بين الإيجابيّ والسلبيّ الزواج المختلط: هل يكون اختلاف الجنسية واللغة سبباً للخلاف... أم للغنى

بين الإيجابي,والسلبي,اختلاف الجنسية,واللغة,سبباً للخلاف,أم للغنى,قدرة على التّأقلم,مجتمعات وعائلات,الزواج المختلط,زواج سعيد,حضارتين,عائلة,الفروقات,فراق,طلاق,الحب,الاحترام,التفاهم

دينا الأشقر شيبان 16 أكتوبر 2016

كيف يمكن شخصين من بيئتين وحضارتين وبلدين مختلفين أن يتفاهما ويتأقلما معاً؟ لا بل أن يتزوّجا ويؤسّسا عائلة واحدة؟ سؤال يحتمل إجابات متعددة. إلا أننا منذ القدم، نشهد زيجات مختلطة، من عائلات أخرى، ومناطق أخرى، وحتى بلدان أخرى... منها ما ينجح ويتحدّى الفروقات ويصمد، ومنها ما يؤول إلى فراق وطلاق. فلا قاعدة محددة، بل يتعلق الأمر بالشريكين نفسيهما في مواجهة الصّعوبات وتذليلها أمام الحب والاحترام والتفاهم المتبادل.


لا شكّ في أن تقبّل الآخر يفرض علينا معايير معيّنة في ضبط النفس وتفهّم رأي مغاير واحترام طريقة عيش مختلفة وتقبّل عادات وتقاليد متنوّعة. فكيف الحال إذا تعلّق الأمر بزواج وشراكة أبديّة، وعائلة جديدة ومجتمع غريب؟
لكن من جهة أخرى، ومع التّطوّر ووسائل التواصل الاجتماعي وانتشار الإنترنت، بتنا نعيش في قرية كونيّة، منفتحين على الآخر، مُلمّين بأعراف وتقاليد وحضارات ولغات وبلدان لم نكن نفقه عنها شيئاً سابقاً، فأصبحت فكرة «الآخر» مقبولة في أغلب الذهنيات والعائلات والبلدان، بعيداً عن الأحكام المسبقة والرّفض القاطع والممانعة الفوريّة.

فعندما يتعلّق الأمر بالزّواج المختلط، من بيئة وبلد غريب، لا بدّ من الاستفادة من أوجه الشبه والتعلّم من الجديد ومحاولة تخطّي الفروقات وتبسيط الخلافات، لبناء عائلة متضامنة وزواج متين.
توضح المحلّلة والمعالجة النفسيّة روزلين شويري دياب تأثير اختلاف الحضارات في الزوجين، عارضةً للإيجابيّات والسّلبيات معاً، من ناحية نفسيّة واجتماعيّة. كما يُدلي بعض الأزواج بشهاداتهم الخاصة عن زيجاتهم من شركاء من بلد «غريب»، وعن كيفيّة تأقلمهم مع الاختلافات وتربيتهم لأولادهم.

قدرة على التّأقلم
بادئ ذي بدء، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ كلّ فرد يمتاز بشخصيّة مميّزة عن الآخر، تؤثّر بوضوح في سائر خياراته الحياتيّة والإنسانيّة والعاطفيّة والعمليّة والاجتماعيّة والنفسيّة. فقدرة كلّ إنسان على التأقلم تختلف من شخص إلى آخر، بناء على البيئة الحاضنة، وظروف حياته والتّجارب التي خاضها ومحيطه العائليّ والاجتماعيّ ومستواه العلميّ...

تقول دياب: «إنّ قدرة المرء على الانسجام في بيئة مختلفة تتعلّق بشخصيّته، أكان منفتحاً على الآخرين أم منغلقاً على ذاته. كما أنّ القدرة على الانسجام ضمن أيّ ثنائيّ مردّها أُسس الحوار والتفاهم والاحترام المتبادل بين الشّريكين. إذ إنّ وجود الآخر الدّاعم من شأنه أن يساعد معنوياً وفعلياً على التأقلم بسرعة أكبر». فلا قواعد واضحة ولا أبحاث موثّقة في هذا الإطار.
وتضيف دياب: «من جهة أخرى، أثبت الشّرقيّون والعرب بشكل عام، قدرتهم على التّأقلم في بلدان عربيّة وأجنبيّة أخرى، وبرعوا في العمل وأثبتوا أنفسهم في بلاد الاغتراب والمهجر. كما اتخذوا أزواجاً وزوجاتٍ من بلدان مختلفة، وكانت زيجاتهم ناجحة من الناحيتين الحضاريّة والاجتماعيّة». فاختلاف المجتمع والبيئة والبلد يؤثّر في الزّواج، ولكن ليس بقدر اختلاف الشّخصيّة والطّبع. كما تلعب طبيعة الزّواج والظروف ومكان الإقامة دوراً أساسيّاً في نجاح العلاقة أو فشلها. وتتابع: «لا بدّ لنا من دراسة المدّة التي قضاها الشخص بعيداً عن بلده الأم وتأقلمه فيه قبل الزواج وأثناءه. كما يجب معرفة كيفيّة التعرّف إلى الشريك، أمِن خلال التدبير أو الإنترنت، أو من خلال الأصدقاء، وسواها من المعايير التي قد تؤشر الى طبيعة التأقلم والانسجام. لكن لا شمول أو تعميم في المطلق، لأنّ كلّ حالة فريدة من نوعها».

مجتمعات وعائلات
تقول دياب: «لعلّ الحالات الأكثر شيوعاً في مجتمعاتنا العربيّة الآن هي زواج الشاب الشرقيّ من فتاة أجنبيّة وإقامتهما في بلد عربيّ. ولكن هذا لا يمنع أيضاً وجود شبّان عرب في بلدان نسائهنّ الأجانب، أو وجود أزواج أجانب لسيّدات عربيّات في بلاد الشرق، أو سفر المرأة الشرقية للإقامة في بلد زوجها الأجنبيّ. وتبقى بطبيعة الحال، قدرة التّناسق منوطةً بتناسق الطّباع ما بين الرّجل والمرأة، وليس باختلاف البيئة فحسب. فقد أصبح اختلاف الحضارات واللغات والبلدان طبيعيّاً بين الناس الذين يسعون عادةً جاهدين إلى الإنفتاح والاطلاع على العادات والتقاليد والأعراف من خلال كبسة زرّ أو سفر أو مغامرة...».
وتنوّه «بقدرة العائلات الشّرقيّة عموماً على احتضان «الغريب» وتقبّل «الآخر». إذ تُشيد بكرم الأخلاق والطّباع لدى سائر المجتمعات العربيّة التي تُحيط بالفرد لتشعره بالترحيب ضمن العائلة الكبيرة. فالانسجام ضمن المحيط والعائلة يخفّف من وطأة المشاكل المحتملة، ويساعد على التّعايش في بيئة جديدة وحضارة مختلفة».

لا بدّ من التّأكيد أنّ الانتقال من ضيعة إلى أخرى، أو من منطقة إلى أخرى، قد يكون في بعض الأحيان مصدر إزعاج للمرء، فكيف الحال إذا انتقل إلى بلد آخر وعايش حضارة أخرى حيث تختلف اللّغة وتقاليد المجتمعات؟

أولاد من زواج مختلط
لا شيء يؤكّد أو ينفي، وفق دياب وجود مشاكل تتعلق بالأولاد في ما خصّ الزّيجات المختلطة. وتقول: «إنّ الغنى والانفتاح والثقافة التي يكتسبها الأولاد من أبوين من بلدين مختلفين تكاد لا تُحصى، علمياً وعملياً ولغوياً وحضاريّاً وإنسانياً. إذ إنّ النّضج الفكريّ والعاطفيّ والوعيّ الاجتماعيّ لكلا الطّرفين من شأنه أن ينعكس طاقة إيجابيّة للعائلة برمّتها». وإنما قد يتأثر الأولاد بالاختلاف الواضح في العادات والتقاليد في حال أهمل الوالدان تعليمهما عن كلا البلدين، أو لم يُسافرا إلى البلد الثاني مع أولادهما لفترة طويلة من الزّمن، أو أبدى أحدهما الامتعاض من تقاليد المجتمع الآخر وأعرافه.

زواج سعيد
وتختم دياب حديثها مؤكدةً: «إنّ الزّواج السّعيد والمتماسك يتجلّى في الاستفادة من غنى الخبرات واكتساب اللغات وتقبّل الثّقافة واحترام الاختلاف، بحيث تتداخل الحضارات المتنوّعة وتندمج في القالب العائليّ الموحّد. وإنما ذلك مرتبط ارتباطاً وثيقاً بفرديّة الشّخص والعائلة والمجتمع، وبتماسك الثنائي وطبيعة علاقتهما وتقبّلهما لبعضهما بعضاً من دون قيد أو شرط. فالاكتفاء العاطفيّ والذاتي والاجتماعيّ ينعكس واضحاً لدى الشّخص الآتي من بيئة مختلفة، ما يخفّف الشّعور بالغربة. كما أنّ بعض الخطوات البسيطة من شأنها أن تساعد في عمليّة تقبّل الآخر، مثل إشراكه في المناسبات العائليّة، واستشارته في بعض الأمور التي تخصّ بلده، كتعلّم اللّغة الأجنبيّة والغناء والرقص الفلكلوريّ أو الطّبخ أو حتى طريقة اللّباس وبعض العادات مثلاً. كما أنّ وسائل التواصل الاجتماعيّ وقدرة السّفر من بلد إلى آخر، في مختلف العطل والأعياد والمناسبات، أمور تخفّف أيضاً من وطأة الافتراق عن العائلة في البلد الأم.