فن الشارع السعودي في جدة «كثرت هواجيسي»

مدينة جدة,كثرت هواجيسي,رسام الغرافيتي السعودي,فن الشارع السعودي

ميس حمّاد (جدة) 14 مارس 2015

في منطقة شعبية، وتحديداً بين حارات مدينة جدة التاريخية، في حي العمارية، تُطل علينا مساحة شبه مفتوحة في الهواء الطلق، من سقيفة مهجورة، تُعرض بين أركانها قصص وحكايا، من خلال هواجس، رسوم أو كلمات معبّرة لفنانين شباب،  مجهولين أو مشهورين. لن يملّ الزائر من كل زاوية، في هذا المكان الذي يُظهر أمثلة حقيقية لفن الشارع السعودي والذي تجسد ضمن الفعالية السنوية الثانية لفن جدة 21,39، والمنبثق منها للمرة الأولى معرض «كثرت هواجيسي». تترأس فعاليات فن جدة 21,39، الأميرة جواهر بنت ماجد بن عبدالعزيز، وينظمها مجلس الفن السعودي بمشاركة كل من: آية علي رضا، وعبدالله التركي، وبسمة السليمان، وعيسى بوقري، وفيصل تمر، وحمزة صيرفي، وحياة شبكشي، ومحمد حافظ، ومنى خزندار، ونادية الزهير، ونواف النصار، وسارة علي رضا، وسارة بن لادن، وشريفة السديري، ورنيم فارسي.

جذب «كثرت هواجيسي»، ومنذ اليوم الأول عدداً من الفنانين السعوديين الموهوبين، الذين ركزوا على أهم القضايا التي تلامس واقع المجتمع السعودي، وحمل لمحة قريبة ترمز إلى العفوية النابعة من المجتمع، وكذلك لمحة عن الفن الناشئ لجيل اعتبر الشارع منفذاً لهواجسه، كلوحة وداع الملك عبدالله، ولوحة الرجل العجوز الذي يرتدي عمامته، والتي تدل إلى مدى ارتباطه بالمكان، إضافة الى بعض العبارات، مثل «أشرلي بالمنديل يا هوو، وأنا سعودية مواطنة حرة، والحرية حلال، وتهددني بحب تاني»... وغيرها من اللوحات والعبارات التي زيّنت المكان، وجعلت منه مزاراً غريباً، يُحرك سكونه لأيام قليلة. نُظم المعرض من جانب كل من آية علي رضا، ورنيم فارسي، وبسمة فلمبان، وبمشاركة مستشار المعرض حمزة صيرفي. «لها» تجولت في أركان المعرض، وتحدثت مع بعض الفنانين والمسؤولين عنه،

فاسي: المعرض غير ربحي.

قالت مستشارة الفنون التشكيلية، العضو في المجلس الفني السعودي، وإحدى منظّمات معرض «كثرت هواجيسي»، رنيم زكي فارسي. فنون جدة 21,39، فعالية سنوية، وتعود تسميتها الى الإحداثيات الجغرافية لمدينة جدة على خريطة العالم، ولرغبتنا بعدم التقيد باسم معين، وبدراسة جدة كمدينة فنية، وثقافية على مستوى العالم».

وأضافت فارسي: «الاسم عمل محفور لفنان مجهول على جدارية، في الطريق بين جدة ومكة. والفكرة، هي تجميع أعمال فنانين مشهورين أو مجهولين. واصلنا البحث عما يتماشى مع فكرة المعرض، وعن إعادة الأعمال من الشارع الى الشارع، وعن تغيير مفهوم الفن التجاري، في قنوات مفتوحة، ومشاركة كل أفراد وطبقات وفئات المجتمع المختلفة في تلك المعارض. ومنبع هذه الأعمال هواجس هؤلاء الفنانين، وكل التعابير المرسومة على الجدران، هي رسائل رغبوا في توصيلها، وهؤلاء الفنانون وجدوا في الشارع مساحة للتعبير عن هواجسهم».

وأكدت «أن المعرض غير ربحي، وكل المشاركات دفع إليها حبّ الفن، وكل الشكر لهؤلاء الفنانين وللناس الذين تابعوا المعرض والذين يتزايد عددهم على الوسم في «الانستغرام» بالمئات. 

وتضمّنت لائحة المشاركين في المعرض مجموعة من الفنانين السعوديين الشباب الذين تمكنوا من فن الشارع، وبرعوا فيه، وتشهد أعمالهم الفنية على تميزهم في هذا النطاق الإبداعي، الذي يأسر مشاعر قطاعات واسعة من محبي الفن والشبان والشابات في مختلف مناطق السعودية، ومن المشاركين في المعرض: علي إبراهيم، وعبد الله العثمان، عائلة ضاد، ومازن الشمراني، وعبد الله عباس، ورزيقة، وتالا، ومشروع الازدهار، وسبعة، وبلقيس، وغفران، وفش، وإبراهيم ريس، وأشكمان، وصفاء، وفيّ، وقطة جدّة المجهولة.

وتابعت فارسي حديثها: «المعرض الفني المميز، يشمل جميع أشكال التعبير كالكتابة على الجدران، و«الاستنسل»، والملصقات الجدراية، بمختلف أنواعها، بالإضافة الى العروض الأدائية، وحتى الجدران المجهولة، ما يجعل «كثرت هواجيسي» منظوراً الى الأحاسيس المطلقة، والعفوية النابعة من أبناء المجتمع المحلي، ومشهداً يعطي لمحة عن الفن الناشئ لجيل اعتبر الشارع منفذاً له ولهواجسه. وهذا الفن هو وسيلة تعبير وتواصل بين المجتمعات السعودية والعالمية».

الشمراني: لوحتي كانت من البلد وفي البلد ولأهل البلد

من اللوحات المشاركة واحدة لرسام الغرافيتي السعودي، مازن الشمراني، الذي بدأ الرسم منذ عام 2004، وقد شارك في المعرض من خلال لوحة الرجل العجوز الذي يضع عمامته، وكأنه يحكي عبق التاريخ وارتباطه بالمكان. وللتعبير عن روح المكان وعراقته، وعن مشاركته يقول: «كنت أنتظر منذ زمن، أن تكون هناك مساحات متوافرة في البلد، وتحديداً في المنطقة التاريخية، وما إن اتصلت بي رنيم فارسي وآية علي رضا، وأخبرتاني بأن هناك مساحات توافرت للرسم على الجدار، حتى جهزت نفسي للمشاركة. أردت رسم شخص يُعبّر عن عراقة المكان وتاريخه، وينتمي الى هذه المنطقة بشكل خاص، فكانت هذه اللوحة الجدارية من البلد وفي البلد، ولأهل البلد».

وعن فن الشارع السعودي والغرافيتي، ذكر الشمراني: «اللافت أن هذه المسألة باتت تتطور كثيراً في السعودية، كما أننا خطونا الكثير من الخطوات الجادّة التي تسعى إلى نيل رضا الجميع، من كل الفئات العمرية، من خلال إيجاد مساحات واسعة في مناطق أثرية وتاريخية، تجعل تقبل المجتمع لأي لوحة جميلة أمراً سلساً، وليس رأياً مفروضاً. وهنا نجد البداية، من منظمي المعرض الذين أفسحوا المجال في المنطقة التاريخية، وتحديداً في حي العمّارية، أمام الكثير من الفنانين، لوضع أعمالهم في هذا المكان، وهي بادرة جميلة، خاصة أنهم فكروا في الابتعاد عن الأماكن المغلقة، ذلك أن فنان الشارع أو الغرافيتي، لا يُفضل عرض لوحاته في قاعة عرض، وما إلى ذلك. فنحن لم نرسم في الشارع، إلا رغبتنا في مساحة بلا حدود»...

ومن الجدير ذكره، أن الشمراني شارك في فعاليات داخل السعودية، في المنطقة الشرقية والرياض وجدة، وأخرى خارج السعودية، في ألمانيا وفرنسا، كذلك في تونس، بالرسم على قرية كاملة، كما شارك في أطول جداريه في العالم في الإمارات، بلغ طولها كيلومترين، بمشاركة عدد من الفنانين، إضافة الى مشاركته في البحرين.

زهير: فن الشارع تغيّر عن الماضي وبات يلامس مشاعر الناس

شارك معلم اللغة الإنكليزية، والرسام السعودي أحمد زهير، والذي عُرف بين الناس بلوحته الجدارية «وين رايح» التي رسمها خصيصاً لوداع الملك عبدالله بن عبدالعزيز على كورنيش جدة، وانتشرت في كل مواقع التواصل الاجتماعي، وكان لها وقع كبير بين أفراد المجتمع.

يقول زهير: «أرسم منذ الطفولة، وكانت لدي مشاركات كثيرة في مسابقات متعددة، أهمها مسابقة جدة زمان التي أقيمت كرد فعل على رفض اليونسكو إدراج مدينة جدة على لائحة قائمة المدن التاريخية في العالم، وحصل عملي على المركز الثاني من أصل 80 لوحة، كما شاركت في مسابقة أخرى تحت عنوان «الخُلق الحسن»، وحصل عملي فيها على المركز الأول».

وحول مشاركته في «كثرت هواجيسي»، تابع زهير حديثه قائلاً: «اتصلت بي رنيم فارسي، وعرضت عليّ المشاركة. اللوحة هي تعبير رسام، وإبن مخلص لهذا البلد، وتعبير عن مدى حزني لرحيل الوالد الغالي الملك عبدالله بن عبدالعزيز. قبل هذه المشاركة كنت قد رسمت اللوحة بـ 10 دقائق فقط، في منطقة كورنيش جدة، وقد لاقت تعاطفاً وأصداءً قوية جداً من المجتمع، حتى أنني قبل يومين، ذهبت لأطمس بعض المفردات التي جاورت الجدارية، لكن المارّة أظهروا امتعاضهم، لكون هذه اللوحة باتت جزءاً متعلقاً بذكرى وفاة الملك عبدالله ورحيله». استغرق رسم اللوحة الجدارية في المعرض 40 دقيقة، وذلك «لخشونة الحائط، وكنت كلما رسمت سقط جزء من الرسم، لذلك استغرقت مني هذه اللوحة هذه المدة».

وعن مستقبل فن الشارع السعودي، أوضح زهير أن «النظرة قد تغيرت، ففي السابق لم نكن نرى سوى شباب أو أطفال يكتبون ألفاظاً خادشه للحياء، أو ذكريات، لكن في الفترة الأخيرة نرى الرسم والوعي والمعنى الذي يلامس أحاسيس الناس. فلوحة الملك عبدالله، أبكت ملايين الناس».

CREDITS

تصوير : محمد يحيى