الشاعرات الفلسطينيات: التابوات والمجتمع الذكوري والاحتلال الإسرائيلي... تقيّد صورة المرأة في أشعارنا

امتياز المغربي (فلسطين) 09 سبتمبر 2017

ما بين الرفض والقبول بهن كشاعرات، استمرت الشاعرة الفلسطينية التي تحترف الشعر في خوض معركتها ضد ذلك الرفض الذكوري والمجتمعي والاحتلالي، وركّزت في أشعارها على صورتها الشخصية كامرأة تعاني، وعلى صور مغايرة لنساء أخريات موجودات في أماكن مختلفة في أنحاء الوطن. «لها» أجرت حوارات مع شاعرات فلسطينيات شابات رسمن شكل المرأة الفلسطينية في بحور شعرهن ولسان حالهن يقول «ما زال هناك أمل».


الشاعرة صونيا خضر: قد أكتب عن إبريق الشاي أو المدفأة أو قطعة البسكويت
في بيتها في مدينة رام الله، التقينا بالشاعرة صونيا خضر، الحاصلة على شهادة البكالوريوس في الأحياء والكيمياء الحيوية، والتي أشارت إلى أنها تهوى الشعر منذ أن كانت طفلة فقالت: «أكتب الشعر منذ الطفولة، لكنني بدأت بمشاركة كل ما أكتب ونشره منذ عام 2005. وما يدفعني لكتابة الشعر هو الحساسية الزائدة، والملاحظة الشديدة لأدق التفاصيل والتخيّل لعوالم مختلفة... والحكاية خلف الشعر هي الفائض من كل ذلك، والذي يصبح صالحاً للصياغة بلغة شعرية».
وتابعت: «لم أختر أن أكون شاعرة، فالشعر كالرسم أو النحت أو الصوت الجميل، هبة من الله، وما على الموهوب إلا الاجتهاد للحفاظ على هذه الهبة وتطويرها. أنا لم أختر ذلك، لكنني ممتنة للسماء لأنني أملك بعض الأدوات والمفاتيح التي تؤهّلني لكتابة الشعر».وعن المواضيع التي تطرقت إليها في أشعارها، قالت صونيا: «في قصائدي ونصوصي أطرح أي موضوع قد يخطر في بالي، فأنا أكتب عن الحياة والوجود والفرح والحرب والحب والطبيعة، وقد أكتب عن إبريق الشاي أو المدفأة أو قطعة البسكويت... عن أي شيء أشعر بأنني على علاقة معه، علاقة مباشرة أو غير مباشرة، علاقة تفتح باباً للجدل والسؤال واللغة والتأويل والمجاز».
وأشارت صونيا إلى دواوينها الشعرية مؤكدةً: «الديوان الأول كان بعنوان «لشموس خبّأتها» وقد صدر عن «دار فضاءات» عام 2009، والديوان الثاني بعنوان «لا تحب القهوة إذاً» وقد صدر عن «بيت الشعر الفلسطيني» عام 2012، والديوان الثالث بعنوان «معطّرة أمضي إليه» وصدر عن «دار لزهاري لبتير» الجزائرية عام 2014 وهو مترجم الى الفرنسية، إضافة الى رواية «باب الأبد» التي صدرت عن «دار الفارابي» عام 2015».
وفي ما يتعلق بموضوع التابوات، قالت صونيا: «في مجتمعنا الشرقي، وفور الحديث عن الـ«تابو»، يُحسم الأمر بأنه الثالوث المحرّم. بالنسبة إليّ، أجد أن الكتابة حول هذا الثالوث قد استُهلكت وأصبحت هدفاً تسويقياً بحتاً، لذا أكتب عن الإيمان لا عن التديّن، وأكتب عن الإنسان لا عن السياسة».
وأضافت: «ما من شيء ممنوع في الشعر إلا الخروج عن قواعده وفراغه من المعنى. ليس كل من صفّ بضع عبارات هو شاعر، وليس شعراً كل ما يُنسب إلى الشعر. الشعر الحقيقي هو كل ما يستوفي حق المعنى والبلاغة واللغة. وأهم من هذا كله، فإن الشعر هو الدهشة التي لا يثيرها الكلام العادي».


هناك امرأة في قصيدتي، امرأة شفافة، عميقة، قوية...
وكشفت صونيا عن طبيعة المرأة في أعمالها الشعرية فقالت: «هناك امرأة في قصيدتي، امرأة شفافة، عميقة، قوية... هناك امرأة تجاوزت فكرة الانتماء والتأطير، تؤمن بوجودها وبحقّها في الحياة، بكينونتها وكيانها، امرأة أو عاشقة أو أمّ أو ابنة أو زوجة أو امرأة في مراحل حياتية مختلفة، وبحالات سيكولوجية متعددة، وفق إحداثيات المكان والوقت والظرف».
وبصفتها شاعرة، تطرقت صونيا إلى المشاكل التي تتعرض لها فقالت: «أواجه مشاكل كثيرة تتعلق في غالبيتها بالموروث الثقافي المتخلّف، وبالمجتمع الذكوري الذي يدّعي الحرية ولا يعرف عنها شيئاً».
وعن الأمسيات التي شاركت فيها، أوضحت: «خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، شاركت في أمسيات في الأردن وتونس ولبنان».
وحول مكانة أو صورة المرأة الفلسطينية الشعرية في الساحة العربية، أكدت صونيا: «تمتلئ الساحة العربية بأشباه الشعراء والشاعرات، ولم يعد لقب شاعر أو شاعرة لقباً صعباً، فكل من يرغب في أن يصبح شاعراً يكون له ذلك بمجرد اتّخاذه قراراً شخصياً. وفي المناسبة، لديّ ثلاث مجموعات شعرية، لكنني لا أقدّم نفسي كشاعرة، ولا أرفق هذا اللقب باسمي على موقعي الالكتروني ولا على الفايسبوك، وأترك هذا الأمر للقارئ الحقيقي والمتذوّق، فهو من يقرر».


الشاعرة فاطمة ذياب: كنتُ أُشارك باسم مستعار كي لا يعرفني أحد من أقاربي وأهلي لأنني لم أكن أملك الشجاعة لأُطلعهم على كتاباتي وخواطري
أما الشاعرة فاطمة ذياب، وهي عضو مؤسّس في ملتقى أدباء فلسطين، وعضو في اتّحاد الكتاب الفلسطينيين، والتي أجرينا معها الحوار في منزلها في مدينة نابلس، فقد روت لنا كيف أنها خاضت تجربة كتابة الشعر رغم أنها لم تُكمل تعليمها، قائلةً: «أتممت دراستي الثانوية، وعندما بلغت الثامنة عشرة من عمري تزوجت، وبدأت كتابة الشعر العمودي في عام ٢٠١١، وكنت قبلها أكتب الخواطر وأشارك بها في برنامج إذاعي كان يُبث على إحدى المحطات في مدينتي نابلس».
وأضافت: «كنت أشارك باسم مستعار كي لا يعرفني أحد من أقاربي وأهلي، لأنني لم أكن أملك الشجاعة لأُطلعهم على كتاباتي وخواطري، ولعبت الصدفة دوراً مهماً إذ تعرفت من خلال المنتديات إلى شاعر مبدع حيث كنت أرسل إليه كتاباتي ليعطيني رأيه فيها، ويوجّهني الى الطريق الصحيح في الكتابة، وعلى الأثر تم تدريبي ومجموعة أشخاص على البحور والأوزان وكيفية التقطيع العروضي».
وتابعت: «كنت أكتب كل ما يجول في خاطري ويعبّر عن مشاعري وعن حالتي النفسية واندماجي في مجتمعي ووطني وديني.. لذا، هناك تنوع في قصائدي ما بين الحب والغزل والوطن والدين والمجتمع». كانت دواويني الشعرية تعزف على أوتار قلبي محلّقة في الأرجاء كألحان ناي.
صدر للشاعرة فاطمة ذياب أكثر من ديوان شعر حدّثتنا عنها فقالت: «صدرت لي ثلاثة دواوين شعرية، الأول بعنوان «على وتر قلب» في عام ٢٠١٢، والثاني بعنوان «صهيل الحواس» وهو ديوان مشترك مع مجموعة من الشعراء والشاعرات من كل محافظات الوطن في عام ٣٠١٣، والثالث حمل عنوان «ناي»، وكلها كانت دواوين تعزف على أوتار قلبي محلّقة في الأرجاء كألحان ناي».
وأضافت: «أحب كل قصائدي، فهي بمثابة طفل صغير ولد على يديّ، وهي أيضاً مذكرات وتفاصيل عشتها في حياتي، وكل قصيدة عبارة عن قصة أو حدث أو موقف أو حلم».
أما عن المواضيع الممنوعة في شعرها فأوضحت فاطمة: «في رأيي الشخصي، ممنوع في الشعر التعرّض للذات الإلهية، والخوض في وصف تفاصيل الجسد والعلاقات العاطفية، وما عدا ذلك فهو حرية شخصية».


كامرأة فلسطينية أرسم العزّة والكرامة والقوة والصمود والحب
وعن شكل المرأة الفلسطينية في شعرها، قالت فاطمة ذياب: «كامرأة فلسطينية، أرسم العزّة والكرامة والقوة والصمود والحب والتضحية والخجل والأمومة. المرأة هي كل ذلك، ولأنها كذلك، يجب أن تُحترم وتبجّل وتبقى شامخة كجبال فلسطين».
وكحال النساء الفلسطينيات، واجهت فاطمة انتقادات كثيرة لأنها شاعرة فقالت: «واجهت الكثير من الانتقادات لكوني متزوجة وأمّاً لستة أطفال، ولكن إرادتي قوية وما زلت أواجه المجتمع بقوة، وأُثبتُ جدارتي في الشعر والإلقاء، وذلك بشهادة النقاد والجمهور».


الشاعرة ماجدة الريماوي: قصيدتي هي صديقتي التي جعلتني أنحاز إلى الوطن
أما الشاعرة ماجدة الريماوي من قرية بيت ريما في قضاء رام الله، والحاصلة على دبلوم في اللغة العربية، ودبلوم في التأهيل التربوي، وتُدرّس حالياً اللغة العربية، فقد حدّثتنا عن بداياتها في الغوص في بحور الشعر الفلسطيني قائلةً: «في الحقيقة، لم تكن بداياتي الأدبية تتمثل في كتابة الشعر، ولعل محاولاتي الجادة للغوص في هذا المجال الأدبي لم تبدأ إلا في الأشهر الأخيرة من عام 2012، وكان للراحلة أُمي ولوالدي أطال الله في عمره، تأثير كبير في تربيتي، فكل هذا أمدّني بالمفردات اللغوية وأتاح لي الإفادة من أساليب الكتابة التي تطورت في ما بعد إلى مدارس فنية جمالية متعددة... فكان اختياري للمدرسة الواقعية الاشتراكية منهجاً وأسلوباً هو الذي ساد نظْمي للشعر وكتاباتي بشكل عام».
وأضافت: «ولأنني قرأت دواوين معظم شعراء الجاهلية وما تلاهم، من المتنبي إلى محمود درويش وغيره من شعراء المقاومة الفلسطينية، فقد أدركت في سنوات قليلة أهمية الارتباط الديناميكي بين الشاعر ووطنه وشعبه وعصره. وباختصار شديد، الشعر هو «الصداقة»، وصديقتي هي قصيدتي النثرية والتفعيلية، والتي جعلتني أنحاز الى الوطن.»
وعن أهم المواضيع التي تطرقت إليها في أشعارها، قالت ماجدة: «أولاً، القضية القومية وحقوق شعبي المغتصبة، فكانت الأولوية في قصائدي للشهداء حيث رثيت العديد منهم، فهم أبطال القصيدة وفتيل السراج وأنا زيته. ثانياً، القضية التربوية التثقيفية الهادفة إلى التنوير وحض العقل على التفكير في سُبل الخلاص من واقع اجتماعي ملؤُه غياب العدالة الاجتماعية بين فئات المجتمع المختلفة، بغية إيجاد
حلول ناجعة. ثالثاً، قضية تحرير المرأة ومحاولة إيقاظ الوعي لديها، بصفتها الأصل، ولا أُطلق عليها في كتاباتي سوى تسمية «امرأة»، فأنا لا أعترف بمصطلح «أُنثى»».
للشاعرة ماجدة الريماوي ديوان مطبوع ودواوين أخرى لا تزال قيد الانتظار حدّثتنا عنها فقالت: «لي مجموعة شعرية يتيمة، بعنوان «حديث الليل»، وقد أصدرتها حديثاً، وهي تتضمن كل ما كتبته من خواطر وقصائد مقفّاة أو نثرية، إضافة الى دواوين أخرى سأعمد الى طباعتها لاحقاً».


نادراً ما أتطرق إلى «التابوات» لكوني امرأة شرقية
في المجتمعات العربية تابوات كثيرة تقيّد المخيلة الشعرية حدّثتنا عنها الشاعرة ماجدة الريماوي فقالت: «نادراً ما أتطرق إلى المحظورات «التابوات»، ذلك أنني امرأة شرقية، وفي اعتقادي أن البلدان الشرقية كانت استبدادية وستبقى كذلك الى الأبد. ناهيك عن مجتمع متخلّف لا يرحم أهله... وبما أن له عاداته وتقاليده التي تشكل خطوطاً حمراً يُحظّر على الأدباء تجاوزها، أو الدخول إلى محرابها بأي ضلع من أضلاع «الثالوث المحرم»، فلم أسمح لنفسي بتخطي أيٍّ من تلك «التابوات»، خصوصاً أنني أتمتع بأخلاق حميدة وأنتسب الى عائلة تعشق النضال الوطني.
وعن المرأة الفلسطينية وصورتها في شعرها قالت ماجدة: «زاد اهتمامي بتحرير المرأة من قيودها بعد انتقالي للعمل في التدريس. فهنا أُتيحت لي فرصة أخرى للقاء الأمهات والتحدث إليهن عمّا يخص بناتهن وأبناءهن. وبما أنني أؤيد  مقولة «المرأة هي الأصل»، حرصت دائماً على أن أدفع المرأة إلى الأمام كي تكسر السلاسل التي تطوّق معصميها وتقيّد حركتها وتسلبها حريتها».
وحول مشاركاتها خارج فلسطين، أوضحت الريماوي: «كانت مشاركتي الأولى في المؤتمر الدولي السادس للشعر العربي الذي عُقد في مراكش في المغرب، ومن ثم دُعيت في العام 2016 للمشاركة في احتفال أقامته جمعية الصداقة الفلسطينية-الأوكرانية في العاصمة كييف».
واختتمت الريماوي حديثها مؤكدةً: «أنا اليوم شاعرة مبتدئة، أُمسك بساقِ شجرة اسمها «شجرة الشعر»، أمدّ يدي لأتعلّق بغصن من أغصانها كي أقف فوقه. وكعادتي، أصعد درجات المسرح خائفةً، وما إن أقف لأقبّل علم بلادي حتى تشتدّ عزيمتي وأُقدّم أفضل إلقاء. وديواني المقبل سيكون بعنوان «يا قدسُ يا حبيبتي».


الشاعرة المقدسية رانيا حاتم: كنتُ أحلم بأن أصبح مضيفة طيران أو شُرطية، وبعدما لم أجد مطاراً ولا مخفراً، احترفتُ الشعر  
من جانبها، أكدت الشاعرة المقدسية رانيا حاتم، والحاصلة على دبلوم في الفندقية، أنها بدأت كتابة الشعر وهي في سنّ صغيرة جداً فقالت: «كتبتُ الشعر وأنا طفلة صغيرة، وتحديداً في نهاية المرحلة الابتدائية، ما يعني أنني كنت أجهل الصور الشعرية، ولكنني كنت أتلمّسها بقلمي وقلبي معاً وبقيت على هذه الحال طوال فترة الانتفاضة الفلسطينية الأولى».
وأضافت: «لم أطمح يوماً في أن أكون شاعرة، ومنذ الطفولة كنتُ أحلم بأن أصبح مضيفة طيران أو شُرطية، لكن بعدما لم أجد مطاراً أو مخفراً (قسم شرطة)، قررت احتراف الشعر والغوص في عالم الخيال الشعري الذي يعوّضني عن واقعي الفلسطيني المرّ، فكتبت عن وطني وقهري وحرماني ولحظات فرحي».
أنا الطفلة التي عانت الفقر وظلم الاحتلال الإسرائيلي، والمرأة المطلّقة التي حُرمت من فلذات كبدها
وذكرت رانيا أسماء دواوينها فقالت: «أولها ديوان بعنوان «همسات وترية» وهو عبارة عن نثريات، والثاني هو «طلاق الياسمين»، وكنت فيه تلك الطفلة التي عانت الفقر وظلم الاحتلال الإسرائيلي، والمرأة المطلّقة التي حُرمت من فلذات كبدها، والسيدة الميدانية الأكاديمية التي تتحدّى مجتمعها وجبروته وتقف كالجرح المكابر».
وترى رانيا أن المرأة الفلسطينية تبدو مكافحة في أشعارها فتؤكد: «المرأة الفلسطينية هي شقيقة الرجل في النضال، والسيدة المكافحة في كل المجالات، وأذكرها دائماً في أشعاري، وقبل كل شيء أنا امرأة وأشعر بما تعانيه المرأة في بلدي».
وعن المشاكل التي تواجهها، قالت رانيا: «أواجه الكثير من المشاكل، لأن مجتمعنا لا يزال ذكورياً وينبذ المرأة، ولكنني أسعى دائماً إلى محاربة الفساد الأخلاقي لدى بعض القامات الشعرية الذكورية، وأبتعد عن الفصائل لكي أنجو بالوطن».
ولدى سؤالها عن الممنوعات في شعرها، أردفت قائلةً: «وهل ننجح إلا بالوقوف أمام الخطوط الحمر!». وبالتالي أشارت إلى الأمسيات التي شاركت فيها فقالت: «شاركت في أمسيات نظّمها مسرح «عمون» في الأردن والكرك، وشاركت أيضاً في مهرجان «الربيع» في تونس. كما أستعد حالياً لكتابة رواية».