موهبة الطفولة هل تستمر عندما تصبح الطفلة امرأة؟

قضية / قضايا الطفل / الأطفال, اليمن, نمو وتطور الطفل / الأطفال, مواهب فنية, مؤسسة ابحار لإبداعات الطفولة

07 يوليو 2009

عالم الطفولة في اليمن عالم مليء بالمواهب المبكرة، خصوصا في اوساط الطفلات اللواتي يبدين ميولاً نحو الفن، الغناء والتشكيل والشعر. ولكن هل ستستمر الموهبة في العطاء والابداع بعد أن تغادر عمر الطفولة وهل هناك سياسات لتنمية المواهب والابداعات ليستفيد منها المجتمع؟


أحلام علي محمد فتاة في الحادية عشرة من عمرها، تملك موهبة غنائية رائعة وصوتها جميل ومتميز. حظيت بتشجيع أبويها وبقية أفراد الأسرة على الغناء وقدّموها للمايسترو أنور مصلح، قائد الفرقة الموسيقية التابعة لمكتب الثقافة في عدن والذي قام بدوره بتشجيعها وأتاح لها فرصة تغني في عديد من المناسبات في عدن وقدّمها لمسؤولي المحافظة الذين دفعوا بها للمشاركة في مهرجان مسقط عام 2007.
أحلام تمتلك موهبة غنائية تبشر بمستقبل زاهر لكن هل سيستمر هذا التشجيع الذي تحظى به الآن؟ هل ستجد من يستمع إليها وهي تغني في المدرسة الثانوية والجامعه كما هو الحال في التعليم الاساسي حيث اصبحت فنانة المدرسة دون منافس تغني في الاحتفالات الرسمية، النصيحة الذي يقدمها المايسترو أنور للفنانة الواعدة أحلام «أن تواصل مشوارها الفني مهما كانت الظروف وأن تقدم أعمالاً جديدة تحدّد مسار طريقها وأن تستغلّ بوادر التشجيع التي تحظى بها لأنها قد لاتجدها بعد ان تكبر وتصبح امرأة».
فاطمة دوغان
بدأت تكتب الشعر وترسم لوحات فنية وهي في التاسعة من العمر. وكانت تحلم بأن تكون في المستقبل شاعرة كبيرة أو فنانة تشكيلية.
لكن الأمر تغيّر تماماً ومع بداية التحاقها بالتعليم الجامعي لم تجد الترحيب والتشجيع اللذين كانت تحلم بهما. بل أنها لم تجد التشجيع في مؤسسات التعليم الأساسي والجامعي. أما بخصوص التشجيع الأسري فتقول فاطمة إن تعامل أبويها تغيّر تماماً وصارت كلما ترجع الى البيت من الجامعة لا تجد من يعجب بها، وكلما امسكت الفرشاة للرسم كلّفتها امها بمهمة من مهمات البيت.
رحمة أحمد صالح حسن
من منطقة الجدعاء في محافظة لحج هي طفلة لم تتجاوز السادسة من العمر تمتاز بذكاء فطري وقدرات عقلية مذهلة ومهارات بدنية مدهشة تفوق سنها الى حد كبير. تجيد القراءة والكتابة وتحفظ أجزاء من القرآن وتتعامل مع أجهزة الكمبيوتر ببراعة.  
سبأ غالب العواضي
، بدأت تنظم الشعر في الثامنة من العمر، وقصائدها تتضمن شتى القضايا الإجتماعية والعاطفية والسياسية، وكأنها صاحبة تجربة عمرها خمسون عاماً. إنها طفلة متفوّقة الذكاء تمكّنت من إكمال تعليمها الابتدائي في ثلاث سنوات، تحزن لمعاناة النساء والحزن يلهمها الشعر. هي في الثالثة عشرة وكتبت ما يزيد عن 250 قصيدة وشاركت في العديد من المهرجانات العربية.
تقول إن العامل الذي حفّزها على كتابة الشعر أنها كانت تشاهد أطفالاً مبدعين يظهرون على شاشة التلفزيون وكانت تحسدهم على ذلك وتشعر بالغيرة. وأرادت أن تكون واحدة منهم وكتبت أول قصيدة وقرأتها على أبيها فشجّعها، وكتبت قصيدة ثانية وعرضتها على مديرة المدرسة التي شجّعتها كثيراً وقالت لها: «أتوقع لك أن تكوني شاعرة كبيرة يا سبأ». وفي اليوم التالي طلبت منها أن تقرأ قصيدتها في طابور الصباح.

وبالنسبة إلى تأثير الشعرعلى المواد الدراسية الأخرى تقول سبأ: «أنا طالبة متفوّقة، وفي كل الصفوف الدراسية. اما أن يكون ترتيبي الأولى أو الثانية. وأنا أول طالبة أدرس المرحلة الابتدائية بثلاث سنوات. وحالياً أنا طالبة في الأول ثانوي».
وعن شعورها عندما قرأت قصيدة أمام جمع كبير من الناس للمرة الأولى قالت: «شعرت بالخوف وكانت المشاركة بمناسبة صنعاء عاصمة للثقافة العربية عام 2004 في المركز الثقافي أمام وزير الثقافة وأناس كثيرين. وفي ذلك اليوم سجّلوا لي قصيدة في الفضائية اليمنية وكانت أول مرة أظهر على التلفزيون».
شاركت سبأ في مهرجانات الطفولة العربية، وشاركت في الكويت وفي مصر. وفي جامعة الدول العربية شاركت بقصيدة وحصلت على الميدالية الذهبية.
الطفلات المبدعات والموهوبات كثيرات في المجتمع اليمني، ومن ضمن الشواهد على ذلك أنه في صيف 2007 أقيم في أمانة العاصمة مهرجان صيف صنعاء للمرة الأولى، وضمّ افتتاح مرسم خاص بالأطفال بإشراف محمد السامعي الذي يقول: «قدم هواة الرسم من الأطفال مايزيد عن خمسة ألف لوحة. وهم من زوار الحديقة ولم نبذل أي جهد في إحضارهم سوى أننا فتحنا مرسماً، وكل يوم يأتي إلينا مجموعة من الأطفال يمضون ساعات في المرسم، نوفّر لهم اللوحات والألوان فيرسمون أشكالاً بديعة. وإقبال الأطفال على المرسم دليل على ميولهم الفنية، وإذا وجدوا تشجيعاً مستمرّاً سيشكّلون جيلاً فنياً في المستقبل.
بدأ المرسم بتاريخ 17/7/2007 رسم فيه الأطفال - ومعظمهم من البنات - أكثر من 500 لوحة.
وأضاف السامعي أن هؤلاء الأطفال إذا وجدوا تشجيعاً فسوف يصبحون جيلاً من التشكيلين.


إبحار

لا توجد سوى مؤسسة وحيدة تعمل على تشجيع المواهب والإبداعات عند الصغار في اليمن، وهي مؤسسة إبحار لإبداعات الطفولة». وعن أهم مشاريع هذه الموسسة والتزاماتها تجاه الأطفال المبدعين تحدثت إلينا مديرة المؤسسة مها ناجي صالح قائلة: إن «المؤسسة نفّذت عدداً من المشاريع الهادفة إلى بناء قدرات الأطفال الموهوبين، وأهم هذه المشاريع مشروع تكنولوجيا الأطفال الذي محونا من خلاله الأمية الإلكترونية لـ 100 طفل تلقّوا تدريباً مناسباً في مجال الحاسب الآلي في المرحلة الأولى من المشروع. وفي مرحلته الثانية تمّ تدريب 26 طفلاً على عدد من برامج الحاسب الآلي، وهؤلاء هم الآن من يصممون كتب المؤسسة وإصداراتها. وحالياً تنفّذ المؤسسة مشروع التمكن والإبداع ويرمي إلى تدريب 20 فتاة من الموهوبات في فن الرسم على مهارات الرسم على الزجاج وعلى الخزف على القرع. ونحاول تشجيع الفتيات على إنتاج فنون مختلفة. وسنقيم معرضاً دائماً لعرض أعمالهن الفنية، كما نعد سياسة ترويج لهذه اللوحات، لكي تعود على البنات بالنفع المادي. وبهذا تكون الفتاة قد اكتسبت مهارات جديدة بالإضافة إلى إنها حققت عائدات مادية».
وتضيف ان «الناس في بلادنا لا يزالون ينظرون إلى الفن نظرة مختلفة جداً وكأنه أسلوب حياة وأسلوب عيش، بمعنى أنهم لا يعطون الفن قيمة لذاته. في أغلب دول العالم الناس يحترمون الفن باعتباره قيمة ويحترمون الفنان لأنه هو الذي أنتج هذا الفن وصنعه، والفنان هو أصلاً قيمة مضافة إلى المجتمع لأنه قادر على كسر الرتابة والنمطية. والإبداع ليس حكراً على الرسم ولكنه يشمل مجالات شتّى بما في ذلك الرياضيات والفيزياء، فأي شخص يستطيع كسر الحاجز ويستطيع تجاوز الصانع إلى المبدع فهو مبدع».


في وزارة الثقافة

في وزارة الثقافة التقينا  هدى صالح النجار المديرة العامة للادارة العامة لثقافة المرأة والطفل في الوزارة التي أكدت لنا أن ظاهرة إبداعاً في أوساط الاطفال اليمنيين لا تنتهي، وأكدت أيضاً ان البنات أكثر موهبة وابداعات في سن الطفولة، لكنها ترى أننا «إذا أردنا أن نستفيد من هذه المواهب والإبداعات فلا بد أن يكون عندنا نظام متكامل لصقل المواهب والبحث عنها في الصفوف الأولى للتعليم الأساسي». وتلفت إلى أن «النواقص والصعاب والمنغصات تتمثل في عدم انتشار مكتبات خاصة بالاطفال على مستوى الجمهورية، كما أن الإنتاج الأدبي والثقافي في الجمهورية والموجّه للأطفال مازال شحيحاً بل ومحدوداً. وفي المقابل فان الإنتاج الثقافي الخارجي المخصّص للأطفال مرتفع الثمن مقارنة بمستوى الدخل، خصوصاً أن القدرة الشرائية لاقتناء الكتب والمجلات والروايات عند أولياء الأمور محدودة والجهات الرسمية والمؤسسات الأهلية التي تعنى بقضايا الأطفال لا تعطي هذه المسألة الإهتمام المطلوب».
ويرى الاختصاصي الإجتماعي عبد القوي غالب أن الإهتمام بالأطفال الموهوبين «هو نوع من الإعجاب بالأطفال في مرحلة الطفولة فقط، بحيث نجد النظرة الأسرية والمجتمعية إلى الطفل الموهوب وكأنه طفل معجزة. وبمجرد أن يخرج من سن الطفولة سرعان ما يخبو الإهتمام المبالغ فيه خصوصاً لدى الطفلات، حيث نجد الآباء يعجبون ببناتهم سواء كن شاعرات أو رسّامات أو يبدين تفوّقاً تعليمياً، لكن عندما تكبر هذه الطفلة أو تلك يبدأ اهتمام أبويها يقلّ وتبدأ الغيرة تظهر من أبيها أو أخويها، ويبدأ النظام الأسري يفرض حصاراً حولها فتندحر مواهبها ويخبو نورها».