٣٠ صوتاً نسائياً لتلاوة القرآن الكريم
عمل المرأة, علماء الأزهر, د. أحمد عمر هاشم, د. نصر فريد واصل, كلية الدراسات الإسلامية, د. سعاد صالح, رجل / رجال دين, جامعة الأزهر, ضوابط شرعية, علماء الدين, مساجد, د. أحمد عبد الرحيم السايح, الشيخ جمال قطب, مجمع البحوث الإسلامية, نقيب قراء القرآن الك
01 فبراير 2010 الإلمام بأحكام التلاوة
وأبدى قارئ القرآن الشهير الشيخ محمد محمود الطبلاوي- نائب نقيب القراء سابقاً- تأييده لدعوة الشيخ شعيشع لعودة القارئات إلى الإذاعة، كما كان الأمر في الماضي، ويضيف: «مع احترامي لاجتهاد المعارضين فإنني أرى أن قراءة المرأة لكتاب الله، وتسجيله ليصبح مسموعاً علناً في وسائل الإعلام عمل شرعي. والأصل في الأمور الإباحة ما دام صوت المرأة ليس فيه ليونة أو ترقيق أو محاولة التحسين بشكل يؤدي الى الإثارة. أما القراءة العادية مثل المرتل فإنني لا أرى فيها شيئاً».
واشترط الشيخ الطبلاوي لإجازة عمل المرأة كمقرئة للقرآن أن «تكون حافظة للقرآن، وملمة بالأحكام وعلى طهارة تامة، وأن تخشى الله ولا يكون في صوتها أو حتى سلوكياتها وأخلاقها ميوعة، لأن صوتها في حد ذاته بصورته العادية ليس بعورة، وبالتالي فهو صالح لتلاوة القرآن الكريم مادامت تلتزم بآداب التعامل مع كتاب الله، وتقرأه بصوت ليس فيه إغراء أو غناء يثير المشاعر والشهوات».
ضم ٣٠ قارئة لنقابة قراء القرآن الكريم خطوة شجاعة تحمس لها الشيخ أبو العينين شعيشع، نقيب قراء القرآن الكريم، رغم اعتراضات البعض بأن صوت المرأة عورة ولو بقراءة القرآن. ولم يكتف نقيب القراء بذلك، لكنه أكد أيضاًَ تصميمه على إدخال هؤلاء القارئات للإذاعة المصرية لتلاوة القرآن الكريم. فما هي أسانيد الشيخ شعيشع في تلك الخطوة الجريئة؟ وماذا يقول رجال الدين؟
أؤيد بشروط
ويؤكد رئيس اللجنة الدينية في مجلس الشعب والرئيس السابق لجامعة الأزهر الدكتور أحمد عمر هاشم ضرورة احترام الأعراف الاجتماعية «بما لا يتعارض مع أحكام الشرع بمعنى أنه لا يجب أن نحول الأعراف الاجتماعية إلى أحكام شرعية، وإنما يجب أن يستند الحكم الشرعي على أدلة شرعية وليس مجرد انطباعات شخصية، ولهذا فإن المواءمة الاجتماعية وتمهيد الرأي العام لقبول هذا الأمر ضروري، حتى لا يحدث صدام بين المؤيدين والمعارضين، وكذلك لابد من الحوار الجاد والعقلاني بين الطرفين بعيداً عن التكفير والإهانة لأن الجميع هدفه مرضاة الله وليس مصالح شخصية. ولهذا ليس هناك مانع من أن تقرأ المرأة القرآن، واعتماد المرأة مقرئة بشرط ألا يؤدي ذلك إلى الفتنة، لأن القاعدة الشرعية هي «درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة».
وتحفظ الدكتور هاشم عن احتراف المطربات قراءة القرآن أو تسجيله بأصواتهن، حتى لا يكون ذلك فتحاً لباب من أبواب الفتنة، لأنه لا يُعقل أن تسجل المطربة القرآن بصوتها الذي يغلب عليه الترقيق والليونة والتحسين المبالغ فيه، وفي الوقت نفسه نجدها تغني أغاني العشق والغرام، وبالتالي فإن التبادل بين المقرئة والمطربة أمر غير معقول لأن كلام الله لابد أن يخرج من القلب، ويتم التعبد به والعمل بما فيه من جانب المقرئة، وهذا لن يتوافر في المطربة التي تعتبرها تجربة تساعدها على الشهرة».
تجربة ناجحة
وتستشهد مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية للبنات بجامعة الأزهر على جواز عمل المرأة كقارئة قرآن وإذاعة تسجيلاتها بالإذاعة بما فعلته أثناء تنظيمها لمؤتمر عالمي للمرأة قبل سنوات في الأزهر، وكان يحضره شيخ الأزهر وكبار علماء العالم الإسلامي، فقد افتتحت المؤتمر طالبة من جنوب شرق آسيا تدرس في الأزهر، وأشاد الحاضرون بصوتها وجودة تلاوتها، وهذا يُعد إقراراً بذلك ليس من الأزهر فقط بل من كبار علماء الأمة.
وتضيف صالح: «من يتأمل القرآن سيجد الله سبحانه وتعالى يقول لأمهات المؤمنين أو زوجات النبي صلى الله عليه وسلم: «واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفاً خبيراً». والمقصود بالذكر هنا: «الكلام بوجه عام وخاصة ما يستمعن إليه في بيت النبوة من القرآن والأحاديث النبوية». وبالتالي فهي دعوة لهن ولغيرهن ممن يُتقن قراءة القرآن أن يتلونه أمام الجميع طالما أن المرأة ملتزمة بالحجاب والآداب العامة، ولهذا فأنا أرفض إقصاء المرأة عن العمل بقراءة القرآن الكريم في الإذاعة أو من يعتقدون أن صوت المرأة لا يصلح صوتاً لقارئ القرآن في وسائل الإعلام عامة وليس الإذاعة فقط، لأنه لا دليل شرعي قطعي يقصر قراءة القرآن على الرجال، بدليل أنه لدينا في الأزهر الآن معاهد قراءات القرآن للطالبات فقط. فماذا سيكون مصير خريجات هذه المعاهد إذا لم تتح لهن فرصة العمل كقارئات للقرآن، وقد تخصصن في ذلك؟».
مستعد لتبني المطربات الراغبات في التلاوة
في البداية، يؤكد الشيخ أبو العينين شعيشع أنه لن يهدأ له بال حتى تعاد المرأة كقارئة للقرآن الكريم بالإذاعة، للعودة الى العصر الذهبي للأصوات النسائية التي تجيد تلاوة القرآن، مثلما كان موجوداً قبل أكثر من ٥٠ عاماً. ولهذا تم اعتماد ٣٠ قارئة في المرحلة الأولى بعد الإعلان عن مسابقة لقبول قارئات جديدات، وتقدمت كثيرات للاختبارات من مختلف المناطق والمؤهلات الدراسية، حتى إن كثيرات منهن لسن أزهريات ونجحن بتفوق. وستعقب ذلك مراحل أخرى لوجود أصوات جميلة تستحق الاستماع، وهي بالفعل ثراء لعشاق القرآن.
وفي الوقت نفسه رفضت لجنة القبول المئات لعدم اجتيازهن الاختبارات التي أشرف عليها وشارك فيها مشاهير القراء.
وتعجب الشيخ شعيشع ممن يرفضون عمل المرأة كقارئة قائلاً: «هذه ردة فكرية، فقد كانت هناك قارئات شهيرات يقرأن القرآن بالإذاعة، وبين العامة والحكام على وجه سواء. والغريب أن يتم هذا في وقت كان محرّماً على المرأة التعليم والعمل، وبرزت من الأصوات النسائية الطيبة التي تجيد تلاوة القرآن الكريم بالإذاعة أمثال الشيخة منيرة عبده التي بدأت القراءة وعمرها ١٨عاماً، وكانت لها جماهيرية في العالم العربي لحسن أدائها.
وكان أجرها قريباً من أجر مشاهير القراء آنذاك، وكذلك الشيخة كريمة العدلية التي لها بعض التسجيلات في الإذاعة، ولكنني لا أعرف سبباً مقنعاً لعدم إذاعتها، رغم أنها كانت ذائعة الصيت مع زوجها الشيخ على محمود الذي كان أيضاً أستاذاً للموسيقى العربية، علماً أنهما كانا مكفوفي البصر. وسبقتهما الشيخة «أم محمد» كانت أشهر القارئات في عهد محمد علي، بل إنها كانت مقربة منه وتقرأ في المناسبات، مثل إحياء ليالي رمضان، والشيخة نبوية النحاس ذات الصوت القوي، وغيرهن من المقرئات اللواتي ظهرن في الإذاعة المصرية إلا أنه تم منعهن بسبب الفتاوى المتشددة بأن صوت المرأة عورة عقب الحرب العالمية الثانية، مما أدى إلى ذعر المسؤولين عن الإذاعة فتوقفوا عن إذاعتها».
ويروي الشيخ شعيشع بعض المواقف الطريفة التي تؤكد نجاح تجربة قارئات القرآن قديماً، فيقول: «الطريف أنه كان للمقرئات عام ١٩٢٥ يوم مُخصص لقراءة القرآن على الهواء مباشرة عبر الإذاعة، ويُقسم القرآن على الحضور منهن وكلُ منهن تقرأ جزءاً، وكانت لهن تسجيلات صوتية في الإذاعة المصرية. كما أن الشيخة منيرة عبده ذاع صيتها خارج مصر حتى إن أحد التجار الأثرياء في تونس عرض عليها إحياء شهر رمضان في قصره مقابل مبلغ ضخم جداً، ولكن لأنها كانت كفيفة لم تستطع السفر فما كان من التاجر التونسي إلا أن جاء إلى القاهرة وأمضى فيها شهر رمضان للاستماع إليها».
ويرى الشيخ شعيشع أنه لا فرق بين عمل المرأة مذيعة في الإذاعة وبين تلاوتها للقرآن الكريم، «ومن المؤسف أن هناك كثيراً من المذيعات في الوقت الذي مُنعت منه القارئات دون أسباب مقنعة لا شرعاً ولا عقلاً. ولكن المشكلة في تناقض الأقوال والأفعال بين ما يقوله مسؤولو الإذاعة والمؤسسات الدينية المصرية، حيث يؤكدون أنهم لن يمانعوا من وجود مقرئات وفي الوقت نفسه لا يتخذون خطوات عملية جادة لتحويل الأقوال إلى حقيقة».
وحول الانتقادات الشديدة التي تعرض لها نقيب القراء لضمه ٣٠ قارئة قال شعيشع: «لم أخالف قانون النقابة؛ لأنه لا يوجد في قانونها ما يمنع التحاق القارئات بها، بل إنها مفتوحة لكل من يحفظ القرآن من الجنسين».
ولم تتوقف شجاعة نقيب قراء مصر عند هذا الحد فقط، بل إنه وصل إلى ما هو أكثر، اذ أعلن أنه مستعد لتبني أي مطربة يكون صوتها حسناً، وتريد تسجيل القرآن الكريم بعد معرفة أحكام تلاوته، لأن صوتها في حد ذاته ليس حراماً إلا إذا أدى إلى معصية أو إلهاء الناس عن ذكر الله وإضاعة الفروض الدينية.
ورفض نقيب القراء حجة البعض بأنه لم يكن قارئات في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً: «هي ذريعة غير منطقية للرفض، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمح للنساء برواية الأحاديث والإفتاء».
أوافق بضوابط
يؤكد الدكتور نصر فريد واصل- مفتي مصر الأسبق- أن عمل المرأة في قراءة القرآن «جائز على اعتبار أن صوتها ليس عورةً، ولكن المشكلة تظهر إذا حاولت استخدام طبيعة صوتها اللين للإجادة أمام الرجال، وفي وسائل الإعلام مما يجعل بعض الرجال يفتنون بها، ولهذا نهى القرآن عن ترقيق النساء لأصواتهن أو ما نطلق عليه «الخضوع بالقول فقال تعالى: «لا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض». ولهذا أرى من الخطأ تعميم الحكم بالمنع أو الإباحة لاحتراف المرأة العمل بقراءة القرآن، وإنما يجب عرض القضية كلها على مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر لوضع الضوابط الشرعية لها حتى لا يحدث انفلات يجعل المباح محرماً. وفي الوقت نفسه لا بد من درس كل حالة على حدة من القراء المخلصين الذين يبيحون عمل المرأة كقارئة للقرآن، بحيث لا يؤدي العمل إلى نتائج عكس المرجوة منه».
الفتاوى العشوائية
ويقول الرئيس السابق للجنة الفتوى في الأزهر الشيخ جمال قطب ان «صوت المرأة يقع في دائرة المباح كصوت الرجل إلا إذا حاولت المرأة التغني بميوعة وترقيق يؤديان إلى إثارة غرائز وشهوات، فهنا يتغير الحكم الشرعي، لأن كل ما يؤديا إلى الحرام فهو حرام. وهنا يكون صوت المرأة عورةً حتى ولو بتلاوة القرآن الكريم وليس الغناء فقط، وأنا أُفضل وضع ضوابط للقضية حتى لا تحدث حالة من الانفلات، إذا أبحنا لها بإطلاق التلاوة جهراً على مسامع رجال أو في المحافل العامة في المساجد والإعلام لأن تلاوة القرآن ليس مهنةً هدفها الارتزاق فقط. ولهذا أحذر من الفتوى العشوائية التي تحلل أو تحرم بإطلاق ودون ضوابط، وأرحب بتلاوة المرأة للقرآن الكريم بضوابط يحددها رجال الدين، ويكون أهمها الاتفاق على الأصوات نفسها وأسلوب تلاوتها للقرآن بشكل صحيح وسليم».
منعها إساءة الى الإسلام
وهاجم الأستاذ في جامعة الأزهر الدكتور أحمد السايح المعترضين على إجازة أصوات النساء بالإذاعة قائلاً: هذا تشدد في غير موضعه ويسيء الى الإسلام الذي لا يفرق بين الرجال والنساء، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصف نظرة الإسلام إليهن قائلاً: «إنما النساء شقائق الرجال». وإذا كان بعض الفقهاء أباحوا الغناء الديني للمرأة أليس الأولى إباحة قراءتها للقرآن أمر ضروري، فالقرآن الكريم يخاطب الرجال والنساء، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يأخذون الحديث عن أم المؤمنين عائشة وعن غيرها من النساء، وتتم بين الرجال والنساء محاورات بريئة هدفها خدمة الدين».