جوزيف حرب... شاعر الغيم وعكازه الريح

وفاة, جوزيف حرب

11 فبراير 2014

قليلون هم الشعراء الذين سكنوا قلوب عامة الناس ونخبتهم، وقليلون أيضاً الذين جمعوا بين شعر الفصحى والعاميّة بمستوى الإبداع ذاته. لكنّ جوزيف حرب هو حتماً واحد منهم. والمفارقة أنّ لغته الشاعرية تكاد تكون نفسها في قصائده باللغة الفصحى والمحكية. فالصور والألفاظ والكلمات مستمدّة من حقل واحد: الريف. ذاك الريف بطبيعته وفطرته ونقائه كان دوماً مصدر إلهام جوزف حرب الذي ولد في قرية المعمرية الجنوبية، قضاء الزهراني، ومن ثم تنقّل في أكثر من قرية ومدينة لبنانية من الناقورة إلى جبيل، بحكم عمل والده في سلك الدرك. وبعدما درس الأدب العربي والحقوق ومارس التدريس والمحاماة، ظلّت الكتابة هي شغف حرب الذي قدّم أكثر من برنامج إذاعي وكتب الكثير من المسلسلات التلفزيونية. لكنّ لقاءه بالسيدة فيروز عام 1976، بعد صداقة جمعته بابنها زياد، شكّل منعطفاً في حياة حرب. "حبيتك تنسيت النوم"، "لبيروت"، "أسامينا"، "إسوارة العروس"، "خليك بالبيت"، "لمّا عالباب"، "ورقو الأصفر"، "زعلي طوّل أنا ويّاك"... كلماته التي غنّتها فيروز وردّدها العالم العربي جعلت من جوزيف حرب شاعراً قريباً من الناس، أحبّوا رومنطيقيته مثلما أحبّوا ثورته ووطنيته.

اعتمد جوزيف حرب البساطة أسلوباً  في قصائده، لكنّ البساطة في شعره ما كانت يوماً مرادفاً للسهولة، بل إنها كانت وجهاً من وجوه التعقيد عنده. علماً أنّ جوزيف حرب هو صاحب أطول ديوان في الشعر العربي، بحيث ضمّ "المحبرة" نحو 1750 صفحة.

الشاعر الذي أبدع في نظم الشعر العاميّ ثار في وجه قصيدة النثر التي جذبت إليها عدداً من شعراء جيله. ظلّ وفيّاً لقصيدة التفعيلة، كما أنّه لم يهجر القصيدة العمودية التي كان يكتبها في مناسبات معينة كالرثاء والمديح...

الطبيعة التي طالما ألهمت الشاعر وأغرته، احتضنته أخيراً بعدما ارتأى أن يُكمل ما تبقّى من حياته وحيداً مُستسلماً للشعر ولجمال قريته المطلّة على البحر. فما عادت بيروت التي أهداها "من قلبه سلام" تعنيه. عاد من حيث أتى، إلى الجنوب الذي تغنّى به. قالها مرّة بالشعر المحكي "طالع على بالي فلّ"، فصار هو "شيخ الغيم وعكازه الريح"... رحل جوزيف حرب عن 71 عاماً، وترك لنا قصائد كثيرة فيها جماليات اللغة والصور وحنين إلى إحياء ما تبقّى فينا من ذكريات النقاء والطفولة.