فايز قزق: يفاجئني «الحس الطاووسي» لبعض الممثلين ورغبتهم في تحطيم مَن حولهم

فايز قزق,الحس الطاووسي,السويد,مسلسل,فيلم سينمائي,اللغة العربيّة,التلفزيون,المسرح,الدول الأوروبيّة,السينما,التمثيل

لها (دمشق) 10 سبتمبر 2016

يعشق المسرح ويحاول أن يطبّق نظرياته في كلّ أعماله الفنيّة حتى في الدراما التلفزيونيّة. له بصمة خاصّة وحضور مميز في كلّ الأعمال التي شارك فيها. عمل في الإخراج والتدريب والتدريس والكتابة، إضافة إلى التمثيل.
هو من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحيّة في دمشق عام 1981، وحاصل على شهادة عليا في إعداد وتدريب الممثل المسرحي من كليّة «الروز بروفيلد» في بريطانيا، وحائز ماجستير في الإخراج المسرحي من جامعة «ليدز»... هو الفنان فايز قزق، الذي شارك في العديد من المسلسلات التلفزيونيّة، منها: «رجال الحسم»، «شهرزاد»، «بقعة ضوء»، «عمرالخيّام»، «رياح الخماسين»، و«قاع المدينة»، و«باب الحارة- الجزء4»، و«العراب»... وهذا العام شارك في «عابرو الضباب»، و«صدر الباز»، و«الخان»، والجزء الجديد من سلسلة «بقعة ضوء».
قدم قزق العديد من الأعمال المسرحيّة المهمة فأصبحت معظم مسرحيّاته نموذجاً للتدريس في سورية وخارجها.
وفي السينما السوريّة، تألق بأدوار كان أهمها (إسماعيل) في فيلم «رسائل شفهيّة»، و(الأخرس) في فيلم «ما يطلبه المستمعون»، وقدّم أخيراً شخصيّة «أبو الوليد الداعشي» في فيلم «فانية وتتبدد».
نال قزق جائزة أفضل ممثل مسرحي عن دور «مجيد» في مسرحيّة «حمام بغدادي» في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي. الحديث عن عمله في التدريس شكّل بداية حوارنا معه.

                                    
- خرّجت أكثر من 11 دفعة من طلاب التمثيل عربياً ومحلياً، حدثنا عن تجربتك الخاصة في التدريس؟
التدريب هو حالة تراكمية، وقد بدأته كمعيد في عام 1981 وبتّ أستاذاً محترفاً في العام 1988 في المعهد العالي للفنون المسرحيّة في دمشق. وبعد التخصص في الخارج، عدت إلى البلد وواظبت من ثم على مهنة التدريس في المعهد العالي في دمشق، وفي المعهد العالي للفنون المسرحيّة في الكويت، وهي تجربة شيّقة، تجاوز عمرها الـ30 عاماً، خاصّة على صعيد التعامل مع الجيل الجديد.

- هل لديك المقدرة على التواصل مع جيل جديد يختلف في مواصفاته عن الجيل الذي سبقه؟
في إمكاني مواكبة بعض التغيرات على مستوى التفكير في ما يتعلق بآمالهم وتطلعاتهم، فكنت دائماً مع هؤلاء الشباب، وقريباً جداً من حياتهم، بكلّ ما فيها من مشاكل وهموم وآمال. وفي النهاية، أنا أتعامل مع مادة خام من المشاعر والأحاسيس يجب استخراجها من هذا الإنسان، لرؤية مدى جديّتها وحقيقتها ومقدرتها على عكس هموم شريحة كبيرة من الناس، وكان لدي تنوع في أساليب التدريب منذ عام 1988 فتنبّهت لفكرة أن أجمع عدداً من المتدربين في شخص واحد.

- العمل في الكويت... حدثنا عن تجربتك هناك وماذا اكتسبت منها؟
أمضيت حوالى 6 سنوات من العمل المتواصل في الكويت، وخرّجت فيها 5 دفعات، وقدمت 11 عملاً مسرحياً بالتعاون مع الأستاذ حسين مسلّم، عميد المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت، وعملنا مع المعهد العالي للفنون المسرحية في سورية، فقدّمنا أعمالاً كثيرة، منها: «الخادمتان» و«موكب السمك»، وكان هناك أساتذة من مصر عملوا معنا، وكانت مرحلة مهمّة تعرفت خلالها على حياة الخليجيين، ونمط عيشهم، وكسبت أصدقاء كثراً لا يزالون يتواصلون معي إلى اليوم.

- هل هناك فارق بين التمثيل والشهرة؟
طبعاً، ودائماً ما أسعى إلى تفهيم طلابي أنّ كلمة تمثيل تعني أن يمثل الطالب شخصاً ما، على عكس المشهور الذي يبتعد عن البشر ويتوحد مع ذاته.

- كيف جمعت حصيلتك المعرفيّة في التدريب والتدريس؟
بالإضافة إلى تنقلي بين سورية وبريطانيا للدراسة، والجهد الذي أبذله مع الطلاب، كانت لي جولات عدة في ألمانيا وفرنسا، وزرت مسارح كثيرة في العالم كمسرح «الكابوكي» و«النو»، واطلعت على الكيفيّة التي يتمّ التدريب فيها، وفي الخليج قضيت حوالى 6 سنوات، ودرّست طلبة من إيران ومصر ودول الخليج العربي.

- يتدرب الطلاب على المسرح، لكنهم في النهاية ينجرّون وراء التلفزيون، فما رأيك؟
أتعامل مع الطالب كإنسان، ولا أسمّيه ممثلاً، لأن في ذلك انحرافاً عن الصفة الأساسيّة التي يتمتع بها، وهي «الإنسان»، ويأتي التلفزيون اليوم ليعتّم على هذه الصفة، ويجذب هؤلاء ليغريهم بالمال، والالتفات إلى النجوميّة، فيتشوهون من الداخل. ونفاجأ اليوم بالحسّ الطاووسي لدى بعض الممثلين، إلى حدّ العجز عن مخاطبتهم إلا بالانحناء أمامهم... رغبة منهم في تحطيم مَن حولهم، للأسف!

- لماذا كل هذا الابتعاد عن السينما؟
من المفترض أن يكون في رصيدي اليوم 35 فيلماً على الأقل، ولكن الفرص السينمائيّة نادرة في بلدنا، ولو كانت متوافرة لرأينا الفيلم الوطني، أي الفيلم السوري الحقيقي. نعم هناك أفلام تُنتج وتستقطب جمهوراً، ولكن ماذا بعد هذا الفيلم؟... الإنتاج القليل يُضعف التجربة ويؤثر في الحضور.

- بشهادة النقّاد، تفوقت في تجسيد دور أميرٍ داعشي في فيلم «فانية وتتبدد»، ما الهدف من تقديم مثل هذا الدور في رأيك؟
بالنسبة إلى الجمهور، يمثل الفيلم قضية مهمّة إذ يتيح لهم التعرف أكثر على تفاصيل تلك الشخصيّات القذرة. والجمهور هنا ليس فقط المحلي، وإنما الغربي أيضاً بحيث يشقّ الفيلم طريقه نحو الغرب وسيُعرض في الصالات الأميركيّة قريباً، وهم متشوقون لمعرفة كيف نقدم «داعش» نحن الذين على تماسٍ مباشر معهم. في جانبٍ آخر، ستكون المأساة التي خلّفها «داعش» في منطقتنا كنزاً مهمّاً للسينما الهوليووديّة، وسنرى عبر عشرات السنين كيف ستسخر الأفلام الأميركية هذه المادّة لمصلحتها بعد استتباب الأمن في منطقتنا، ولذلك يجدر بنا أن نكون سبّاقين في التوثيق الحقيقي لما يحصل، وألا نترك أحداً يشوّه الحقائق ويصدّرها على هواه.

- وهل يشق الفيلم طريقه للعرض في الدول الأوروبيّة؟
يمكن بعض الباحثين في أوروبا التأكد من أنّ الفيلم يجسّد ما حصل في أوروبا في القرون الوسطى. ولو عدنا بالتاريخ إلى تلك الحقبة الزمنيّة، نجد أنّ الأميّة والجهل وتغييب العلم والتخلف المجتمعي... آفات أدت إلى ظهور «الدّاعشيّة». وفيلم «فانية وتتبدد»، سيلقى رواجاً في الغرب أيضاً، أما في أميركا فسيكون انتشاره أكثر صعوبة، لأنّ فيلماً كهذا لا يمكن عرضه بسهولة، وسيكون له صدى كبير.

- ما هو أصعب المشاهد التي مثّلتها أثناء تجسيد دور «أبو الوليد» في هذا الفيلم؟
كان أصعبها دور الفتاة الصغيرة التي أرغمها «أبو الوليد» على الزواج به، بحيث استمرت الطفلة في البكاء قبل تصوير المشهد وبعده. وإنسانيّاً، تعاطفت معها كثيراً، بينما يتوجب عليّ أمام الكاميرا ألا أُظهر هذا التعاطف فأفضح ملامحي الحقيقيّة. ورغم ذلك، نجح المشهد ونال إعجاب المشاهدين.

- كيف كان الانتقال من المسرح إلى التلفزيون؟
لم يكن نقلة، بل فصلاً بين مفهومين، فمفهوم المسرح له علاقة بالثقافة، وهذا القطاع مهمّش في الوطن العربي، والجميع مُحال إلى الشكل الإعلامي كالتلفزيون والـDVD والكمبيوتر والإنترنت.

- ذكرت أنك عملت في التلفزيون لسببين...
كان عليّ الانتقال إلى التلفزيون لسببين، أولهما تجربة الظهور على الشاشة لأكون معروفاً أكثر في الوطن العربي، ونفي التهمة الموجّهة بصورة غير مباشرة إلى كلمة «مثقف»، والتي باتت صفة مكروهة في الواقع، فأردت أن يُشاع الوجه ويُعرف، وكنت أقدّم شيئاً يلبي رغبات المشاهدين، وأنا أدرك جيداً أن مسرح الحمرا يستقطب 650 مشاهداً فقط، بينما التلفزيون تتسمّر أمام شاشته الملايين. والسبب الثاني هو المال، فأنا أعمل في هذا المجال لجمع المال ودعم مشروعي في المسرح.

- «حسن الصبّاح» في مسلسل «عمر الخيّام» من أهمّ الأدوار التي قدّمتها، فهل منحت هذه الشخصيّة أبعادها الكاملة؟
لعب «حسن الصبّاح» دوراً خطيراً في العالم الإسلامي، فهو أوّل من أطلق جماعة الاستشهاديين، وبنى عقيدته على أسس سليمة بعيداً عن الاتهامات الموجهة إليه بأنّه كان ينتمي إلى مجموعة الحشّاشين، أو يتزعّمهم، ولهذا الاتهام علاقة بالدماغ الاستشراقي الظلامي، الذي يهدف إلى «شيطنة» أيّ شخصيّة ناجحة في الشرق، ويحيطها بعلامات الاستفهام.
ولو عدنا إلى تاريخ المنطقة، نجده حافلاً بالفكر والفلسفة، انطلاقاً من الفيلسوف «عمر الخيّام» الذي جادل الكون كلّه، وصولاً إلى «حسن الصبّاح» ذي الفكر المستنير.
إذاً نحن أمام ظاهرة، بحيث برعت هذه الشخصية في التعمق في أمور الدين والشعر والفلك والقيادة والأعمال الروحانيّة... ولا يمكن الخلط بين هذه المسائل، وكان تحدياً بالنسبة إليّ أن أقدّم 4 مراحل عمريّة، تتباين وتتطور من جهة التفكير والعقل والفلسفة والفعل والأمراض الجسديّة والمظهر الخارجي والحسّ العلمي الإشعاعي... وكلّ ذلك في قلعة صغيرة شُيّدت بين الجبال.

- هل ندمت على شخصيّة قدّمتها؟
ما من عمل قدمته إلا وقلت بعد فترة وجيزة كلمة «لو»... فليس هناك عمل كامل، والسعي الى المثالية مطلوب دائماً. بالتأكيد، شكّل التلفزيون في الـ 15 عاماً الأخيرة من حياتي مجالاً جديداً للعمل بالنسبة إليّ، بعدما انغمست كليّاً في العمل المسرحي كمشروع خاصّ، داخل سورية وخارجها.

- هل تشتاق إلى مسرحك عندما تتوجّه للعمل في التلفزيون؟
أقدّم عملي وأمضي في مشروعي الأساسي، فالممثل الحقيقي قادر أن يفعل شيئاً مهمّاً في السينما، والمسرح، إلى جانب التدريب الذي نجحت في فرض نفسي فيه بقوّة، سواء في المعهد أو أي مكان متاح للتدريس. كما لا يعنيني أبداً صخب القنوات الفضائيّة.

- قدمت شخصيّة «عسّاف» في مسلسل «ضبّوا الشناتي» للمخرج الليث حجّو، وهي شخصيّة كوميديّة مختلفة عن كلّ ما قدّمته، فما الجديد فيها؟
هناك شخصيّات نسمّيها فاكهة أو «سكّرة»، وعساف ينتمي إلى هذا النوع. كان عليّ الإستمتاع بمذاقها حتى آخر لحظة، خصوصاً ان جميع من شاركوا في هذا العمل كان حضورهم مميزاً، بدءاً بالمخرج الليث حجّو، وصولاً إلى الممثلين والتقنيين.

- ماذا عن تشغيل الأطفال الذي ذكرته مراراً؟
تشغيل الأطفال في الأعمال الفنّية أمر مروع، فمنذ دخلت المجال الفنّي والأطفال يتمّ ابتزازهم بالقروش، وبلقمة العيش أحياناً، وأدعو المسؤولين دوماً للانتباه إلى هذه المسألة.

- تحاول دائماً نشر الوعي حول فكرة تشويه اللغة العربيّة...
يفرض علينا التلفزيون مسايرة اللهجات ولعن اللغة العربيّة، وهذا يرهقني، فحتى الأطفال على المحطات التلفزيونيّة الخاصة بهم يكتبون بلهجاتهم التي يتحدّثون بها للأسف. وعلينا ألا نساهم في محو العربية من الذاكرة، خاصّة لأجيالنا القادمة. وقد تلاشت اللغة اللاتينية عندما سقطت الامبراطورية الرومانيّة فتولّد الكثير من اللهجات ونُسفت هي. لا نريد اليوم للغتنا العربيّة أن تضيع كما ضاعت اللاتينيّة. فنحن أمام منعطفٍ خطر جداً، وهو اختفاء الإنسان العربي وظهوره بلسانٍ مرقّع عاجز عن تقديم فكرة.

- قدمت في أميركا عرضين مسرحيين مهمّين، ما الهدف منهما؟
كانت الأولى مسرحيّة «ريتشارد الثالث»، والثانية مسرحيّة «دار الفلك»، وهما مسرحيتان تهدفان إلى التحاور مع الغرب حول مفهوم الديكتاتور، وتصديره إلينا، وتوجيه الاتهام إليهم. لكن المشكلة أنّنا في المشرق العربي لم نحصّن أنفسنا، لا بالعلم ولا بتدارك المشاكل. وهاتان المسرحيّتان عرضتهما في أوروبا وعدد من الدول العربية.

- مفهوم الفنان في الوطن العربي يحتاج إلى مراجعة! فهل لك أن توضح لنا الفكرة؟
كل ما يعنيني اليوم في التدريب والتدريس، أن أبتعد عن الحلم بالشهرة والنجوميّة، واللتين تتعارضان مع الوجدان الإنساني، فالفنان في الوطن العربي هو الإنسان الذي جُرّد من إنسانيّته، بحيث لا يستطيع التحدّث مع أحد، أو الظهور في الأماكن العامة، وهذا مفهوم خاطئ، فكلمة فنان تعني الخروج إلى البشر، والتعامل معهم بمختلف طبقاتهم الاجتماعية.

- لماذا لا نراك مخرجاً لمسلسل أو فيلم سينمائي؟
لأنّني متخصص في المسرح وتنشئة الممثل، ولا أمارس أي مهنة تتعارض مع ميولي.

- ماذا تقول لابنتك نور قزق؟
أنت نور عينيّ.

- وللمسرح...
المسرح هو المكان الدافئ والآمن، والذي يحفزني على الاستمرار في البحث، وهو أساس علاقتي مع الطلاب والطالبات، فهم المادّة الخام، وأنا أتعلّم منهم أيضاً. والمسرح هو دواء، ومكان للتربية، ومن الضروري إقامة مسرح في كلّ مدرسة. وهو أداة التوازن، وفنّ يهتم بكامل الجسد، ويتفرد ببصمة الممثل الداخلية.

- لو لم تكن ممثلاً لكنت...
في هذه المرحلة أختار مهنة الطبّ.

- ماذا تقول لروح الفنان نضال سيجري؟
نضال رحمه الله كالنور الذي يلازمني، فهو «حميد» في مسرحيّة «حمام بغدادي»، وكان طالباً في مرحلة ما، وزميلاً وشقيقاً في المسرح. وقف هناك كعملاق، وتحدّى المرض، والظروف الاجتماعيّة.

- ماذا تتمنى اليوم؟
أن تبقى سورية سورية.

- تردد أخيراً أنّك هاجرت إلى السويد؟
هي شائعة، لكنني أزور مدناً وبلداناً كثيرة منها مالمو والدنمارك... وأقصد مسارح كثيرة أعرفها هناك، والسفر مهمٌّ بالنسبة إلي، ومنذ عام 1981 لم أتوقف عن السفر، فالمسرح يحتاج إلى بحث وجمع ومقارنة لتطوير مبادئه.