فتحية العسال تودع حضن العمر بعد أن قهرت المستحيل

فتحية العسال, وفاة

18 يونيو 2014

"ماما توحة"، هو اللقب الذي اشتهرت به الكاتبة المصرية فتحية العسال في الوسطين الثقافي والسياسي، إضافة إلى الوسط الفني، في مصر، إذ إنها كانت بمثابة الأم الحنون، خصوصاً بالنسبة إلى الشباب الذين رأوا فيها مثلاً أعلى في العصامية، وكذلك في النضال عن مبادئ يؤمنون بها. ومن هنا صدم رحيل صاحبة "هي والمستحيل" أخيراً عن عمر ناهز 79 عاماً، الكثيرين ممن عرفوها عن قُرب ولمسوا دفء مشاعرها، واختبروا صلابة مواقفها، ليس فقط في الدفاع عن قضايا المرأة، وإنما كذلك في مجمل الحقوق المتعلقة خصوصاً بحرية التعبير، والتي تتعرض في الآونة الأخيرة لأخطار متزايدة. وفي هذا السياق عبر الدكتور أحمد مجاهد؛ رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، عن شعوره إزاء خبر رحيل فتحية العسال بقوله: "وداعا المناضلة الشريفة والمبدعة المتميزة والإنسانة النبيلة صاحبة (حضن العمر)، ذهب العمر، ولن يذهب حضنك المحب الذي كان يرعى كثيراً من أبناء هذا الوطن، وهم على الدرب سائرون".

والتقدير الذي كانت فتحية العسال تحظى به على مدى سنوات طويلة من عمرها، تخطى مصر إلى مجمل العالم العربي، ومن هنا كان طبيعياً أن تصدر "الهيئة العربية للمسرح" بياناً تنعي فيه "الكاتبة الكبيرة؛ التي غيبها الموت بعد مسيرة نضالية في الدفاع عن قضايا المرأة". وجاء في البيان نفسه أن "الهيئة العربية للمسرح"، ومقرها في إمارة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة، "تشاطر الفنانين المصريين والعرب أحزانهم لرحيل الكاتبة المسرحية فتحية العسال".

وصدرت للكاتبة الراحلة التي تسبب دفاعها عن قضايا المرأة في سجنها غير مرة، خمس روايات، منها "نساء بلا أقنعة"، "سجن النسا"، "ليلة الحنة"، وتحول بعض أعمالها إلى عروض مسرحية ناجحة ومنها "المرجيحة"، و"من غير كلام". وكتبت العسال 57 مسلسلاً تلفزيونياً، من أبرزها "رمانة الميزان"، "شمس منتصف الليل"، "حبال من حرير"، "بدر البدور"، "هي والمستحيل"، "حتى لا يختنق الحب"، ونشرت مذكراتها الجريئة تحت عنوان "حضن العمر"، وحازت جائزة الدولة للتفوق في الآداب عام 2004.

وكانت فتحية العسال من أبرز المشاركين في اعتصام المثقفين المصريين قبل نحو عام؛ احتجاجاً على تعيين وزير ثقافة محسوب على جماعة "الإخوان المسلمين"، وهي عضو مجلس إدارة اتحاد الكتاب المصريين ورئيس "جمعية الكاتبات المصريات"، وأمين عام "اتحاد النساء التقدمي"، وسبق لها أن خاضت تجربة الانتخابات النيابية غير مرة، من دون أن يحالفها الحظ. وبحسب ما ورد في سيرة العسال، فإن والدها حرمها من التعليم وجاء زواجها وهي في الرابعة عشرة من عمرها من الكاتب الراحل عبدالله الطوخي نقطة تحول في حياتها، إذ إنها نجحت في أن تعلم نفسها القراءة والكتابة، لتخوض تجربتها الأدبية الممتدة منذ أواخر خمسينات القرن الماضي. وبحسب تلك السيرة أيضاً فإنها تأثرت بالكثير من الأحداث في نشأتها، كختانها ورؤيتها لخيانة أبيها لأمها وحرمانها من التعليم، وربما دفعها ذلك إلى الاهتمام بالقضايا الاجتماعية وقضايا المرأة بخاصة، وتم اعتقالها ثلاث مرات بسبب كتاباتها. حصل مسلسلها "لحظة صدق" على جائزة أفضل مسلسل للعام 1975، وتم تكريمها في مهرجان المخرجة المسرحية سنة 2009، ونالت كذلك تكريم المركز الوطني للعيون في صيدا. وعن تجربة زواجها تقول العسال في مذكراتها إن زوجها كان مثقفاً وواعياً وجريئاً مثلها، ودخلا السجن معاً إلا أنها طلبت الطلاق حين شعرت أنه "حاول أن يتملكها ويستحوذ عليها"، ولكن ما حدث بعد ذلك -كما تقول العسال- كان أشبه بفيلم سينمائي مصري، إذ إنهما التقيا بعد ثلاث سنوات مصادفة، وخلال ساعتين من الحديث اكتشفا أن الحب لا يزال يجمع بينهما، وتزوجا مرّة ثانية في مساء اليوم نفسه. وتعتبر فتحية العسال هي أول أديبة عربية يتم عرض عمل أدبي لها على خشبة المسرح وهي مسرحية "المرجيحة"، وقدمت للمسرح بعدها تسع مسرحيات ناجحة،  مثل "لام ألف همزة لأ"، و"البين بين"، و"بلا أقنعة"، التي تم اعتقالها بسببها؛ لأنها تتحدث عن رفضها لاتفاقية كامب ديفيد، ومسرحية "سجن النساء" التي كتبتها بين جدران السجن.