يبقى من عمل الخيال، فهو الذي ينظم تلك الوقائع ويسند الأدوار الى تلك الشخصيات قبل ترجمتها على الصفحات البيضاء. كما يجب ألا ننسى أن ثمة بين الأجناس الأدبية نوعاً معيّناً يسمّى «أدب السيرة الذاتية»، وهو المجال الأصلح لكل روائي يريد أن يحكي قصّة حياته أو تجربته الذاتية، وهو مجال لا تنضوي تحته روايتي «لافاييت»، إذ اخترت أن أكون صوت من لا صوت لهم في كتاباتي، وأن أعبّر عن هموم مجتمعي ومشاغله وتطلّعاته.

 - في روايتك الأولى «الصمت» تحدثت عن زنا المحارم، كيف استطعت وصف التجربة بهذا القدر من الوعي؟
أولاً، اسمحي لي بأن اقول إن من الإجحاف حصر هذه الرواية في «زنا المحارم» فقط، لأنها عبارة استحدثتها بعض وسائل الإعلام الباحثة عن العناوين المثيرة بهدف بيع أكبر كمية من الأعداد... «الصمت» هي رواية عن بناء الذات المحطمة إثر اعتداء غاشم... عالجت فيها حالتين تعرضتا لتلك الممارسة المريضة، كل منهما اختارت أن تعالج ألمها بطريقة معيّنة... ففي حين اختارت إحداهما الانتحار للتخلص من عذابها وإحساسها العميق بالإهانة، اختارت الثانية أن تقاوم بالفنّ والثقافة لتعيد اكتشاف جسدها وتتعلّم أن تحبّه وتحترمه لتواصل العيش بطريقة سويّة متوازنة.
ثانياً، كتبت «الصمت» بعد تجربة تطوّعية دامت أكثر من ثلاث سنوات في صلب جمعيّة تعتني بالصحة النفسيّة للأم والأسرة. وخلال تلك التجربة كنت أنصت لهموم الأمهات والبنات اللواتي نوجّههن الى مختلف الاختصاصيين الكفيلين بحل مشاكلهن. وهذا الاهتمام دفعني الى الاطلاع على المواضيع النفسية عموماً، كما عقدت جلسات عمل مع أطباء نفسيين يتعاونون مع الجمعية وطرحت عليهم العديد من الأسئلة التي تهم شخصيّات الرواية وأمراضهم وطرق علاجها الممكنة.

- هل تحولت رواية «الصمت» إلى عمل سينمائي بعدما اشترت المخرجة المصرية المثيرة للجدل ايناس الدغيدي حقوق العمل؟
أنجزت المخرجة الدغيدي جزءاً أساسياً من مشروع الفيلم فأسندت مهمة كتابة السيناريو الى الدكتور رفيق الصبّان، ثم شرعت في جمع «كاست» الفيلم. وكما أعلم فقد توقف الأمر عند هذا الحد بسبب اندلاع ثورة «يناير» في مصر وما تلاها من أزمات أثرت سلباً في قطاع السينما، وخاصة أزمة الرقابة التي أعاقت خروج الفيلم الى النور... عموماً، قد أُضطر الى سحب الفيلم من المخرجة والشركة المنتجة اذا استمر هذا الأمر، وأبحث عن منتج متحمّس له أو جهة انتاج في تونس حيث أفق الإبداع اكثر انفتاحاً رغم قلّة الإنتاج السينمائي عندنا مقارنة بما تنتجه مصر من أفلام على مدار السنة. انا متحمسة جداً للرواية، وللفيلم الذي أتمنى فعلاً أن يرى النور قريباً.

- هل من السهولة تجاوز ما يُعتبر خطأ أحمر في أدبنا العربي؟
الكتّاب في الوطن العربي في صراع دائم من أجل فك «شفرات» إضافية لحرية التعبير واقتحام كلّ «التابوات». صحيح أن نسبة الحرّية تتفاوت بين بلد عربي وآخر، لكن الثابت أن الجميع يحاول التحايل على الرقيب لمعالجة القضايا المطروحة في مجتمعاتنا. لن تجدي نفعاً محاولة من يمنحك الحرية المطلقة أو  يهديها على طبق من فضّة،
ولكن يبقى الشرف كل الشرف في المحاولة.

- ما الهدف الرئيس من ممارستك الدائمة لفعل الكتابة الأدبية؟
لي أهداف أنانية ككل الكتّاب، وهي إرضاء نزعة فنّية متأصلة لدي وتلبية ضرورة حياتية تتمثل في الكتابة، فهي فعل خلاّق به تكتمل ذاتي وأحقق توازني النفسي وسعادتي الشخصية... ولي كذلك أهداف أقل أنانية تتمثل في رغبتي بأن أعبّر عن مجتمعي بمختلف فئاته... أسعى أن أكون صوتاً إيجابياً يهدف الى تطوير المجتمع والارتقاء به، كما أسعى الى إدخال البهجة والسعادة الى قلوب القرّاء بما يخطّه قلمي من روايات، والأهمّ من ذلك تحريضهم على التفكير والنقد.

- حدثينا عن طقوسك في الكتابة...
هي ليست طقوساً بمعناها الحقيقي وإنما حالة  قلق تعتريني عندما أكون في صدد التفكير في رواية وخلق شخوصها وترتيب أحداثها... حالة قلق أتجاوزها عادة بالسفر وتغيير المكان ونشدان الوحدة، لأن الوحدة تحقق لي الصفاء الذهني للتفكير والتخطيط... وكل رواية تتطلب مني وقتاً للبحث في الموضوع او حتى في ما يتعلق بالحقبة التاريخية التي تدور خلالها الأحداث، كما لا بد من التوثيق اللازم لتجنب الثغرات في البناء القصصي أو في جزئيات تخص الشخصيات.

- لمن تقرأ هند الزيادي ومن أي أسلوب أدبي تستوحي؟
أحب التنويع في القراءات والمدارس الأدبية، وأحاول قدر الإمكان الاطلاع على أدب كل البلدان، ومن أبرز الكتّاب الذين قرأت لهم: أليف شافاق، ماريو فارغاس يوسّا، واسيني الأعرج، رضوى عاشور، باولو كويهلو، فيرجينيا وولف، هاروكي موراكامي، يوسف زيدان، محمد حسن علوان، خورخي بورخيس... ورغم تنوع الأسماء، لكنني أعتمد أسلوباً خاصاً في الكتابة، يترك بصمة لدى القرّاء، فالتفرّد هو الذي يحقق للروائي النجاح.

- تتميزين بتنوع نتاجاتك الادبية ما بين القصة والقصيدة والمقال، فما سر هذا الإلمام بمختلف هذه الاجناس الأدبية؟
أرى أن تلك المحاولات في الشعر أو في المقال لا ترتقي الى درجة الإلمام، ولكنها مجرد محاولات لإشباع رغبة التواصل مع القراء بين رواية وأخرى... ويمكن الكاتب في بداياته أن يجرب كل الأنواع الأدبية حتى يستقرّ على نوع معيّن ويحدد طريقه، وأنا على يقين بأنّني خلقت لأكون روائيّة في الأساس.

- هل الأدب النسوي متطور في الوطن العربي، وإلى أي مدى سلّط الضوء على القضايا والهموم التي تعانيها المرأة العربية؟
بالنسبة إليّ، لا أجد معنى لعبارة «أدب نسوي». فالأدب هو الأدب، ولا يحتاج الى تصنيف جندري لتعريفه. وكل محاولة في هذا الاتجاه أراها عنصرية ترمي بقصد أو بغير قصد إلى انتقاص من قيمة ما تكتبه المرأة، فهي كالرجل ايضاً مهمومة بمجتمعها وقضاياه، وتلعب دوراً فعالاً في النهوض به، وتستطيع أن تكتب عن قضاياه بقوة تضاهي كتابات الرجل أو تفوقه أحياناً. وإن كنا لا نجد أسماء نسوية لامعة، فذلك ليس لعيب في النساء الكاتبات، وإنما لأنّ عالم النشر والنقد لا يتعامل مع نتاجاتهن الأدبية بالجديّة التي يتعامل بها مع الكتّاب الرجال. ورغم هذا، ثمة أسماء نسويّة حققت لنفسها مواقع متقدمة في عالم الأدب.

- ما هي مشاريعك المستقبلية؟
أستمتع حالياً بنجاح «لافاييت»، وأستعد لروايتي الجديدة بعقد جلسات عمل وتوثيق مع أطباء متخصصين في المجال الذي سأتحدث عنه في الرواية.