مدينة بيروت صادمة بتناقضاتها...

بيروت, الإمتناع عن الأكل, لوحة / لوحات فنية, لوحات, المرأة

04 يوليو 2014

تتزاحم أعمال الفنانة اللبنانية زينة عاصي في معرضها الجديد Framing my City وتتنوع بين جداريات ولوحات ورسوم صغيرة ومنحوتات لتشك ل موضوع المعرض الرئيسي «المدينة».
يبدو معرضها للوهلة الأولى مبهجاً، غنياً بالألوان والأدوات والتقنيات. ولكن، لوحةً بعد أخرى، يكتشف الزائر أن هذا الفرح المنبعث من لوحات عاصي لا تعب ر عن غنائية ولا تحمل أي بُعد تفاؤلي، بل إن ها تستخدم الألوان لتعب ر من خلالها عن الواقع الذي تكتفي بتصويره بدلاً من محاكمته.
وخلال جولتنا في معرضها الفردي الرابع في بيروت، التقينا الفنانة الشابة زينة عاصي التي سبق أن أقامت معارض فردية وجماعية في لبنان والعالم، وشاركت في مهرجانات عالمية للفن التشكيلي المعاصر مثل:
«
آرت لندن فير»، «إيسباس كلود لومان- باريس»، «زوم آرت فير في الولايات المتحدة الأميركية»، «بيروت آرت فير»، «باريس أبو ظبي آرت فير»...


- بيروت وبورتريهاتها هي تيمة متكررة في أعمالك منذ معرضك الأول «المدينة وأهلها»، فإلى أي مدى أنت مسكونة بالمدينة؟
يُشك ل المكان الذي يترب ى فيه الإنسان جزءاً من وعيه وفكره وشخصيته. فالمكان هو امتداد للذات، ولا يُمكن للفرد أن ينفصل عن بيئته وعن محيطه وعن مدينته. وأنا فعلاً أشعر بأن ني مسكونة ببيروت، المدينة التي ولدت وعشت فيها
. فأنا لم أبنِ أواصر مع الريف أو الجبل ولم أترد د إليه يوماً، كما كان يفعل معظم أصدقائي، بل كانت بيروت هي محور حياتي في الطفولة وفي الشباب أيضاً.
لم أعرف الكثير عن الأرض والطبيعة والسكون وحياة القرى، بل إن الحياة المدينية بعمرانها وضجيجها وصخبها وحسناتها ومساوئها هي التي ساهمت في بناء شخصيتي وذاكرتي وكان لا بد لها من أن تحضر في أعمالي ولوحاتي.

- نلاحظ أنك لا تكتفين أحياناً بالرسم بل إنك تعمدين إلى الكتابة من أجل تصوير الحياة المدينية. لماذا؟
نعم، أنا استخدمت في أحيان كثيرة بعض كلمات انتقيتها من قلب الشارع أو عبارات مكتوبة على جدران المدينة أو أسماء محلات تجارية معروفة لأنني أردت أولاً وأخيراً أن أنقل روح المدينة كما هي، من دون تجميل أو تقبيح.

- تعكس لوحاتك متناقضات الحياة في مدينة بيروت: زحمة، سلاح، أسلاك كهربائية، أخبار عاجلة، مطاعم، ماركات عالمية.... فهل تجدين في هذا الأمر نقطة تمي ز في روح هذه المدينة؟
لا أعرف إن كانت هذه التناقضات هي إيجابية أم سلبية، نحن اعتدنا على الحياة الطارئة حتى صرنا نعيشها بهدوء، فالخبر العاجل يمر عابراً في حياتنا. يهز انفجار ما منطقة معينة، لكن سك ان المنطقة المجاورة لا يؤجلون مشاريعهم في السهر وتناول العشاء في الخارج.
أنا من جيل الحرب، نضجت وأنا أرى مشاهد القتلى وأسمع دوي الإنفجارات وأزيز الرصاص، لكن نا كن ا وسط كل هذا الخوف نواصل حياتنا بشكل طبيعي: نتعل م، نخرج، نتسلى... والآن للأسف صرنا معتادين على كل شيء. إنه تناقض عيب يُبهرني كما يصدمني، وهذا تحديداً ما أردت قوله من وراء هذه اللوحات.

- يبدو أن لوحاتك تحمل أكثر من مادة ومن طبقة لونية. فما هي المواد التي تستخدميها في أعمالك؟
لا أتقي د بتقنية واحدة في الرسم، فأنا خريجة إعلان (جامعة الألبا في لبنان) وأعرف جيداً فن اللصق والكولاج، وهذا ما يُمي ز لوحاتي.
وفي معظم الأحيان، أخترع لوحاتي بنفسي بمعنى أنني أمزج أكثر من مادة في مكان واحد، فأعتمد على الكولاج وعلى البخاخ الذي يستخدمه فنانو الغرافيتي للرسم على الجدران، إضافة إلى تراكم الطبقات اللونية من خلال الخلط بين مواد الأكريليك والحبر وألالوان الزيتية والمائية.

- يمكن للمتفر ج أن يلحظ تقاطعاً بين ثيمتي المعرض، المدينة والبورتريه. فهل يمكن للمدينة أن تحضر أيضاً في وجوه سك انها الصامتين والمتأملين؟
لا شك أن خيطاً مخفياً يصل بين المدينة وساكنها. وبيروت هنا حاضرة في وجوه أهلها، تماماً كما تحضر الوجوه في صورة المدينة. وقد اخترت أن تكون الوجوه صامتة، متأملة، باحثة، لا هي حزينة ولا سعيدة. فكان موقفي من الوجه تماماً كما موقفي من المدينة، حيادي.

- لماذا تتكر ر الوجوه نفسها في اللوحة الواحدة أكثر من مر ة، من غير أي تعديلات تُذكر؟
صحيح، وأنا أوضحت ذلك من خلال عنوان إحدى تلك اللوحات في لوحة «فصام خلال عشاء فردي»، بحيث تتناسخ المرأة ذاتها، كأنها تعاني فصاما نفسياً. وأعتقد أن هذا ما تعانيه وجوه الناس في مدينة يتجاور فيها الحب والقتل، الجمال والقبح، الموت والحياة...

- ألم يجذبك موضوع «المرأة» بالرغم من كل ما تعانيه المرأة اللبنانية من ازدواجية في بين حياة متحررة شكلاً ومفتقرة إلى أقل الحقوق مضموناً؟
 طبعاً هذا الموضوع حاضر في ذهني وقد اسثمرته في أكثر من عمل لي، وقد مت مر ة تجهيزاً جميلاً مع عصام برغوش، وهو عبارة عن فستان أنثوي ذهبي اللون، يبدو جذاباً ومثيراً للإنتباه من بعيد، ولكن يمكن للمتفر ج أن يلحظ عن كثب أن ه مصن ع من رصاصات حقيقية.
وقد تعمدت في هذا التجهيز الإشارة إلى حقيقة المرأة العربية عموماً واللبنانية خصوصاً، التي تظهر جميلة وأنيقة ومتحررة عن بعد، لكن نظرة قريبة إلى حياتها تكشف سر الخطر المحدق بها في ظل غياب القوانين التي تحميها وتمنحها حقوقها الطبيعية.
فالمرأة في لبنان تترب ى على أساس أنها متساوية مع شقيقها، تشاركه الأماكن ذاتها والمدرسة نفسها والجامعة نفسها وتشعر للحظة أن لا فرق بينها وبينه، ولكن ما إن تدخل في صميم المجتمع حتى تكتشف الإزدواجية والتمييز بين امرأة ورجل من خلال قوانين تحفظ حقوق الرجل أضعاف حقوق المرأة.